مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 25/11/2011

الإخلاص لله سبحانه وتعالى

تاريخ الخطبة


‏‏‏الجمعة‏، 29‏ ذو الحجة‏، 1432 الموافق ‏25‏/11‏/2011‏

الإخلاص لله سبحانه وتعالى

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

قلت لكم بالأمس إن الإنسان إذا عرف ربه أحبه وإذا أحبه أحب عباده، وأقول لكم اليوم مضيفاً: إن الإنسان إذا عرف ربه أحبه وإذا أحبه أخلص له في توجهه إليه وفي انقياده إلى الأوامر التي وجهها إليه. أحدثكم اليوم عن هذه الثمرة العظمى من ثمرات معرفة العبد لمولاه وخالقه سبحانه وتعالى.

الإخلاص – يا عباد الله – الإخلاص لله عز وجل يعني أن يقبل المسلم إلى الالتزام بأوامر الله والانتهاء عن نواهيه لا يبتغي بذلك إلا بلوغ مرضاته واتقاء سخطه، ذلكم هو باختصار معنى الإخلاص لله سبحانه وتعالى، وهذا يعني أن من أقبل إلى الله عز وجل بكثير من الصلاة وبكثير من الصيام وبكثير من الحج والمناسك ولكن قلبه كان فارغاً عن هذا الإخلاص لله سبحانه وتعالى فلن يرى عاقبة عباداته هذه إلا ما قد وصف الله إذ قال:

(وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً) [الفرقان: 23].

من أجل هذا يركز البيان الإلهي مكرراً ومؤكداً على ضرورة الإخلاص لله عز وجل، يقول:

(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة: 5].

(قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي) [الزمر: 14].

(فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ) [الزمر: 2].

وكلما كرر ونبه إلى ضرورة الإيمان بالله عز وجل والالتزام بأوامره قيَّدَ ذلك بضرورة الإخلاص لوجهه وحذر من أن هذا الإخلاص إذا غاب لابد أن يُزَجُّ صاحبه في لون من ألوان الشرك، وصدق الله القائل:

(وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) [يوسف: 106].

وإنك لتنظر في كتاب الله وتتأمل فتجد أنهما كفتان من صفتين لا ثالث لهما، إما أن يكون الإنسان صادقاً في إيمانه بالله وإقباله إلى أوامره فهو المخلص له، وإما أن يغيب الصدق والإخلاص إذاً هو النفاق، هكذا يبين لنا كتاب الله سبحانه وتعالى.

عباد الله: إننا عندما ننظر إلى الفتن التي تجتاح المسلمين في بلادهم لأي سبب من الأسباب، من ذلك هذا الذي نمر به في هذه المرحلة التي نراها ونتقلب فيها، هذه الفتن من شأنها أن تمحص المنافقين وأن تميزهم من المؤمنين المخلصين الصادقين مع الله عز وجل، وقد ورد عن المصطفى r أنه قال:

(لا تكرهوا الفتن فإن فيها حصادَ المنافقين).

إذا ادلهمت الفتنة استيقظ الإنسان إلى غاياته، إلى مصالحه الذاتية، فإن كان قلبه خالصاً عن هيمنة الإيمان لله والإخلاص لله عز وجل سعى لاهثاً يبحث عن مغانمه وغاياته ورغائبه ومصالحه الشخصية، وجعل من هذه المصالح والمغانم والغايات قائداً في حياته، وجعل من دين الله عز وجل تابعاً ذليلاً لمصالحه تلك. تأملوا تجدون مصداق هذا الذي أقوله لكم يا عباد الله.

وأما الإنسان الذي هيمن الصدق على قلبه والذي دخل الإخلاصُ لله عز وجل في شغاف فؤاده فلا يذكر أثناء وجود الفتن أياً كان نوعها إلا ما يرضي الله سبحانه وتعالى، يجعل من مغانمه وغاياته الشخصية ومصالحه الذاتية ضحية لتنفيذ أوامر الله، يجعل من ذلك كله أرضاً يدوسها سعياً إلى بلوغ مرضاة الله سبحانه وتعالى.

والآن تعالوا ننظر إلى مصداق هذا الذي أقوله لكم، بل هذا الذي رُوِيَ عن المصطفى r: (لا تكرهوا الفتن فإن فيها حصادَ المنافقين).

ننظر إلى مجتمعنا العربي الإسلامي فنجد مسلمين يتسابقون إلى بناء المساجد ويتبارون في رفع المآذن، وتنظر إلى هؤلاء المسلمين، إنهم مسلمون ويرسلون عن طريق كل حدب وصوب الأسلحة المتنوعة المختلفة إلى عصابات من أجل أن يستحر القتل بين المؤمنين الأشقاء، ومن أجل أن تتحول المودة والوئام إلى عداوة وخصام.

مسلمون وتنظر فتجد أنهم يبعثون عبر الأنفاق الخفية المختلفة مئات الملايين من الأموال ليتقاسمها المُسْتَأْجَرُون على القتل والتخريب والتقطيع والإحراق.

مسلمون وتنظر فلا تكاد عيناك تصدق ما ترى، وتصغي السمع فلا تكاد أذناك تصدقان ما تسمع.

مسلمون ويطرقون بالذل والمهانة أبواب العدو – عدو الله وعدوهم، عدو المؤمنين – يناشدونهم التدخل، يناشدونهم أن يأتوا فيتربعوا على كراسي الحكم والقيادة والولاية، يناشدونهم أن تكون إليهم حلول المشكلات.

مسلمون ويلاحقهم بيان الله سبحانه وتعالى في قرآنه ناصحاً، موصياً، آمراً، محذراً يقول:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران: 118].

يلاحقهم بيان الله موصياً، ناصحاً، آمراً، ناهياً يقول:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ) [الممتحنة: 1].

يلاحقهم بيان الله عز وجل محذراً يقول:

(بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً) [النساء: 138-139].

يلاحقهم بيان الله مكرراً مؤكداً ولكنك تنظر فتجد أن هؤلاء المسلمين معرضين متناسين لبيان الله الذي يناشدهم ويلاحقهم، تنظر فتجدهم مستكبرين على أوامر الله، مستكبرين على وصاياه ونصائحه، يصرون إصرارهم على أن تكون الولاية لهؤلاء الأعداء – أعداء الله أولاً وأعداء عباد الله المؤمنين بالله ثانياً – يصرون إصرارهم على أن تكون الولاية لهم من دون المؤمنين.

هذا الذي أقوله لكم ثمرة ماذا؟ ثمرة غياب الإخلاص لوجه الله سبحانه وتعالى.

ليست العبرة في ميزان الله عز وجل يا عباد الله بأن يتحرك لساني بكلمات الإسلام وشعاراته، وليست العبرة بأن يتحرك كياني بتطبيق مبادئ الإسلام صلاة، صوماً، حجاً إلى آخر ما هنالك ولكن العبرة بما في هذا القلب، العبرة بالإخلاص الذي ينبغي أن يحتضنه الفؤاد. لما غاب الإخلاص لله وتحول الإسلام إلى كلمات تتردد على الألسن غابت حقيقة الإيمان من القلوب وأصبحت صبغة كاذبة تصطبغ بها الألسن فكان هذا الذي ترون مما لا يكاد تصدقه العين إن رأت، ومما لا يكاد تصدقه الآذان إن سمعت، نعم يا عباد الله.

أما نحن – لا أقول الذين أقامنا الله فوق هذه الأرض المقدسة بل أقول – أما نحن الذين اجتبانا الله عز وجل وأقامنا من الدنيا كلها فوق هذه الأرض المقدسة فلن نخون العهد، لقد قال كل واحد منا بلسانه وقال ذلك بقلبه قبل لسانه:

(إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) [الأعراف:196].

عهد قطعناه على أنفسنا تجاه الله عز وجل، لن نخون العهد، لن نرجع عن هذا العهد ما حيينا، سنلقى الله وقلوبنا تخفق بهذا الذي آمنا به وعاهدنا الله عليه وألسنتنا تردد ذلك.

لا، لن نخون العهد، لن نتخذ من أعداء الله وأعدائنا أولياء لنا نذل لهم، أرضنا المباركة، شامنا التي باركها الله سنكون حراساً لها، لن ندع شبراً منها تتدنس بعدو من أعداء الله عز وجل يأتي من وراء البحار ليستذلنا وليدنس أرضنا التي باركها الله قبل أن ننتشي ببركتها. نحن الذين اجتبانا الله عز وجل وأقامنا من الدنيا فوق هذه الأرض المباركة، سنكون حراساً لدينه.

أول سلاح نمارسه في حراسة دينه أتعلمون ما هو؟ هو سلاح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعظم به من سلاح

(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].

لسوف نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر في أبهاء الأمراء والحكام، وهذا ما نفعله، لسوف نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر في قاعات السلاطين وأمام كراسي الحكام، وهذا ما نفعله اليوم، وهذا ما أمرنا به الله عز وجل.

ومن هنا فإن دولتنا الإسلامية تولد اليوم من جديد، وإني أقولها – وأنا أعلم أن في الناس من يفرح وينتشي بما أقول وفيهم من يتميز غيظاً بهذا الذي أقول: إنها دولة إسلامية يا عباد الله، ولسوف يعلن دستورها عن مزيد من هذه الهوية الإسلامية لهذه الأمة، ولسوف نكون رقباء، ولسوف نكون حراساً لدين الله عز وجل ما حيينا، هذا هو جهادنا، هكذا أقامنا الله سبحانه وتعالى، وإننا لنأمل أن نكون ممن قال الله عز وجل عنهم:

(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33].

ندعو إلى الله لا من مستوى فوقيٍّ أبداً أبداً، لا نباهى بعلمٍ تفضلنا أو زدنا به على من ندعوهم إلى الله عز وجل، بل ندعو إلى الله، نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر وكلنا يقين بأن هذا الذي ندعوه ربما أصبح غداً خيراً مني ومن كثيرٍ من الدعاة إلى الله عز وجل.

أنا أدعو إلى الله نعم ولكنني أخشى من مكر الله

(فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف: 99].

أقامني الله آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر لكن ما أدري إلام تنتهي نفسي به إليه وأي المنزلقات أجدها أمامي هل أستطيع أن أنجو منها أم لا؟ أدعو إلى الله وأنا أحذر على نفسي من التيه بعد الرشد، أدعو إلى الله التائهين وأنا أتصور أن هذا التائه ربما كان غداً خيراً مني، وما أكثر ما رأينا، ما أكثر ما رأينا أناساً عاشوا صدر شبابهم تائهين عن الرشد ثم أصبحوا في مقدمة الربانيين من عباد الله، وهل نسيتم من كان بشرٌ الحافي، وهل نسيتم من كان الفضيل بن عياض، وما أكثر الناس الذين يعيدون سيرة بلعام بن باعوراء، دعا وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر معتزاً معتداً بثقافة إسلامية ورثها في يوم من الأيام ثم إن الكبر زجه في حالة من التيه والبعد عن الله، ونظر وإذا هو يطأطئ الرأس لولاية أعداء الله عز وجل له. تلك هي سنة الله، نسير في غمار هذه الحقيقة حراساً لأرضنا المباركة، حراساً لديننا، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر بالصراحة وبالحكمة اللتين أمرنا بهما الله عز وجل، لا نوقف ألسنتنا عن هذه الوظيفة أمام أكبر القادة والحكام – وهذا ما نفعله، وهذا ما يجب على كل مسلم أن يفعله – إن سُئِلْنَا عن الجهاد فهذا هو جهادنا، وإن سُئِلْنَا عن حراسة الأرض والعرض والدين فهذه هي حراستنا، وإن سُئِلْنَا عن الشرف الذي نتمتع به فإنما هو شرف حراسة هذه الأرض المباركة من أن تدنسها قدم إنسان أعلن عن عداوته لله وعداوته لعباد الله عز وجل.

لا، لن ندع العدو المشترك يدخل فيما بيننا ليكون هو الحكم علينا، لا، لن نفعل ذلك. على هذا نعيش، وبهذا المبدأ نموت، وعلى هذا المنهج نلقى الله سبحانه وتعالى، وموعدنا وموعد الذين آثروا التيه وآثروا الذل وآثروا الإعراض عن وصايا الله عز وجل ومد اليد – يد الهوان والذل – إلى أعدائهم وأعداء مولاهم وخالقهم، موعدنا معهم يوم يقوم الناس لرب العالمين. عندئذٍ، سوف ترى إذا انجلى الغبار هذه هي الحقيقة التي ينبغي أن نعلمها، أجل سوف ترى إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة