مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 15/07/2011

الإسلام ليس طيفاً من أطياف الحوار في الشام

تاريخ الخطبة


‏‏‏‏‏الجمعة‏، 14‏ شعبان‏، 1432 الموافق ‏15‏/07‏/2011

الإسلام ليس طيفاً من أطياف الحوار في الشام

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

ما من إنسان يعيش فوق هذه الأرض إلا وهو في واقعه عبد مملوك لله سبحانه وتعالى، علم ذلك أو جهل، اعترف بذلك أو استكبر عليه، وصدق الله عز وجل القائل:

(إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً) [مريم : 93-95].

ولقد علمت الدنيا كلها أننا نحن الذين شرفنا الله عز وجل بالاستيطان في هذه الشام المباركة في مقدمة من دانوا لحقيقة العبودية لله سبحانه وتعالى، وأنغضوا الرأس وأخضعوا العقل واستسلموا بشراشرهم لمالكية الله سبحانه وتعالى لهم، لا أدل على ذلك من شهادة رسول الله r لأهل الشام بذلك، يقول المصطفى r فيما صح عنه: (الشام خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده).

ولقد دان أهل الشام – وهم في مقدمة من دانوا – لحقيقة العبودية لله عز وجل، دانوا للعبودية لله عز وجل عقداً ألزموه بأنفسهم وعهداً بايعوا الله سبحانه وتعالى عليه، هذه حقيقة يَشْرُفُ بها أهل الشام يا عباد الله، وإننا لنسأل الله أن تبقى هذه الشهادة التي شهد بها رسول الله r للشام وأهلها إلى أن تقوم الساعة، إلى أن يقوم الناس لرب العالمين سبحانه وتعالى.

ومن هنا فإن الإسلام الذي اختاره الله عز وجل لنا واستسلمنا بطواعية لتشريف الله عز وجل لنا به، هذا الإسلام عقد – كما قلت لكم – مبرم في أعناقنا للذي دُنَّا له بديننا وإسلامنا. هذا الإسلام بيعة بايعنا الله سبحانه وتعالى عليه. ألم يقل خطاباً شرَّفنا به:

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) [المائدة : 3].

هذه صيغة العقد. خاطبَنَا الله عز وجل ولكنه لم يكن عقداً من طرف واحد، خاطبَنَا الله تشريفاً وقبلناه وأذعنا له شرفاً نلناه وعهداً وضعناه في أعناقنا إلى يوم الدين.

عباد الله: هذا الإسلام الذي ارتضاه الله عز وجل لنا والذي ينبثق من حقيقة عبودية الإنسان لله عز وجل هو ذلك الإسلام الحق، ذلك الإسلام الحقيقي الذي ينبثق من صريح كتاب الله عز وجل وصحيح سنة رسول الله r.

لئن كان العالم الإسلامي مترامي الأطراف ولئن كان الناس الذين يصطبغون بالإسلام ديناً ويعتزون به عقداً بينهم وبين الله عز وجل فلقد علمت الدنيا كلها أن الإسلام الذي أذعنت له أهل الشام عقداً بينهم وبين الله عز وجل هو ذلك الإسلام الحقيقي المنبثق من صريح كتاب الله كما قلت ومن صحيح كلام رسول الله r، هو ذلك الإسلام الذي يجمع ولا يفرق، يبني ولا يحطم، هو ذلك الإسلام الذي يحتضن الإيمان المطلق بالله سبحانه وتعالى ومن ثم فإنه يأتلف مع سائر المؤمنين بالله سبحانه وتعالى من مسلمين وكتابيين على السواء، هذا هو إسلامنا الذي يتمتع به أهل الشام، إسلام لا إفراط فيه ولا تفريط لأنه المنبثق من القرآن والسنة، إسلام لا غُلُوَّ فيه ولا عوج، إسلام لا ابتداع فيه، لا نسوقه إلى ما تحكم به أمزجتنا ولا نبدله حسب ما تقتضيه مصالحنا الزائفة السريعة الذاهبة. هذا الإسلام يا عباد الله من أجلِّ الثوابت التي لا يمكن أن تخضع لتبديل ولا حوار قط.

نحن نعلم أن في حياتنا كثيراً من المصالح التي تخضع للتطوير ومن ثم فهي تخضع للحوار وللنقاش ولكن هنالك ثوابت لا يمكن أن تخضع لا لحوار ولا لجدل أو نقاش، أرأيتم إلى وحدة الوطن أتخضع للحوار والنقاش؟! أرأيتم إلى الحقوق المادية أو الذاتية الكامنة في كيان الإنسان أفتخضع هذه الحقوق للمناقشة والحوار، كذلكم هوية هذه الأمة، كذلكم العقد المبرم بين هذه الأمة وبين بارئها سبحانه وتعالى حقيقة ثابتة لا يمكن أن تخضع للحوار قط بشكل من الأشكال.

ولئن كان سقف الوطن هو المدى التي لا يمكن أن تتحرك مسائل الحوار إلا في داخله فكذلكم المهاد الإسلامي هو التربة التي لا يمكن أن تتحرك مسائل الحوار إلا على مرأى من هذا المهاد وإلا على رقابة من هذا المهاد، أعتقد أن هذه حقيقة نعلمها جميعاً ومن ثم فإننا ندين بها جميعاً.

قيل لي: ما رأينا في مسائل الحوار أو أيام الحوار التي انطلقت من هذه البلدة طيفاً يمثل الإسلام وأهله فلماذا؟

قلت: ومن الذي قال لك: إن الإسلام وأهله إنما هو طيفٌ من هذه الطيوف المتحاورة المتناقشة. الإسلام هو المصدر الذي تنبثق منه هذه الأطياف كله، من قال لك: إن الإسلام إصبع من الأصابع الكثيرة التي تتحرك في ساحة الحوار والنقاش لمسائل هذه الأمة، من قال: إن الإسلام إصبع من هذه الأصابع، إن الإسلام هو المعصم الذي تنبثق منه هذه الأصابع كلها.

الإسلام أجلُّ ثابت من الثوابت، عمره مديد فيما يتعلق بالقدم وعمره قدسي مديد فيما يتعلق بالمستقبل، هذه حقيقة لئن جهلها الناس يميناً وشمالاً فإن شامنا هذه لن تنكرها ولن تجهلها قط.

والدستور – يا عباد الله – هل الدستور إلا مرآة لهوية الأمة؟! هذه حقيقة لا يجهلها أحد بشكل من الأشكال. دستورنا الذي نعتز به إنما هو مرآة لهوية هذه الأمة، وقد علمتم أن هذه الأمة التي شرفها الله عز وجل بأن تستوطن في شامه المقدس كانت ولا تزال مصطبغة بذل العبودية لله عز وجل، تعتز أيما اعتزاز بهذا الذل، تعلم الأدلة الناطقة بذلك، من أجلِّ هذه الأدلة المصدر الذي انطلقنا منه والنهاية التي سنصير إليها والطاقات التي بثها الله في كياننا ننفعل بها ولا نفعل باختيار شيئاً منها. نحن كنا ولا نزال الناس الذين عقدوا مع الله عز وجل صفقة العبودية له، صفقة الالتزام بأمره، صفقة الالتزام بهديه على النحو الذي ربَّانا عليه كتاب الله، لا إفراط فيه ولا تفريط، لا بغي فيه ولا انحراف، يبني إسلامنا ويعلمنا البناء، يعلمنا الائتلاف. الدين بشطريه الإسلامي والكتابي متعانقان متآلفان، وصدق الله القائل:

(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة : 8].

هذا الواقع لا يمكن إلا أن يتجلى في المرآة، ومرآتنا إنما هو دستورنا، فمن أراد أن يتخذ من حريته الفردية – وهي حرية متَّع الله كل فردٍ فردٍ بها – من أراد أن يجعل من حريته الفردية سلاحاً يمتلخ به حرية الأمة فقد أبعد النُّجْعَة وحاول أن ينكس حقيقة الحرية وأن يمسخها، أن يختار الإنسان المعتقد الذي يشاء هذا ما ملَّكَهُ الله إياه في دار الدنيا

(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) [البقرة : 256]

أما أن تجعل من حريتك هذه التي متعك الله بها سلاحاً تحاول أن تقتضي به على حرية الأمة وأن تنهي ميقات هذا العقد المبرم بين هذه الأمة وبين مولاها وخالقها عز وجل فهذا شيء ليس إليك وهذا إنما هو إجرام في حق الحرية وإساءة لها.

هذه – يا عباد الله – الحقيقة التي قد يغص بها أناس من حولنا عن يمين وشمال لكن شامنا المشرَّفة لا يمكن أن تغص بها، شامنا التي شهد لها رسول الله وشهد لنا فيها رسول الله r إذ قال: (هي خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده) لا يمكن أن تخضع لهذا الحلم ولا يمكن أن تخضع لهذه الأمزجة قط، أجل يا عباد الله. أقولي قولي هذا وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا بقوله الثابت وأن يكرمنا بالاعتزاز بشرعه ودينه إلى أن نلقاه وهو عنا راضٍ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة