مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 24/06/2011

إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم

إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

إن مما وعيناه وحفظناه ونحن على رَحال المكاتب وفي مقاعد الدرس حديث رسول الله r المشهور والمعروف والذي اتفق على روايته الشيخان الذي يقول فيه r: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إن اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى).

في ظل هذا الحديث تنامت تربيتنا الإنسانية، وفي ظل هذا الحديث شعرنا بقدسية الإنسان وأدركنا سمو حياته، ثم إن ذلك كله تُوِّجَ بقرار الله سبحانه وتعالى الذي طالما غُذِّيْنَا به:

(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) [المائدة : 32].

هذه تربيتنا التي تلقيناها من كتاب ربنا ومن هدي نبينا محمد r.

عباد الله: لقد شاء الله عز وجل أن يمتد بي العمر إلى هذا الشأو الذي ترون أو تعرفون، وما كنت أتصور أن يأتي من يخطئ رسول الله r في هذا الذي قرر وفي هذا المبدأ الذي رُبِّيَتْ عليه الأجيال منذ بعثة رسول الله r إلى هذا اليوم، إلى أن فوجئت منذ بضعة أسابيع بمن يقرر أن لا حرج في أن يستحر القتل بالمسلمين وأن يسطو البعض منهم على البعض، لا حرج في أن يخرج المسلمون إلى الشوارع فيستثيروا ويحرضوا ثم يستثيروا ويحرضوا على القتل. قال قائلهم: وليحدث القتل، وليسقط العشرات في سبيل التغيير من المسلمين فهذا جائز.. وهذا أيها الإخوة يتضمن تخطئة واضحة لسيدنا رسول الله r وسعياً إلى وسعياً إلى تصحيح موقفه. ما كنت أتصور أن أعيش وأن أرى بعيني من يخطئ المصطفى فيما يكتب أو يخطئه فيما يقول ويُسْمِع. وربما قال قائلهم: إن الذي يبرر هذا إنما يبرر التسبب والحرج على المباشر وليس الحرج على المتسبب. وهذا تلاعب آخر بشريعة الله التي لا أعلم فيها – في هذه المسألة – خلافاً قط. المتسبب لارتكاب الجريمة شريك ولكن مسؤولية المتسبب أعتى وأشد، إذا كانت الجريمة قتلاً فالمتسبب يُكلَّفُ بالدية، يُكَلَّف بالكفارة، من الذي قال: لك أن تنفخ في نيران الفتنة كما تشاء، لك أن تحرض وأن تستثير فإذا استثير فلان وفلان واهتاج فلان وفلان فمن باشر القتل أو باشر الإجرام تكون أنت البريء وهو المرتكب وأنت الذي تنفخ في نيرانها! يا عجباً لهذا التلاعب الغث بشريعة الله سبحانه وتعالى.

عباد الله: يقول حبيبنا المصطفى في خطبة الوداع كلاماً يرسله إلينا نحن من وراء الأجيال، يخاطب من خلال أصحابه الأجيال المتتابعة التالية إلى يومنا هذا، يقول: (ألا لا تعودوا بعدي ضُلاَّلاً يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا هل بلَّغت، ألا هل بلَّغت، ألا هل بلَّغت اللهم فاشهد) وفي رواية (ألا لا تعودوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) إيذاناً منه r بأن من فعل هذا فقد وقع في مزلق الكفر.

يقول رسول الله مخاطباً لنا في خطابه الوداعي في حجة الوداع: (ألا لا تعودوا بعدي ضُلاَّلاً يضرب بعضكم رقاب بعض) ويأتي من يقول: لا أنت مخطئ، بل سيضرب بعضنا رقاب بعض في سبيل الهدف الذي نسعى إليه، بل يسمى ذلك أيضاً جهاداً، كيف!

كيف يُسَلَّطُ المؤمن على المؤمن، إن عن طريق التسبب أو عن طريق المباشرة ثم يرفع فوق عمله هذا لواء الجهاد واسم الجهاد.

أعود فأقول يا عباد الله: إنني في حيرة عجيبة من هذا الأمر المفاجئ الذي كنت أتصور أن الموت الذي أنا على ميعاد معه أقرب إلي من أن أفاجَئ بهذا الكلام الذي يتضمن تخطئة رسول الله فيما أوصى وفيما قرر وحكم.

كيف؟ متى تسربت إلينا هذه اللوثة؟

وأخيراً علمت إن اللوثة تسربت إلينا من خلال عجوز أمريكية حُمِّلَتْ ذات يومٍ مهمة، اخترعت تنفيذاً لأحقادها ما سمته (الفوضى الخلاقة) وتعني بهذه الكلمة الفوضى التي تتمثل بالقتل المستحر من أين جاء وكيف جاء، الفوضى المتمثلة في الإحراق والتخريب والتقتيل وما إلى ذلك بطريقة عشوائية لا ترسمها القوانين، بشرط أن تكون هذه الفوضى المتمثلة في القتل والإحراق والتخريب وفنون الإفساد ضامنة للنتيجة التي تسعى إليها عجوز أمريكا. هذه الفوضى الخلاقة أُرْسَلَتْ سلاحاً متطوراً حديثاً إلى المجتمعات الإسلامية التي تريد أن تتمرد على سياسة القطب الأمريكي الواحد، ولعل فيكم من عرف هذا الذي أعرفه، ولعل فيكم من وضع يده على وثائق في هذا الأمر.

(الفوضى الخلاقة) سلاحٌ جديد تجاوز أسلحة الإرهاب تجاوزاً كبيراً جداً جداً.

من الذي يصدره؟ أمريكا هي التي تصدره.

ومن الذي يتناوله؟ عملاء أمريكا.

من هنا جاء هذا القراء القائل: وليكن هنالك قتل، وليستحر القتل بالعشرات بل ربما بالأكثر – ولا أريد أن أبالغ في النقل – وليكونوا مؤمنين من المسلمين مادام ذلك ضماناً للهدف المرسوم، إنها (الفوضى الخلاقة) التي رسمتها أمريكا من خلال عجوزها التي ذكرتها لكم والتي تُبَثُّ ويعمل عاملون على تنفيذها فيما بيننا.

هذه حقيقة أيها الإخوة – وما عشت في حياتي أزجي الأخيلة والأوهام لأجعل منها حقائق، معاذ الله، معاذ الله – هذه حقيقة أرويها لكم بعد أن عرفتها وتحققت منها.

حسناً، ما العلاج؟ نحن الضحايا يا عباد الله، أو نحن الذي يُرَادُ منا أن نكون الضحايا.

عهدي بأهل الشام إلى هذا اليوم أنهم يمتازون عن سائر البلاد العربية والإسلامية الأخرى التي زرتها أنهم يتمتعون بمعرفة بشريعة الله عز وجل تجعلهم يقفون بين قرار العقل وحوافز العاطفة، تجعلهم يسيرون على النهج الأوسط بين جواذب العقل وجواذب العاطفة. لم أعرف في يوم من الأيام أن المسلمين العلماء طبعاً في سوريا كانوا ضحايا لعواطفهم الهوجاء، وما أعلم أنهم في يوم من الأيام كانوا ضحايا لعقلانيتهم الجافة أيضاً، هذه المزية أعرفها.

ما الذي ينبغي أن تتوَّج به هذه المزية؟ الوعي. والوعي هو سيد حوافز السلوك في حياة الإنسان. لا يكفي – عباد الله – أن نتمتع بدراية كافية بشريعة الله مع عاطفة حارة تسير بنا على صراط الله، لا. لابد من أن نتمتع بالوعي حتى نعلم ما الذي يُرَادُ بنا، حتى نشم رائحة المخططات التي تُطَبخُ وتُنْضَجُ في ليالٍ سود ثم إنها تُرْسَلُ إلينا، لابد من الوعي أيها الإخوة، أجل هذا الوعي هو الدواء وهو العلاج.

الدعوات التي نتلقاها، نتلقاها من مجهول، وحاولتُ جاهداً أن أعرف هذا المجهول ولو كانت معرفة شخصية ولكني لم أتمكن من ذلك.

هذه المحاولة ينبغي أن لا نكون ضحايا لها، ينبغي أن يكون الإنسان المؤمن المسلم في هذه البلدة المباركة أسمى من أن يكون ضحية لها.

من أنت يا من تقودني إلى ما تشاء؟ والنتيجة التي ستصل إليها إن نجحتَ ما هي؟ أرني النتيجة، أرني المنهاج المرسوم، أرني الفئات التي تريد أن تجعلهم يحلُّون محلَّ الآخرين، أرني وعندئذٍ يمكن أن أنقاد لك. أما أن تقول لي: سِرْ ولا تسأل، امش ولا تسأل، نفَّذْ، لا، لقد كان الإنسان أكرم من هذا. حتى ربنا لم يلزم الإنسان بأن ينقاد بعين مغمضة، حتى ربنا لم يلزم الإنسان أبداً بأن ينقاد للمجهول:

(وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء : 36].

هذا هو الدواء، ولا أزال إلى هذه اللحظة أرفع رأسي عالياً بالمزية التي أكرم الله بها نقاية العلماء في هذه البلدة، العلم الذي يجعلهم يقفون بين العقل والعاطفة والوعي.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، فاستغفروه يغفر لكم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة