مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 06/05/2011

وصايا رسول الله ﷺ لنا في الهرج - 2

وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا في الهرج والمرج - 2


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

إنه لأمر يلفت النظر ويثير العجب والاستغراب هذا الذي سأضعكم أمامه وأحدثكم عنه.

نصغي إلى الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي يحدثنا فيها رسول الله r عن الفتن التي تستشري في هذا العصر ونتأمل فيما أطلعه الله عز وجل عليه من الغيب المكنون المتعلق بالمستقبل البعيد البعيد، ونتأمل في مشاعر الشفقة التي تستبين من خلال حديث رسول الله r عن هذه الفتن ونصائحة التي يرسلها إلينا من وراء القرون، نتدبر ونتأمل ذلك، ثم إننا نعود إلى أنفسنا – وها هنا يستبين وجه الغرابة والعجب – هل نبادل رسول الله r هذا الاهتمام الذي يتوجه به إلينا؟ هل نصغي السمع إلى نصائحه التي تنبثق من شفقته العارمة علينا؟ هل – ونحن نعلم أنه رسول الله r إلينا ونعلم ما أخبرنا به من أنه معنا في حياته وموته، أليس هو القائل فيما صح عنه: (حياتي خير لكم ومماتي خير لكم، تُحْدِثُون ويُحْدَثُ لكم، ما وجدت من خير حمدت الله عليه وما وجدت من شر استغفرت الله لكم)، هذا هو اهتمامه بنا من وراء القرون، فكيف هي حالنا ونحن من أمته؟

نتأمل – يا عباد الله – وإذا بنا أو بأكثرنا معرضون عن الشفقة التي يلاحقنا بها، تائهون منشغلون عن النصائح التي يزجيها إلينا، أليس هذا أمراً عجيباً يا عباد الله؟ أطلعه الله على دقائق ما نراه اليوم وأخبر به ودونكم فاقرؤوا أحاديث الفتن، ثم إنه عبَّرَ عن شفقته المتناهية علينا وحبه لنا ومن ثم أزجى إلينا نصائحه والسبل التي ينبغي أن نسلكها للتخلص من عقابيل هذه الفتن، فما هو موقفنا كما تعلمون؟ إنه موقف الإعراض عن هذا الذي ينصحنا به، إنه موقف التجاهل لهذه الشفقة المتناهية التي يعبِّرُ عنها رسول الله r بنصائحه.

نَصَحَنَا المصطفى r ألا ننقاد لمجهول وألا نسير وراء عاصفة آتية من حيث لا نعلم وحذَّر من ذلك أيما تحذير في أكثر من مناسبةٍ وفي أكثر من حديث، قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه مسلم والنسائي وآخرون: (من قُتِلَ تحت راية عُمِّيَّة – أي راية لا يُعْلَمُ غايتها ولا يُعْلَمُ مصدرها – أو غضب لعصبة أو انتصر لعصبة فَقُتِلَ فَقِتْلَتُهُ جاهلية)، هكذا قال رسول الله r وهو يتحدث عن الفتن، وهو يقدم لنا نصائحه كما قلت لكم من وراء القرون. ونظرنا إلى أنفسنا وإذا بنا – أو بكثير منا – ينقاد للراية العُمِّيَّة التي حذَّر منها رسول الله r، ينقاد للمجهول، والمجهول – الذي حذرنا منه رسول الله r بل نبَّهَنَا إلى العقابيل التي سنراها من ورائه – إن يوردنا إلى ما يبتغي ولكنه لا يُصْدِرُنا بعد ذلك إلى ما نريد، هكذا يوضح لنا رسول الله r، أليس عجيباً يا عباد الله ونحن المؤمنون بِنُبُوَّتِهِ ونحن المعتزون بأننا من أمته أن نعرض عن نصائحه المشفقة وعن دلائل حبه ورأفته ورحمته بنا في هذا الذي يصف ثم في هذا الذي ينصح.

أوصانا رسول r في غمار هذه الفتن التي يصفها أدق وصف، يأمرنا إذا نصحنا أو أَمَرْنَا أو نَهَيْنَا أو دَعَوْنَا ألا نبتغي بذلك إلا مرضاة الله، لا نبتغي بذلك استرضاء حاكم ولا محكوم، لا نبتغي بذلك تصفيق أناس من العامة ولا التقرب إلى القادة من الخاصة، يأمرنا المصطفى r أن نبتغي فيما ننصح وفيما نقول وجه الله ذاته، فهو يقول لنا: (من استرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ومن أسخط الناس برضا الله سبحانه وتعالى كفاه الله مؤونة الناس).

اسمعوا نصيحة المصطفى r البليغة أرسلها إلينا من وراء ما يقارب خمسة عشر قرناً (من استرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ومن أسخط الناس برضا الله سبحانه وتعالى كفاه الله عز وجل مؤونة الناس)

فماذا كان موقفنا بعد هذا الذي بَلَغَنَا من نصيحة رسول الله r؟ ننظر إلى حالنا وإذا بنا – أو بأكثرنا – إذا نصح فهو إما أن يبتغي من وراء ذلك التغلب إلى الدهماء والعامة من الناس وإن أسخط بذلك القادة والحكام أو يتوجَّهُ بذلك إلى استرضاء القادة والحكام وإن أسخط بذلك الناس، وتبحث عمن لا يبالي بهؤلاء ولا بهؤلاء وإنما يستنزل رضا الله فلا تعثر من ذلك إلا على النذر اليسير. هذه هي حالنا يا عباد الله.

أعود فأقول لكم كما بدأت حديثي إليكم: أليس هذا الواقع أمراً يلفت النظر ويثير العجب والاستغراب؟ أفحيل بيننا وبين محمد r من خلال الرعونات التي هيمنت ثم هيمنت ثم هيمنت علينا؟ أفنسينا أننا من أتباعه وأمته؟ أفنسينا قول الله عز وجل:

(مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) [النساء : 80].

أبلغ آيةٍ في كتاب الله تحذر من الإعراض عن وصايا رسول الله r.

عباد الله: حكمة بالغة اعتصرها لنا رسول الله من نصائحه، إنها تقول: إن إتباعنا للمجهول يوردنا إلى ما يريد ولكنه لا يصدرنا بعد ذلك إلى ما نريد نحن، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة