مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 20/05/2011

التوبة إلى الله مفتاح الحل

التوبة إلى الله مفتاح الحل


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

ينبغي أن نعلم جميعاً أن المعاصي أياً كانت لا تحجب الإنسان عن مولاه وخالقه ولا تقطع عنه أمل الرحمة والمغفرة قط، إنما الذي يحجب الإنسان عن مولاه وخالقه أن يعكف على المعصية ثم يستمرئها ولا يلتفت إلى نداء الله الذي يلاحقه قائلاً:

(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور : 31].

مهما ارتكب الإنسان الأوزار ولكنه كان يصغي السمع إلى نداء الله الذي يدعو العصاة إلى التوبة وكان يتوجه جهد استطاعته إلى باب الإنابة إلى الله فإن المعاصي لا تضره ولا تحجبه عن مولاه وخالقه.

وإذا أحب الله عز وجل العبد أو أحب أمةً ترتكب المعاصي وتوغل في ارتكاب الخطايا فإن الله عز وجل يسوقها إلى التوبة بعصي المصائب والابتلاءات، هذه سنة رب العالمين تجاه العصاة الذين أحبهم الله عز وجل، يسوقهم إلى التوبة بعصي المصائب والابتلاءات المختلفة، فإن هم تابوا إلى الله عز وجل وإن هم جددوا البيعة معه عز وجل فإن الله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب جميعاً وإن كل عاصٍ يصبح كيوم ولدته أمه. هكذا يربي الباري عز وجل عباده عندما يوغلون في المعاصي ويستمرؤونها ثم ينسون التوبة والإنابة إلى الله عز وجل، وصدق الله القائل:

(قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ . وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ . لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) [الأنعام : 65-67].

هذا الذي أقوله لكم سنة من سنن رب العالمين في عباده، ومن ثم فأنا أتوجه إلى نفسي أولاً ثم أتوجه إلى كل واحد منكم ومن أمتنا في هذه الشام المباركة ثانياً أدعو نفسي وأدعوكم جميعاً – على اختلاف الفئات وعلى اختلاف الدرجات – إلى توبة صادقة إلى الله سبحانه وتعالى، والخيط الذي بيننا وبين الله عز وجل ليس خيطاً واهياً، إنه خيط مصيري به نلقى الله عز وجل، هو إيماننا به إلهاً واحداً لا شريك له، هو يقيننا بأننا عباده الذين لا نتحرك إلا في قبضته وليس لنا من مصير إلا إليه، ما الذي بقي أذاً؟ بقي أن نُهْرَعَ إلى باب التوبة والإنابة فنتوب صادقين إلى الله عز وجل من سائر الذنوب والآثام، وأخطر هذه الذنوب تلك التي فيها إهدار لحقوق العباد، والوقت لا يتسع لأنواع هذه الحقوق وأنواع الإهدار التي تستنزل غضب الرب سبحانه وتعالى، إن حقوق الله مبنية على المسامحة يا عباد الله أما حقوق العباد فمبنية على المشاحة لا يغفرها الله عز وجل إلا بعد أن تودَّى هذه الحقوق أو بعد أن تشيع المسامحة بين المستلبين لها وبين أصحابها.

وأقول بحق: إذا تبنا إلى الله عز وجل، وأظن أننا أو أكثرنا قد تاب في هذه الفترة العصيبة إلى الله عز وجل، هذا ما أظنه وأرجوا ألا يكون ظني مخالفاً، أعتقد أن الكثيرين منا على اختلافهم قد توجهوا إلى الله وقد أعلنوا إما بينهم وبين الله أو على ملأ أعلنوا التوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، إذاً فاستبشروا بأن هذه الزمة قد هبت لترحل وأنها قد آذنت بالانصراف – هذه حقيقة – ذلك لأنها لم تقبل إلينا إلا وهي عصا من عصي الرحمة الإلهية المتمثلة في تأديب الله عز وجل عباده، المتمثلة في إيقاظه لهم إلى الإنابة إلى الله عز وجل.

والتوبة – يا عباد الله – ليست مهمة خاصة بفئة من الناس دون أخرى كما يتصور البعض، سيد التائبين رسول الله r، وحسبكم أن تقفوا أمام الله عز وجل:

(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور : 31].

كلنا مقصرون في أداء حقوق الربوبية، كلنا تائهون، نفوسنا المتسلطة علينا، شيطاننا المسلط علينا، كل ذلك شاء الله عز وجل أن يجعله سبباً للأخطاء، سبباً للوقوع في بعض المعاصي، ولكن كل من تاب وآب إلى الله عز وجل لقي رباً كريماً مجيباً، وحسبكم أن تصغوا السمع إلى قوله سبحانه:

(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ . هَذَا مَا تُوعَدُونَ) [ق : 31-32]

لمن؟

(هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) [ق : 32].

وأواب هذه صيغة مبالغة من آيب وآيب بمعنى راجع، أي هذا ما توعدين لكل رجاع إلى الله، ولن يكون الإنسان رجاعاً إلى الله إلا إذا كان كثير الشرود عن الله سبحانه وتعالى.

وبعد – يا عباد الله – فدعوني أُذَيِّل هذه التذكرة التي أتوجه بها إلى نفسي أولاً وإليكم جميعاً ثانياً، دعوني أُذَيِّل هذه التذكرة بالسؤال التالي: تُتَّهَمُ سورية اليوم بأنا ضالعة في إهدار حقوق الإنسان، وأنا لا أبرئ سورية ولا غير سورية من عامة الناس وقادتهم من الولوغ في الأخطاء، ها أنتم تسمعون أن الله عز وجل أن يكون الإنسان خطاءً، (كل بني آدم خطاء) كما يقول رسول الله وخير الخطائين التائبون، فأنا لا أبرئ سورية ولا غير سورية من الوقوع في الخطأ لكن دعونا نتساءل: أسورية هي التي أقبلت يوم 16 يناير من عام واحد وتسعين وتسعمائة وألف إلى العراق بأعتى الأسلحة المدمرة الحديثة متجهة بالقصف إلى مراكز الحياة المدنية والتجارية والاجتماعية ومقارِّ الأعمال والعمال والمدارس والمشافي والمساجد والكنائس وإلى ضواحي المدن وإلى أكواخ الأرياف تقصفها جميعاً بأعتى الأسلحة ابتغاء القضاء على البنية التحتية لها والقضاء على وجودها الإنساني والحضاري، حتى كان عدد الذين استحرهم القتل في أسبوع واحد هو الأسبوع الأخير من الحرب العراقية كما قررت جمعيات الهلال الأحمر ومنظمات حقوق الإنسان، كان عدد الذين استحرهم القتل في أسبوع واحد مائة وثلاثة عشر ألف قتيل، ستون بالمائة منهم أطفال. ترى أسورية هي التي فعلت ذلك؟ لئن كانت سورية هي الضالعة في هذا فوالله ينبغي أن تُسَاقَ إلى أعتى المحاكم الإنسانية لتلقى جزاءها العدل فيما أقدمت عليه، ولكنكم جميعاً تعلمون والعالم كله يعلم أن الذي فعل ذلك كله هو الوحش الأمريكي ذو الأنياب الناقعة المتطاولة بين شقيه، ذو المخالب السوداء المنبسطة فوق كفيه، هذا الوحش هو الذي أقدم على ذلك، وها هو ذا يتمرس ويتمرن ليعلم كيف يجلس فوق كرسي القضاء، وما إخاله أصبح قادراً على إتقان الجلوس فوق هذا الكرسي، إنه بمخالبه هذه وبأنيابه الناقعة هذه يتهم هؤلاء وهؤلاء وأولئك بالضلوع في إهدار حقوق الإنسان، هذه الحقيقة ينبغي أن أُذَيِّلَ خطابي هذا وأقول:

إذا طاول الأرض السماءَ سفاهة وفاخرت الشهبَ الحصى والجنادل

فيا مـــــوت ذُرْ إن الحــــيـاة ذميمــــــــة ويا نفــــــــــس جِدِّي إن دَهْرَكِ هازلُ

وغفراً يا ربي على استشهادي بالشعر في مثل هذا الموقف لأن بلاغة الكلام مطابقة الكلام لمقتضى الحال، ولم أجد شيئاً يوافق مقتضى الحال سوى هذا الذي ختمت به حديثي. أقول قولي هذا وأستغفر الله.



تشغيل

صوتي
مشاهدة