مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 03/06/2011

المخرج من المصائب عندما تحدق بنا

تاريخ الخطبة


‏‏‏‏‏الجمعة‏، 02‏ رجب‏، 1432 الموافق ‏03‏/06‏/2011

المخرج من المصائب عندما تحدق بنا

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

إن المصائب التي يبتلي الله عز وجل بها عباده آتيةٌ بقضاء من عنده وبحكم من حكمته وهي عصي تأديب هابطة إلى العبد من لدن قيوم السموات والأرض، فما ينبغي أن نُحْجَبَ عن هذه الحقيقة بما يجند الله سبحانه وتعالى لقضائه من أسباب، ما ينبغي أن نُحْجَبَ عن رؤية المُسَبِّب بالأسباب المادية الجزئية التي كثيراً ما نحبس أنفسنا داخل أقطارها. تعالوا يا عباد الله نتجاوز أقطار هذه الجنود التي يجندها الله عز وجل لحكمه لقضائه النافذ، تعالوا نقف أمام الحاكم الأوحد الذي يقضي في عباده بما يشاء.

ألا فلنصغ السمع أولاً إلى بعضٍ من الآيات التي يؤكد لنا فيها بيان الله عز وجل أن المصائب والابتلاءات التي يُبْتَلَى بها العباد إنما تأتي من لدن رب العالمين مباشرة، تعالوا نصغي إلى قوله عز وجل:

(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63].

ما أظن أني بحاجة إلى أن ألفت نظري وأنظاركم إلى الربط.

تعالوا نصغ السمع إلى قوله عز وجل:

(وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى: 30].

تعالوا نتدبر قوله سبحانه وتعالى:

(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 165].

إذاً المصائب أياً كانت إنما هي عصي تأديب هابطة إلى العباد من لدن رب العباد سبحانه وتعالى، أما الأسباب الظاهرة فجنود لله عز وجل:

(وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) [المدثر: 31].

ولكن تعالوا نتساءل يا عباد الله: ما المخرج من هذه المصائب عندما تحدق بنا وما السبيل إلى أن تبتعد عنا؟

أولاً لابد أن نصغي السمع إلى ما يقوله المنطق:

الذي يرفع البلاء إنما هو الذي أرسله، والذي يكشف الغماء إنما هو ذاك الذي بعثه، هذه حقيقة لا يجهلها أحد، فإذا كانت المصائب آتية بقضاء وحكم من مولانا وخالقنا عز وجل فلنعلم يقيناً بما يجزم به المنطق أنها لا ترتفع إلا عن طريق من قد أنزلها ألا وهو الله سبحانه وتعالى، تعالوا نصغي السمع في هذا إلى ما يبينه لنا الله سبحانه وتعالى:

(وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يونس: 107].

هذا هو قرار الله.

(وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ) لهذا الضر (إِلاَّ هُوَ) إلا الله سبحانه وتعالى.

حسناً تعالوا نسأل مولانا وخالقنا: كيف السبيل يا ربي إلى أن ترفع عنا هذا البلاء؟ لقد مسنا الضر وقد علمنا أنه لم يمسنا إلا بقضاء من لدنك فكيف السبيل إلى أن تكشف عنا هذا الذي مسنا بحكم من لدنك؟ ويأتي الجواب من لدن مولانا الذي نتوجه إليه بهذا السؤال:

(وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) [هود: 3].

هذا هو الجواب.

(وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً) تنقشع الغمة ويرتفع البلاء ويأتي دور التمتيع بالنعم (يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ).

وها هنا النقطة التي ينبغي أن نقف عندها، ها هنا الدواء الذي يبصرنا به بيان الله عز وجل.

وأنا يا عباد الله إنما أخاطب نفسي مؤمناً بأني عبد من عباده وأنه يراني الساعة ويسمع كلامي وأن مصيري إليه، وأقول هذا لكم مؤمناً بأنكم جميعاً موقنون بعبوديتنا لله وبأننا نتحرك في قبضة الله وأن مصيرنا إلى وقفة لا ريب فيها بين يدي الله عز وجل.

ما العلاج الذي به تنكشف الغمة والذي به تعود المتعة بل سلسلة المتع التي يكرم الله عز وجل بها عباده؟ إنما هي التوبة والإنابة إلى الله عز وجل، هكذا يقول الله، وهذا هو الدواء الذي يشير لنا إليه:

(وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ) [هود: 3].

عباد الله: أنا أدعو نفسي أولاً وأدعوكم جميعاً وأدعو كل من يصغي السمع إلى كلامي الساعة، أدعو أنفسنا جميعاً وإخواننا جميعاً وقد آمنا بالله عز وجل أن نعود إليه، أن نصطلح معه، أن نتوب إليه، أن نعلن بين يديه بصدق أننا قد انقطعنا عن الأوزار التي خضنا فيها خوضاً طويلاً وأننا قد أُبْنَا إليه وعدنا إليه وتبنا إليه فاقبل اللهم توبة التائبين إليك.

تعالوا يا عباد الله نتوجه إلى الله بقلوب نابضة بصدق الإنابة إليه، إن نحن فعلنا هذا الذي أمرنا الله عز وجل به إذ قال:

(وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً) [هود: 3].

إن نحن صدقنا في التوبة إلى الله وأصلحنا ما أوغلنا فيه من الفساد وقَوَّمْنَا ما خضنا فيه من الاعوجاج فأنا أضمن بضمانة الله أن البلاء سيرتفع وأن الغمة ستنقشع ولكن أين هم الذين يستجيبون لنداء الله؟! ألتفت يميناً وشمالاً فأجد أن القوم أو جلهم يخوضون في متاهات متنوعة من المعاصي والأوزار، ترى هل أيقظ هذا البلاء الذي يطوف بنا أو نطوف به هل أيقظ بعضاً من هؤلاء الناس إلى توبة؟ هل نبههم من غفلة؟ هل أعادهم للنظر إلى هوياتهم؟

عباد الله: كم وكم في مجتمعاتنا من أناس يقتنصون أموال الآخرين بالرشاوي وبالمعاملات الباطلة الفاسدة وأنتم تعلمون ذلك. هل يوجد فيهم عشرة فقط تابوا إلى الله عز وجل ورجعوا إليه وأعلنوا أنهم عائدون تائبون وأنهم سيبتعدون عن الظلم ولسوف يعيدون الحقوق إلى أصحابها؟ إنكم لتعلمون أن كثرة كثيرة كبرى من عباد الله عز وجل ذكوراً وإناثاً لا يعرفون شيئاً من معنى الصلاح ولا يتوجهون في يومٍ من الأيام إلى قبلة الله، تمر السنة تلو السنة ولا يقرؤون آية في كتاب الله، ترى هل فيهم عشرة استيقظوا بسبب هذه العصي التي تنتابنا من عند الله فتابوا وآبوا إلى الله وتوجهوا إلى قبلة الله وتوجهوا ساجدين لعظمة الله وأقبلوا إلى كتاب الله يتلونه أو يصغون إليه؟ إنكم لتعلمون أن ليالي بلادنا هذه تحتضن الكثير والكثير من العاكفين على الغي، من العاكفين على الفسوق والطغيان واللهو المحرم، ترى هل فيهم عشرة أيقظتهم عصي التأديب الإلهي فأقلعوا عن هذا الغي، عادوا وتابوا وآبوا إلى الله عز وجل؟ هل فيهم عشرة استجابوا لنداء الله القائل:

(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31]

هذا سؤال أطرحه على نفسي وأطرحه عليكم جميعاً. فإذا مرَّ هذا البلاء الموقظ المنبه، وإذا كنا نعلم أنه آتٍ من عند الله عز وجل ولم نكن نسجن أنفسنا في الأسباب المادية الجزئية التي نراها فلنعلم إذاً أن هذه المحن إذا بقيت وبقينا معها سادرين في الغي، إذا بقيت وبقينا معها عاكفين على الظلم وعلى الفساد، إذا بقيت وبقينا معها معرضين عن دعوة قيوم السموات والأرض فلنعلم أن الأمر جد خطير، وليست خطورة هذا الأمر بتصور أو بتخيل من عندي وإنما هو قرار من الله القائل:

(وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) [هود: 3].

هذا الكلام يتحدث عن هذا الوضع الذي نحن فيه

(وَإِن تَوَلَّوْاْ) أي وإن تتولوا وتعرضوا عن دعوتي لكم إلى التوبة، إلى العودة إلى الله عز وجل فإني أحذركم من عذاب كبير قادم.

وحصيلة القول يا عباد الله أننا – وقد آمنا بالله، وقد آمنا بهوياتنا عبيداً مملوكين أذلاء لسلطان الله – أدعو نفسي وأدعوكم جميعاً على اختلاف الفئات والرتب إلى التوبة والإنابة إلى الله عز وجل، نقول كما كان يكرر رسول الله r: (آيبون، تائبون، لربنا حامدون). قولوها يا عباد الله في أسراركم قبل أن تقولوها بجهر فيما بينكم، قوموا في الأسحار واطرقوا باب الملك الجبار واستنزلوا الرحمة بالتوبة والإنابة إلى الله عز وجل، إن نحن فعلنا هذا انحسرت الغمة وأنا الضامن بهذا بقرار أنقله إليكم من لدن رب العالمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

وبعد:

فقد صح عن رسول الله r أنه قال: (لم يشكر الله من لم يشكر الناس). وقد كانت البادرة التي فاجئ بها السيد الرئيس بشار الأمة بهذا العفو الشامل العام، كانت هذه البادرة داخلة في قرار الله عز وجل القائل:

(وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت: 34].

وإني لأرجو أن يكون دافعه إلى هذا انقياداً لهذا الأمر الرباني، لهذه الدعوة الإلهية إذاً فإنني لأعد هذه المبادرة براعة استهلال بين يدي خير كبير سيتحقق إن شاء الله تعالى من ورائه. ونحن مكلفون بأن نحسن الظن وبأن نقدم التفاؤل على التشاؤم دائماً، كنا ولا نزال متفائلين، كيف لا وقد سبقت رحمة الله عز وجل غضبه دائماً.



تشغيل

صوتي
مشاهدة