مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 16/12/2011

لا تنسوا فلسطين ... عدونا واحد

تاريخ الخطبة


‏‏‏الجمعة‏، 21‏ محرم‏، 1433 الموافق ‏16‏/12‏/2011‏

لا تنسوا فلسطين ... عدونا واحد

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

حقيقة إنسانية وإسلامية وشرعية ينبغي أن أعود فأحدثكم عنها وينبغي أن تكونوا دائماً على ذُكْرٍ منها، إنها قضية فلسطين هذه. إنها ليست كما قد يتصور البعض قضية إقليمية تعود إلى بقعة من أرض ويُسْأَلُ عنها جماعة من الناس، لا يا عباد الله، إنها قضية الأمة الإسلامية جمعاء قادة وشعوباً، وإن المسؤولية فيها ملقاة على أعناقنا نحن المسلمين قاطبة، ولسوف يوقفنا الله عز وجل غداً بين يديه، ولسوف يحاسبنا على هذه المسؤولية إن حساباً عسيراً أو يسيراً.

والتأصيل الفقهي يا عباد الله لهذه المسألة التي يجب أن نعود فنتذكرها هو أن نعلم أن الفتح الإسلامي عندما امتد إلى بلاد الشام وتحررت الشام من الاستعمار الروماني – وقد دخلت هذه البقعة منذ ذلك اليوم في الإسلام وأصبحت جزءاً من دار الإسلام – والقرار الفقهي المتفق عليه هو أن دار الإسلام تبقى دار إسلام إلى أن تقوم الساعة، لا يمكن أن تتحول بعد ذلك فتعود إلى ما كانت عليه قبل الفتح، وإذا اعتدى على شبر من هذه الدار معتدون مغتصبون آثمون فإن على المسلمين قاطبة أن يحرروا ذلك الشبر من عدوان المعتدين ومن ظلم الظالمين، وإن هم لم يفعلوا ذلك وأعرضوا عن هذه المسؤولية فالجميع – فيما أعلم من شرع الله عز وجل – آثمون عاصون متلبسون بمسؤوليةٍ يحاسبهم الله سبحانه وتعالى عليها، هذا من جانب.

ومن جانب آخر ينبغي أن نعلم يا عباد الله أن هذه المؤامرة عندما نُفِّذَتْ منذ أن امتدت يد بريطانيا إلى تطبيقها وتنفيذها وإلى هذا اليوم لم يكن المراد آنذاك ولا اليوم أن يجد اليهود مستقراً لهم من هذه البقعة وأن يتقاسموا العيش وأسبابه مع جيران لهم، لا، لم يكن هذا هو المقصود، وإنما كان المقصود ولا يزال أن تُتَّخّذَ هذه المسألة سرطاناً يستقر في أدق جزءٍ من أجزاء جسم الأمة الإسلامية. الخطة المرسومة هي أن يُتَّخّذَ من هذا الذي أقوله لكم ورماً خطيراً سرطانياً يستقر في القلب المقدس من جسم هذه الأمة الإسلامية، هذا هو المراد. وإذا كان هذا – وهو الشيء الذي ينبغي أن نعلمه جميعاً هو الواقع – إذاً ينبغي أن نعلم أن المصيبة ليست مصيبة إقليم، وليست مصيبة فئة من الناس وإنما هي مصيبة هذه الأمة جمعاء، هذه حقيقة ينبغي أن نعلمها.

وينبغي أن نعلم أن المجتمع الغربي بشطريه الأوروبي والأمريكي يغذي هذا الورم السرطاني من أجل أن تكون المشكلة التي تشل فاعلية الأمة الإسلامية مشكلة حاضرة كي لا تغيب قط، وأمريكا هي التي تقود اليوم هذه الخطة وهي التي ترعى هذه الغاية. صحيح أنها خرجت اليوم من العراق – وهي تحمل أثقالاً من الخسارة في الأرواح وفي المال وفي غير ذلك – ولكن عزائها أنها نفَّذَتْ الأمر الصادر إليها من إسرائيل أن تزيل الخطر الوهمي المتمثل في أسلحة دمار، في أسلحة نووية تتحين العراق الزمان المناسب لاستعمالها ضد إسرائيل، عزاء أمريكا التي خرجت بخفي حنين – وهي تحمل أثقالاً من الخسارة في الروح والمال وغير ذلك – عزاؤها هذا الذي أقوله لكم.

واليوم ننظر فنجد أن الجريمة قد استشرت لدى هذا الورم السرطاني الذي أحدثكم عنه كما لم يستشر في عهد من العهود الغابرة قط.

إن إسرائيل اليوم تنتعل القانون الدولي لصالحها كما لم تنتعله قبل اليوم قط. وإن إسرائيل اليوم تستعبد الأسرة الإنسانية متمثلة في مؤسساتها العالمية والدولية كما لم تستعبدها من قبل قط. وإنكم لتجدون دلائل ذلك واضحة ولا عجب أيها الإخوة، لا عجب، ذلك لأن أمريكا أولاً قد أعلنت أكثر من مرة أنها على استعدادٍ لأن تدمر الجنس البشري أجمع في سبيل المحافظة على أمن هذا الورم السرطاني، في سبيل المحافظة على أمن إسرائيل، وذلك لأننا نفتح أعيننا ونلتفت يميناً وشمالاً إلى مَنْ حولنا من أمتنا وإخواننا العرب والمسلمين فننظر إلى أولئك الذين كانوا قبل حينٍ من الزمن يتسابقون إلى مقاطعة إسرائيل ويلتقطون أنفاسهم بحثاً عن الساعة الملائمة للانقضاض لإعادة الحق المسلوب ولاستعادة الأوطان المغتصبة، ننظر إلى هؤلاء وإذا بهم اليوم يتسابقون لمد جسور التآلف والتعاون والتعايش ما بينهم وبين هذا الورم السرطاني الذي غُرِسَ من أجل القضاء على وجودهم، من أجل القضاء على كينونتهم الإنسانية والحضارية.

لا، بل نظرنا فوجدنا هنالك من العرب المسلمين من ينادي بضرورة التعامل مع إسرائيل بالحكمة المتناهية، أجل، سمعنا ما لم تصدقه آذاننا كلاماً ينبثق من أفواه عرب مسلمين: ينبغي أن نتعامل مع إسرائيل بمنتهى الحكمة، ولكأن العرب والمسلمين قد أخذوا منها بالخناق فهي تكاد تلفظ أنفاسها ولذلك فإننا نستجدي الرحمة وننادي الإنسانية رأفةً بهذا الذي نأخذ منه بالخناق والذي يكاد يلفظ أنفاسه.

من أجل ذلك تمرد هذا العدو تمرداً لا عهد لنا به من قبل فيما أحسب.

ها هو ذا بالأمس قد أحرق مسجداً بكامله أتى النيران على كله في القطاع، ورُسِمَتْ عليه شعارات لا أريد أن أحدثكم عنها.

وها هو ذا باب المغاربة في بيت المقدس قد أُغِلق مقدمة بين يدي كارثة تتهدد الأمة العربية والإسلامية بها.

هذا هو واقعنا نحن العرب والمسلمين فلماذا لا تتمرد إسرائيل، لماذا لا تركل القانون الدولي بقدميها، لماذا لا تبصق على القرارات التي تريد أن تأخذ منها بالعناق، القرارات التي تريد أن تجردها، لماذا وقد أصبح الذين يتربصون بها الدوائر بالأمس أصبحوا المدافعين عنها اليوم، أصبح أولئك الذين كانوا يدعون إلى الجهاد ضد هذا العدو الذي استلب الأرض والعرض أصبحوا يدعون العالم الإسلامي إلى أن يتعامل مع إسرائيل بالحكمة واللين، نعم.

ألا ولتعلموا يا عباد الله أن هذه الأسلحة التي تندلق إلينا من يمين وشمال وهؤلاء المسلحين الذين يمعنون تقتيلاً وتخريباً وتحريقاً إنما يتم ذلك كله من أجل قرة عين إسرائيل، علم ذلك من علم وجهله من جهل.

عباد الله: ذلك هو الولي الذي يحمي الظالم، الذي يحمي المجرم المتربع – لا أقول على عرش فلسطين – بل المتربع على صدور الأمة الإسلامية جمعاء. فمن هو ولي المظلوم؟ من هو وَلِيُّنَا نحن يا عباد الله؟

وَلِيُّنَا الله

(اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) [البقرة: 257].

وَلِيُّنَا الله، ولكن هذا الولي، ولكن ربنا عز وجل يريد منا شيئاً واحداً تجدونه في هذا الذي يقول خطاباً لنا:

(وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139].

هذا ما يطلبه الله عز وجل منا. يطلب الله عز وجل منا أن نكون مؤمنين بصدق، لا أن نكون مؤمنين إيماناً تقليدياً. وعندما نكون مؤمنين بصدق بقضنا وقضيضنا على شتى المستويات فإن أول معنى من معاني إيماننا الصادق أن نعود فنتوب إلى الله، ينبغي أن نتوب إلى الله أيها الإخوة. ما أكثر ما شردنا عن صراطه، ما أكثر ما أمر فلم ننفذ أمره، ما أكثر ما نهى فارتكبنا ما نهى. أجل، أول معنى من معاني إيماننا الحقيقي أن نعود فنجدد البيعة مع الله من خلال توبة نصوحة، ذلك لأنه ما من مصيبة تحل بالمسلمين إلا وهي جزاء معصية بل معاصٍ ارتكبوها، وصدق الله القائل:

(وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى: 30]

وصدق الله القائل:

(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 165].

نتوب إلى الله. ولا يقولن قائل: أما أنا فلا أعلم أنني قد ارتكبت وزراً. عباد الله: ليس فينا من لم يقصر، أنا الذي أحدثكم بهذا الحديث أول المقصرين. كلنا عبيد مملوكون لله، وكلنا مقصرون في جنب الله عز وجل، والله يدعو المؤمنين جميعاً إلى التوبة فيقول:

(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31].

المعنى الثاني لهذا الإيمان الذي ينبغي أن نجدده بين جوانحنا وفي سلوكنا هو أن نتضرع على أعتاب الله، هو أن نذل خاشعين ملتجئين إلى ساحة فضل الله عز وجل، هكذا يقول الله عز وجل وهكذا يذكرنا:

(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) [الأنفال: 9].

ربط الرب سبحانه وتعالى بين الاستغاثة بالله عز وجل وبين الاستجابة. ربنا عز وجل يقول:

(وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 42 – 43].

ما ينبغي أن نكون من هؤلاء الذين قست قلوبهم، لاسيما ونحن نرى المصيبة التي أرسلها الله عز وجل إلينا للإيقاظ، ووالله إنها ستدبر كما أقبلت، ولقد رأيتها في إقبالها ورأيتها في إدبارها، ولسوف تدبر ولكن الله ينتظر منا صدق الأوبة إليه، ينتظر منا صدق التوبة بين يديه.

أيها الإخوة: إن التوكيل في كل الأعمال سائغ ومشروع، وباب المعاملات في الشريعة الإسلامية ينص على ذلك. لا حرج في أن أوكلك أن تشتري لي عقاراً أو أن تبيع لي داراً، أما التوكيل في الالتجاء إلى الله فغير وارد، لا يقولن قائل لأخيه أو صاحبه أو رجل ممن يظن فيه الصلاح: ادع الله لنا، التجئ إلى الله بدلاً عني، لا يا أيها الإخوة. كلنا عبيد لله عز وجل. لا توكيل في طرق باب الله عز وجل. ينبغي أيها الإخوة أن نلتجئ جميعاً إلى الله، وينبغي أن نتضرع على أعتاب الله عز وجل متمسكنين، أذلاء، بائسين، فقراء نعلن على كل المستويات أننا عبيد لمولانا وخالقنا، لا ندين لأحدٍ بالعبودية إلا له، لا نستنزل النصر إلا من لدنه، نناديه بالأسحار، في الأوقات الخاصة، نبكي، نتضرع، وكلما كان الإنسان يتبوَّأ مركزاً أعلى يكون تضرعه أقرب إلى الاستجابة، يكون تضرعه ذا معنى أهم وذا حقيقة أقرب، هذا هو دواؤنا أيها الإخوة.

نعم، إذا كان الظالم تتولاه أمريكا فهي وليُّ ذلك الظالم، نحن يتولانا الله، وَلِيُّنَا الله عز وجل

(اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ) [البقرة: 257].

لكن لابد أن نجدد إيماننا، ولابد أن نتوب إلى الله عز وجل من آثامنا التي اقترفناها في جنب الله، وكلنا أيها الإخوة آثمون، كلنا مقصرون. من هو الذي لم يقصر في جنب الله سبحانه وتعالى، ثم ينبغي أن نتضرع ونذل لله سبحانه وتعالى.

الذل للمولى فوق هذه الأرض أعلى درجة يتبوؤها الإنسان في الرضا عند الله سبحانه وتعالى، وأيسر سبيل وأغلى ثمن يقدمه الإنسان لاستنزال النصر من عند الله.

على أني لا أقول لكم إن الالتجاء إلى الله هو الدواء الأوحد وهو البديل عن التدبير، لا، بل إن شرعنا أمرنا بأن نتخذ كل الأسباب المادية الظاهرة ولكنه أنبأنا أن هذه الأسباب لا فاعلية لها، كل ما في الأمر أننا نستجيب في ذلك لأمر الله عز وجل، أما الفاعلية فإنما تكمن بأن نطرق بأيدي الذل باب الله سبحانه وتعالى، الفاعلية تكمن في البكاء في الأسحار. النصر الذي وعدنا الله عز وجل به يكمن في أن نعلن عن عبوديتنا لمولانا وخالقنا. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم فاستغفروه يغفر لكم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة