مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 11/03/2011

وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ

تاريخ الخطبة

‏‏‏‏‏الجمعة‏، 06‏ ربيع الثاني‏، 1432 الموافق ‏11‏/03‏/2011

{وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

لقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد وأبو داود والحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه من حديث ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها) قالوا: أمن قِلِّةٍ نحن يا رسول الله يومئذ؟ قال: (بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، وسيخرجن الله عز وجل من قلوب أعدائكم الرهبة منكم، وسيقذفن في قلوبكم الوهن) قال قائل منهم: ما الوهن يا رسول الله؟ قال: (حب الحياة وكراهية الموت).

لعلكم تعلمون أو سمعتم هذا الحديث يا عباد الله، وهو حديث صحيح. والغثاء عبارة عن الزبد الطافي والفقاقيع التي تظهر على وجه السيل عند اشتداده، هذا هو معنى الغثاء. يُشَبِّهُ المصطفى صلى الله عليه وسلم المسلمين في هذا العصر بهذا الذي يربو على وجه السيل، يملأ مرآه العين، فإذا مَسَسْتَهُ زال وغاب.

ترى لماذا يحيق بالمسلمين هذا الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تم ذلك كما ترون. آل حال المسلمين في مشارقهم ومغاربهم إلى ما يشبه المائدة من الطعام يتحلَّقُ حولها الآكلون، تشبيه دقيق واقع ماثل أمام أبصارنا وبصائرنا.

ولكن لماذا حاق بهم هذا الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: حاق بالمسلمين هذا لأنهم حكموا على أنفسهم بذلك، هذا هو الجواب باختصار، أما تفصيل الحديث عن ذلك فهو ما ينبغي أن أقول لكم وما ينبغي أن تسمعوه.

وصف الله سبحانه وتعالى عباده المسلمين بأنهم:

(أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) [المائدة : 54].

وأهاب بهم أن يكونوا دائماً كذلك، فقال المسلمون اليوم: بل قرارنا الذي اتخذناه أن نكون أعزة على المؤمنين أذلة على الكافرين، يأمروننا فنطيع يستخدموننا فنخدمهم، يغتصبون حقوقنا فننغض الرأس لاغتصابهم.

قال لنا الله سبحانه وتعالى:

(وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال : 46].

وأهاب بنا أن نكون كذلك دائماً، فقال المسلمون في هذا العصر: بل لابد أن نتنازع على الفتات ولابد أن نتخاصم على الدون من البضائع والمال وإن تبددت كرامتنا من وراء ذلك وإن ضاعت وحدتنا من وراء ذلك.

ولعل هذا قرره المسلمون إن بلسان القول أو بلسان الحال يجعلهم مصداق قول الشاعر:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

خاطب الله المسلمين قائلاً:

(وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ) [آل عمران : 103].

أي بشرع الله وأوامره، فقال المسلمون – أو جلُّهم اليوم: بل إنه حبل تطاول أمده وتقادم بنا عهده، لقد مَلَلْنَاهُ وتبرمنا به، وقرارنا أن نتركه وأن نبحث يميناً وشمالاً عن الحداثة، عن أمورٍ جديدة، لسوف نلتقط الحبلَ الذي سنتمسك به شرعة ومنهاجاً من هنا وهنا وهناك.

هكذا يقول المسلمون اليوم أو جلهم إن بلسان القول أو بلسان الحال.

يقول الله سبحانه وتعالى:

(فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) [مريم : 59].

وأهاب بنا البيان الإلهي ألا نكون كذلك، فقال قائلون من المسلمين: بل سنعرض عن ذلك كله ولسوف نكون هذا الخَلْف

(فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) [مريم : 59].

ونظرنا فوجدنا الكثرةَ الكاثرةَ من المسلمين في هذا العصر وجدنا فيهم من لا يعرف جِذْعُهُ الركوع ولا يعرف جبينه السجود، قد أوغلوا في الشهوات والأهواء.

قال الله سبحانه وتعالى لنا:

(وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) [الأنعام : 42].

أهاب بنا ألا نكون كأولئك الناس، أعرضوا عن الالتجاء إلى الله وأمرنا عن الضيق وعندما تطوف بنا المحن وتتهددنا الفتن أن نفر منها إلى الله، طلب منا أن نلتجئ بضراعة ومسكنة إلى الله عز وجل، قلنا بلسان الحال أو بلسان القول: لا، بل سنقبل إلى العلم، سنعبد العلم الذي حفظناه برؤوسنا ولن نلتجئ إلى الله سبحانه وتعالى. أليس هذا مصداق ما أقول لكم يا عباد الله؟ أن المسلمين في هذا العصر هم الذين حكموا على أنفسهم بأن يكونوا (غثاء كغثاء السيل)، وإنما كان دور المصطفى صلى الله عليه وسلم أن أخبرنا بهذا الذي سيؤول إليه أمرنا، وإنما أخبرنا رسول الله عن ذلك وهو لم يره وبينه وبين هذا الواقع جدار يبلغ غِلْظُهُ القرون المتطاولة ولكنه الوحي الرباني أوحى به الباري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أقول لكم هذا يا عباد الله حتى لا يعترض معترض ولا يتساءل سائل: ألسنا مسلمين بعد؟ ألسنا مؤمنين بالله عز وجل؟ أليست مساجدنا عامرة؟ أليست قبابنا ومآذنا باسقة صاعدة؟

الجواب: كل ذلك شعائر، كل ذلك تقاليد ومظاهر، ولكن الواقع هو هذا الذي ذكرته لكم. أمَرَنَا الله عز وجل فأعرضنا ووصانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فاجتنبنا وصاياه.

نعم، لا يزال في المسلمين قلة باقين على العهد، ثابرين على مبايعة الله عز وجل، صابرين متصابرين، نعم، ولكنكم تعلمون سنة من سنن الله عز وجل، تلك السنة التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لزينب رضي الله عنها، قالت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم إذا كَثُرَ الخبث).

(وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال : 25].

هكذا يقول ربنا سبحانه وتعالى، وهكذا بَيَّنَ لنا رسول صلى الله عليه وسلم.

حَكَمَ المسلمون على أنفسهم بهذا الذي ذكرته لكم، وها أنتم ترون مصداق ما أقول.

تنازعنا وقد أمرنا الله عز وجل بالاتحاد وأمرنا الله عز جل بالتضامن.

أمرنا الله عز وجل أن نضحي بالفتات والتافه من المال في سبيل أن نتضامن فَعَكَسْنَا ما أمرنا الله عز وجل به. ضحينا بالاتحاد والتضامن في سبيل الفتات، في سبيل التافه من البضاعة والمال، تخاصمنا وتقارعنا وإذا بالأمة الواحدة أصبحت جذاذاً وأصبحت فئات كما ترون متقارعة متخاصمة.

ننظر ونتأمل – من بعيد أو من قريب – وإذا بولاء المسلمين الذي كان لله إذا به قد تحوَّل وأصبح ولاءً للعدو المشترك، أصبح ولاءً للعدو المغتصب، بل أصبح خدمة مُعْلَنَة للعدو الذي تقاسمنا ولا يزال يتقاسمنا، نعم.

وننظر إلى خداع هذا العدو المشترك ومع ذلك فنحن نغمض العين عن خداعه وعن دجله من أجل أن نترامى على خدمته.

ألا ترون إلى هذا العدو المشترك يعانق ويدعو في الظاهر واللسان والصراخ يدعو إلى الديمقراطية وإلى رعاية حقوق الإنسان ولكنه يدافع دفاع المستميت عن الاستبداد وعن الظلم والطغيان، في سلوكه الأرعن الصامت يغذي الاستبداد، نعم، وفي أقواله وشعاراته يخادعنا بكلمات الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومع فالمسلمون إلا من رحمهم الله عز وجل مصرون على أن يكونوا خدماً لهذا العدو المشترك، مصرون على أن يعرضوا عن نداء الله سبحانه وتعالى، مصرون على أن يعرضوا عن الوعد الذي قطعه الله عز وجل على ذاته عندما قال:

(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) [النور : 55].

ونحن نعلم أن هذا كلام الله ونعلم أن وعد الله لا يحلقه خُلْف، وهذا شيء يتجلى في حياة الرعيل الأول الذي سبقنا من قبل، ومع ذلك فقد أعرضنا عن الإكرام الذي وعدنا الله به، أعرضنا عن الاستخلاف الذي وعدنا الله عز وجل به في الأرض، أعرضنا عن ذلك كله في سبيل أن نكون خدماً للمغتصبين، في سبيل أن نكون خدماً للعدو المشترك. هذا معنى كلام رسول وهذا هو السبب فيما قد حاق بنا عندما رأينا ونظرنا فوجدنا فعلاً أننا قد أصبحنا كما وصف رسول الله بدقة، أصبحنا غثاءً كغثاء السيل، وليت أننا شُبِّهْنَا بالسيل، السيل يفعل الأفاعيل، السيل يفعل أفاعيل كثيرة، لكننا لسنا السيل، نحن الغثاء الذي يربو على هذا السيل.

ومع ذلك فنحن لسنا من المتشائمين ولسنا من اليائسين. نحن نظل من المتفائلين بتوفيق الله وكرمه، ولسوف نلتجئ إلى الله تنفيذاً لأمره وتحقيقاً لوصاياه. لن نلتجئ إلى شرق ولا إلى غرب، لن نخضع الرأس إلا لمن خلق هذا الرأس. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة