مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 29/07/2011

بماذا نستقبل شهر رمضان المبارك ؟

تاريخ الخطبة


‏‏‏‏‏الجمعة‏، 28‏ شعبان‏، 1432 الموافق ‏29‏/07‏/2011

بماذا نستقبل شهر رمضان المبارك

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

إن هي إلا ساعات ويكرمنا الله سبحانه وتعالى بمقدم شهره المعظم، شهر رمضان المبارك، وإنها لهدية ما أعظمَها وما أجلَّها، فما هو أول ما ينبغي أن نستقبل به هذا الشهر المعظم يا عباد الله؟

إنه التوبة، التوبة من سائر الأدران والمعاصي والآثام، أدعو إلى ذلك نفسي، وأدعو إلى ذلك قادة أمتنا لاسيما في هذه البلدة المباركة، وأدعو إلى ذلك المسلمين عامة، أدعوهم جميعاً إلى التوبة النصوح، إلى تجديد البيعة مع الله سبحانه وتعالى، إلى الاصطلاح مع أوامره وشرائعه وأحكامه، أدعو المتظالمين إلى أن يقلعوا عن الظلم أياً كان نوعه وأياً كان مصدره وأياً كان سببه.

أدعو قادة الأمة إلى أن يكونوا – وقد شرفهم الله سبحانه وتعالى بحراسة شعائر هذا الشهر ومعانيه وحقوقه وقيمه – وأدعوهم – وقد شرفهم الله بذلك – إلى حماية شعائر هذا الشهر، في الشوارع، في الميادين، في المحال، في الدوائر، وأُذَكِّرُ نفسي وأذكرهم بأن الله عز وجل أعطى الحرية للإنسان وللمسلم أن يستجيب لأمر الله فيصوم أو ألا يستجيب فيفطر، ولكن لا يجوز أن يجعل من حريته هذه سبباً يمزق به شعائر هذا الشهر، ما ينبغي أن يجعل من حريته هذه أداةً للاستخفاف وللاستهتار بحقوق هذا الشهر.

أدعوا المسلمين عامة إلى أن ينهضوا بحقوق هذا الشهر الذي شرَّفَنَا الله سبحانه وتعالى به.

أما الإمعان في الفتن التي سماها الله سبحانه وتعالى الهرج – أي القتل الذي يتسلسل بعضه من بعض دون مبرر له إلا الغيظ، إلا الثأر، إلا العصبية للمذهب وللطائفة – أما الإمعان بهذا الهرج – طبقاً للتسمية التي سماها رسول الله r– فما أعلم أن مسلماً آمن بالله ورسوله وقرأ كتاب الله وعرف قيمة هذا الشهر يتوجه إليه بهذه اللطمة السوداء، ما أعلم أن مسلماً آمن بالله حقاً وآمن برسول الله حقاً وتلا كتاب الله سبحانه وتعالى ثم إنه يصر على أن يستقبل هذا الشهر بهذه اللطمة السوداء، وحاشى أن يَسْوَدَّ وجهُ رمضان الأغر لأي سبب من هذه الأسباب كلها يا عباد الله، فكيف إذا علم هذا المسلم بأنه إنما يحقق بهذه الفتنة التي سماها الله عز وجل الهرج إنما يحقق أماني العدوان الخارجي، إنما يستجيب للعدوان الخارجي المعلن والذي يهدف إلى اجتثاث الإسلام من أرضه ويهدف إلى اغتصاب الحقوق والثروات من أصحابها. كيف يتأتى للمسلم أن يستجيب لهؤلاء الذين يمعنون في العمل على إهلاكه وإهلاك أمته ثم إنني أعلم أنهم يهدفون إلى اجتثاث هذا الدين الذي شرفني الله عز وجل به، يهدفون إلى اجتثاثه من الأرض، والذي قرأ تقرير وليم كليفورد الذي يعلن عن هذه الغاية يعلم حقيقة ما أقول ويعلم أنني لست مبالغاً ولا مفتئتاً.

مسلمون ويحاولوا أن يلطموا ألَقَ هذا الشهر بهذه الفتنة التي سماها رسول الله r الهرج؟!

مسلمون ويبايعون برنارد ليفي بدلاً من أن يبايعوا رسول الله r أو أن يبايعوا قِيَمَ هذا الشهر وحقوق هذا الشهر بل بدلاً من أن يبايعوا الله سبحانه وتعالى ويجددوا البيعة له، كيف؟!

مسلمون وتمتد أيديهم حكماً أو حقيقة إلى مبايعة، أجل برنارد ليفي ذي الشخصيتين المزدوجتين الإسرائيلية والفرنسية – هذا الذي يراهن على المصير الذي ينتظره لهذه البلدة الواحدة؟!

من هو هذا المسلم الذي يرضى أن يجعل من نفسه جنداً لهذا العدوان الخارجي العجيب الذي يهدف إلى تحطيم هذه الكتلة الواحدة لأمتنا في هذه البلدة المباركة ليحيلها إلى مُضَغٍ، إلى لقيمات تُمْضَغُ ثم تُبْتَلَع؟!

مسلمون ويُعَبِّدُون الطريق أمام هذا وأمثاله – ولا أريد أن أعيد ذكر هذه الأسماء – يُعَبِّدُون الطريق علانية أمام هذا وأمثاله للكيد لهذه الأمة متحققاً في دينها ودنياها معاً؟! لا يتأتَّى هذا.

وأنا أقول – يا عباد الله – مسلمون ويمعنون في هذا؟! هذا مستحيل.

بين شهر رمضان الذي ابتعثه الله سبحانه وتعالى وعاء رحمة، وعاء تراحم وعتق من عذاب الله وبين هذا العمل الأرعن تناقض حاد لا يمكن أن يتحقق. ولكني أقول لهؤلاء الإخوة: كثيراً ما ينحط أحدنا وهو مسلم، وهو مؤمن بالله عز وجل في غفلات من جراء رعونات، من جراء أزمات نفسية، من جراء بطالة، من جراء أطياف شقاء تطوف بالرؤوس، كثيراً ما ينسى أحدنا هويته الإيمانية فيمعن وهو ناسٍ لحقيقته في السير في طرق من هذا القبيل لكنه سرعان ما يعود، سرعان ما يتذكر ولئن لم يوجد ما يذكره فيكفي أن يكون له من هذا الشهر – شهر الله عز وجل – ما يذكره من نسيان وما يوقظه من غفلة، أجل إنني لأتصور ولا أتخيل، أتصوره حقيقة أن هؤلاء الإخوة سيستيقظون من غفلاتهم وستستيقظ فطرة الإيمان بين جوانحهم ولسوف يؤوبون ويتوبون وإن لسان حال أحدهم ليقول:

(وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه : 84].

لسوف يؤوبون خاضعين مطأطئي الرؤوس لقرار الله القائل:

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات : 10].

ولسوف يخضعون سلوكهم لأمر الله القائل:

(فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات : 10].

ليس بين التيه الذي يقع أحدنا فيه وبين الاصطلاح مع الله إلا لحظات، التفاتة يلتفتها الإنسان إلى الله وإذا بالكرم الإلهي يقول له: أقبل فأنت مقبول.

أقول لهؤلاء الإخوة: إن كانت الأزمة بطالة، إن كانت الأزمة نفسية فأنا أبشركم وأطمئنكم بأنكم إن أقبلتم إلى الله وجددتم الاصطلاح معه وجددتم التوبة إليه والإيمان به فلسوف يغنيكم من فقر ولسوف يعطيكم بعد منع ولسوف يحقق لكم رغد العيش وطمأنينة النفس، ربنا هكذا يتعامل مع عباده، إن خطوت إلى الله خطوة أقبل إليك الله سبحانه وتعالى ذراعاً، وإن أقبلت إليه ذراعاً أقبل الله عز جل إليك باعاً، أقول هذا لهؤلاء الإخوة وإنني لأعتقد أن كلامي هذا سيوقظ كوامن الفطرة الكامنة بين جوانحهم، وإنهم لإخوة مؤمنون بالله سبحانه وتعالى فيما أعتقد.

أما نحن – يا عباد الله – فأذكركم بما صح عن رسول الله r إذ قال: (عبادة في الهرج كهجرة إلي).

العبادة أثناء الفتن تتضاعف قيمتها، تصبح قيمتها كقيمة من هاجر من مكة إلى المدينة فراراً من دار الكفر لحاقاً برسول الله r. فإذا عرفتم هذه الحقيقة فأنا – يا عباد الله – أدعو نفسي ثم أدعوكم جميعاً إلى أن تضاعفوا من طاعاتكم وعباداتكم في هذا الشهر.

من كان منكم يصلي التراويح ثمانية فليصلها في هذا الشهر عشرين كاملة، ومن كان لا يصليها أو يصليها في بيته فليخرج وليشهد الجماعة وليصلها جماعةً في المساجد التي تتألق بعبادة الله عز وجل.

ومن كان يتلو من كتاب الله عز وجل صفحات فليتل في كل يوم من كتاب الله جزءاً ومن كان يتلو منه الجزء الكامل فليلته جزأين.

وإذا كانت الشوارع في ليالي رمضان تفيض وتتألق بالساعين والساعيات إلى بيوت الله لكي يركعوا ويسجدوا ويؤوبوا ويتوبوا إلى الله فلتضاعف كمية هؤلاء الذين تتألق بهم الشوارع والطرق المؤدية إلى بيوت الله عز وجل.

إياكم وأن تصبح المساجد موحشة في ليالي رمضان، لا أتخيل ذلك أبداً، لا أتصور ذلك أبداً، وإن ربنا لأرحم بنا من أن يدع سبيلاً من السبل يحقق هذا الذي أقول، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيذنا منه.

وإذا وفقنا الله فأدينا حقوق هذا الشهر قياماً في لياليه فلنعد بعد ذلك دون أن نلوث إقبالنا إلى الله بشيء من الشوائب، نعود إلى بيوتنا من حيث جئنا، جئنا وقلوبنا طاهرة لا نرضى إلا بقبول من الله يتنزل علينا من عليائه، ونعود إلى بيوتنا ونحن لا ننتظر إلا هذا القبول. إياكم وأن تُسْتَدْرَجُوا إلى الكمين، لقد تبين أنها عبارة عن دعوة إلى كمين ولقد رأيتم ما وراء الكمين، إنها خطة برنارد ليفي أيها الإخوة، إياكم يا عباد الله. ولقد علمتم – وهذا حكم لا أعلم فيه خلاف – أن أي تظاهرة من هذا القبيل تكون ذريعة إلى هذه الفتنة فإنها محرمة قولاً واحداً بقرار من كتاب الله، وببيان من رسول الله، وبإجماعٍ من العلماء والمسلمين عامة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة