مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 10/06/2011

وصايا المصطفى ﷺ تعاني من الغربة في الشام

وصايا المصطفى r تعاني من الغربة في الشام


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

رسول الله r مشدود العاطفة إلينا، شديد الاهتمام بشؤوننا، كثير الاستغفار لنا، كثير التحنان والشوق إلينا، أجل بهذا وردت أحاديث صحيحة كثيرة.

وننظر إلى حال المسلمين اليوم فنجد أن قدراً كبيراً من المسلمين معرضون عن هذا الرسول الذي يتشوق إليهم ويهتم بهم ويستغفر لهم ويلاحقهم بالوصايا والنصائح، تلك هي المأساة الكبرى من وراء المآسي التي نشعر بها أو نتحدث عنها، نعم تلك هي المأساة الكبرى.

يقول المصطفى r مرسلاً خطابه لهذه الأجيال من وراء أسوار القرون، يقول مخاطباً في حجة الوداع: (ألا لا ترجعوا بعدي ضُلاَّلاً يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد)، وننظر فنجد القتل اليوم يستحر بالمسلمين على أيدي المسلمين، ونتأمل في حال من ينسبون أنفسهم إلى رسول الله وإلى الإسلام وإذا بلسان حالهم يقول: لسنا من وصية رسول الله في شيء، لقد أُمِرْنَا، لابد أن ننفذ، ولقد اتجهت إلينا المتطلبات من هنا أو هناك ولابد لنا أن نحقق. وتنظر وإذا بالسلوكات الشائنة هذه قد قطَّعَت أوهى الخيوط الواصلة بيننا وبين رسول الله r.

يقول المصطفى r فيما صح عنه: (من خرج من أمتي على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى مؤمنها ولا يفي بذي عهدها فليس مني) ونقول هذا ونبلِّغ كما أمر رسول الله: (ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب فرب مُبَلَّغٍ أوعى له من سامع) هكذا قال رسول الله، نبلِّغ هذا الذي قاله رسول الله وإذ بالوجوه تشيح عن هذه الوصية النبوية، وإذا بالكلمات تستخف بهذا الأمر النبوي بل بهذا التحذير النبوي إذ يقول: (من خرج من أمتي على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى مؤمنها ولا يفي بذي عهدها فليس مني) كم رأينا من يسخر من هذا التحذير النبوي وننظر فنجد أو نسمع أن عشرات المسلمين قد قُتِّلُوا بأيدي المسلمين، لم يُقَتَّلُوا بأيدي أعدائهم على النقيض مما أوصى به رسول الله، على النقيض مما حذر منه رسول الله.

رسول الله r يقول ويحذر: (من قاتل تحت راية عمية فَقُتِل فَقِتْلَتُه جاهلية) أي من سار وراء قيادة لا يعلمها ولا يعلم الغاية التي تسير به إليها فليعلم أنه إن قُتِلَ فإن قتله سيرمي به إلى ما وراء سور الإسلام (فَقِتْلَتُهُ جاهليه) وننظر وننقل هذا الكلام ونعيده ونبلغ هذا الذي أمر رسول الله r بتبليغه وإذ بنا نسمع من يقول: بل لابد أن ننفذ الأمر الذي وُجِّهَ إلينا من غرب أو من شرق أو من هنا وهناك، لابد أن نعرض عن هذا الذي قاله محمد رسول الله ونفضل عليه تنفيذ ما يُتَطَلَّبُ تنفيذه منا من خطط خارجية، ما ندري ما يراد بنا من ورائها، وكم نقول ولكن رسول الله حذَّرَ فلا نجد إلا الإعراض والاستخفاف.

عباد الله: يقول لنا رسول الله r: (إنها ستكون فتن من بعدي)، قال سيدنا علي: فما المخرج منها؟ قال: (المخرج منها كتاب الله) أي الانضباط به وتنفيذ أوامره.

واليوم وإن هذه الفتنة لتمر بنا – أقول تمر ولا أقول تتلبث، وهذا هو يقيني ولله الحمد – ننظر فنجد مولانا وربنا أرسى أمراً خاطب به عباده تنبثق من خلال هذا الأمر قاعدة هامة تسمى قاعدة سد الذرائع، يقول:

{وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ}الأنعام 108 أي إذا كان الأمر المشروع – بل الأمر المطلوب والمسنون وربما كان الواجب – يكون ذريعة إلى جريمة أو محرم أكثر خطورة من الواجب الذي تنفذه فيجب أن تترك هذا الأمر المشروع لأنه يتحول إلى محرم بل يتحول إلى جريمة، ولقد ضرب البيان الإلهي لذلك بمثل بسيط بالنسبة لما نرى، قال:

(وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ) أي لا تسبوا أصنامهم (فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) لأن هذا الذي تفعلون يكون ذريعة إلى أن يسبوا إلهكم الحقيقي وهو الله عز وجل، إذاً لم يعد سب الأصنام مشروعاً لأنه يودي إلى سب الإله، سب الله عز وجل، فكيف إذا أودى إلى قتل النفوس البريئة؟ فكيف إذا تسبب عن فعلٍ وليكن مشروعاً، إذا تسبب عنه قتل البرآء، إزهاق حياة البرآء، يصبح هذا الأمر – حتى ولو كان مشروعاً في أصله ولو كان مسنوناً بل لو كان واجباً من درجة دنيا يصبح ذلك محرماً، وننظر فنجد كثيراً من المسلمين الذين قطعوا مما بينهم وبين رسول الله ونصائحه أوهى الخيوط نجد أنهم يوغلون في ارتكاب الذرائع التي توصل إلى جرائم محرمة، تصرفات قد تكون في أصلها جائزة مشروعة ولكنها تستثير إلى فتن، يتذرع بها الفاعل إلى محرم، تُزْهَقُ من ورائها أرواح، يصبح هذا العمل جريمة أيها الإخوة والمتسبب عن ذلك يصبح في شرع الله قاتلاً يكلَّفُ بدفع الدية ويحاسَبُ يوم القيامة على أنه قاتل حتى وإن لم يكن يشعر بذلك لأنه لم يحمل سلاحاً ولم يقتل بريئاً ولكنه خرج يهتف، خرج يتحدى، خرج يمارس فعلاً وردود فعل فكانت العاقبة هذا الذي أقوله لكم، وخطاب الله عز وجل يقول: إن المباح يتحول إلى محرم بل إلى جريمة إذا أصبح ذريعة إلى محرماً، ننظر فنجد كثيراً من المسلمين يوغلون في ارتكاب الذرائع إلى جنايات، وأنا لا أفرِّقُ يا عباد الله بين فئة وأخرى، لا أفرِّقُ بين طرفٍ وطرفٍ آخر، كل من يوغل في ارتكاب ما يعد ذريعة إلى محرم، ما يعد أو يكون ذريعة إلى جريمة قتل تكون هذه الذريعة بحكم القتل ذاته.

عباد الله، أحب أن أتساءل ما هي علاقتنا اليوم بمحمدٍ رسول الله؟ أنحن موقنون بأنه نبينا وأننا منتسبون إليه نصغي إلى أوامره إذاً لماذا هذا الإعراض عن وصايا رسول الله؟! يلاحقنا المصطفى بحبه، بشوقه، بتحنانه، بوصاياه، يلهث رحمةً وإشفاقاً علينا، يسرع لحاقاً بنا: لا تفعلوا، لا تفعلوا، إياكم، إياكم، أحذركم، ستقعون في عقابيل هذا البلاء إذاً، ونحن معرضون.

إن كانت نسبتنا إلى رسول الله باقية فتعالوا نبايع رسول الله على السمع والطاعة، تعالوا ننفذ وصاياه، هو رسول إلينا كما كان رسولاً إلى العرب في عصره.

أما إن كان فينا من قد قرر أن يقطع نسبته إلى رسول الله ومن ثم فهو يسير في النقيض مما أوصى رسول الله مطمئن البال، واثقاً من هذا النهج فليعلن ذلك حتى تتميز الفئات بعضها عن بعض.

أما نحن فإننا نعلن في كل يوم لاسيما في هذه المناسبة بأننا لا نزال من أمة رسول الله، لسنا – ولله الحمد – من أمة الدعوة فقط بل نحن من أمة الدعوة والاستجابة معاً، إننا لا نزال نعلن بأننا نتمسك بوصايا رسول الله التي أرسلها إلينا من وراء القرون، نعلن بأننا حريصون على أن لا نخرج عن أمره، الأوامر التي ننفذها هي التي تأتينا من لدنه، أما الأوامر التي تأتينا من ظلمات ما وراء البحار، من المجهول فمعاذ الله وحاشى أن نفضلها على أوامر رسول الله r.

أنا أدعوكم وأدعو كل من يسمع كلامي وأدعو نفسي: ما دمنا معتزين بنسبتنا إلى رسول الله أن نجدد البيعة له، أن نصغي السمع إلى وصاياه، أن نطبق أوامره، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم فاستغفروه يغفر لكم.

عباد الله: يطيب لي أن أُذَكِّرَكُم كما قد ذكَّرْتُ نفسي وأن أوصيكم كما قد أوصيتُ نفسي بالتوبة والإنابة إلى الله تنفيذاً لقول الله عز وجل:

(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور : 31]

ثم بكثرة الالتجاء الصادق الخفي إلى الله عز وجل، وليكن ذلك يا أيها الإخوة، يا من يبلغهم كلامي ليكن ذلك في الأسحار، ليكن ذلك في الساعة التي تقوم فيها من رقادك وتقف فيها أمام ربك وليس بينك وبينه فيها أحد، تركع وتسجد، تخاطبه بسجودك، متذللاً بذل عبوديتك باللغة التي تحب، بالأسلوب الذي تشاء، بالطريقة التي تستطيع.

التجئوا إلى الله، التجئوا إلى الله يا عباد الله فذلك هو مفتاح الفرج القريب، أقول القريب.

ومهما كانت الوسائل المادية ناجعة، ومهما كانت كثيرة ومشروعة فكل ذلك لا يجدي إلا مع صدق الالتجاء إلى الله عز وجل، وصدق الله القائل:

(وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) [الأنعام : 42].

أوقات السحر اجعلوها ميعاداً بينكم وبين الله، أدعيتكم التي تصَّاعد إلى السماء العليا سهام الأسحار، وسهام الأسحار لا تخطئ يا عباد الله، ولكن المطلوب أن نبدأ بالتوبة ثم بهذا الالتجاء إلى الله. أَمَرْتُ نفسي بهذا وأمرت أهلي بهذا وأوصيت إخواني جميعاً بهذا وأوصي كل من يسمعني لاسيما قادة هذه الأمة بهذا.



تشغيل

صوتي
مشاهدة