مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 24/02/2012

وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ

تاريخ الخطبة


‏‏‏الجمعة‏، 02‏ ربيع الثاني‏، 1433 الموافق ‏24‏/02‏/2012‏

(وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ)

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

إن حبيبنا المصطفى محمداً r شبَّه أمته قادةً وشعوباً بالجسد الواحد كما تعلمون، وانطلاقاً من هذا التشبيه الذي اعتمده حبيبنا المصطفى r أقول لكم: إن جسد هذه الأمة يعاني اليوم من أمراضٍ خطيرة مستقرة في كيانه، يعاني من أمراض لم تفد إليه من الخارج بسبب هواءٍ فاسد أو بسبب جراثيم أقبلت إليه من هنا وهناك لا، وإنما هي أمراض انبثقت من داخل كيانه، هو المسؤول عنها وهو الذي يتحمل وزرها، ولولا هذه الأمراض التي أحدثكم عنها لما استطاعت العداوات المستشرية المختلفة أن تنال من هذا الجسم منالاً قط، ولولا هذه الأمراض المستشرية في كيان هذا الجسد لما أصاب شيء من شؤم أصدقاء إسرائيل ومؤتمرهم الذي يُعْقَدُ في هذا اليوم، أقولها لكم باختصار أيها الإخوة: إن أسباب العداوات والبغضاء التي تحيط بنا والأسى الذي يُمَارَسُ ضدنا، أسباب ذلك أمراضنا الداخلية. وليست أمراضنا الداخلية متسببة عن تلك المآسي وتلك الأنواع من البغضاء والعداوات المستشرية. ولقد قال العرب في أمثالهم: إن قطعة فأس وقعت في غابة بين الأشجار الكثيرة والكثيفة فذعرت الأشجار من هذا العدو المداهم المفاجئ، ولكن شجرة هرمة أتت عليها السنوات الطوال اتجهت إليها نادتها قائلة: لا تُذْعَروا ولا تخافوا ولا يهولنكم أمر قطعة هذا الفأس، فلو بقيت هذه القطعة فيما بينكم دهراً طويلاً لن تستطيع أن تنال منكم منالاً إلا أن تبرع غصنٌ منكم بأن يكون مقبضاً لها. وإنكم لتعلمون أن كثيرة من الأغصان تتسابق من أجل تكون مقابض لفأس العدوان الذي يستشري ضدنا. هذه الأغصان منا وهي جزء لا يتجزأ من أمتنا، وهذا ما أريد أن تعلموه. أمراضنا منبثقة من داخلنا، والعداوات التي تستشري من حولنا من آثار هذه الأمراض التي نعاني منها. دعوني أضعكم أمام نموذج يجسد هذه الحقيقة التي أقولها لكم. آيةٌ في كتاب الله سبحانه وتعالى غدت اليوم غريبة كل الغرابة عن عالمنا الإسلامي والعربي غربة لا عهد للتاريخ بمثلها قط، آيةٌ ما أكثر ما افتتحت بها الحفلات والندوات، آيةٌ ما أكثر ما صقلتها الأسماع من كثرة تردادها، آيةٌ يرددها العلماء والجهال بكل مناسبة، أفتعلمون ما هي هذه الآية أيها الإخوة؟ إنها قول الله سبحانه وتعالى:

(وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)

[آل عمران: 103]

يقول الله عز وجل (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ) ولكن جمهرة المسلمين والعرب من حولنا يقولون: بل نعتصم بحبل برنارد ليفي، نعتصم بحبل ذلك الذي شفا غليله إذ توجه إلى ليبيا فأحالها إلى نارٍ تضطرم وإلى أطلال تتهاوى، ثم إنه اليوم يروغ ليتجه إلى سوريا ويراهن أصدقاءه في إسرائيل أنه سيفعل في سوريا مثل الذي قد فعل بليبيا. إذاً يقول الله عز وجل لنا: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ) وجمهرة من المسلمين قادةً وشعوباً بل نعتصم بحبل برنارد ليفي.

يقول الله سبحانه وتعالى: (وَلاَ تَفَرَّقُواْ) ونصغي إلى إخوانٍ لنا من حولنا وهم جمهرة المسلمين اليوم وإذا بهم يقولون: بل قرارنا الذي اتخذناه هو أن نتفرق فنتخاصم فنتعادى فنجعل من الأحقاد الشخصية – أجل الشخصية – الحكم فيما بيننا.

وتذكرنا الآية فتقول: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ)، ولكن جمهرة المسلمين من حولنا يقولون: بل ننسى هذا الوفاق الذي طُوِيَ عهده وانقضت أيامه ولم نعد اليوم بحاجة إليه وإنما سبيلنا اليوم أن ننفخ في نيران الحروب المستعرة فنصدرها ناراً تضطرم إلى جيران لنا وإخوة في الله لنا نحكم فيما بينهم منجل الموت يتحكم برقابهم. أليس هذا تحقيقاً لما قد ذكرته لكم الآن؟ أليس هذا الذي أقوله لكم واقعاً لا مبالغة فيه؟ أليس هذا معنى قولنا: إن هذه الآية تعاني من غربة ما مثلها في تاريخ المسلمين قط؟ هذه هي الحقيقة أيها الإخوة التي ينبغي أن نعلمها.

إذا كان هذا هو الواقع فما أظن أن فينا من يستطيع أن يناقش في هذا الواقع، فدعوني أعود فأقول لكم: إننا نحن المسؤولون عما يستشري اليوم من حولنا من عداوات ومن مآسٍ ومن ظلم ينحط علينا، نحن المسؤولون عن ذلك، لماذا؟ لأن أمراضنا المنحطة في مجتمعاتنا والتي ذكرتها لكم بل ذكرت نموذجاً عنها يتمثل في موقفنا من هذه الآية القرآنية يجعلنا نتحمل نحن أوزارنا، يجعلنا نحن نتحمل مآسينا. والله الذي لا إله إلا هو لولا هذه الأمراض المستقرة في جسد هذه الأمة كما قال المصطفى r لما استطاع عدو من الخارج أن ينال منا منالاً قط ولكن كما قال المثل العربي: هي العصي التي هي جزء لا يتجزأ منا نحن تتسابق متبرعة لتكون مقبضاً للفأس الذي يتربص بنا الدوائر. وإنه ليخيل إلينا أننا لو توجهنا إلى هؤلاء الذي يخططون ضدنا سبل العداوة والبغضاء لو احتججنا عليهم لقالوا كما سيقول الشيطان لأوليائه يوم القيام:

(وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ) [إبراهيم: 22].

هكذا يقول الشيطان يوم القيامة لأوليائه. ولو أردنا أن نعلن بالحجة على من يخططون سبل العداوة والبغضاء ضدنا لقالوا هذه الحجة التي سيحتج بها الشيطان على أوليائه يوم القيامة.

ما العبرة التي أريد أن نتذكرها وأن نأخذ أنفسنا بها يا عباد الله؟

العبرة مما قد ذكرته لكم باختصار أن نعلم أن الضرورة المنطقية والعقلية والشرعية والإيمانية تقتضي أن نعود إلى دارنا فنصلح من شأنها، تقتضينا أن نعود أن أنفسنا فنطببها، نعالج الأمراض المستشرية فينا، العبرة تقتضي أن نترك ما يجري حولنا في الخارج هنا وهناك وأن نعود إلى ساعة قدسية نحاسب فيها أنفسنا، نصلح فيها أحوالنا على ضوء المصير الذي ينتظرنا، نصلح مجتمعنا، نصلح ديارنا، نصلح علاقة ما بيننا، نقيم سبل الود والحب سخية حارة موصولة فيما بيننا. وإني لأقول بهذه المناسبة: إن مشروع الدستور هذا الذي طُرِحَ منذ أيام فيما بيننا خطوة من أهم خطوات هذا الذي تدعونا إليه العبرة، خطوة من أهم الخطوات التي نعود من خلالها إلى أنفسنا فنصلح ذاتنا ونعالج أمراضنا ونمد جسور الود والألفة فيما بيننا، وأقول لكم بحق يا عباد الله – ولا تعنيني في هذه الساعة ولا في غيرها المقاييس السياسية فما كنت معنياً بها يوماً ما، ولا تعنيني المقاييس الاجتماعية أيضاً في هذه الحالة وفي هذا الموقف الذي أقفه بينكم، إنما يعنيني أن أضعكم أمام شرع الله وأمام ما يخاطبنا به دين الله عز وجل – مشروع هذا المرسوم صِيْغَ باسمي وباسمكم جميعاً، صيغ تعبيراً عن رغباتنا وآمالنا وأحلامنا، لم تتم صياغته باسم حكومة، باسم سلطة، باسم دولة، لا يا عباد الله، تمت صياغته باسم هؤلاء الناس الذين شرفهم الله عز وجل بالمقام في هذه الأرض المباركة سوريا، نعم، واللجنة التي اختيرت إنما اختيرت لتجتهد فتعلم رغبة هؤلاء الناس، إذاً هذا المشروع يعبر عن رغباتنا باجتهاد من وضعوه. ما الذي يقوله لنا الشرع؟ الشرع يأمرنا بأن نلتفت إلى هذا المشروع فنتبينه بدقة ثم أن نعلن إما عن موافقتنا عليه أو عن إعراضنا عنه، ولا يجوز لإنسان أن يقول بل يكفي أن أصمت والصمت يغنيني، تقول القاعدة الشرعية المتفق عليها: لا ينسب إلى ساكت قول، الساكت لا يخرج عن المسؤولية، قيل لي: إن هذا البيان صِيْغَ باسمك، قيل لي إن هذا البيان صيغ تعبيراً عن رغبتك إذاً ينبغي أن أتبينه ثم أن أعلن عن ما تكنه سريرتي تجاه هذا البيان فإما أن أقول نعم إنه يعبر فعلاً عن رغبتي أو أقول إنني آسف لأنه لا يعبر عن رغبتي، أما الصمت فلا يتأتي لي شرعاً في هذه الحالة.

ولعلكم أيها الإخوة تسألونني في هذه المناسبة فما رأيك فيه وما الذي ينبغي نقوله إن درسناه ووعيناه، أقول باختصار أيها الإخوة: إن في مشروع هذا الدستور ضمانتين اثنتين، إذا نفذ هذا الدستور تنفيذاً حقيقياً فإن هاتين الضمانتين تسيران بنا بإذن الله عز وجل إلى مستوى السعادة والأمن والطمأنينة ورغد العيش.

أما الضمانة الأولى فتتمثل في أن هذا الدستور لم يهمل هوية الأمة – وأنتم تعلمون هوية هذه الأمة، وأنتم تعلمون أن سوريا دولة إسلامية – ومن ثم فإن مشروع هذا الدستور وضعنا أمام مرآة دقيقة أمينة تعبر عن هوية هذه الأمة وذلك في مادتها الثالثة ببنديها الأول المعبر عن دين رئيس الجمهورية الإسلام والبند الثاني المعبر عن أن الشريعة الإسلامية أو الفقه الإسلامي هو مصدر التشريع، هذه هي الضمانة الأولى. هذه الهوية ستكون لها الهيمنة على كل ما يلي بعد ذلك من بنود ومواد هذا الدستور.

الضمانة الثانية تتمثل في أن سوريا اليوم بصدد تجاوز العهد الذي كان للحزب الواحد هيمنة عليه وحكم راسخ عليه يقوده. وكم وكم جادلنا وحاولنا وجاهدنا وأنا واحد ممن فعل من أجل أن يتحرر الشعب، أن تتحرر الأمة من سلطان الحزب الواحد أو الفئة الواحدة، لقد تجاوزت الأمة هذا الحاجز بين الشعب وبين الدولة، بين الشعب وبين القائمين على الأمر. بوسع الشعب اليوم أن يدلي برأيه، لا بل أن يحكم بما يشاء طبق الأنظمة المرعية. هذه هي الضمانة الشرعية يا عباد الله.

وأنا من هذا المنطلق أقول: ليس في الإمكان – كما قال الإمام الغزالي – أبدع مما كان، لاحظوا الوضع الذي نمر به، لاحظوا الحالة التي تستشري من حولنا – وأعود فأقول لكم إن الحالة التي تستشري من حولنا إنما هي غيوم تجمعت من أمراضنا، أمراضنا الداخلية التي نعاني منها – أمام هذا الواقع أعتقد أنه لا يتأتى وضع دستور يعبر عن هوية الأمة كما يرضي الله سبحانه وتعالى ويعبر عن فاعليتها الإيجابية مع الدولة وسلطانها فيما يتعلق بالتشريع – وسلطانها في التشريع شكلي والواقع أن السلطة إنما هي لله عز وجل ولكن عندما تكون الأمة أمةً تعلن عن عبوديتها لله وتسكها بأهداب شريعة الله عز وجل فإننا نقول إنما تعلنه في ذلك إنما هو شرع لها لأن شرعها إنما هو شرع الله عز وجل.

هذه خلاصة ما ينبغي أن نعلمه. أمراضنا مستشرية من داخلنا نحن، وعندما نشفى من هذه الأمراض تزول كل تلك الخطط وتتمزق شر ممزق. فيا أيها الإخوة الذين تسمعون كلامي من قريب أو من بعيد هلا رجعتم في ساعة قدسية إلى مرآة هوياتكم إذاً ستطالعكم هذه المرآة على أنكم عبيدٌ مملوكون لله مهما أسكرتكم الشهوات والأهواء ومهما نالت منكم الأحقاد والضغائن ومهما أسكركم الترف المالي الكثير والوفير، كل ذلك يذهب، كل ذلك يضمحل، كل ذلك يذوي ولن نرحل إلى الله إلا ونحن عرايا لا نملك إلا ما قدمنا، أجل هكذا يقول كتاب الله وهكذا يقول رسول الله r، صدق رسول الله القائل: (لو كان لابن آدم وادٍ من مال لابتغى إليه ثانياً ولو كان له اثنان لابتغى إليهما ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب) أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة