مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 02/03/2012

التعاون .. عنوان غريب في مجتمعاتنا الإسلامية

تاريخ الخطبة


‏‏‏الجمعة‏، 09‏ ربيع الآخر، 1433 الموافق ‏02‏/03‏/2012‏

التعاون .. عنوان غريب في مجتمعاتنا الإسلامية

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

سلسلة من الآيات القرآنية لو سمعها منكم أحدٌ لأول مرة لما ارتاب في أنها نزلت للتو خطاباً لمن شرفهم الله عز وجل بالإقامة فوق هذه الأرض المباركة، تعليقاً على المحنة التي يمرون بها وتبصيراً بالسبل التي يترفعون بها فوقها، تعالوا نتلوا بعضاً من هذه الآيات وتأملوا في الآية البيانية التي افتتحت بها هذه السلسلة، يقول الله سبحانه وتعالى:

(هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ * وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) إلى آخر الآيات، أرأيتم إلى هذا الخطاب الرباني الذي يبدو وكأنه نزل للتو؟ خطاباً يشرفنا الله عزّ وجلّ به تبصيراً بالسبل التي ينبغي أن نتخذها للتسامي بها فوق هذه المحنة، وتبصيراً للحكمة التي تكمن وراء هذه المحنة التي هي منحةٌ في حقيقتها الباطنة.

تعالوا نقف اليوم أمام الآية الثانية من سلسلة هذه الآيات البيانية، تعالوا نتأمل في قوله تعالى:

(وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139].

لا تضعفوا، لا تيأسوا، لا تملوا، لأنكم الأعلون من حيث القوة ولأنكم الأعلون من حيث النصر ولأنكم الأعلون من حيث الغنى، ولكن بشرط واحد هو أن تكونوا مؤمنين.

(وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139].

وكلمة الإيمان أو المؤمنين كلمةٌ هينةٌ في هذا العصر لدى كثير من الناس على الألسن، كلمةٌ سهلةٌ بينةٌ في مدلولها على الأذهان ، ولكن البيان الإلهي ما حدثنا مرة عن الإيمان والمؤمنين إلا وقيّده بالعمل الصالح، وما ذكر مرةً العمل الصالح إلا وقيّد جدواه بالإيمان، ألا ترون إلى قوله عز وجل:

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً) [الكهف: 107]

ألا ترون إلى قوله:

(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النحل: 97]

يوضح البيان الإلهي أنّ بين الإيمان بالله عز وجل والعمل الصالح تلازماً دائماً بيناً غير قابلٍ للانفكاك، ولكن ما هو العمل الصالح؟

هذه الكلمة تعبّر عن جنس لا تكاد تجد حدوداً له للأعمال الصالحة الكثيرة المتنوعة، تدخل جميعاً فيما يعبر عنه الإسلام أو يعبر عنه الشريعة الإسلامية بمصالح العباد، فكلّما كان مصلحةً للإنسان فرداً أو مجتمعاً فهو من العمل الصالح بدءاً من العبادات التي يمارسها الإنسان بينه وبين ربه إلى شتى الأعمال الاجتماعية المختلفة المتنوعة التي تدخل تحت عنوان كبير، عنوان مصلحة الإنسانية. ولكن أهم هذه المصالح يا عباد الله، تلك التي يلفت البيان الإلهي أنظارنا إليها، إنّه التعاون الاجتماعي على البر والتقوى والتناهي عن المنكر والعدوان، ألم يقل:

(وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2]

هذا الذي لفت البيان الإلهي أنظارنا إليه، أهم ما يدخل تحت اسم العمل الصالح، أهم ما يدخل تحت اسم المصلحة الإنسانية، ولو أن مبدأ التعاون على البر والتقوى والتناهي عن المنكر والعدوان كان حياً موجوداً مطبقاً في مجتمعاتنا الإسلامية إذاً لحُصِّنت هذه المجتمعات ضد المؤامرات كلها، ولحُصِّنت ضد الخطط العدوانية جمعاء، ولارتدت أسهم الاعداء إذ تصطدم بهذا الحصن، حصن التعاون الإسلامي عائدةً إلى صدور أصحابها، ولكن أين هو التعاون الإسلامي الذي أمر الله سبحانه وتعالى به يا عباد الله؟

لقد تحولت حقائق الإسلام في أكثر مجتمعاتنا إلى عناوين فارغة، إلى أشكالٍ ومظاهر ميتة، إلى مؤسسات إسلامية في ظاهرها ولكنها سياسيةٌ في حقائقها ومبتغياتها، وبالجملة وقد أصبح الإسلام اليوم يُستخدم في كثيرٍ من المجتمعات - ولا أقول في سائر المجتمعات - أصبح يُستخدم للسياسة، وليت أنّ حقائق الإسلام كانت تُستخدم للمصالح السياسية، لا بل إنها تُستخدم للأهواء السياسية.

منظمة التعاون الإسلامي عنوان فوسفوري متألق وكبير، كان من المأمول أن يُعبّر هذا العنوان عن الشخصية الاعتبارية لمليار ونصف مليار مسلم يعيشون في هذا العالم اليوم، كان المأمول أن يكون هذا العنوان تعبيراً عن الشخصية الاعتبارية الفعالة باسم هذا المليار ونصف المليار مسلم في العالم، ولقد هُرِع المنكوبون، المنكوبون وفيهم الأطفال الذين يُتموا، والنساء اللائي رُمّلن، والبرئاء الذين قُطِّعوا وشُوهوا، اتجهوا إلى هذا العنوان الكبير تسوقهم مآسيهم، تحنوا بهم دموعهم وآلامهم وآمالهم، لائذين بهذا العنوان، منظمة التعاون الإسلامي، لكنهم لم يعثروا على شيء، لم يعثروا على شيءٍ يا عباد الله، ولتمنيت أن يكون هذا العنوان حيّاً، معبراً فعلاً عن الشخصية الاعتبارية الفعالة للمسلمين في العالم كما هو المفروض، إذاً لجعلنا إليهم القضاء المبرم في الحقائق التي شُبِّهت علينا في مجتمعاتنا اليوم بفعل كثيرٍ من الفضائيات العدوانية، حقائق كثيرة شُبهت اليوم، منذا الذي يقضي بالحق فيها ؟! أنا أول من يعود في هذا إلى المسلمين الذين يكمل عددهم تقريباً مليار ونصف مليار مسلم، وإنما تمثلهم هذه المنظمة، أقول لها وللقائمين على شؤونها: تعالوا فانظروا وتأملوا وقرروا ونحن معكم، تعالوا فحدثونا من القاتل ومن المقتول؟! من الظالم ومن المظلوم ؟! من هم الذين يرتكبون الجنايات والجرائم ومن هم أصحاب الأيدي التي يمسكون بميزان القصاص العدل ؟!

نحن مع المظلوم أياً كان ونحن ضد الظالم أياً كان، نحن مع المقتول ظلماً أياً كان ونحن ضد القاتل أياً كان، ونحن مع سرعة القصاص ونحن ضد العاكفين على الجرائم أياً كان هؤلاء العاكفون عليها، لكن تعالوا فقرروا، تعالوا فادلوا بقراركم متحرراً من الأسبقيات، متحرراً من وحي التقارير، متحرراً من فارق ما بين القارات، متحرراً من السياسات الرعناء، ونحن معكم، وأنا أول من يعلن أني تابع لقرار الأمة الإسلامية متمثلةً في هذه المنظمة، لكن أين هو مضمون هذا العنوان ؟! لقد هُرِع هؤلاء المنكوبون تقودهم مننهم، لائذين بهذا العنوان، لكنهم لم يجدوا شيئاً.

وإذا جاز لي يا عباد الله أن أستعين بفن الكاريكاتير الذي يلجأ إليه أولئك الذين تخونهم اللغة بحقائقها ومجازها عندما يريدون أن يعبروا عن مشاعر دقيقة جداً فإنني أقول: لقد هرع هؤلاء الباكون المظلومون بحثاً عم مضمون هذا العنوان، ساحوا وذهبوا يميناً وشمالاً فلم يعثروا إلا على قبرٍ كبير مسنم تعلوه شهادةٌ رخاميةٌ كتب عليها هذا قبر منظمة التعاون الإسلامي ماتت في اليوم الأغر الذي ولدت فيه، ولكن كل منا يسأل أليس ثمة من وريث؟ ألم يُخلِّف هذا الميت وريثاً من بعده ؟! ويأتي الجواب الذي يقوله التاريخ متعجباً مستغرباً قد شابت ذؤابته من الغرابة، أجل هنالك وريث، إنّ الوريث هو روسيا والصين، ذلك هو الوريث، وأنا أيها الأخوة أريد أن أقول لكم شيئاً سمعته أذناي ووعاه عقلي، ولكني إلى الآن أعجب وأعجب لهذا الذي سمعته أذناي ووعاه عقلي، مسؤولٌ كبير في وزارة الخارجية الروسية وجه منذ أيام نصيحةً إلى جيراننا المسلمين يقول لهم: ويحكم عودوا فتعاملوا مع إسلامكم، حققوا النصائح التي يأمركم بها إسلامكم من الود والتآلف والتعاون، سمعت أذناي هذا وكاد عقلي ألا يصدق، لكن إذا كان التاريخ الذي قد شابت ذؤابته قد صدق فلماذا لا أصدق!

نعم إذا كان هنالك من يسأل من هو الوريث لمنظمة التعاون الإسلامي الذي شهد هؤلاء المنكوبون قبرها يأتي الجواب عن الوريث الفعال اليوم، إنما هو روسيا والصين والله عز وجل له خرق العوائد. أقول قولي هذا وأستغفر الله.



تشغيل

صوتي
مشاهدة