مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 18/11/2011

وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى

تاريخ الخطبة


‏‏الجمعة‏، 22‏ ذو الحجة‏، 1432 الموافق ‏18‏/11‏/2011‏

{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى}

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

تعالوا أضعكم مرة أخرى أمام هذه الآية من كتاب الله سبحانه وتعالى التي غدت غريبة عن أكثر مجتمعاتنا الإسلامية والتي غدا أكثر مجتمعاتنا غريبة عنها، إنها قول الله سبحانه وتعالى:

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات: 10].

وإنكم لتلاحظون يا عباد الله أن الشطر الأول من هذه الآية تقرير وبيان، وأن الشطر الثاني منها أمر وتوجيه، أما التقرير فهو قوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وصدق الله فيما قال وقرر، وأما الأمر والإعلام، وأما الأمر والتوجيه فهو قول الله سبحانه وتعالى: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ).

ولكن كيف يتم هذا الإصلاح الذي أُمِرْنَا به من خلال هذا النص الصريح الجلي في كتاب الله عز وجل؟ لقد أحالنا بيان الله عز وجل في الجواب عن هذا السؤال إلى آية أخرى جامعة، قصيرة الألفاظ لكنها جامعة لمنهاج الإصلاح أجمع، إنه قول الله عز وجل:

(وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].

هما أمران اثنان، في الانقياد لهما يتحقق الإصلاح ما بين الإخوة. هذا الذي أمر به الله سبحانه وتعالى هو الجواب عن هذا السؤال القائل كيف يكون الإصلاح؟ الجواب (تَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).

يا عباد الله: تعالوا أضعكم أمام التفسير الدقيق العجيب لهذا الكلام الرباني الذي فُصِّلَ على قدر منعطفنا الذي نمر به في هذا العصر.

(وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) خطاب للمؤمنين عامة يدعوهم الله عز وجل فيه إلى التعاون بالبر أي بفعل الخير والتقوى أي الابتعاد عن المنكرات والشرور بأنواعها، في كل الأحوال؟ نعم في كل الأحوال، حتى عندما يكون الأخ المجاور لك منحطاً في المعاصي والأوزار، حتى عندما يكون متورطاً في الظلم والقتل، في كل الأحوال ينبغي أن تكون علاقة ما بين هؤلاء الإخوة التناصح فيما بينهم.

ويحذر الله عز وجل من الشرود إلى خارج دائرة هذه الأخوة التي ينبغي أن يكون التناصح محصوراً في داخلها، يحذر من ذلك قائلاً:

(وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).

إياكم أن تحملكم تورطات إخوة لكم، وقوعهم في خطأ أو في انحرافهم أياً كان نوعه، إياكم أن يدفعكم ذلك إلى استعداء أعدائكم وأعدائهم عليهم، ينبغي أن يكون الأمر فيما بينكم بكل الأحوال وفي كل الظروف تعاوناً على البر والتقوى. ولقد سُئِلَ المصطفى r عن هذا فشرح وأجاب وقال: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)، قيل له: هذا نصرته مظلوماً فكيف أنصره ظالماً؟ فقال: (تمنعه من ظلمه فذلك هو انتصارك له).

أرأيتم إلى هذا الذي يقوله رسول الله، إذا رأيته مظلوماً واجبك أن تعينه وإذا رأيته ظالماً واجبك أن تعينه، إذا رأيته سائراً على النهج السليم ملتزماً بالقيم والمبادئ الإنسانية الرفيعة ادعمه، أعنه، عَبِّدْ الطريق بينه وبين هذه الغاية، وإن رأيته متنكباً عن هذا النهج، متورطاً في محرم أياً كان فليكن أمرك معه على النهج ذاته، أعنه على البر، كيف؟ بأن تنصحه وأن تمنعه من هذا الذي تورط فيه، وفي كل الأحوال العلاقة ينبغي أن تكون محصورة ما بينك وبين أخيك، ما بينك وبين جارك، إن أحسن تدعمه في إحسانه، وإن أساء تغار عليه وتنصحه لكي يقلع عن إساءته. ولقد روى الحاكم في مستدركه بشرط الشيخين أن رسول الله r قال: (من أعان ظالماً على أخيه ليدحض به الحق فقد برئت منه ذمة الله ورسوله).

عباد الله: أرأيتم إلى هذا الكلام؟ أليس هذا الذي يقول الله مشروحاً ببيان رسول الله ثوباً مفصلاً على قدر واقعنا ومنعطفنا الذي نمر به يا عباد الله؟

أقول بعد هذا: أين هو مصداق هذا الذي يقوله بيان الله والذي شرحه وأوضحه لنا حبيبنا رسول الله، أين مصداق هذا من الشعار الكبير الكبير الذي يملأ الآفاق طولاً وعرضاً، شعار (منظمة التعاون الإسلامي) وكان اسمها من قبل (منظمة المؤتمر الإسلامي)؟ أين هو مصداق الكلام الرباني من واقع هذا الشعار، إنه شعار يلتمع وإنه ليملأ كما قد قلت لكم، وإنها لدائرة كبيرة كبيرة تحتضن الدائرة الصغيرة التي يقال منها (جامعة الدول العربية)، هذه الجامعة هي الدائرة الصغرى التي تحتضنها دائرة ما يُقَال عنها: (منظمة التعاون الإسلامي)، أين هو هذا العنوان من الانقياد لقول الله عز وجل:

(وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].

هاهم أولاء الذين يمثلون الشخصية الاعتبارية لمنظمة التعاون الإسلامي ولجامعة الدول العربية يديرون ظهورهم إلى بيان الله ونصحه، ويمعنون في العمل على النقيض مما أمر الله عز وجل به إذ حذر قائلاً: (وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، لا تنقلوا مشكلاتكم إلى أعدائكم وأعداء مولاكم وأعداء عباد الله. يمعنون في تنفيذ النقيض، ويعرضون عن التعاون الذي أمر به الله والذي أهاب به رسول الله r أن يظل ميثاقاً التزمنا به، والباري عز وجل يقول:

(وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) [المائدة: 7].

هاهم أولاء يضعون المشكلة أمام أعداء دين الله وأعداء دينه وأعداء عباده، إنهم يضعون مشكلاتنا – ولنفرض أنها أخطاء ارتكبناها، أنها إساءات وقعنا فيها – يرفعونها إلى برنارد ليفي، يرفعونها إلى أمريكا التي آلت على نفسها أن تخدم الصهيونية والتي قررت من قبل أنها مستعدة أن تهلك البشرية التي تعيش فوق هذه الأرض أجمع في سبيل أن تحيا إسرائيل، أين هو تنفيذ هؤلاء الإخوة على المستويين والدائرتين الكبرى والصغرى، أين هو تنفيذ قول الله سبحانه وتعالى:

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات: 10].

أين هو تنفيذ الشرح القرآني للإصلاح عندما قال مولانا:

(وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].

أين هو الالتزام بما أوصانا به رسول الله r إذ قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله) نعم.

عباد الله: إنني إذ أقول هذا الكلام لا أحابي ناساً على حساب ناس ولكني أُأَصِّلُ حكما شرعياً ينبغي أن يعلمه القاصي والداني ولا أعلم خلافاً فيه، وما كان لشرع الله في يوم من الأيام ليتحيز لأناس على حساب أناس، شرع الله ميزان، شرع الله هو الميزان المتسامي المتسامي على كل معاني الانجذاب والتحيز، شرع الله هو الميزان الذي يحصن القسط والعدل، وصدق الله القائل:

(وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) [الرحمن: 7-9].

هذا ما أقوله، وهذا ما ينبغي أن نعلمه.

إنني أعود فأقول لنفسي أولاً: من أنا؟ ينبغي أن أعلم هويتي وأستمسك بها، ينبغي أن أتبين ذاتيتي وأن أفتخر بها، ثم إنني أقول لإخواني جميعاً، أباعد وأقارب: من أنتم أيها الإخوة؟ ألستم أولئك الذين واثقوا الله وعاهدوه؟ ألستم أولئك الذين خاطبهم الله إذ قال:

(وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) [المائدة: 7].

ألستم الذين شرفكم الله بالخطاب عندما قال:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) [المائدة: 1].

أيها الإخوة – أياً كنتم وأينما كنتم – عقد بيننا وبين الله لابد أن يحاسبنا به الله عز وجل لماذا التنكر لهذا العهد؟ لماذا نؤثر أن نكون ممن قال الله سبحانه وتعالى عنهم:

(مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء) [النساء: 143].

مشكلة عصفت بمجتمعاتنا أيا كانت، قد يكون سبب هذه المشكلة أخطاءً تورطنا فيها، قد يكون سبب هذه المشكلة ظلماً تورطنا فيه، لسنا معصومين، ولكن ما العمل في هذه الحالة؟ العمل هو أن يتداعى الإخوة فيتناصحوا، العمل هو أن يتداعى الإخوة فيتذاكروا، العمل هو أن ننفذ وصايا كتاب الله وأمر رسول الله r (انصر أخاك ظالماً أو مظلوما)، انصره مظلوماً بأن تدافع عنه، انصره ظالماً بأن تنتشله من ظلمه، لكن العلاقة بينك وبينه حصراً هكذا يقول لك رسول الله r.

أيها الإخوة: المحاباة – إن جاز أن تكون – ينبغي أن تكون لمحبوبنا الأول، وقد قلت لكم في الأسبوع الماضي: إن محبوبي الأول هو الله والفضل في ذلك له، هو الذي غرس بين جوانحي حبه، وإذا هيمنت محبة الله على القلب لابد أن أحب عباده الذين كرمهم الله، فكيف بإخواني الذين تشد بيني وبينهم آصرة الإيمان بالله، آصرة الاجتماع على كلمة الله، قد نخطئ، قد يشرد بنا الطريق ولكن الله عز وجل يقول:

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات: 10].

إنني قد أحابي لكن الله يعلم أني لا أحابي إلا مولاي، لا أحابي غيره ولسوف أتخذ من ذلك زاداً أحتفظ به إلى يوم اللقاء، لسوف أجعل من حبي له وتحيزي إليه زاداً أستفيد منه يوم أن أقف بين يديه، وإنها لوقفة آتية طال العهد أو قصر، سأقف بين يدي الله ولسوف نقف جميعاً، ولسوف يطلعنا الله على ما مضى من أعمالنا، ولسوف نجد أن كل جزئية من جزئيات حياتنا تمثل مسجلة نقية واضحة أمام الأبصار، ما العمل آنذاك، ما الذي يشفع لي آنذاك؟ لن يشفع لي إلا صدق التمسك بهديه، لن يشفع لي إلا صدق التمسك بميزانه، وها أنا أقول ميزاننا في هذه البلدة شرع الله، هو مرجعنا ولن نعدل عنه إلى أي شرع آخر، لا يمكن لأرضنا هذه أن تدنسها اللادينية قط، سيرنا إلى الله طال الطريق أو قصر وما أحسب إلا أنه قد قصر، ومرة أخرى أقول: أظن أن ليس بيني وبين لقاء الله إلا زمناً قصيراً من أيام أو ساعات أو سنوات، ماذا أصنع بمدح المادحين إن كالوا لي المديح؟ ماذا أصنع يا عباد الله بقدح القادحين إن رموني بقدحهم؟ لن يفيدني ولن يضرني كل ذلك شيئاً، إنما المآل هو الأساس. فيا عباد الله أدعوكم إلى ما أدع إليه نفسي، اصطلحوا مع الله، لا تخرجوا عن دائرة الشرف التي متعكم الله عز وجل بها، دائرة الأخوة الإيمانية، دائرة الأخوة الإسلامية، أصلحوا مشكلاتكم فيما بينكم، أصلحوا أموركم، أعيدوا إخوانكم وأنفسكم إلى جادة النهج القويم عن طريق هذا الحوار الذي أمرنا به الله، أجل:

(وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].

أي لا تجعلوا من قضاياكم مسألة ترمون بها إلى أعدائكم لتجعلوا من ذلك حجة لكم على إخوانكم بين يدي أعدائكم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة