مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 17/12/2010

جواباً على مقولة: لو كان القحط بكثرة المعاصي لكان الغرب أولى به منا

‏‏‏‏الجمعة‏، 11‏ محرم‏، 1432 الموافق ‏17‏/12‏/2010


الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


تعالوا نبتهل إلى الله سبحانه وتعالى ونخاطبه من أعماق قلوبٍ مؤمنةٍ به قائلين: اللهم إنا قد مُطِرْنَا بفضلك وإحسانك لا بعملنا وعدلك، كنا ننتظر أن تعاقبنا لسوء أعمالنا وللكثير من مظاهر إعراضنا ولكنك أريتنا من ذاتك العلية وجه الصفح، أريتنا وجه المغفرة والإكرام فنسألك اللهم أن تقدرنا على شكر نعمك وأن تلهمنا القيام بحق هذا الشكر لك كما ينبغي وعلى النحو الذي يرضيك يا ذا الجلال والإكرام.


ثم إن سؤالاً – يا عباد الله – يظل يتكرر على كثيرٍ من الألسن، ومهما أجبنا عن هذا السؤال لابد أن نجد أن ألسناً تلوك هذا السؤال مرةً أخرى، ذلك لأن في الناس من يحركون ألسنتهم بهذا السؤال أو الاستشكال ولكنهم لا يوجهون آذانهم قط إلى سماع الجواب، فكيف السبيل لحل هذه المعضلة؟ كيف نتابع الإخوة الذين يكررون سؤالهم هذا في كل نادٍ وفي كل مجتمع وفي كل مناسبة ثم إنهم يعرضون عن الجواب لأنهم قد لا يوجدون في أماكن مثل هذا المكان المقدس.


السؤال هو ما قد أجبت عنه منذ عدة أسابيع، لماذا تربطون حبس الأمطار والابتلاءات المتنوعة بالمعاصي التي قد نتورط فيها وها هي المجتمعات الغربية غارقة إلى الحمأة في كل أنواع المعاصي وفي كل مظاهر الانحراف والسوء ومع ذلك فإن نعم الله عز وجل لا تنقطع عنه، وإن قَطْرَ السماء يظل يصافح كل أرضٍ من تلك الأراضي، في كل بقعة من تلك البقاع؟ هذا هو السؤال، فما الجواب؟ أعود فأكرر الجواب مرة أخرى، وليت أن الإخوة الذين يسألون يُتَاح لهم أن يسمعوا الجواب بطريقة ما.


عباد الله: إن في الناس من يخاطبهم الله عز وجل يطلب منهم التوقيع على ميثاق الإيمان به والعبودية له، ومن الناس من وقعوا على هذا الميثاق يخاطبهم الله عز وجل بضرورة تطبيق مقتضيات الميثاق، فانظروا إلى الفرق.


يخاطب الله سبحانه وتعالى التائهين الشاردين عن الإيمان به الذين لم يدخلوا بعد ساحة التعرف عليه وساعة الالتزام بحقيقة العبودية له يقول لهم: ﴿وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [المائدة: 7].


يقول لهم: لقد أصغيتم إلى الميثاق الذي دعوتكم إلى التوقيع عليه، وها أنتم وقَّعْتَمْ وذلك عندما قلتم: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾، إذاً فأنتم مطالبون بالتطبيق.


يقول لهم أيضاً: ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ [البقرة: 40]. ﴿أَوْفُواْ بِعَهْدِي﴾ الذي وقَّعْتُمْ عليه عندما قلتم: آمنا أُوفِ أنا بِعَهْدِي تجاهكم بإرسال النعم وحمايتكم من كل سوء وإعطائي لكم الأجور التي وعدتكم بها.


عندما يخاطب ربنا سبحانه وتعالى الشاردين عن هذا التوثيق، الشاردين عن الإيمان به يقول لهم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾، وعندما يخاطب الذين آمنوا به ويدعوهم إلى تطبيق مقتضيات الميثاق يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾، فاسمعوا ولاحظوا الفرق. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَ﴾ [يونس: 108]. هذا خطاب للناس جميعاً يدعوهم فيه إلى التوقيع على ميثاق العبودية لله ومعرفته. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ﴾ [يونس: 57]. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [النساء: 1].


ألاحظتم؟ الخطاب موجه إلى الناس الذين لم يقعوا بعد على صك عبوديتهم لله، وعلى صك معرفتهم لله عز وجل، لا يطالبهم الله إلا بشيء واحد، يطالبهم بالتوقيع على هذا الميثاق، فإن وقَّعوا فيطالبون بعد ذلك بالتنفيذ وإن لم يوقعوا تركهم وشأنهم لعقابهم الذي ينتظرهم يوم القيامة.


أما الذين آمنوا وصدَّقوا ووقَّعوا على صك هذا الميثاق بينهم وبين الله عز وجل، وقَّعوا على صك عبوديتهم لله وألوهية الله واحداً لا شريك له، وقَّعوا على الحقوق المترتبة في ذممهم وأعناقهم تجاه الله عز وجل فيخاطبهم قائلاً: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]. أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ التي التزمتم بها. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾ [النساء: 43].


وهكذا، لا يقول لهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ إلا ليذكِّرهم بالعهد الذي وقَّعوا عليه تجاه ربهم وخالقهم، يخاطبهم بـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ ليدعوهم إلى تنفيذ هذا العقد.


إذا تبيَّنَ لنا هذا – أيها الإخوة – فأعود فأقول: أما نحن المسلمين المؤمنين بالله فلقد وقَّعْنا العقد، وقَّعنا صك عبوديتنا لله وأعلنا عن هويتنا عبيداً مملوكين لله ووقعنا على حقوق الله عز وجل علينا ووقَّعنا على أننا منقادون لشريعة الله وأمره، فإذا أعرضنا بعد التوقيع عن أوامر الله عز وجل، أعرضنا بعد التوقيع عن الواجبات التي واثقنا الله بها إذ قلنا سمعنا وأطعنا نستحق عندئذٍ العقاب في دار الدنيا قبل يوم القيامة كما توعَّدَ وكما بيَّنَ في محكم تبيانه.


أما أولئك الناس الذين لم يوقِّعوا على صك هذا العقد وأعرضوا عن دعوة الله عز وجل لهم ليوقِّعوا على صك عبوديتهم لله وليوقِّعوا على بالغ حقوق الله في ذممهم وليوقِّعوا على ضرورة تنفيذ شرائع الله وأمره في حياتهم فإن الله عز وجل لا يكلمهم ولا يخاطبهم ولا يأمرهم بتنفيذ ما لم يوقِّعوا عليه، لا يأمرهم بتنفيذ الشرائع التي لم يتعرفوا عليها، وهذا من أدق مظاهر عدالة الله عز وجل.


بل أقول لكم شيئاً آخر يا عباد الله. لو أن هؤلاء الذين لم يوقِّعوا على صك العبودية لله وعلى التزامهم بتنفيذ أوامر الله، لو أنهم تركوا الخمرة ولو أنهم تركوا المعاصي كلها أفيثيبهم الله عليها؟ أفيجزل الله لهم الأجر على شيء من ذلك؟ أبداً، لن يثيبهم على شيء من ذلك. كما أنهم لن يثيبهم على تنفيذ شيء لم يوقِّعوا مع الله على صك العبودية لله لهم فكذلك لا يعاقبهم في دار الدنيا أيضاً.


هؤلاء الذين يعيشون في الغرب، نعم إنهم يتقلَّبون في حمأة الرذائل، إنهم يتقلبون في بحار متلاطمة من المعاصي ولكن لماذا يلاحقهم الله عز وجل ولماذا يعاقبهم على ذلك وهم لم يوقِّعوا على الصك الذي دعاهم الله سبحانه وتعالى إلى التوقيع عليه، لم يقولوا: آمنا بك يا إلهنا وها نحن خاضعون لتطبيق أمرك، لم يقولوا: ها نحن مؤمنون بالرسل والأنبياء الذين ابتعثتهم وها نحن مؤمنون بقرآنك حتى يخاطبهم الله ويحاسبهم على عدم تنفيذ أوامر الله الواردة في هذا القرآن، لم يوقِّعوا، هؤلاء لم يلتزم الله أن يعاقبهم في دار الدنيا وإنما التزم أن يعاقبهم على عدم توقيعهم صك عبوديتهم لله يوم القيامة.


أما نحن المسلمين، أما نحن المؤمنين، أما نحن الذين نتلوا كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار أو نصغي إلى كتاب الله عز وجل يُتلى على مسامعنا في كل مناسبة ووسائل إعلامنا المسموعة والمرئية، أما نحن الذين نقول صباح ومساء: إننا مؤمنون بك وبوحدانيتك، مؤمنون بقرآنك فلا شك أن الله عز وجل يلاحقنا بتنفيذ هذا الذي وقَّعنا عليه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1].


عقدٌ وقَّعتموه، عقد وصكٌّ مثبت في أعناقكم إذاً ينبغي أن توقعوه، وقَّعنا على هذا الصك فإذا أعرضنا بعد ذلك عن مقتضى التنفيذ، إذا أعرضنا بعد ذلك عن أوامره، إذا انحططنا بعد ذلك في الأوزار التي حذرنا الله عز وجل منها عندئذٍ نستحق العقاب الدنيوي. وهذا فرق دقيق ولكنه واضح، فرق ما بيننا نحن المسلمين الموقعين لصك العبودية لله والإيمان به إلهاً واحداً والإيمان بكتبه ورسله وأنبيائه وبين أولئك الشاردين الذين لم يوقعوا على هذا الصك أبداً.


هل أزيدكم بياناً أيها الإخوة لهذه الحقيقة؟


أرأيتم إلى هيئة الأمم المتحدة تنتهي إلى وضع مشروع تريد أن تلزم به الدول المختلفة، ماذا تصنع؟ ترسل هذا المشروع إلى البلاد العربية أو غير العربية المختلفة لكي يروا رأيهم في هذا المشروع، فالذين وقَّعوا على الموافقة يلاحقون بضرورة التنفيذ، والذين لم يوقعوا على الموافقة وأعلنوا أنهم غير مقتنعين به فإن هذه الهيئة الدولية لا تلاحقهم وليس من حقها أن تلاحقهم.


عدالة الله عز وجل في حق عباده – يا عباد الله – دقيقة وعجيبة ولكني أعود فأقول: ترى هل أنا بحاجة إلى أن أجيب عن هذا السؤال مرة ثالثة ورابعة وخامسة؟ أغلب الظن أنني سأحتاج إلى ذلك لأن الذين يطرحون هذا السؤال لا نراهم في مثل هذا المكان ومن ثم فإنهم يشفون غليلهم بطرح السؤال، يحركون ألسنتهم بذلك ولكنهم لا يوجهون آذانهم إلى الإصغاء إلى الجواب.


أما ما يتعلق بالحضارة الغربية لماذا تألقت وأما حضارتنا الإسلامية لماذا خابت وتراجعت فلهذا السؤال جواب آخر أجبت عنه أيضاً في مرة من المرات من هذا المكان ولكني سأعود فأجيب مرة أخرى عن هذا السؤال لنزداد ثقة بعدالة الله ولنزداد ثقة برحمة الله التي تجاوزت حدود هذه العدالة.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم فاستغفروه يغفر لكم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة