مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 17/06/2011

لكل مقام مقال

‏‏‏‏ لكل مقام مقال


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

إن المجتمع الإنساني كل لا يتجزأ، وهو يتألف دائماً – أو في الغالب – من شطرين اثنين، أما الشطر الأول فالقادة وأولو الأمر في ذلك المجتمع، وأما الشطر الثاني فعامة الناس أو من يُنْعَتُون بالمواطنين أو الشعب. هذه حقيقة معروفة لا مِرْيَةَ فيها. فإذا عرفنا ذلك فلنعلم أن كلا الشطرين من المجتمع أيَّاً كان معرض لارتكاب المفاسد ومطالَبٌ بالصلاح والإصلاح، وما ينبغي أن نتصور أن شطراً واحداً من المجتمع هو الذي يلاحقه الفساد ومن ثم فهو الذي يطالَب بالصلاح أو الإصلاح. المَعين هو الأمة ومن ثم فكلا الشطرين ينطبق عليه كلام رسول الله: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون).

بل ينبغي أن نعلم أن الفساد إذ يستشري إنما ينتشر أولاً في القاعدة ثم يتسامى ويتعالى إلى أن يصل رذاذه إلى القمة. كذلكم الصلاح والإصلاح إنما ينتشر أولاً في القاعدة ثم إنه ينعكس إلى القمة وقد أوضح لنا رسول الله r هذا في الحديث الذي يرويه الحسن البصري رضي الله عنه: (عُمَّالُكم أعمالكم، كما تكونوا يولَّى عليكم). هذه حقيقة ثانية إذاً ينبغي أن نعلمها وأن نتبيَّنَها.

أما الحقيقة الثالثة فهي أن علينا إذا عرفنا ذلك أن نتوجه بالنصح إلى كلا هذين الشطرين، إذا عرفنا هذه الحقيقة فإن علينا أن نحذِّر كلا شطري المجتمع من الفساد والركون إلى الفساد. إن الالتفات إلى شطر واحد – وليكن شطر القاعدة الشعبية أو القمة – مع الإعراض عن الشطر الثاني شأنه كمن يتعامل مع كفة واحدة من الميزان معرضاً عن الكفة الأخرى. هذه حقيقة أخرى ينبغي أن نتبيَّنَهَا يا عباد الله.

تعالوا إذاً إلى مرحلة التطبيق التي يلاحقنا بها بيان الله عز وجل في كثيرٍ من آي كتابه المبين من مثل قوله:

(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران : 104].

تقول الحكمة الصائبة المعروفة: (لكل مقام مقال)، ينبغي أيها الإخوة أن نضع هذه الحكمة إماماً نصب أعيننا عندما نريد أن نتوجه إلى شطري هذه الأمة بالدعوة إلى الله، بالتذكير بأوامر الله، بالنهي عن الفساد والإفساد، بالأمر بالصلاح والإصلاح، القاعدة تقول: (لكل مقام مقال).

أنا الآن واحد – أيها الإخوة – ممن شرَّفَه الله عز وجل بالوقوف على منبر رسول الله – وأنا أعلم أنني لست أهلاً لذلك، ولكنها وظيفة أقامني الله عز وجل فيها – أنظر إلى الناس الذين أمامي وإذا هم من الشطر الثاني، وإذا هم من دهماء الناس وعامتهم، إذاً ينبغي أن أتوجه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إليهم، ينبغي أن أُذَكِّرَهُم هم بالإقلاع عن الفساد والإفساد والسير في طريق الصلاح والإصلاح، فإن أنا أعرضت عن الناس الذين هم أمامي وأخذت أتحدث عن الشطر الثاني آمرهم وأنهاهم وأذكِّرهم وأحذِّرهم فقد خالفت المنطق وسلكت مسلك العابث في أمره ونهيه، الناس الذين أمامي أعرضت عنهم والناس الذين لا يسمعون كلامي وهم بعيدون عني لاحقتهم بالتذكرة والأمر والنهي.

ولكن إذا وجدت أن فرصة سانحة قد تهيأت أمامي ونظرت فوجدت أن قادة الأمة والقائمين على شؤونها هم الذين أراهم أمامي إذن ينبغي أن أتوجه بالنصح إليهم وينبغي أن أتحدث عن دورهم هم في التسامي عن الفساد وفي العكوف على الصلاح وعلى الإصلاح. أليس هذا معنى المثل المنطقي القائل: لكل مقامٍ مقال أيها الإخوة؟ تعالوا نطبق ذلك.

إنني الآن أَشْرُف بأنني أقف أمام ثلة من عباد الله عز وجل ممن يسَمَّون دهماء الناس وعامتهم أو المواطنين أو الشعب إذاً فيجب أن أحملهم مسؤولية الإصلاح والصلاح المنوطة بهم، وهذا ما سأفعله الآن معتمداً على التلخيص والإجمال سائلاً الله عز وجل أن يرزقني وإياكم نعمة الإخلاص لوجهه.

أولاً أناشد إخواننا الفنانين الذين يعكفون اليوم على تحضير البرامج الفنية لرمضان المقبل، أناشدهم أن يأخذوا العبرة مما تم في رمضان العام الماضي، أناشدهم وأنا أقدر رسالة الفن، وأنا واحد ممن يعلم قيمة الفن، أناشدهم أن يستخدموا الفن رسالةً لإصلاح الحال، لرفع المستوى، لشد الأمة إلى مزيد من الانضباط بالقيم، إلى مزيد من الانضباط بالأخلاق الإنسانية الرضية، إلى مزيد من الانضباط بأخلاق الأسرة، بالود الذي ينبغي أن يشيع داخل أفراد الأسرة، أبواب كثيرة مفتحة أمام الذين يمارسون هذا الفن، ما لهم يغلقون على أنفسهم هذه الأبواب كلها ثم يصرون على أن يسلكوا باباً واحداً لا ثاني له هو باب إثارة الغرائز؟ لا يا أيها الإخوة، لا أيها الإخوة، خذوا العبرة من العام الماضي وإياكم أن تدفعوا أمتكم إلى الوقوع في مصيبة أو فتنة أخرى.

رجال المال، رجال الأعمال أناشدهم الله ألا يجعلوا من النعمة التي أغدقها الله عليهم سكراً، أناشدهم الله ألا يجعلوا من الرشاوى سبيلاً للقفز فوق ضوابط الشريعة في المعاملة، فوق ضوابط القانونين المرعية في المعاملة، أناشدهم الله أن يؤدوا حقوق الله كاملة في أموالهم، المال يذهب والقيم والإيمان يبقى، إيمانك هو الذي ينجيك غداً، وفاؤك لحقوق الله في عنقك هو الذي يسعدك غداً.

الناس العاكفون على غيهم الذين يقطعون الليالي سهارى عاكفين على تغذية غرائزهم، شهواتهم، لا يعرفون معنى لأركان الإسلام وفي مقدمتها الصلاة، تمر السنة تلو السنة تلو السنة ولا يلتفت الواحد منهم إلى كتاب الله يمسكه يقرأ فيه آية، غريب عن كتابِ الله وكتابُ الله عز وجل غريب عنه.

أناشد هؤلاء الإخوة جميعاً – وأولهم كما قلت لكم الإخوة الأعزة الذين يعكفون على الفن وتحضير البرامج الفنية لرمضان – أناشدهم الله ألا يجعلوا من أنفسهم مصداق قول الله:

(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [لقمان : 6].

رجال المال والأعمال أناشدهم الله ألا يجعلوا من أنفسهم مصداق قول الله سبحانه وتعالى:

(وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة : 188].

إخواننا الذين يعكفون على سهراتهم التي تحجبهم عن هوياتهم وهم لا يعلمون متى يحين الحَيْنُ ويتخطفهم الموت، أناشدهم الله ألا يكونوا ممن قال الله عز وجل عنهم:

(فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) [مريم : 59].

أيها الإخوة: هذا هو المنهج الذي بصَّرَنَا به كتاب الله وعلَّمَنَا إياه رسول الله.

عندما أكون أمام هؤلاء الإخوة ينبغي أن أذكرهم بالأمانة التي حُمِّلُوهَا، ينبغي أن أحدثهم عن الإصلاح المنوط بأعناقهم وأن أحذرهم من الفساد الذي يمكن أو يوقعوا أنفسهم فيه.

فإذا حانت الفرصة ويسَّرَ الله سبحانه وتعالى أن أرى نفسي أمام ثلة من إخواننا الذين ملَّكهم الله عز وجل قيادة هذه الأمة فلذلك حديث آخر، عندئذٍ ينبغي أن أحدثهم عن الأمانة المنوطة في أعناقهم، ينبغي أن أحدثهم عن الصلاح والإصلاح المنوطين بهم، ولكن معاكسة الأمر إن هي إلا عبثٌ ينبغي أن نتنزه عنه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم فاستغفروه يغفر لكم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة