مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 23/09/2011

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ

تاريخ الخطبة


‏الجمعة‏، 25‏ شوال‏، 1432 الموافق ‏23‏/09‏/2011

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} الحجرات10

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

فآية في كتاب الله سبحانه وتعالى تتضمن قراراً قضى به وحكماً أمر به، الآية قول الله سبحانه وتعالى:

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات : 10].

والقرار الذي تضمنته هذه الآية هو قوله عز وجل:

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ).

أما الحكم الذي أمر به بعد ذلك فهو قوله:

(فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ).

وقد شرح وبين لنا كلٌّ من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله وجوه هذا الإصلاح الذي أمر به الله سبحانه وتعالى. حسبكم من ذلك قول الله سبحانه وتعالى:

(وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ والعُدْوَان) [المائدة : 2].

وقوله عز وجل:

(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) [آل عمران : 104].

أما بيان المصطفى r فيما أودع في سنته فحسبكم من ذلك قوله: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه، التقوى هاهنا – وأشار إلى قلبه – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه).

وحسبكم من ذلك أيها الإخوة قول رسول الله r: (المؤمنون في توادهم وتحابهم كالجسد الواحد، إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

فذلك هو قرار الله عز وجل الذي قضى به وهذا هو الحكم الذي بينه لنا كل من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله. نحن المحملون مسؤوليات هذا الحكم الذي أرمنا به إذ قال: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ).

عباد الله: إن عالمنا الذي يحيط بنا والذي نحن جزء منه يسمى العالم العربي الإسلامي، وما سمي عربياً إلا لأن العروبة سُلَّمُ الإسلام. هو عالم يعتز ولا يزال بانتمائه إلى الإسلام قادة وشعوباً، هو عالم لا يزال يعلن أنه ينتمي إلى دين الله عز وجل، من لم يكن ينتمي إلى ذلك بالاعتقاد ينتمي إلى ذلك ويعلنه مراراً من الجانب الحضاري، هو مسلم حضاري، هذه حقيقة نعلمها، ولكن تعالوا نتساءل أين هو التنفيذ للحكم الذي أمر الله عز وجل به إذ قال: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)، أين هي مظاهر الإصلاح التي بينها كتاب الله إذ قال: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى)؟ أين هي مظاهر الإصلاح التي بينها المصطفى r إذ قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه، لا يخذله، لا يسلمه، كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه). أنظر وتنظرون فلا نجد إلا انصرافاً عن تنفيذ هذا الحكم الذي شرفنا الله عز وجل به، وإنه لغطاء شرَّف به قراره إذ قال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ).

أنظر إلى الألقاب والأسماء الضخمة فأجد فيها ما يثلج الصدر وما يبشر:

منظمة المؤتمر الإسلامي التي آل اسمها إلى منظمة التعاون الإسلامي، تعاون! شيء رائع.

جامعة الدول العربية، هي تجمع، أمر رائع وإنه لجزء لا يتجزأ من الحكم الذي قضى الله عز وجل به.

اتحاد البرلمانات العربية الإسلامية.

عناوين رائعة مبشرة، ولكني أهبط عن مستوى العناوين لأنظر إلى ما دون العناوين فلا أجد شيئاً، بل دعوني أكون أكثر صراحة أجد ما يؤلم، أجد ما يخيب الآمال، بدلاً من أن تكون مضامين هذه الألقاب قائمة بالعمل على توحيد الأمة أنظر فأجد أنها ممعنة في تفريقها، أتأمل في هيكلية الجسد الإسلامي كما وصف رسول الله r إذ قال: (كالجسد الواحد إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) فأجد أن عالمنا العربي والإسلامي بمختلف ألقابه الكبرى يمعن بتفكيك أوصال هذا الجسد وتحويله إلى قطع متنافرة متنابذة يشمت كل عضو منها بالأسى الذي يمارسه العضو الآخر، هذا ما أجده يا عباد الله، وإنه لشيء مؤلم وشيء مؤسف.

وإنني فكرْتُ ملياً ترى كيف يتم التناقض في عالمٍ نحن نعلم جميعاً أن شعائر الإسلام تبرق وتلتمع فيه، مساجد هذا العالم ما تزال عامرة، مآذنه لا تزال باسقة، أصوات قرَّاء كتاب الله عز وجل ترتفع أصدؤها إلى عنان السماء، ولا يزال اسم الإسلام متردداً هناك، حسناً، كيف يكون المظهر هكذا والمَخْبَرُ نقيضه؟ كيف!؟ لم أجد جواباً عن هذا السؤال إلا أن عالمنا العربي والإسلامي قد استخذى اليوم يا عباد الله وأصبح مستسلماً لما يسميه بالوحي الدولي والرغبات الدولية أو رغبات الدول العالمية، ولقد قلت لكم بالأمس إن هذه الدول ليست أكثر من أمريكا وذيولها الخادمة وإسرائيلها المستخدمة، كيف، كيف هذا! يمكن أنا إنسان أعتز بإنسانيته، إن لم أقل بإسلامه – وأنا أعتز بإسلامي قبل إنسانيتي – كيف أتصور أن يؤول الأمر بعالمنا العربي والإسلامي إلى أن يستخذي تحت سلطان هذا الذي ذكرته لكم، هذا الثلاثي، وينسى أمر الله وقراره، ينسى الالتزام بينه وبين مولاه وخالقه سبحانه وتعالى.

دعوني يا عباد الله أتوجه باسمي وباسمكم إلى هذا العالم العربي الإسلامي المحيط بنا متمثلاً في قادته ولا أقول في شعوبه، دعوني أتوجه إلى هذا العالم المتمثل في قادته الذين يصرون على أن يعيدوا في عالمنا الإسلامي سيرة ملوك بني الأحمر في الأندلس يوم تضامنوا وتعاونوا ولكن على حفر قبر صغيرٍ صغير دفنوا فيه دولة إسلامية كبيرةً كبيرة عاشت ما لا يقل عن سبعة قرون، دفنوها فيه ثم إنهم تحولوا إلى العالم وأصبحوا شذر مذر، أقول لإخواننا هؤلاء الذين يصرون على أن يعيدوا سيرة ملوك بني الأحمر في مجتمعاتنا الإسلامية هنا أولاً: لا يمكن أن تُعاد هذه السيرة هنا أبداً، بلادنا هذه إنما هي القلب النابض للإسلام، عرف ذلك من عرف وجهله من جهل، ولكن المهم أنني أتوجه إليهم قائلاً: لكم أن توجهوا النقد الذي تشاؤون إلى جارتكم سورية هذه، لكم ذلك، بل لعل هذا هو الواجب الذي ينبغي أن تنهضوا به ولكن بدافع من الغيرة الإسلامية التي شرفكم الله بها، بدافع من الشعور بالوحدة الإسلامية التي متعنا الله سبحانه وتعالى بها، لا استجابة لإيحاء عدوٍّ مشترك، لا استجابة لإيحاء مواقف دولية كما تقولون، لا. ابعثوا انتقاداتكم ولكن من خلال أبصاركم الإسلامية أو إن شئتم أبصاركم الإنسانية، لا تستعينوا بمناظير إسرائيلية مكبرة تلمحون وتحللون واقع بلدنا هذا من خلال ذلك، لا. لا تنظروا إلى واقع بدلنا وأمتنا هذه من خلال عينين زرقاوتين هما قناتان عُرِفَا بدجلهما وافترائهما وكذبهما وأنا أول من يعلم مَنْشَؤهما ومِنْشِؤهما، لا، لا. انظروا بأعينكم المجرد، أعينكم الإنسانية، بل ينبغي أن أقول لكم بأعينكم الإسلامية. لكم أن تنتقدوا كما تشاؤون، سمعتم ورددتم أن في سوريا قتلاً كثيراً يستحر ورددتم ما سمعتموه، نعم، ولكن من القاتل ومن المقتول، تعالوا فانظروا لتعلموا الجواب، ولست أنا الذي أجيب، لماذا لا تأتون، لماذا لا ترسلون وفوداً منكم كأولئك الذين أرسلوا وفوداً مشرقين ومغربين، دخلوا فنظروا ووجدوا وقال قائلهم – وقد جاء من أمريكا: إني لأخشى على نفسي من السير في شوارع شيكاغو أكثر بكثير من السير في هذه البلاد الآمنة التي رأيت. تعالوا فانظروا من هم أولئك الذين يزرعون ميادين بلادنا بالمتفجرات الضخمة الثقيلة التي يُقْصَدُ منها أن تتفجر في ميقات معين فتقضي على مئات – لا أقول عشرات – البرآء، تعالوا لتعلموا من الذين يفعلون ذلك، من هو القاتل ومن هو المقتول. تعالوا فانظروا من هم الذين يرسلون بالأسلحة الفتاكة المتطورة، بأثقال بل بأطنان من المتفجرات تأتي من نوافذ من الشرق ومن الغرب ومن الشمال ومن الجنوب، ماذا فعلت سورية حتى تُرْسَلَ إليها هذه الأثقال بل هذه الأطنان، من القاتل ومن المقتول؟ أجيبوا، أجيبوا أيها الإخوة.

وشيء أخير ينبغي أن أقوله: نحن نعترف بما وصفنا الله عز وجل به:

(وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) [النساء : 28].

لسنا معصومين في جنبات الأرض هذه، نحن مسلمون ومؤمنون ولكنا لسنا بمعصومين، قد تند منا الأخطاء وقد نرتكب المعاصي وقد نركن إلى بعض المنكرات ولكن هل نرفض نصيحة الناصحين، هل رفضنا من يأتي ليأمرنا بالمعروف وينهانا عن المنكر كما أمر الله عز وجل إذ قال: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)!؟ لا يا أيها الإخوة. أقول لهؤلاء الإخوة قادة عالمنا العربي والإسلامي: تعالوا فمرونا بالمعروف ولسوف تجدون من يستجيب، وأنا فرد لا أتحمل أية مسؤولية وليست لي أية صفة غير كوني واحداً من هذه الأمة، لقد رأيت منكرات فحذرت منها فتحققت الاستجابة، بحثت عن معروف غائب طلبت أن يتحقق فوجدت الاستجابة، والتقصير لا يزال، نحن مقصرون (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) ولكن فرق بين من يقصر ويعترف أنه مقصر ويقول تعالوا لنتعاون في سبيل أن نتفادى تقصيرنا ونتسامى فوقه وبين من يقصر ويعد تقصيره عملاً مبروراً، لا. نحن لا يمكن أن نستجيب لمن يطلب منا أن نستبدل بآي القرآن غيره. لا، يمكن أن نستجيب لمن يطلب منا أن نشطح أو أن نقفز فوق بعض الآيات عندما نتلوا كتاب الله على ملأ أو في محفل، لا، لن يتحقق ذلك وإن أصغى السمع إلى هذا من أصغى السمع ممن حولنا، هذا هو واقعنا.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يخلي أمتنا من الشرف الذي متَّعَهَا به، وأي شرف أجل وأعظم من شرف قرار وحكم: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ثم (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ).

أقول لمولانا الذي يسمع الساعة كلامنا ويرى قلوبنا ويعلم أسرارنا أقول: عهدٌ ألزمنا به أنفسنا تجاهك يا مولانا يا ذا الجلال والإكرام أنت ولينا من دون الناس جميعاً

(إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) [الأعراف : 196].

هي أنشودتنا نرددها صباح مساء، أقولها يا رب العالمين: نحن ملتزمون بالأمر الذي وجهته إلينا أن نصلح إخواننا، سنكون آمرين بالمعروف، سنكون ناهين عن المنكر لكن بدافع من الغيرة على أنفسنا وعلى إخواننا، بدافع من الحب، لا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونحن نحمل معاول التهديم ومعاول التخريب، بيعة أجددها باسمي وباسمكم جميعاً يا عباد الله لمولانا جل جلاله، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة