مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 23/12/2011

الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ

تاريخ الخطبة


‏‏‏الجمعة‏، 28‏ محرم‏، 1433 الموافق ‏23‏/12‏/2011‏

(الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

آيةٌ في كتاب الله عز وجل استوقفتني طويلاً، فيها الكثير من التبشير وفيها الكثير من التحذير، ولعل من الخير أن نتدبرها جميعاً في مثل هذا الموقف، لعلها توقظنا من رقاد، ولعلها تنبهنا من غفلة. في كتاب الله عز وجل في سورة الأنعام يتحدث البيان الإلهي عن فريقين اثنين، أحدهما الفريق الجانح عن صراط الله سبحانه وتعالى، الكافر بوعد الله ووعيده، المستكبر على أوامره ونهيه، والفريق الثاني مؤمن بألوهية الله عز وجل وموقن بعبوديته للخالق سبحانه وتعالى وخاضع لسلطان هديه ولشرائع أمره ونهيه، ثم يتساءل البيان الإلهي قائلاً:

(فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنعام: 81].

الفريق الأول أم الفريق الثاني؟! ويجيب البيان الإلهي قائلاً:

(الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].

تلك هي الآية التي استوقفتني طويلاً. تلمست فيها كثيراً من البشارة ولكني وقفت فيها على كثيرٍ من التحذير

(الَّذِينَ آمَنُواْ) ولكنه عاد فقال: (وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ) أي لا غيرهم (لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ).

نحن يا عباد الله مؤمنون بالله عز وجل – وهذا شيء نحمد الله عز وجل عليه – مؤمنون بعبوديتنا له ومؤمنون بربوبيته واحداً فرداً صمداً لنا ولكن هل صفَّيْنَا إيماننا هذا من الشوائب، هل صفينا إيماننا هذا من شوائب الظلم أم تمازج الإيمان بالله عز وجل مع الظلم في حياتنا وسلوكنا وشؤوننا؟ البيان الإلهي يقول:

(الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].

وما الظلم يا عباد الله؟ المراد بالظلم هنا كل أنواع الفسوق والعصيان وليس المراد به الكفر لأن الكفر لا يتعايش مع الإيمان قط، هما نقيضان. إذاً المراد بالظلم كل أنواع الفسوق، فمن آمن بالله عز وجل بلسانه ولكنه لم يخضع لسلطان الأوامر الإلهية بسلوكه فقد مزج إيمانه بظلم. كل من أعلن بلسانه أنه مؤمن بالله عز وجل ولكن سلوكه لم يصطبغ بذل العبادة والعبودية لله عز وجل بكل أنواع العبادات التي تعرفون، لم تعرف جبهته السجود، لم تعرف أعضاؤه ولم تستلم للعبادات المختلفة المتنوعة التي أمره الله سبحانه وتعالى بها فقد مزج إيمانه بالظلم. كل من هيمنت محبة الدنيا متمثلة في المال، متمثلة في التجارة، متمثلة في فضول الأرزاق المختلفة، كل من هيمن ذلك كله على كيانه فراح يستثمر المنعطفات السيئة والظروف الاستثنائية وحالات الضيق التي تطوف بالفقراء والمعوزين، اعتصر من هذه الحالة رأس مالٍ لتجارته، رأس مالٍ لأرباحه فقد مزج إيمانه بالظلم، وأي ظلم.

كل من آثر الاستئثار على واجب الإيثار، كل من طوى مشاعر الرحمة من قلبه وأبعدها إلى زاوية بعيدةٍ بعيدة ونشر في زوايا قلبه بدلاً من ذلك الأثرة، حب الذات، وراح ينتهز ظروفاً كهذا الظرف الذي نمر به، راح ينتهز الضائقة الاقتصادية ملونة بألوانها التي تعرفون، راح يستثمرها لصالحه، راح يستثمرها يلهث ذاهباً آيباً ليملأ من وراء هذه المحنة جيبه على حساب أولئك المعوزين المحتاجين، ينظر حاجة هؤلاء الفقراء إلى المحروقات فيفعل كل ما توحي إليه به نفسه الأمارة بل يوحي إليه به شيطانه من السبل المتعرجة ليُحَوِّلَ هذه المادة إلى سوق سوداء ومن أجل أن يجعل هؤلاء المعوزين يعتصرون وجودهم المالي في سبيل شيء من الدفء ولتعود هذه العصارة إلى جيب هؤلاء المتخمين، هؤلاء قد مزجوا إيمانهم بالله بظلم.

هؤلاء – ودعوني أضع النقاط لكم على حروفها – هؤلاء التجار الذين اشتروا السلع المجتمعة لديهم بأسعار ما قبل هذه الأزمة ولكن لما وجدوا هذه الضائقة قد أطلت برأسها قفزوا بأسعارها إلى الرقم الذي يشاؤون، لماذا يا أخي؟! لأن الضائقة تأمرنا بذلك. هل اشتريت من جديد هذه السلع بأثمانها المرتفعة الجديد؟ إن كنت فعلت ذلك فلك الحق، أما أن تنتهز هذه الفرصة فتضاعف من أرباحك متخيلاً أنك قد اشتريت هذه السلعة بالثمن الجديد المنسجم مع هذه الضائقة فذلك ظلم وأي ظلم. هؤلاء كلهم أيها الإخوة هم الذين مزجوا إيمانهم بظلم. ورسول الله r يقول:

(مَنْ لا يَرْحَم لا يُرْحَم) والحديث صحيح يا عباد الله.

ولعلكم تقولون فتلك هي جريرة هؤلاء الظالمين، تلك هي جريرة هؤلاء الجشعين، تلك هي جريرة هؤلاء الذين قست قلوبهم، فما ذنب الآخرين؟

إن رسول الله r يقول وقد سُئِلَ أنهلك وفينا الصالحون قال: (نعم إذا كَثُرَ الخَبَث).

وصدق الله القائل:

(وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً) [الأنفال: 25].

أقولها في هذه الساعة المباركة آملاً لا أن يصل صوت حلقي بل آملاً أن يصل صوت قلبي إلى هؤلاء الإخوة الذين ينتهزون ويبتهلون مثل هذه الحالة من الضيق، مثل هذه المحنة أو مثل هذا الابتلاء فينقضون يميناً أو شمالاً من أجل أن ينتهزوا الفرصة لا لرحمة ينثرونها وينشرونها بين عباد الله المعوزين، لا، من أجل أن ينتهزوا هذه الفرصة لملء جيوبهم أو لملء صناديقهم. يا هذا ماذا تفعل بالمال الذي يزيد عن لقمة طعامك والذي يزيد عن لباسك والذي يزيد عن الدار التي أسكنك الله سبحانه وتعالى فيها؟ ماذا تفعل إن جاءك ملك الموت فجرَّك إلى مصيرك، أفتأخذ شيئاً من كل ما قد جمعت معك؟ إن هو إلا لفافة الكفن التي ستذهب بها إلى مولاك وخالقك سبحانه وتعالى، ولقد قال المصطفى وصدق فيما قال:

(إذا أمسى أحدكم آمناً في سربه معافى في بدنه عند قوت يومه فكأنما حيزت إليه الدنيا بحذافيرها).

أعود فأقول، يقول بيان الله عز وجل عن الناس الذين وعدهم أن يكرمهم بالأمن في دنياهم وآخرتهم، من هم؟

(الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ) [الأنعام: 82].

لم يخلطوا إيمانهم بظلم، ها نحن خلطنا إيماننا بظلم، ولقد علمتم أن الظلم أنواع، والظلم كله عائد إلى كيان من يظلم نفسه، فظلم الفسوق يعود إلى من يمارس الفسوق ألواناً وأنواعاً، وظلم الابتعاد عن أوامر الله ونواهيه إنما يعود بظلمه إلى نفسه، تلك هي الحقيقة. والذي يظلم إخوانه في الإنسانية إنما يعود ظلمه في الحقيقة أيضاً إلى نفسه يا عباد الله.

عباد الله: هذا الواقع الذي لا أصفه أنا وإنما يصفه بيان الله عز وجل هو الذي جعل الطغاة والبغاة من أطراف العالم الإسلامي يرموننا بسهم واحد ويتجهون إلينا لتنفيذ خطط واحدة اجتمعوا عليها، ولا والله، لولا هذا الأمر الذي حاق بنا، لولا هذا الإيمان الذي امتزج في كياننا بالظلم لما أُتيحَ لهذه الخطط أن تُسْتَثْمَر، ولما أُتيح لهذه الخطط أن تصل إلينا وأن تتسرب إلى مجتمعاتنا، لا والله الذي لا إله إلا هو، ولكن أنظر وتنظرون إلى مجتمعاتنا الإسلامية بعدت أو قربت فماذا أجد؟ أجد شعائر للإسلام تلتمع وتتألق، مساجد يتسابق كثيرون إلى عمارتها، مآذن يتبارى كثيرون في تطويلها، أصوات القرآن تتلى هنا وهناك بأجمل الأصوات، كل ذلك موجود، رسوم إسلامية، شعائر إسلامية تتألق ثم إنني أغوص إلى ما وراء هذه الصور فماذا أجد؟ أجد هذا الظلم الذي حدَّثَ عنه بيان الله عز وجل، ولعلكم تعلمون ما أعني. اذهبوا بأخيلتكم يميناً وشمالاً إلى أولئك الذين أغدق الله عليهم في الرزق، الذين أكرمهم الله عز وجل بالكنوز الصفراء والسوداء، أكرمهم الله عز وجل بكنوزٍ تنبع من باطن الأرض وكنوزٍ تتألق لهم في ظاهرها ماذا تجدون؟ أما شعائر الإسلام فكثيرة ويتم التسابق إليها، أما السلوك الإسلامي، أما سلوك الإنسان مع ربه في داره، في مجتمعه، في جامعاتهم، في المؤسسات التربوية التي يرعونها فإن تنظر فتجد أن الإسلام هنالك غريب. هذا هو الذي جعل هذه الخطط تتنامى ثم تورق ثم تثمر، ولعلكم تعلمون أن الأمر لم يعد خفياً منذ أن انهار الاتحاد السوفييتي، ألا تعلمون أن رئيسة الوزراء البريطانية أعلنت على الملأ أن العدو الشرس الوحيد قد غاب وزال وأن الغرب قد أمن شدائده ومخاوفه، بقي عدو أشرس، ألا وهو الإسلام، ومنذ ذلك اليوم ومعظم قادة الغرب يتوارثون هذا الإعلان، يتوارثون هذا التقرير، ولقد أصبحت الوثائق مكشوفة، أصبحت التقارير علنية لا داعي إلى أن يهمس الإنسان بأذن صاحبه بشأنها، ولعلكم جميعاً تعلمون آخر أو بعض هذه الوثائق يقول: إن الخطر الإسلامي يتمثل في أنه يتكاثر تكاثراً نوعياً مرعباً، كيف يتكاثر؟ يتكاثر في ربوع الإسلام عن طريق النسل الذي يتنامى بسرعة، ويتكاثر في ربوع الغرب بسبب قبول كثيرٍ من المثقفين للإصغاء إلى الإسلام ومن ثم لاعتناق الإسلام. إذاً ينبغي السعي اللاهث للقضاء على هذا الخطر، وكيف يتم القضاء على هذا الخطر؟ بوسيلتين اثنتين، أولاً شل فاعلية هذه الدول والمجتمعات الإسلامية عن طريق إفقارها، ولا والله أيها الإخوة، إن استلاب تلك المجتمعات الغربية بل الدول الغربية لكنوزنا الظاهرة والباطنة ليس ذلك لسبب مجرد افتقارها إليها ولكن من أجل أن يشلوا بذلك فاعلية المجتمعات الإسلامية.

الوسيلة الثانية العمل على أن يستحر القتل هنا وهنا وهناك بالمسلمين حتى يقاوم ذلك تنامي وزيادة التناسل في مجتمعاتهم، هذا شيء مقروء. لماذا يستحر القتل هنا وهناك؟ من أجل أن يقاوم ذلك زيادة التناسل. كم وكم قُتِلَ عندما اغتصبت أمريكا العراق، نعم اغتصبتها واغتصبت كل ما فيها ومن فيها.

كم وكم هم المسلمون الذين استحر القتل بهم في ليبيا.

كم وكم الذين استحر القتل بهم في الجزائر قبل ذلك.

كم وكم يستحر القتل بالمسلمين هنا وهنا وهناك، وها هم أولاء يطرقون بأيديهم الحمراء مجتمعاتنا، بلدنا هذا، من أجل ماذا يا عباد الله؟ من أجل القضاء على الإسلام، والخطة كما أقولها لكم تتمثل في وسيلتين اثنتين، أما الوسيلة الأولى فشل فاعلية المسلمين عن طريق إفقارهم، أما الوسيلة الثانية فهي الوقوف في وجه تنامي المسلمين عن طريق التناسل المتزايد الذي يُرْعِب أعداء الله وأعداء الإسلام، وكيف السبيل إلى ذلك؟ بأن تدور رحى القتل الجماعي بدون موجب على المسلمين. ها أنتم ترون كيف يُقَتَّلُ المسلمون بأيد أعدائهم باسم محاربة الإرهاب، وكيف يُقَتَّلُ المسلمون بأيدي إخوانهم باسم الجهاد، ألا ترون ذلك؟! إذاً فالمسلمون يُقَتَّلون هنا ويُقَتَّلون هناك، وأين هو النصير؟ النصير هو الله، ولكن حققوا الشرط. ما العلاج؟ العلاج واضح في كتاب الله

(الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].

العلاج أن نصفي إيماننا من الشوائب.

أقولها كما قلت لكم بالأمس لنفسي أولاً وأقولها لكم جميعاً وأقولها لقادتنا جميعاً: يا أيها الإخوة نحن جميعاً مؤمنون بالله لكن تعالوا نتعاون لنصفي إيماننا من شوائب الظلم، لنصفي إيماننا من الفسوق بأنواعه وأشكاله المختلفة، إن نحن فعلنا ذلك حقق الله سبحانه وتعالى الوعد الذي أخذه على نفسه تجاهنا، سيستتب الأمن وستزول المخاوف، أقولها وأنا المسؤول عن هذا الكلام الذي يضمنه لنا رب العالمين سبحانه وتعالى، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

للدخول على الصفحة الرسمية الجديدة للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي اضغط هنا



تشغيل

صوتي
مشاهدة