مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 02/12/2011

الإسلام والسياسة وعلاقة ما بينهما

تاريخ الخطبة


‏‏‏الجمعة‏، 07‏ محرم‏، 1433 الموافق ‏02‏/12‏/2011‏

الإسلام والسياسة وعلاقة ما بينهما

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

دعوني أبدأ حديثي إليكم اليوم بتعريف لكلٍّ من الإسلام والسياسة وعلاقة ما بينهما.

أما الإسلام فهو الدينونة الكاملة بالعبودية لله عز وجل مع الخضوع لسلطانه وتطبيق شرعه.

وأما السياسة فهي إدارة الأمور أياً كانت بمنتهى ما يمكن تحقيقه من الحكمة.

ذلكم هو الإسلام وهذه هي السياسة، فأيهما التابع وأيهما المتبوع؟ أيهما الخادم وأيهما السيد المطاع؟

ليس في المسلمين يا عباد الله – سواء كان فرداً في جماعة أو حاكماً في دولة – من يشك في أن الإسلام هو الحاكم المطاع وهو القائد المُتَّبَع، وأما السياسة التي هي إدارة الأمور بحكمة فقد كانت ولا تزال هي الخادم، كانت ولا تزال هي الجندي الذي يخضع لسلطان الله سبحانه وتعالى وحكمه ومن ثم يخضع لسلطان الإسلام وشرعه.

أتساءل بعد هذا: أفقادة العالم العربي الذين تتألف منهم الجامعة العربية، تلك التي يحتضنها ما يسمى بمنظمة التعاون الإسلامي، أفقادة البلاد العربية هؤلاء مسلمون متلزمون بهذه الحقيقة يجعلون من إسلامهم في سائر تصرفاتهم الحاكم الأول ثم يجعلون من سياساتهم الخادم المطاع لأمر الله عز وجل وسلطانه وشرعه؟ إن كان الأمر كذلك – ونحن كُلِّفْنَا بحسن الظن – إن كان الأمر كذلك وإن كان هؤلاء الإخوة لا يزالون على العهد، مسلمين يجعلون من الإسلام حاكماً على السياسة وسلطانها فلماذا لا يستجيبون لأمر الله عز وجل القائل:

(وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].

لماذا لا يستجيبون لأمر الله القائل:

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات: 10].

لماذا لا يستجيبون لأمر الله القائل:

(لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء: 114]

ما لهم لا ينفذون قول الله عز وجل:

(وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) [الحجرات: 9].

لماذا ننظر فنجد انصرافاً من هؤلاء القادة الذين تمثلهم الجامعة العربية انصرافاً عن هذا البيان الإلهي كله؟

لماذا ننظر فنجدهم يتولون عدو الله عز وجل وعدو المؤمنين قاطبة بدلاً من أن يتولوا مولاهم وخالقهم سبحانه وتعالى؟

لماذا يجعلون من عدوهم الأرعن ولياً لهم من دون الله سبحانه وتعالى؟

لماذا يتخذون من الرشوة الحَكَمَ العدل بدلاً من شرع الله سبحانه وتعالى فينقادون لسلطان هذه الرشوة ثم يتوجهون تحت هذا السلطان إلى إخوانهم في الإنسانية وفي الإسلام، يرسمون العقوبات التي تمنعهم رزقهم، التي تمنعهم من أسباب عيشهم، يمعنون في قطع روافد الحياة، روافد الرزق والمعيشة عن إخوانهم في الإنسانية وفي الإسلام خضوعاً تحت سلطان الرشوة – نعم – أقولها: خضوعاً تحت سلطان الرشوة كَبُرَتْ أو صَغُرَتْ؟

لماذا – وهم مسلمون – يلقون بيان رسول الله r ووصاياه وراء ظهورهم – إن لم أقل كلمة أخطر – إذ يقول r: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه، لا يُسلمه، لا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه).

أقول – وأنا أوثر حسن الظن –: إنهم لا يزالون مسلمين، إذاً لماذا أداروا ظهورهم إلى الإسلام واتخذوا من السياسة التي رأوها والتي لُقِّنُوا أبجديتها، جعلوا من ذلك حاكماً على الإسلام، جعلوا من ذلك قائداً يقود الإسلام؟

وما لهذه الشقيقة الإسلامية الأخرى المجاورة لنا قد قلبت لنا ظهر المجن، قاطعتنا بعد وصال، خاصمتنا بعد وفاق؟ وما لرئيسها الذي ما عهدناه إلا مصلياً صائماً ما له قد نسي دروس الدين التي تلقاها يوم كان يدرس دين الله؟ ما له نسي الوصية النبوية الشريفة التي أسمعنا إياها بفمه والتي توصي المسلمين بأن يكونوا محتفين رحماء بعضهم ببعض؟ ما له نسي كل هذا؟ ما له يواصل اليوم تل أبيب وما أكثر ما أعرض عنه؟ ما له اليوم يحج إلى واشنطن ليستبدل هناك ميثاقاً بميثاق – ولنعم الميثاق الذي ترك ولبئس الميثاق الذي أخذ –؟ لماذا وفي سبيل أي غرض وأي سياسة رعناء يدير ظهره لإخوانه المسلمين الذين أوصى الله وأوصى رسول الله r بإصلاح ما بينهم؟

عباد الله: بوسعكم أن تقرؤوا في سورة الحجرات وغيرها من كتاب الله عز وجل ما يبين أن الله عز وجل يجعل من عبده المؤمن قاضياً عندما يجد إخواناً له – وقد وقع بينهم الشقاق أو وقعوا في أخطاء وأغلاط – يجعله القرآن قاضياً، يدخل فيما بينهم ويحقق في أمرهم، اعتماداً على قرائن الأحوال والبينات وشهادة الشهود، فإن رأى خطأً أصلح الخطأ بلسانه، بنصحه، بوده، بغيرته. إن رأى انحرافاً نبَّه إلى ذلك الانحراف طبقاً لما أمر الله سبحانه وتعالى، نقرأ في سورة الحجرات، نقرأ في بقية ما نقرأه من كتاب الله عز وجل هذه الحقيقة، وأبوابنا مفتحة يا عباد الله لكل من يغار على هذه الأمة أو على هذه البلدة فيأتي ليصلح خطأً وَقَعَتْ فيه – والخطأ موجود – ليقبل بدافع من الغيرة فيُقَوِّمَ اعوجاجاً تمَّ. الأبواب مفتحة والسبل ميسرة، ألا ترون إلى الوفود الآتية من هنا وهناك، الكل يلقى الترحيب والكل ينظر ويبحث وينتقل من صقع إلى صقع ومن بلد إلى بلد ليرى بعينه الواقع وليرى ببصيرته خلفيات الأمور، فما لهؤلاء الإخوة لا يتخذون هذا المنهج الذي أمر الله به، ما لهم لا يُقْبِلُون إلينا ليصلحوا الأخطاء التي وقع فيها النظام – ونحن لا نبرئ أحداً ونحن نقول كل من اتِّهِمْ يجب أن يوضع في قفص الاتهام ويُحَقَّقَ بشأنه – ولكن فرق بين المسلم الذي يغار على إخوانه فينقاد إليهم ليصلح الخطأ وليُقَوِّمَ الاعوجاج بدافع من غيرته وحبه وبين من ينتهز هذه الفرصة ليطرق باب العدو وليقول للعدو: تفضل فتحكم.

أقول لرئيس هذه الدولة الشقيقة: ألست أنت الذي درست دين الله؟ ألست أنت الذي ذكَّرْتَنَا بآيةٍ بل بحديث من كلام رسول الله؟ فما لك أعرضت عن هذا الذي درسته وتعلمته في سبيل رشوة بلغت المليارات؟ أئن طُرِقَ بابك برشوة بلغت المليارات جعلت منها الحَكَمَ الأول لتقضي بموجب هذا الحَكَم على إخوانك بالعقوبات المختلفة، بالعقوبة في أرزاقهم، بالعقوبة في قطع أسباب معايشهم دون جريرة ارتكبوها، دون موجب يقتضي ذلك إلا اللهم شيء واحد هو أن هذه الرشوة أحرجتك وجعلك تنقاد لمن أمرك ونهاك.

هذه حصيلة ما ينبغي أن نعلم من علاقة ما بين الإسلام والسياسة أيها الإخوة. وهذه الأسئلة التي تساءلت عنها في حق جامعة الدول العربية وفي حق الدولة المجاورة الشقيقة لا أجد من خلال هذا الذي فوجِئَتْ به أمتنا الإسلامية من أقصى الدنيا إلى أقصاها إلا جواباً واحداً يتنزل من علياء الربوبية، لا أجد إلا هذا الجواب، إنه قول الله سبحانه وتعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً * إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) [النساء: 144-145].

وبعد فإنا لسنا ممن يغمضوا أبصارهم عن الخطأ بل كنا ولا نزال نراقب أنفسنا ألا نخطئ، وكنا ولا نزال ننبه إخواننا وقادتنا إلى الخطأ ولكن الخطأ الذي نراه لا يبرر أن نضع على أعيننا أقنعة تعمينا عن رؤية المؤامرة القذرة التي أطبق على تحقيقها والتخطيط لها والتنفيذ لها أعداء الله عز وجل وأعداء دينه في العالم أجمع، هذه الأغلاط مهما كَبُرَتْ لا تبرر أن نتعامى عن مؤامرة ما أعلم في العالم كله، في تاريخ العالم الإسلامي كله مؤامرة أخطر من هذه التي تطرق اليوم بابنا، نعم، وُجِدَتْ مصيبة الصليبيين لكن هذه المصيبة لم تدع رؤوس المسلمين تتطأطأ، نعم دخل المغول إلى عالمنا هذا ولكن دخولهم لم يدع المسلمين يذلوا ويهونوا على أنفسهم قط.

قرأت التاريخ وأعدت النظر فيه، ما وجدت أبداً أن فتنة داهمت المسلمين جعلتهم يذلون ويهونون ويطأطئون الرأس لأعداء الله وأعدائهم إلا مرتين؛ هذه هي المرة الثانية، أما المرة الأولى فتلك المصيبة التي سقطت على أعقابها غرناطة وقرطبة، والوقت يضيق عن الحديث عن ذلك، وما سقطت غرناطة وقرطبة بسبب كيد ولكنها سقطت بسبب الرؤوس التي ذلَّتْ وهانت للعدو، ذلكم هو عبد الله الصغير واليوم نُبْتَلَى بصغراءَ آخرين، أقول قولي هذا وحسبي الله العظيم.

وبعد، عباد الله: إن إخوانكم في بلادنا العربية الإسلامية المجاورة شاؤوا أن يضربوا المثل الأدنى والأحط لخذل المسلمين بمناقضة كلام رسول الله بفرض العقوبات التي تحرم إخوانهم المسلمين من لقمة عيشهم، من رزقهم، من أسباب معايشهم، هكذا شاؤوا وهكذا اقتضت الحِطَّة أن يضربوا المثل المنحط هذا، أما أنتم فيا أيها الإخوة المواطنون علِّموا إخوانكم أولئك، علِّموا القريب والبعيد كيف يكون التراحم، كيف يكون التناصر، ابسطوا الرزق الذي أكرمكم الله عز وجل به تجاراً، بائعين، متعاملين، ابسطوا الرزق أمام المحتاجين، لا تتدخروا شيئاً يحتاج إليه إخوانكم، لا تستغلوا هذا المنعطف الذي شاءه أولئك الناس. أقول لنفسي وللتجار ولأصحاب الأموال: اليوم بوسعكم أن تتقربوا إلى رسول الله القائل: (الراحمون يرحمهم الرحمن)، إياكم أن تتلاعبوا بالأسعار لأن إخواناً لكم شاؤوا أن يقطعوا لقمة العيش وأسباب الحياة عن إخوانهم، اضربوا المثل بالنقيض لذلك يا أيها الإخوة. لا يَرَيَنَّ فقير اليوم إخواناً لهم أغنياء وقد منعوهم من رفدهم. ألا فلتشعروا أن البرد الذي يلف أجسام هؤلاء الفقراء إنما يلسع ظهوركم، ألا فتشعروا أن الجوع الذي يعض على أمعاء الفقراء إنما يعض عليكم أنتم، ألا فلتشعروا اليوم وتتذكروا قول رسول الله r: (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً) (المؤمنون في توادهم وتحابهم كمثل الجسد الواحد إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

نحن هنا في شامنا المكرمة التي كرمها الله عز وجل سنضرب المثل بالتراحم، بالتواصل، سنضرب المثل بالتضحية بالنفس في سبيل الغير، سنضرب المثل بنقيض هذا الذي شاء إخوة لنا – بعدوا أم قربوا – أن يضربوا المثل به، خذلان، مقاطعة، إساءة، عمل على أن يشقوا إخوانهم بإبعادهم وفطمهم عن لقمة عيشهم.

لا، لا يا أيها الإخوة، أثبتوا للعالم كله أنكم لستم كذلك، ولتجعلوا من ذلك درساً تنثرونه وتنشرونه في العالم كله.



تشغيل

صوتي
مشاهدة