مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 18/03/2011

هويتنا الإيمانية سلاحنا الأمضى

تاريخ الخطبة

‏‏‏‏‏الجمعة‏، 13‏ ربيع الثاني‏، 1432 الموافق ‏18‏/03‏/2011

هويتنا الإيمانية سلاحنا الأمضى

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

أعود اليوم مرة ثانية لأحدثكم عن الشام وما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشام. وحسبكم من ذلك الحديث الذي رواه أبو داود والحاكم في مستدركه وابن حبان بسند صحيح من حديث عبد الله بن حوالة أنه كان في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتحدث عن فتنٍ ستقع في المستقبل فقال له عبد الله بن حوالة: اختر لي يا رسول الله، أي اختر لي المكان الذي ينبغي أن أفرَّ إليه من الفتن التي تتحدث عنها، فقال له: (عليك بالشام فإنها خيرة اللهُ من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده)، ثم قال: (إن الله تكفل لي بالشام وأهله).

عباد الله: هذه شهادة من رسول الله الصادق المصدوق بحق الشام وأهل الشام، أفما ينبغي أن نكون أوفياء مع صاحب هذه الشهادة التي شهد بها لنا؟ هذه الشهادة التي شهد بها لنا ولأرضنا المباركة هذه؟ وكيف ينبغي أن يكون الوفاء منا لهذه الشهادة التي أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كلنا يعلم أن الوفاء إنما يتمثل في أن نستعلن بالهوية التي شرفنا الله سبحانه وتعالى بها، الوفاء يتمثل في أن نستعلن بالهوية الإيمانية، الهوية الدينية التي هي سر اجتباء الله عز وجل لنا إذ أقامنا في هذه الأرض، بل هو سر اجتباء الله الأرض والبركة التي أغدقها على هذه الأرض.

إنكم لتعلمون يا عباد الله أن شعارات كثيرة مَرَّتْ ببلدتنا هذه، أقيمت سياسة هذه البلدة على أساسها، شعارات متنوعة كثيرة ولكنها جميعاً أخفقت أمام مواجهة العدو المشترك الذي يتربص بنا الدوائر كما تعلمون. لغة واحدة هي التي نجحت – وما تزال تنجح – في مواجهة تحديات هذا العدو المشترك الذي وفد إلينا من وراء البحار. لم يتجه إلينا هذا العدو في سبيل محاربة قومية، لم يتجه إلينا من أجل أن يحارب يساراً ضد يمين أو يميناً ضد يسار، لا لم يتوجه إلينا من أجل طمع في أرضٍ فقط وإنما توجه إلينا واضعاً نصب عينيه بل في قراره الذي اتخذه أن يجتث هويتنا الإيمانية والإسلامية من أفئدتنا بل من أرضنا المباركة هذه أيضاً. إنكم لتعلمون هذه الحقيقة يا عباد الله. إذاً فهويتنا الإيمانية والدينية هي السلاح الأول بل الأوحد الذي يخشى منه عدونا الذي أقبل إلينا كما قلت لكم من وراء البحار.

إذ ا كان هذا هو السلاح الذي يخيفه فلماذا لا نستمسك به؟ لماذا لا نحرص عليه؟ بل لماذا لا نستعلن الوفاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شهد لنا بهذه الشهادة إذ شهد بهذه الشهادة التي حدثتكم عنها؟

عباد الله: إن لغة الدين – لغة هذه الهوية – هي اللغة الوحيدة التي أعلنت عن نجاحها وأعلنت عن قدرتنا على الثبات في وجوه – لا أقول في وجه – الذين يتربصون بنا الدوائر. إذا أردنا أن نحارب الغلو فإن الغلو لا يُحَارَب إلا داخل دائرة الإسلام، وإن شئنا أن نحارب التطرف فلنعلم أن التطرف لا يمكن أن يُحَارَب إلا ضمن دائرة الإسلام، أما الإرهاب فلقد بحثت كثيراً فلم أجد لها ثبتاً في قاموس الإسلام ولا في قاموس الشريعة الإسلامية، إن معنى هذه الكلمة مطوي وخفي في صدور من ابتدعوها، معناها خفي وثابت في صدور من يصدرونها إلينا ثم يتعاملون معنا على أساسها. نحن نعلم أن الإسلام يحارِبُ في معتقده ويحارِبُ في أحكامه السلوكية وفي مبادئه الأخلاقية الغلوَّ، يحارِبُ التطرف.

أعود فأقول: لقد مضى العهد الذي كان لنا أن نستحي فيه من استعلان هويتنا الإيمانية والإسلامية، مرَّ ذلك المنعطف الذي كنا نخجل فيه من أن نعتد وأن نرفع الرأس بهويتنا الإيمانية هذه، آن لنا أن نعلنها وآن لنا أن نعلم أن وجودنا الحضاري رهن برفع هذه الهوية، آن لنا أن نعلم أن تحررنا من التطرف رهن برفع هذه الهوية، آن لنا أن نعلم أن تحررنا من الغلو رهن بهذه الهوية يا عباد الله فلماذا نخجل من الاستعلان بها ونحن الذين نحارب فعلاً الغلو والتطرف ولا أعتقد أن للإرهاب معنى في خارج هاتين الكلمتين قط.

لقد كان في الناس من يقول: إن الذي يمنعنا من أن نستعلن هذه الهوية أننا لا نريد أن نثير حساسية بيننا نحن المسلمين والآخرين، وأنا أنظر اليوم وأنتم تنظرون أيها الإخوة وإذا بكثير من مواطنينا غير المسلمين يعتزون بهذا الدين وهذا الإسلام أكثر مما يعتز به بعض المسلمين، نحن نرى هذا ونتبين هذا، ورحم الله ذلك القائد الذي سبقنا إلى رحمة الله يوم قال: إن المسلمين في هذه البلدة ينتمون إلى الإسلام بمعتقدهم وإن غير المسلمين ينتمون إلى الإسلام عن طريق الوطن وعن طريق التاريخ الذي يجمعنا ويجمعهم. هذه حقيقة لا تزال في البال ولا يمكن أن تُنْسَى على مر الزمن.

لقد فُتِحَتْ مصر – كما تعلمون – فهل في الناس من قال: إن الأقباط كانوا مواطنين في الدرجة الثانية تحت مظلة الفتح الإسلامي؟ هل في الناس من لا يعلم أن مصر بكل ما احتضنته من مسلمين وأقباط وغيرهم كانوا يعيشون على مستوى واحد، كان الإسلام صهرهم في بوتقة واحدة تحت قانون: لنا ما لهم وعلينا ما عليهم.

لقد فُتِحَتْ بلاد الشام فهل في الناس من لا يعلم أن المسلمين والنصارى آنذاك كانوا مضرب المثل للحمة، كانوا مضرب المثل للتعاون والتواصل؟ هل في الناس من لا يعلم أن المسلمين والنصارى وقفوا صفاً واحداً في وجه الغزوات الصليبية المتوالية؟ هل في الناس من لا يعلم أن المسلمين والنصارى كانوا جنباً لجنبٍ في خندق واحد في مواجهة العدو المشترك.

لقد نشأت تلك الدولة المتألقة الحضارية الإسلامية في الأندلس فهل في الناس من لا يعلم أن الإسلام الذي هيمن على تلك الدولة لم ينسج الدولة الإسلامية عن طريق سدى ولحمة الإسلام والنصارى واليهود؟ هل في الناس من لا يعلم ذلك؟ جامعاتها كانت تفور بالمسلمين وغيرهم، مستشفياتها كذلك، ثقافتها كذلك.

هذا هو الإسلام. الإسلام يحتضن كل من تحتضنه الأرض الذي يهيمن عليها الإسلام.

أعود فأقول يا عباد الله: آن لنا أن نرفع الرأس بهذه الهوية وألا نطويها عن أنظارنا وألا نطويها سلاحاً في وجه خصومنا وأعدائنا الذين يتربصون بنا الدوائر، وإنكم لتعلمون أنهم يمارسون – وأتحدث عن العدو المشترك – هؤلاء الأعداء يمارسون ألواناً من التحديات يواجهوننا بها، وإنكم لتعلمون – وأنا أقول ولست مغالياً ولست مبالغاً - : إن هذه البلدة كانت ولا تزال تمتاز بأنها لم تنغض الرأس لأي ضغط، لم تنغض الرأس لأي تحد ووجِهْنَا به قط، كلنا يعلم أن هذه البلدة تمتاز بأن كل من فيها على كل المستويات كانوا ولا يزالون أعيناً ساهرة على الحقوق، أعيناً ساهرة على الأرض والوطن، أعيناً ساهرة على المبادئ والقيم فما ضرَّ أن نجعل من هذه المبادئ والقيم سلاحنا الأول يا عباد الله في وجه من يريد أن يقضي على قيمنا ومبادئنا، ولا والله ما اجتمع الشرق والغرب في عهد من العهود إلا على هدف واحد هو اجتثاث هذا الإسلام، عرفتم ذلك قبل أن ينهار الاتحاد السوفييتي وعرفتم ذلك بعد أن انهار الاتحاد السوفييتي عندما أعلنت رئيسة وزراء دولة بريطانيا آنذاك باسم أوروبا كلها أن العدو المتبقي والذي ينبغي القضاء عليه هو الإسلام، إذاً الإسلام سلاح خطير نواجه به أعدائنا، إذاً الإسلام حصننا الأول والأخير الذي نستعيد به حقوقنا، نعم.

أعود فأقول: انطوى ذلك العهد الذي كنا نخجل من أن نستعلن هويتنا الإيمانية والدينية التي تجمع ولا تفرق، وتبني ولا تهدم، وتقيم ولا تترك الاعوجاج قط، وتجمع نثار القلوب لكي تصوغها في قلب واحد، وحسبنا من ذلك الشرف الذي توجنا الله عز وجل به إذ قال:

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) [المائدة : 3].

إنها هدية ما مثلها هدية، إنه لتاج تَوَّجَ اللهُ عز وجل به عقولَنا ولابد أن نُتوَّجَ به قلوبنا وعواطفنا.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا بقوله الثابت وأن يكرمنا بمصداق ما قاله رسول الله عن شامنا هذه وقد فعل، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة