مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 30/08/2011

عندما يفتقد الإنسان للفطرة الإيمانية..

تاريخ الخطبة


(خطبة عيد الفطر السعيد)

‏‏‏‏‏الثلاثاء‏، 01‏ شوال‏، 1432 الموافق ‏30‏/08‏/2011

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

سبحان الله العلي الديان، سبحان الله المُسِبَّحِ في كل مكان، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد:

فإن الشعيرة العظمة في صباح هذا اليوم وأمثاله إنما هي شعيرة الرحمة، رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده متمثلة بصور شتى من أهمها العتق من النار والصفح والعفو عن الآثام، رحمة الآباء والأمهات بالأولاد، رحمة الأغنياء بالفقراء، رحمة الأقوياء بالضعفاء، رحمة المسلمين إذ تشيع فيما بينهم جميعاً. تلك هي شعيرة هذا اليوم الأغر الذي يطلع علينا ممزوجاً بالرحمات الربانية ومكرمة الصفح من الآثام.

ولكني أريد أن ألفت النظر إلى أن هذه الرحمة ليست من صفات الناس في الحقيقة إنما هي من صفات الله عز وجل. فلا رحمة الأبوين بالأولاد ولا رحمة الأغنياء بالفقراء ولا رحمة الأقوياء بالضعفاء ولا رحمة الحيوانات المختلفة بصغارها، ليست رحمة واحدة من هذه الرحمات صادرة من المخلوق أيَّاً كان هذا المخلوق وإنما هي من صفات الخالق جلَّ جلاله، هي محصورة في ذاته العلية، هو الرحمن، هو الرحيم، هو الذي وزع جزءاً من رحمته هذه بين عباده، بل وزع هذا الجزء بين الأحياء جميعاً على اختلافهم. لكن فينا من قد يقول ولكني أشعر بأنني أنا الذي أرحم أولادي وأشعر باللين الذي يهتاج بين جوانحي فيدفعني إلى الإكرام، إلى العطاء، إلى المنن والمنح، إذا لماذا لا تكون هذه الرحمة صفة نابعة من كياني؟ لا يا عباد الله، هي غلطة ينبغي أن نصححها. الرحمة آتية من عند الله عز وجل ولكن إذا استيقظت الفطرة الإيمانية بين جوانح الإنسان تجلى الله سبحانه وتعالى على صاحب هذه الفطرة بصفات شتى كلها لذاته عز وجل، منها صفة الرحمة تسري صفة الرحمة من مولانا عز وجل إلى فؤاد هذا الذي استيقظت الفطرة الإيمانية بين جوانحه فبرحمة الله يشفق على أولاده، وبرحمة الله عز وجل يشفق على الضعفاء والمساكين واليتامى والفقراء، ألم تقرؤوا قول الله عز وجل خطاباً لرسوله:

(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران : 159].

لاحظوا، (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ)، نسب الله عز وجل رحمةَ المصطفى إلى ذاته العلية (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ)، لم يكن لين المصطفى ولطفه مع الآخرين مسلمين كانوا أو غير مسلمين إلا نتيجة وثمرة لرحمة الله عز وجل، فلتعلموا إذاً أن الرحمة التي تشيع في صباح هذا اليوم سواء تلك الهابطة من سماء الله عز وجل؛ صفحاً، مغفرة، إعتاقاً من النار أو تلك التي تشيع بين الناس بعضهم مع بعض كل ذلك أيها الإخوة معينه رحمة الله سبحانه وتعالى. ألا فلنعلم هذه الحقيقة أولاً لنزداد شكراً لله ولنعلم أننا نتقلب في حياتنا الدنيا هذه في بحار لا شطآن لها من رحمة الله عز وجل وصفحه وغفرانه، ولكن إذا اختنقت الفطرة الإيمانية بين الجوانح بسائق الاستكبار – ولا تختنق الفطرة الإيمانية بين جوانحنا بسبب المعاصي أولاً وإنما تختنق بسائق الاستكبار على الله – إذا تمادى الإنسان في الاستكبار على الله عز وجل اختنقت هذه الفطرة وإذا اختنقت الفطرة انقطعت صلة ما بين العبد وربه فلم تعد هنالك صلة بين رحمة الله وفؤاد هذا الإنسان بسبب اختناق الفطرة الإيمانية في كيانه، فإذا انقطعت هذه الصلة بين العبد وربه لهذا السبب تحول هذا الإنسان إلى النقيض من الإنسان الذي يتصف بالرحمة واللطف والأناة. ولا أعلم – بل إن العلماء قرروا – أنه لا يوجد في مخلوقات الله عز وجل من هو أعتى وأظلم وأطغى من الإنسان عندما تنقطع مما بينه وبين الله سبحانه وتعالى صلة الرحمة الآتية من لدنه والسارية في كيانه. إذا اختنقت الفطرة بسائق من الاستكبار على الله عز وجل حل في محل مشاعر الرحمة الآتية من عند الله عز وجل الطغيان والبغي والظلم، فحدث عن ظلم هذا الإنسان ولا حرج، تحدث عن طغيانه ولا حرج. في الناس من يشبهون أمثال هذا الطاغية بالوحوش، بما يسمونه الوحوش، وإنه لظلم شنيع للوحوش. كلمة الوحوش أيها الإخوة لا تعني معنى من معاني الظلم وإنما تعني اسماً من الأسماء التي تطلق على الحيوانات التي خلقها عز وجل تعيش في مناكب الأرض. الوحوش ينبغي أن نتعلم منها الرحمة، ينبغ أن نتعلم منها اللطف والأناة، ورحمة الله عز وجل كما تسري من سمائه إلى قلوب عباده المتطامنين لذل العبودية له تسري أيضاً إلى أفئدة الحيوانات كلها، فالحيوان الذي يحنو على صغاره إنما يحنو على صغاره برحمة آتيةٍ من عند الله سبحانه وتعالى، الوحوش إذا افترست فافتراسها طبق قانون مرده إلى ضرورة إبقائها على حياتها، الافتراس عبارة عن منهج قانوني رسمه الله عز وجل لها كالمنهج الذي نعتمد عليه في اصطياد الحيوانات والسعي إلى أن تكون غذاءً لنا في صباحنا ومسائنا، وآية ذلك أن الحيوان إذا أحس بالشبع زايلته طبيعة الافتراس وانفصلت عنه وقعد رابضاً في مكانه تمر به الحيوانات من هنا وهناك غير آبهٍ بها ولا ملتفت إليها لأن الافتراس في حياة هذا الذي نسميه وحشاً ليس عبارة عن بغي كالذي يتصف به الإنسان وإنما هو عبارة عن قانون للإبقاء على الذات، هذه هي الحقيقة التي ينبغي أن نعلمها. فإذا وجدنا أنفسنا يا عباد الله في صباح هذا اليوم أمام أمرين متناقضين؛ عالم من المصطبغين بذل العبودية لله قد أحنوا الرأس لسلطان الله عز وجل ففاضت أفئدتهم رحمة، تجلى الله عز وجل عليهم برحمته وعبروا عن هذه الرحمة في صباح هذا اليوم بكل ما يملكون، سواء لما بينهم وبين أولادهم وأسرهم أو بالنسبة لما بينهم وبين إخوانهم، إذا نظرنا فوجدنا هذه الصورة ثم التفتنا فوجدنا نقيضاً لها، وكلا النقيضين ينبثق من عالم الأناسي، ينبثق من الإنسان، الصورة الأخرى صورة أناسٍ لم يعلموا للرحمة رائحة ولم يعلموا للطف الإنساني معنى وإنما استمرؤوا القتل والفتك، استمرؤوا إثارة الفتن، استمرؤوا كل ما يمكن أن يكون سبباً لدوران رحى الهلاك والقتل على عباد الله عز وجل، يطربون لمرأى الدماء تسيل في الأزقة والشوارع، يتمتعون بأصوات الأنين تنبعث من صدور الأطفال اليتامى والأمهات الأرامل، يستمتعون بالشقاء، ينسجون أسبابه هنا وهناك. يا عجباً هل هنالك بقايا من المسخ الذي حدثنا الله عز وجل عنه في محكم تبيانه عندما تكلم عن ماضٍ قديم قصي؟! هل يمكن للإنسان أن يمسخ لا في ظاهره فقط بل في كينونته الإنسانية أيضاً؟! سبحانك ربي، هذا شأن الإنسان، عندما يتعرف إلى مولاه يصبح خيراً من الملائكة، وعندما ينكص على عقبيه ويتجاهل مولاه ويستكبر عليه يصبح شراً من الخلائق كلها، تلك هي سيرة الإنسان باختصار.

واليوم نحن نستقبل من مولانا وخالقنا الهدية العظمى، هدية العتق من النار، عتق العصاة لا المستكبرين، وهذه حقيقة لا ريب فيها، ونستقبل أيضاً بحمد الله وتوفيقه والأمل الذي لا يخبو ولا ينقطع ننتظر الهدية الثانية أيضاً، هدية الفرج بعد الشدة، اليسر بعد العسر، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

عندما يفتقد الإنسان للفطرة الإيمانية..

عندما يفتقد الإنسان للفطرة الإيمانية..



تشغيل

صوتي
مشاهدة