مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 22/07/2011

حافظوا على شعائر الله في رمضان

تاريخ الخطبة

‏‏‏‏‏الجمعة‏، 21‏ شعبان‏، 1432 الموافق ‏22‏/07‏/2011

حافظوا على شعائر الله في رمضان

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

إن هي إلا أيام يسيرة ويقبل علينا شهر الله المعظم، شهر رمضان، هذا الشهر الذي شاء الله عز وجل أن يجعله بريد حب ورسالة رحمة وإعلاناً عن مغفرة، هذا الشهر الذي أعلن عنه رسول الله r في خطبة قال في افتتاحها: (أيها الناس قد أقبل عليكم شهر عظيم فرض الله عليكم صيامه وسَنَنْتُ لكم قيامه) ثم مضى يتحدث عن هذا الشهر ووصَفَهُ بأنه شهر المواساة، أي شهر الإحسان ومَدُّ يد المساعدة إلى الآخرين، وشهر التراحم، أي شهر الذي تمتد فيه مشاعر الأخوة ومشاعر الود والتآلف بين عباد الله جميعاً، يتصالح فيه المتخاصمون ويتواصل فيه المتقاطعون، هكذا وصف رسول الله r هذا الشهر وما يتضمنه.

ولقد جعل المصطفى r شعاره معلناً ذلك بلسانه، جعل شعاره قوله: (يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر). (يا باغي الخير أقبل) مُدَّ رواق الأخوة والود وآصرة الرحمة بينك وبين عباد الله جميعاً، (ويا باغي الشر أقصر) أقصر أذاك عن عباد الله سبحانه وتعالى، لا توغل في الأذية والإساءة، أقصر من الأذى لعباد الله سبحانه وتعالى، لا تحاول أن تمد براثن أذيتك وبغيك إلى الناس، إلى عباد الله عز وجل أياً كانوا، هذا معنى قوله الذي ذكره بل أعلنه شعاراً لشهر رمضان (يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر).

هذا الرسول الذي قال هذا الكلام هو ذاته الذي قال في حديث صحيح متفق عليه: (من لا يرحم الناس لا يرحمهم الله).

ترى ما هو مصير من حاول أن يُفْرِغَ هذا الشهر المعظم من المضمون الذي أحبه الله عز وجل له، حاول أن يفرغه من الرحمة التي أرسلها من خلاله إلى عباده، حاول أن يجتث الرحمة التي في أجواء هذا الشهر وأن ينشر في مكان ذلك الرعب والخوف، حاول أن يجتث المواساة التي جعلها الله سبحانه وتعالى معلمة هذا الشهر وأن ينثر وأن ينشر في مكان ذلك المخاوف والفتن وأسباب القتل والتخريب. ما مصير هذا الإنسان إذ يقف من الشهر هذا الموقف، يفرغه من مضامينه ويحاول أن يملأه بنقيض ما أحبه الله سبحانه وتعالى لعباده في هذا الشهر. ما مصير هذا الذي يقبل إلى مساجد الله عز وجل في أمسيات رمضان ثم لا يدبر عنها إلا وهي خاوية من روادها، إلا وهي مقفرة من الركع والسجد الذين يغشونها ذكوراً وإناثاً. ما مصير هذا الذي يقبل في كل أمسية من أمسيات رمضان إلى الشوارع والساحات ثم إنه لا يغادرها إلا وهي موحشة، إلا وهي بلقع بعد أن كانت تفيض بالساعين ذكوراً وإناثاً إلى بيوت الله عز وجل ولسان حال كلٍّ منهم يقول: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه : 84].

ما مصير هؤلاء الذين أقبلوا إلى مساجد الله عز وجل في ليالي رمضان ثم لم يدعوها إلا وهي بلقع فارغة من أولئك الذين كانت تزدهر بهم.

ما مصير هؤلاء الذين لم يدعوا شوارع الليالي – ليالي رمضان المؤنسة المحببة – إلا وهي موحشة ليس فيها داعٍ ولا مجيب، أين هم أولئك الذين كانوا يتسابقون إلى المساجد لقيام رمضان ذكوراً وإناثاً.

هل يمكن يا عباد الله أن يُحَارَبَ شهر رمضان بأعتى من هذه الحرب بهذه الصورة؟ ترى هل هذا هو الأمر المبيت لشهر الله عز وجل عندما سيقبل عما قريب؟

أنا أتساءل، أنا أتصور ما قد بلغني وأرجوا أن ما قد بلغني خطأً وليس صحيحاً، ولكني أفترض أن يكون الأمر صحيحاً، أفيمكن لشامنا هذه أن يكون هذا شأنها مع رمضان لأول مرة في تاريخها؟ أجل لأول مرة في تاريخها. حتى في أيام الحروب الصليبية كان القوم يهابون هذا الشهر وكانوا يعرفون له قيمته، نعم، أفيعقل هذا يا عباد الله، أن يأتي رمضان ولسان حال الأمة تعتذر له بأن المساجد غير مؤهلة لاستقباله وبأن الشوارع غير مؤهلة لأن تزدان بجماله، أفيعقل أن ننظر فنجد الناس الذين كانوا يهرعون إلى بيوت الله ذكوراً وإناثاً راكعين ساجدين أن نجدهم اليوم وقد حُبِسُوا في بيوتهم وحيل بينهم وبين الإقبال على الله وأخذت ألسنتهم تتوهج وتتوجه بالدعاء على من كان السبب في الحيلولة بينهم وبين الاستجابة لنداء الله سبحانه وتعالى، يدعون من قلوب مكلومة مجروحة على من منعوهم من الاستجابة لأمر رسول الله القائل:

(يا باغي الخير أقبل).

أرجو أن يكون هذا التصور الذي نسَجَتْه أخبار وأخبار في ذهني تصوراً باطلاً، ولكني على كل حالٍ يا عباد الله هاأنذا أتوجه من هذا المكان إلى إخوةٍ لنا سواء كانوا في داخل هذا البلد المبارك أو كانوا في خارجه، أتوجه إليهم وأنا أعلم وأنا على يقين من أننا بيننا وبينهم خيطاً بل حبلاً لا يزال ممتداً، إنه حبل الإيمان بالله، إنه حبل الانتماء بالعبودية إلى الله عز وجل، هاأنذا أناشدهم بسم هذا الحبل الجامع بيننا وبينهم، هاأنذا أناشدهم بقول الله عز وجل القائل:

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات : 10].

أناشدهم بهذا القرار الذي أعلنه بيان الله عز وجل ألا يحاربوه، وألا يستبدلوا بهذا القرار نقيضه، ألا يستبدلوا بالأخوة التي قررها بيان الله عز وجل بيننا العداوةَ والبغضاء والتربص والمخاوف والرعب بكل أشكاله لاسيما في ليالي وأيام رمضان، أناشدهم القربى، أناشدهم هذا الحبلَ الجامع بيننا وبينهم، أناشدهم الجامع المشترك من عبوديتنا جميعاً لله عز وجل ألا يمزقوا أمر الله عز وجل القائل بعد قراره:

(فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات : 10].

أناشدهم إيمانهم بالله عز وجل ألا يستبدلوا بالصلاح الفساد وكأنهم يقولون: لا بل إن شأننا أن نحيل الصلاح الذي أمرت به إلى فساد سنوغل فيه.

هذا ما أقوله بين يدي شهر الله عز وجل، بين يدي شهر رمضان المعظم.

أنا لا أتوجه بهذه المناشدة إلى من وراءهم، إلى الملقنين داخل المسرح كما قلت بالأمس، هؤلاء ليسوا منا في شيء ولسنا منهم في شيء، أولئك الملقنون لا يقيمون وزناً لا لرمضاننا ولا لقرآننا ولا لنبينا. متى كان داود ليفي يهتم بهذا الذي أقول؟ هذا الذي يمسك – أيها الإخوة – بملف سوريا وقد راهن على أن كل ما قد قرره سَيُنَفَّذ، لا أتوجه إليه ولا إلى صحبه الغادين والرائحين ما بين إسرائيل وباريس صباح مساء من أجل أن ينضجوا الخطة ومن أن أجل يقفزوا من رسمها إلى تنفيذها، ليسوا منا في شيء، ولكني أتوجه إلى إخوة أعزة لنا، أتوجه إلى من يجمعنا بهم نسب الإيمان بالله، أتوجه إلى من يجمعنا بهم نسب العبودية لله، أتوجه إلى من يجمعنا بهم الإيمان بقدسية شهر رمضان والإيمان بوصايا رسول الله r.

أيها الإخوة لا تكونوا سبباً في أن تقفر المساجد لأول مرة في رمضاننا المقبل عن روادها، لا تكونوا سبباً لأن تقفر شوارع الشام لأول مرة عن المتسابقين رجالاً ونساءً إلى بيوت الله عز وجل، لا تكونوا سبباً في أن تخفت أصوات التالين لكتاب الله عز وجل، لا تكونوا سبباً في أن ننظر إلى الشام يمنة ويسرة أثناء شهر رمضان المبارك وكأن الشام تعتذر لرمضان تقول له: لسنا منك هذا العام من شيء ولست منا في شيء.

أيعقل أن يكون مسلم سبباً لهذا؟ ثم ماذا؟ يفعل هذا كله بسم الجهاد؟ أرأيتم إلى جهاد يحارب شعارات رمضان؟ أرأيتم إلى جهاد يحارب شعار المصطفى القائل عن هذا الشهر المبارك: (يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر)؟ أرأيتم إلى جهاد يدور رحاه على المسلمين، على الآمنين المطمئنين؟ أرأيتم إلى جهاد يعرض أصحابه – بل يستخف أصحابه بقول رسول الله في الصحيح: (من خرج من أمتي على أمتي لا يتحاشى مؤمنها ولا يفرق بين برها وفاجرها ولا يفي بذي عهدها فليس مني ولست منه).

مرة أخرى أقول: أنا أتصور وهو خيال نسجته أخبار وصلت إلي ولكني إلى هذه اللحظة لا أضع هذه الأخبار من ذهني موضع اليقين. إخواننا المؤمنون بالله أسمى من أن يكونوا على هذه الحال، إخواننا المؤمنون بالله سيستيقظون ولسوف يقطعون صلة ما بينهم وبين ليفي، ولسوف يقولون: لسنا منك في شيء، لسنا جنوداً لك على باب الشيطان، لسنا جنوداً لك مهما وصفتنا بأننا أصدقاء مغفلون. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة