مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 13/05/2011

وجه النعمة في هذا الابتلاء الذي نعاني منه

وجه النعمة في هذا الابتلاء الذي نعاني منه


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

إن العبد المؤمن لا يتلقى من الله سبحانه وتعالى في كل أحواله وظروفه إلا الخير والنعمة، ولكنها إما أن تكون نعمة ظاهرة جلية أو أن تكون نعمة باطنة مقَنَّعَةً بشيء من الابتلاء والشدة، وصدق الله عز وجل القائل:

(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [لقمان : 20].

فمهما تقلَّب الإنسان في ظروف وأحوال لا يمكن أن يتلقى من الله – إن كان مؤمناً – إلا الخير، إلا النعمة، ولكنها كما قلت لكم قد تكون مقَنَّعةً بظاهر من الابتلاء، بظاهر من الشدة.

وما كانت هذه الهزة التي ابتلانا الله سبحانه وتعالى بها إلا محنة في الظاهر فقط، أما في الباطن فهي نعمة من النعم المقَنَّعة بالشدة والمقَنَّعة بالخوف وبما قد علمتم من الابتلاء.

ولعلكم تسألون ما وجه النعمة في هذه الهزة التي عانينا ولربما ما زلنا نعاني منها؟

وجه النعمة – يا عباد الله – أنها عصا من عصي التأديب يؤدب الله سبحانه وتعالى بها عباده ويربيهم بها.

وهل في الناس من يرتاب في أن التأديب نعمة من أجل النعم مهما كان الطريق إليها؟ هل في الناس من يرتاب في أن التربية من أجلِّ النعم التي يأخذ الله عز وجل بها عباده؟

ولكنا نعود فنتساءل: ما وجه هذه النعمة في هذا الابتلاء الذي نعاني منه؟

وجه النعمة في ذلك أيها الإخوة أنها توقظ من غفلة وأنها تُقَوِّمُ الاعوجاج وأنها تدعو الإنسان المؤمن إلى تجديد الاصطلاح مع الله والتوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى. وجه النعمة ووجه الخير في هذا الابتلاء أنه يدعو المؤمنين إلى أن يجتثوا الفساد مما بينهم وأن يعودوا فيمدوا آصرة الحب وآصرة الوداد والأخوة فيما بينهم على الاختلاف وعلى التفاوت أياً كان نوعه.

وأرجوا ألا نتصور أن الفساد إنما يستشري في جانب أو في جهة واحدة فقط كما هو شأن بعض المتصورين أو المتخيلين.

إننا جميعاً على اختلاف فئاتنا نعاني من الغفلة التي ينبغي أن تنتهي إلى يقظة، نعاني من فساد ينبغي أن نتعاون جميعاً على اجتثاثه.

ما أكثر البيوت التي يشيع فيها الفساد والظلم والوقت لا يتسع للشرح والبيان.

ما أكثر الأسواق التي يشيع فيها الفساد بل يشيع فيها الظلم، وحسبكم من الظلم أنواع الغش والخديعة التي حذر منها رسول الله r قائلاً: (من غش فليس منا).

ما أكثر الفساد الذي يستشري في المعامل والمصانع متمثلاً في الظلم الذي ينحط على عماله وعلى كثير من الموجودين فيه.

ما أكثر أنواع الفساد والظلم التي تستشري في علاقات الناس والمؤسسات بعضها مع بعض.

عندما نقول: إن هذا الابتلاء يوقظ من غفلة ينبغي أن نعلم أنه يوقظ الجميع، وعندما نقول: إن من شأنه أن يدعو إلى اجتثاث الفساد فإنما نعني أن يتعاون الجميع على اختلاف فئاتهم لاجتثاث الفساد بكل أنواعه.

هذا هو وجه النعمة – يا عباد الله – في هذا الابتلاء الذي قد نراه نقمة في الظاهر ولكنه نعمة من أجلِّ النعم في الباطن. أجل فالشأن فيه أن يوقظنا، والشأن فيه أن يدعونا إلى تجديد التوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى.

على أن هذا الابتلاء أو هذه المحنة قد هبَّتْ اليوم لتدبر، أجل يا عباد الله، هذا ما نعتقده ونتصوره.

فإن الله عز وجل لم يرسل إلينا هذه المحنة لتستقر وتبقى، ولكنه أرسلها إلينا وهو اللطيف الرحيم والودود، أرسلها لكي تمر فتوقظ السادر وتنبه الغافل وتدعو الأمة إلى أن تهب لإصلاح شأنها.

ولقد كنت – وينبغي أن أقولها صراحة – ولقد كنت أُرِيْتُ هذه المحنة قبل أشهر وأُرِيْتُ كيف تقبل وأُرِيْتَ كيف ستدبر. وهاهي ذي أقبلت كما قد رأيت وكما قد حذرت وكان الناس آنذاك بين ساخر ومكذب ومتعجب، ولكنني أُرِيْتُ أيضاً كيف تهب لتدبر، وهي اليوم في مرحلة الإدبار.

ما هي العبرة التي نبغي أن تقتطفها يا عباد الله من هذه المحنة سواء في إقبالها أو في إدبارها؟ ما الدرس الذي ينبغي أن نعود به؟

الدرس الذي ينبغي أن نعود به – وأقولها لنفسي أولاً ولكم جميعاً ولأمتنا على اختلاف فئاتها ودرجاتها ثانياً – ينبغي أن نجدد العودة إلى الله، ينبغي أن نتوب إلى الله سبحانه وتعالى، ينبغي أن نصلح ما بيننا وبين الله عز وجل، ثم إنا علينا أن نتعاون جميعاً – جميعاً أقول – من أجل اجتثاث الفساد بأنواعه ومن أجل زرع مبادئ الإصلاح بكل أنواعه وبكل متطلباتها، ولا يمكن يا عباد الله أن يتم الإصلاح عندما يوكل أمره إلى فئة واحدة من الناس أيَّاً كانت، وإنما يتم الإصلاح عندما تتم حقيقة التعاون بين الأمة على اختلاف فئاتها وعلى تنوع قدراتها. هذه هي الحقيقة. وسدى ولحمة النجاح في هذا الأمر هو الإخلاص لله سبحانه وتعالى.

الدرس الذي ينبغي أن نقتطفه من هذه المحنة التي أقبلت وها هي ذي الآن في طريقها إلى الإدبار هي أن نمد آصرة الحب فيما بين فئات هذه الأمة، كلنا مسؤولون عن مد هذه الوشيجة، كلنا مسؤولون عن مد وشيجة الحب فيما بين أفراد هذه الأمة على اختلافها، على تنوعها أيَّاً كانت صورتها، هكذا يأمرنا ديَّانُنَا مولانا سبحانه وتعالى. أجل الحب هو الذي يكون رقيباً على الصلاح أن يستمر، الحب هو الذي يكون سبباً لاجتثاث الفساد وحراسة ألا يعود.

ما الغذاء الذي ينبغي أن نغذي به هذه الآصرة – آصرة الحب فيما بين فئات هذه الأمة - ؟

الغذاء هو الإصغاء إلى نصيحة رسول الله، هو الإصغاء إلى وصية رسول الله توجَّهَ بها إلى القادة، إلى الأمة، إلى مختلف مؤسساتها وفئاتها: (لا تباغضوا، لا تحاسدوا، لا تدابروا، لا تحسسوا، لا تجسسوا، كونوا عباد الله إخوانا)، وألفت نظركم إلى أن كلمة (عباد الله) منادى، أي كونوا يا عباد الله إخوانا.

نحن عندما نغيب عن حقيقة هويتنا عبيداً مملوكين لله ننسى هذا الغذاء أن نغذي به أنفسنا وإخواننا، ولكن عندما نستيقظ لهذه الهوية، عندما يوقظنا إليها رسول الله قائلاً: كونوا يا عباد الله إخواناً، فعندئذٍ – وقد علمنا أننا عباد الله – إذاً آصرة الأخوة ممتدة بين عباد الله جميعاً.

كيف يمكن أن يستشري الظلم بين أناس علموا أنهم عبادٌ لله؟ كيف يمكن أن تستشري الأنانية بين أناس علموا أنهم مملوكون أرقاء بيد الله سبحانه وتعالى؟ كيف يمكن أن يستغل أناس الأمة أو فئة من الأمة ليعتصر منها الخير لنفسه، ليعتصر منها الغنى لنفسه وقد علم أنه عبد مملوك لله عز وجل، (كونوا يا عباد الله إخوانا).

أجل، أجل مولاي يا رب العالمين: ها قد عدنا إليكن ها قد تبنا إليك، سنكون ونحن عبادك إخواناً متآلفين، إخواناً متحابين يحرس كلٌّ منا سعادة الآخر، لن تكون سعادتنا وقفاً على فئة بل ستكون قسمة عادلة بين عبادك جميعاً، كيف لا نفعل ونحن الذين نسمع ونقرأ قول الله عز وجل:

(إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً. لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً. [مريم – 93-95].

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة