مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 17/02/2012

وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ

عذراً يوجد في أواخر الملف الصوتي خلل فني خارج عن إرادتنا


تاريخ الخطبة

‏‏‏الجمعة‏، 25‏ ربيع الأول‏، 1433 الموافق ‏17‏/02‏/2012‏

وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

ما من ريب في أن الذي حدا بنا إلى أن نتلاقى في هذه الرحاب القدسية إنما هو إيماننا بالله عز وجل إلهاً واحداً فرداً صمداً لا شريك له وبأننا عبيده ينبغي أن نُهْرَعَ إلى أداء الواجبات التي أناطها في أعناقنا، إذاً فنحن مؤمنون ولله الحمد بمولانا وخالقنا جل جلاله. هذا الإيمان بالله يستلزم إيماننا بنبوة محمد r، ولا يتأتى للإنسان أن يؤمن بالله وهو غير مؤمن بنبوة رسله وأنبيائه لاسيما آخرهم وخاتمهم محمد r. وإيماننا برسول الله r يستدعي بالضرورة إيماننا بأن هذا القرآن الذي بُعِثَ به والذي أوحِيَ إليه به إنما هو كلام الله سبحانه وتعالى (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ) ولا يتأتى تغيير حرف منه بزيادة أو نقصان. إذاً فتعالوا فاسمعوا كلام الله عز وجل، يقول ربنا عز وجل في قرآنه الذي أوحي إلى رسوله الذي آمنا به نبياً والذي بُعِثَ من عند مولانا وخالقنا جل جلاله الذي آمنا به رباً وإلهاً، يقول الله عز وجل:

(وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40].

تأملوا يا عباد الله في هذا الوعد المغموس بالتأكيد في أول الفعل وفي آخره، (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ)، المؤكد الأول هو لا القسم والمؤكد الثاني في نهاية الفعل هو نون التوكيد (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ)، فهل يجول في خواطركم يا عباد الله – وقد آمنتم بالله وبأن هذا كلامه الموحى به إلى رسوله – هل يجول في خاطركم الريب في هذا الوعد الذي ألزم الله عز وجل به ذاته العلية؟ ما أظن أن فينا من يرتاب في ذلك، ولكن تعالوا فتأملوا في القيد (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ)، (مَن يَنصُرُهُ)، ولابد أن أتساءل معكم بادئ ذي بدء أفربنا يحتاج إلى من ينصره؟ ألم يعلن في أكثر من موضع في كتابه العظيم أنه الله الغني عن عباده

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر: 15].

فما معنى قوله: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ)؟

نصر الله عز وجل هنا كناية عن الالتزام بأوامره والانتهاء عن نواهيه والانضباط بشرعته، فمن آمن بالله رباً واحتضن العقائد الإيمانية في قلبه يقيناً ثم التزم بأوامر الله عز وجل وشرعته سلوكاً ومنهاجاً فكأنما نصر الله عز وجل، والله هو الغني الذي لا يحتاج إلى من ينصره.

والسؤال الذي أسائل به نفسي وأرجو أن يسأله كل واحد منكم أفنصرنا الله بهذا المعنى الذي يخاطبنا به الله؟

أما المعتقد فأحمد الله، وأعتقد أننا جميعاً نحتضن إيماناً حقيقياً بمولانا وخالقنا، وأعتقد أننا جميعاً نعلم ونؤمن بكل الفروع الاعتقادية المنبثقة عن إيماننا بالله عز وجل، ولكن تعالوا نتساءل أفنتصرنا لدين الله عز وجل عن طريق تطبيق أوامره، عن طريق الالتزام بشرعته؟

عباد الله: إن أحكام الشريعة الإسلامية تنقسم – كما قال العلماء جميعاً إلى طائفتين من الأحكام، أما الطائفة الأولى فتتضمن حقوقاً لله عز وجل يؤديها الإنسان ليطبق الحقوق الإلهية في عنقه، وأما الطائفة الثانية من الأحكام فهي تلك التي تضمن تحقيق حقوق العباد.

أما الأحكام التي تتضمن تنفيذ حقوق الله عز وجل فلتعلموا أن أمرها يسير وأن الإنسان مهما قصر في تنفيذ هذه الحقوق ولم يكن تقصيره عن استكبار ولم يكن تقصيره في ذلك عن عناد فإن الأرجح أن الله سبحانه وتعالى سيصفح عنه، وهذا معنى قول الله عز وجل:

(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].

كل من قصَّر عن ضعف، لا عن استكبار، مآله إلى هذه البشارة التي يبشره بها الله عز وجل، أما المستكبرون فهم الذي قال الله عنهم:

(سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ) [الأعراف: 146].

لذا لابد أن نقف أمام الطائفة الثانية من الحقوق، حقوق العباد.

حقوق العباد مبنية على الشدة والمشاحة، على النقيض من حقوق الله سبحانه وتعالى وعندما أعود فأشم رائحة كفَّي أشعر بأننا مقصرون في إنجاز حقوق العباد التي أناطها الله سبحانه وتعالى بأعناقنا، فتعالوا يا عباد الله أضف إلى الضمانة التي ذكرتها لكم بالأمس الدابر في الأسبوع الماضي هذه التذكرة الهامة جداً.

حقوق العباد هامة، وكم وكم ضيعنا هذه الحقوق، والحديث عنها طويل الذيل لكن أضرب لكم بنموذج، ولعله أخطر النماذج لاسيما في هذه الفترة التي نمر بها. نحن يا عباد الله نمر بمحنة كما تعلمون، ومن مظاهر هذه المحنة ذلك العقاب الاقتصادي الذي واجهنا من العالم الغربي من هنا وهناك، وليس الحديث عن أحقية هذا القصاص أو هذا العقاب أو عدم أحقيته ولكن الحديث يتجه إلى جانب أهم، ماذا كان عاقبة هذا العقاب الذي ووجِهْنَا به يا عباد الله؟ كانت عاقبة ذلك أن الفئة الفقيرة في هذه البلدة وأن الفئة ذات الدخل المحدود في هذه البلدة هي التي منيت أو ما منيت بنتائج هذا العقاب. أفكان سبب ذلك العقاب الوارد إلينا من البعيد، من الخارج؟ لا يا عباد الله. كان سبب ذلك تقصيرنا نحن في النظر إلى هؤلاء الإخوة وفي أن نتراحم وفي أن نقدم لهم من أيدينا فضلاً من فضول أموالنا، نقدم لهم ما يرأب صدعهم، ما يبعدهم عن الشعور بمأساة هذا العقاب الذي انتابنا بحسب الظاهر جملة ولكنه تنزل على هذه الفئة من الناس قبل كل شيء. ما مسؤوليتنا تجاه هذا يا عباد الله؟ مسؤولياتنا واضحة وما أظن أن فيكم من يجهلها. في الأغنياء وفي الموسرين كثيرون ممن بذلوا جهودهم أن يوظفوا هذه المحنة لمزيد من الثروة يستجرونها إلى أرصدتهم، يستجرونها من أين؟ من جيوب الفقراء، يستجرونها من جيوب المساكين، كيف ذلك يا عباد الله؟ هنالك سلع تصنع بأيدٍ سورية في داخل هذه البلدة، في داخل هذه الأرض، يتم إنتاجها بمواد أساسية أيضاً من إنتاج هذه البلدة، لم تُسْتَقْدَم من الخارج ولم تُفْرَضْ عليها إتاوات، نظرنا إلى أثمان هذه السلع من قبل وإذا بها ارتفعت وقفزت إلى ما يقارب الضعف، لماذا يا أيها الإخوة؟ هل دفعتم وأعطيتم مزيداً من رأس المال الذي أنتجتم به هذه السلع حتى تستردونها من الفقراء والزبائن؟ لا، الأمر لم يختلف عما كان عليه الأمر سابقاً، لكنها انتهاز لفرصة، لكنها توظيف لمحنة. الأرزاق التي يكرمنا الله سبحانه وتعالى بها أقواتاً تهمي قطراً من السماء وتستنبت نباتاً من الأرض إلى جانب جهودٍ يبذلها أصحاب الأراضي والفلاحون، هذه الأقوات لم تستقدم من الخارج، لم يفرض عليها إتاوات من الخارج قط ولكنني أنظر فأجد فرق ما بين أثمان من قبل وأثمانها اليوم يكاد يصل إلى الضعف. غدوت منذ أيام إلى سوق من أسواق الخضرة ونظرت وتأملت في الأثمان وعدت بخيالي إلى هذه الأثمان سابقاً وإذا بي أمام ما يقارب الضعف، لماذا أيها الإخوة؟ أفستقدمتم هذه البضائع من أوروبا وفرضت عليكم إتاوات بسببها؟ لا. المسألة كما قلت أيها الإخوة أن الأثرياء اليوم - ولا أقول كلهم – وإنما أقول إن كثيراً من الأثرياء اليوم يوظفون هذه المحنة من أجل أن يزيدوا على ثرائهم ثراء، يوظفون هذه المحنة بالطريقة التي ذكرتها لكم، يستجرون من خلالها مزيداً من الثروة لتضاف إلى أرصدتهم، لكنهم استجروها من أين؟ من جيوب الفقراء من جيوب المعوزين، رأيت ذلك بعيني، ورسول الله r: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء) والحديث صحيح، ورسول الله r يقول: (صدقة السر تطفئ غضب الرب)، ورسول الله r يقول: (الصدقة تمنع ميتة السوء)، وr يقول: (من لا يَرحم الناس لا يرحمه الله)، ورسول الله r يقول: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) هذا كلام رسولنا الذي آمنا به نبياً.

يا عباد الله أضعكم أمام نموذج واقعي، لكنه نموذج يتيم نادر، واحد من الأثرياء زار أسرة من هذه الأسر المنكوبة الفقيرة، استقبلته دارٌ صغيرةٌ متهاوية، نظر إلى الوجوه التي أحاطت به من هذه الأسرة، وإذا بمعالم الأسى يُقرأ على تقاسيمها، تأمل فيها فإذا بالهزال قد نال مناله من كل واحد منها، تأمل في الأعين وإذا بالكآبة تنبثق من هذه الأعين جميعاً، جلس، أخرج من جيبه حزمةً من الأوراق النقدية، لعل أعضاء الأسرة لم يرَ الواحد منهم مثل هذه الحزمة، ما إن رأوها حتى شعّت أعينهم بالسرور وبالبشر، وضع هذه الحزمة بين أيديهم وقال إنها حقكم، بوسعكم أن تتمتعوا بها، تحققوا لأنفسكم بها الوقود الذي يقيكم من هذا البرد، بوسعكم أن تنالوا بها الأدوية والعلاجات لأمراضكم، بوسعكم أن تتوسعوا بها، أنا أسأل يا عباد الله أيهما يبعث النشوة في الرأس ويملأ القلب سروراً؟ أن يجنّد المال من أجل طرد مظاهر النكبة ومشاعر الحزن والأسى من القلوب، وغرس معاني الفرحة والسرور فيها ورسم الانتعاش على قسمات وجهه، أم أن أضع هذا المال وأعتصر منه طعاماً أنثره على مائدة آكله اليوم ويفنى غداً، أم أن أتوسع بالملابس والرياش أتباهى به أمام الناس، ألا ما أعظم المال وما أبقاه للإنسان مصدراً من مصادر السعادة عندما يُسخّر لرسم معالم الفرحة في القلوب وعلى الوجوه وقسماتها، وما أبعثها للذل في النفس عندما يعتصر من هذه الأموال أسباب الأبهات أمام الناس، أرأيتكم إلى هذا النموذج، ترى ماذا لو أن هذا النموذج أصبح ديدن الأثرياء، أقول معتصراً العبرة من هذا الكلام آملاً أن أتخذ منه الدرس لنفسي، وآملاً أن يتخذه كل واحد منكم لا سيما أثرياءنا هنا ..

أيها الأخوة قلت لكم بالأمس التوبة إلى الله .. التوبة الصادقة التي تفسر بالتطبيق وبالسلوك هي الضمانة لذهاب هذه المحنة وستذهب، ولكن هذه التوبة لن تتحقق إلا ببراهينها، هذه التوبة لا تتحقق إلا ببراهينها، من تاب إلى الله عز وجل من الأثرياء الذين أكرمهم الله ببسطة من العيش ينبغي أن يبرهنوا على توبتهم بأن يطرقوا أبواب الفقراء والمعوزين وذوي الدخل المحدود، يرأفون بحالهم، ينبغي أن يبرهنوا على توبتهم بين يدي الله سبحانه وتعالى بأن يخفضوا أثمان السلع والأقوات بدلاً أن يرفعوا أسعارها إلى ما يقارب الضعف، كنت أتوقع النقيض، فلماذا أنظر إلى الأسوق فأرى كأن نيران الأسعار الملتهبة الغالية تغزو الأسواق كلها لماذا؟

أنا لا اتحدث عن البضائع التي تستقدم وتستورد ويفرض عليها إتاوات، وإنما أتحدث عن أموال أكرمنا الله بها فوق هذه الأرض المعطاءة. لماذا يحاول أصحاب الشياه والألبان ومشتقاتها أن يرفعوا الأسعار. لماذا من أجل أن يوظفوا من هذه المحنة سبباً لامتصاص الأموال البسيطة التي جمعها الفقراء بعرق جبينهم وبجهد شديد، ألا فاعلموا ان من لا يَرحم لا يُرحم أقول قولي هذا واستغفر الله.



تشغيل

صوتي
مشاهدة