مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 05/08/2011

بشارة شهر رمضان وضمانة تحققها

تاريخ الخطبة


‏‏‏‏‏الجمعة‏، 05‏ رمضان‏، 1432 الموافق ‏05‏/08‏/2011

بشارة شهر رمضان وضمانة تحققها

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

أنقل إليكم بشارة هذا الشهر المعظم، شهر الله سبحانه وتعالى، الذي يتجلى فيه ربنا على عباده بنفحاته الرحمانية، أنقل إليكم بشارته بأن هذه الفتنة، بدأت تدبر كما أقبلت بالأمس فإنها ستنحسر وتدبر بإذن الله اليوم، ولكن ضمانة ذلك إنما تتمثل في التوبة النصوح، في التوبة إلى الله عز وجل والأوبة إليه وتجديد البيعة معه والاصطلاح معه على كل المستويات وبالنسبة لسائر الفئات.

ولعلكم تقولون: أليست هي بشارة هذا الشهر؟! وكأنها لم تعد بحاجة إلى شرط. نعم إنها بشارة الشهر ولكن هذا الشهر يلفظ من لم يقبل إلى الله عز وجل بالتوبة. ولقد رسول الله قائلاً: (بَعْد ثم بعد، بعد من دخل عليه رمضان فلم يغْفَر له) ومن هو الذي يدخل عليه شهر رمضان فلا يُغْفَر له؟ هو الذي يظل عاكفاً على غيه، هو ذاك الذي يظل عاكفاً على المحرمات التي حذره الله ونهاه عنها، فلابد لمن يتلقى هذه البشارة أن يمد أولاً يداً إلى الله بالتوبة ثم إنه يمد يده إلى هذه البشارة ليتناولها.

ولقد ارتكبنا يا عباد الله كثيراً من الموبقات، ولقد عكفنا على كثيرٍ من الأوزار، وصدق ربنا القائل:

(وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى : 30].

وأرجو أن تكون هذه الفتنة بل هذا الابتلاء الذي أقبل إلينا بإرادة من الله عز وجل وبلون من التربية تتمثل فيها نعمة من نعمه الباطنة، أرجو أن تكون هذه الفتنة قد أيقظتنا إلى الاعتبار وقد نبهتنا إلى العودة إلى الله والتوبة بين يديه، ولئن كانت قلوبنا قد بلغت من القسوة بحيث تمر هذه الابتلاءات متوالية متتابعة آتية من عند الله ثم لا تستيقظ قلوبنا وتبقى على حالها من اليأس ومن القسوة فإنها لمصيبة أخرى أطم وأخطر، ولكني أحسب أن الكثرة الكاثرة منا قد آبوا إلى الله وقد أعادتهم المحنة إلى الله عز وجل، هذا ما أحسبه وأرجوا ألا أكون مخطئاً في ذلك.

إلا أن هنالك معاصيَ خطيرة ربما كانت أخطر من تلك التي كنا نعكف عليها فيما مضى قبل أن تواجهنا هذه الفتنة، وأظن أن من أبرز مظاهر خطورتها أن في المسلمين من لا يأبهون بها ولا يلتفتون إليها، أرجو أن ينتبه المسلمون إلى أن يتوبوا إلى الله من هذه المعصية التي أحدثكم عنها.

رسول الله r حدثنا عن هذه الفتن ووصفها بل وصف هذا الذي مررنا به بأدق وصف ثم إنه أمَرَ أَمْرَ حَتْمٍ بالابتعاد عنها وحذر تحذير تحريم من الدخول فيها والولوغ إليها وكرر ثم كرر ثم كرر، وأنظر وإذا بكثرة كاثرة من المسلمين يستخفون بهذا الذي حذر منه رسول الله، بل نظرت فرأيت أن في المسلمين من يستهزئون بهذا الذي أمر به رسول الله ومن يقولون بملء أفواههم إن هذا ما لا يقبل في هذا العصر.

إن الولوغ في هذه المعصية مخالفة لأمر رسول الله r أعتقد أنه أخطر من الفتنة التي نعاني منها الآن، وها أنا أعيد على مسامعكم بعضاً – لا كلاً – من الأحاديث التي تحدث رسول الله فيها عن هذه الفتنة وأمثالها وحذر من الاشتراك فيها والولوغ إليها.

قال في حديث طويل وصف فيه هذه الحالة ثم قال لكل فردٍ فردٍ فردٍ من المسلمين: (عليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة).

وقال في حديث آخر اتفق عليه الشيخان: (ستكون بعدي فتن من استشرف لها تستشرفه ومن وجد ملجأً أو معاذاً منها فليعذ به)

ويقول رسول الله r فيما صح عنه حكايةً عن مثل هذه الفتنة وعلاجاً لها: (أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك)

ويقول في حديث آخر متفق عليه، يصف هذه الفتنة وأمثالها، يقول له حذيفة رضي الله عنه: ماذا تأمرنا إن أدركنا ذلك؟ يقول في الجواب: (اعمد إلى حجر فدق عليه حد سيفك واترك كل تلك الفئات والجماعات ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك).

وهكذا يوضح لنا رسول الله r أن خمود هذه الفتن إنما هو في الاعتزال منها، في الاعتزال عنها ويؤكد هذا مثنى وثلاث ورباع، وأنظر وإذا بكثرة كاثرة من الناس أذَكِّرُها بهذا الذي يقوله رسول الله فتفر من سماع كلامه وتلقي بهذه الوصايا وراءها ظهرياً، نعم هذا ما يتم الآن، فماذا إن قلت لكم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قبل وفاته بأشهر وقد زار البقيع في حديث طويل أذكر محل الشاهد منه: (ألا ليذادنَّ رجال عن حوضي – أي ليطردن رجال عن حوضي – فأقول: ألا هلم أل هلم فيقال إن لا تدري كم بدلوا من بعدك).

يا ناس لماذا نعرض أنفسنا لهذا التبديل الذي يحذر منه رسول الله، هل قطعنا صلة ما بيننا وبين حبيبنا محمد؟! هل عدنا لا نعترف بنسبتنا إليه ناساً من أمته ونسبته إلينا آخر الرسل والأنبياء المبعوثين من قبل الله؟!

يقول المصطفى r وهو هذه الحالة التي نحن فيها: (من قاتل تحت راية عمية فقُتِل فقتلته جاهلية)

ما الراية العمية؟ هي تلك القيادة التي لا تعلم أصحابها ولا تعلم الغاية منها ولا تعلم النهاية التي توردك إليها، هذه هي الراية العمية. ونحن إذا أردنا أن نبحث سنجد أن في الناس الذين يمسكون بهذه الراية الموساد الإسرائيلي والمخابرات المركزية الأمريكية ولسوف تأتيكم قريباً أنباء تفصيلية تضع النقاط على الحروف في هذا الأمر، فئات تلتقي قبل أيام وتتواصى بتأجيج ضرام الفتنة في الشام، في سورية من أجل الوصول إلى الغاية التي لم نرسمها نحن ولكن أولئك الناس هم الذين رسموها، وأعود فأتساءل أمؤمنون نحن بقرآن الله؟! أمؤمنون نحن بأن هذا القرآن كلام الله؟! لا أدري!

كلام الله عز وجل يقول:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران : 118].

كلام من هذا يا ناس؟! هذا كلام ربنا وأنتم تعلمون أنه لم يكن في الصحابة من اتخذوا بطانة من غيرهم، لم يكن في التابعين من اتخذوا بطانة من غيرهم، لكن هذا كلام موجه إلينا نحن.

قلت لواحد من هؤلاء الشباب الذين يخرجون في الأمسيات: ما الهدف من خروجكم، سكت، قلت: أحب أن أعلم، قال: تسلية. يا عجباً، أفي الناس العقلاء من يهدم بيته لتسلية.

وقلت لبعض من استحر الجدل والنقاش بيني وبينه أنا سأمد يدي إلى بيعة حقيقية معكم لكن على أن تضعوني أمام النظام البديل الذي تقرر أن يكون هو النظام الساري في هذه البلدة وأكتفي بأن يكون في السوء والحسن مثل هذا النظام، ألا يكون أكثر سوءاً منه، أرني النظام البديل الذي سيتم، عند النقاش تبين أن المسؤول أجهل من السائل أجل في هذا الموضوع، ليس المسؤول بهذا أعلم من السائل قط، قلت: ولكني أعلم النظام ليس نحن الذين نضعه وإنما وضع هناك.

من؟ أعود فأقول يا عباد الله من هو هذا العاقل الذي يعمد فيهدم داره وإن كانت داراً عتيقة تافهة ثم يذكر أن يبحث عن مأوى آخر يأوي إليه؟ أي عاقل يفعل هذا؟!

ألم يأن لنا جميعاً أن نتبصر وأن يستيقظ منا العقل؟ أولاً: إنكار المنكر، أن نلغي كلام رسول الله وأن نجعل وصيته الحارة الحارة ملقاة وراءنا ظهرياً وأن نستخف بها وأن نتفوه بالكلام العجيب بشأنها معصية كبرى أظن أنها أخطر من البلاء الذي يمر بنا، أرجو وآمل أن نعود إلى رسول الله.

يا ناس، أحد شيئين، إما أن هؤلاء الإخوة تبرموا بوصايا رسول الله فليعلنوها وإما أنهم موقنون بنبوته فليتبعوا كلامه، أنا لا أتقول على رسول الله r.

ينبغي أن نعلم أن الإصلاح أمر لا ريب فيه ولابد منه، وأنا مع الذين يدعون إلى الإصلاح ولكن عندما ندعوا إلى أن نستبدل نظاماً بنظام ونضع النظام البديل الآتي ونطمئن إليه ونتبين رسوخه على أرضنا بشكل سليم عندئذٍ لا حرج، وهذا ما لا يمكن أن يرفضه عقل عاقل بشكل من الأشكال.

أعود فأقول وأنا أتحدث عن شهر رمضان وعما يخاطبنا به رمضان: إن شهر الله هذا يحمل بشارة وأي بشارة إلينا جميعاً ولكن هذه البشارة منوطة بالتوبة إلى الله، دعك من هذه الفتنة، حتى ولو لم تكن، أما ينبغي لمن استقبل شهر الله أن يستقبله بتوبة من الذنوب؟! أما ينبغي أن يستقبله بتوبة من المعاصي والآثام؟! أما ينبغي أن يجدد العهد بينه وبين حبيبه محمد r؟! دعك من هذه الفتنة، فما بالك والفتنة مستحرة ورمضان ينادي أن عودوا إلى نبيكم، اصطلحوا مع رسولكم، لا تستخفوا بوصاياه، لا تلقوا بوصاياه بل بأوامره ونواهيه وراءكم ظهرياً. إن نحن تبنا إلى الله، وإن نحن عدنا إلى الله، وإن نحن ملأنا مساجدنا ركعاً سجداً ملتجئين إلى الله عز وجل، وإن نحن تلونا كتاب الله عز وجل معبرين عن رجوعنا من خلال تلاوتنا له إلى حمى هذا الدين العظيم فأنا أعود فأؤكد لكم أن هذه الفتنة قد ولت وأدبرت ولسوف تجدون خوارق إعجاز الله عز وجل، لكن لا تنسوا هذا الشرط، وأنا عندما أقول هذا أدعو نفسي وأدعو الأمة كلها إلى التوبة بدءاً من القادة إلى القاعدة إلى الفئات كلها، كلنا مكلفون بأن نؤوب ونتوب إلى الله عز وجل.

أيها الإخوة نحن اليوم نتحرك فوق هذه الأرض وغداً ستحتضننا في باطنها، لماذا نتعامل مع أي شيء غير الله؟ لماذا نتعامل مع عصبياتنا؟ لماذا نتعامل مع أهوائنا؟ لماذا نتعامل مع أمور واتفاقات فيما بيننا وبين آخرين أياً كانوا؟ لماذا؟! الموقف بين يدي الله والرجوع إلى الله وأعوذ بالله من ساعة تزجني في ندم محرق أولا وهي ساعة سكرة الموت عندما أرحل من هذه الدنيا خاوي الوفاق. أقول قولي هذا وأستغفر الله.



تشغيل

صوتي
مشاهدة