مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 03/12/2010

الأسباب والمسببات والعلاقة بينها

‏‏‏‏الجمعة‏، 27‏ ذو الحجة‏، 1431 الموافق ‏03‏/12‏/2010


الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


تعالوا نتأمل في هذه الآيات التي يخاطبنا الله عز وجل بها، يقول عز وجل: )وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[ [الذاريات: 49]. خلقنا ذكراً وأنثى أو سالباً وموجباً. ويقول عز وجل: )إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ[ [القمر: 49]. ويقول سبحانه وتعالى عن ذاته العلية: )أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى[ [طه: 50].


هذه الآيات طائفةٌ من آياتٍ كثيرةٍ في كتاب الله عز وجل يؤكد فيها البيان الإلهي أن كل ما هو موجود في دائرة المكوَّنَات فإنما تم وجوده بإيجاد الله سبحانه وتعالى له.


ومن المعلوم علمياً قبل أن تكون معلومة دينية أن الأشياء كلها تمارس صفتي السببية والمُسَبَّبِيَّة، فما من شيء مما خلقه الله عز وجل إلا وهو مُسَبَّبٌ عما قبله وسبب لما بعده، وهكذا فإن الموجودات كلها عبارة عن سلسلة متفاعلة من الأسباب والمُسَبَّبَات. فمن الذي بثَّ فيها فاعلية التسبب فجعلها سبباً آناً ومسبَّبَاً آناً آخر؟ هو ذاك الذي يقول عن ذاته العلية: )إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ[ [القمر: 49]. )وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً[ [الفرقان: 2].


الأسباب التي نتحدث عنها ونجعلها موضوعات لكثير من علومنا ومعارفنا إنما هي جندٌ من جنود الله سبحانه وتعالى، وانظروا – يا عباد الله – إلى حديث البيان الإلهي عن إسكندر المقدوني والطائفة من المزايا التي متَّعَهُ الله بها، انظروا إلى حديثه عنه في خواتيم سورة الكهف: )إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً[ [الكهف: 84].


أخضعنا له جنودنا من الأسباب الكثيرة، أخضعنا له الوسائل المختلفة لتحقيق ما قد كلَّفْنَاه به ولتحقيق الغايات التي اتجه إليها مشرقاً ومغرباً )إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً[ [الكهف: 84].


وهكذا فالأسباب التي ندرسها ونعتبرها حقائق علمية إنما هي جند من جنود الله عز وجل.


قوانين التبخر الذي يتعالى من البحار فتنعقد منه السحب جند من جنود الله.


قانون الإمطار وتفاعل التربة مع المياه الهاطلة من السماء واخضرار الأرض من بعدها جند من جنود الله سبحانه وتعالى. والشحنات الكهربائية التي تتلاقى بين الكتل من السحب فتنبثق منها الرعود والبروق جند من جنود الله سبحانه وتعالى. والصواعق التي يرسلها الله عز وجل فيصيب بها من يشاء من عباده أو من مخلوقاته جند من جنود الله عز وجل. وقوانين الفلك التي تُدرَسُ علماً ويختص بها من يختص جند من جنود الله عز وجل. وقانون فيزياء البحار جند من جنود الله عز وجل.


فيا عجباً لغباء من يسجن نفسه ضمن هذه القوانين التي هي من جنود الله سبحانه وتعالى ثم يحجب نفسه بهذه القوانين عن مُقَنِّنِها، يحجب نفسه بهذه القوانين عن موجدها، يا عجباً لغباء من يفعل ذلك.


يقول عن العلم – ويمضغ كلمات العلم كما يشاء ويترطَّن بها – ولا يسأل نفسه قوانين العلم هذه من الذي رسمها، قوانين العلم هذه التي تُدرَس في الجامعات وهنا وهناك من الذي وضعها؟ إنه الله سبحانه وتعالى.


هذه الحقيقة كيف تغيب عن أناس يتمتعون بوعيٍ وبصيرة؟ وصدق الله القائل: )وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ[ [الحجر: 14-15].


يا عجباً لمن لا يتدبر كلام الله سبحانه وتعالى وكل آية فيه توقظ الألباب الغافلة، توقظ النفوس السادرة. صحيح أن لهذا الجفاف المرعب – الذي لم نر مثله في حياتنا – سبباً ولكن من الذي رسم هذا السبب؟ من الذي جعله جنداً لهذا الإله الذي يفعل ما يشاء ويعامل عباده بما يشاء إنه الله سبحانه وتعالى. )أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ. أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ. لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ[ [الواقعة: 68-70]


أجل. أخشى أن يستمر الغباء بهؤلاء الذين يلوكون كلمات العلم ولا يدركون شيئاً من مضامنها أخشى إذا رأى أحدهم بعينيه ملك الموت وافداً إليه أن يفسر ذلك بأنه إنما يرى قانوناً علمياً درسه يوماً ما.


في جامعته وهو يتحدث مع أستاذته يسائلهم ويجيبونهم عن العلوم الطبيعية المختلفة، كان هذا الذي رآه قبل رحيله من هذه الدنيا مظهراً لهذه العلوم التي يلوكها. لا يبعد أن يستمر الغباء بهؤلاء الناس إلى درجة أن يفسر رؤية ملك الموت بظاهرة علمية طبيعية دنيوية لا علاقة لها بدين ولا إيمان.


أخشى إذا قام الناس غداً لرب العالمين ورأى هؤلاء الناس زفرة جهنم، ورأى هؤلاء الناس كيف تتغير الأرض غير الأرض والسموات، أخشى أن يفسر ذلك بالطريقة التي كان يتلقاها من أساتذته إذ كان يجلس على مقاعد الدرس في الجامعة.


بل فعلاً أخشى أن يستمر الغباء بهؤلاء الناس إلى ذلك المصير.


بل أخشى إذا زُجَّ بأحدهم إلى صراط الله عز وجل ليمشي فوقه وعالم النار تتعالى لهيبه عن يمين وشمال أخشى أن يقف ليفسر هذه الظاهرة تفسيراً فيزيائياً أو كيميائياً أو نووياً من نوع التفسيرات المادية الطبيعية التي كان سجينها في دار الدنيا.


لا يا عباد الله. الإنسان أكرم من أن يهبط إلى هذا الدون، الإنسان مُكَرَّم، وصدق الله القائل: )وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ[ [الإسراء: 70].


وإن أجل معاني التكريم الذي متَّع الله به الإنسان إنما هو العقل الذي متعه به، الإدراك الذي ميَّزه الله سبحانه وتعالى به.


نعم، عالمنا مليء بالأسباب والمسببات لكن العلم يقول – وليتعلم من لم يعلم هذه الحقيقة بعد علاقة ما بين الأسباب والمسببات علاقة اقتران فقط. منذ أن ولدت ووعيت على الدنيا نظرت فرأيت أن الهشيم يحترق كلما مسته النار، هذا ما أراه، اقتران دائم. أما حتمية العلاقة بين النار طبيعة وبين الاحتراق فلم أجدها بعيني ولم ألمسها بشيء من إحساسي ولم يلتقطها عقلي، رأيت الاقتران فقط، من الذي ربط هذا بذاك؟ الله مقنن القوانين.


منذ أن وعيت على الدنيا رأيت أن السم يهلك وأن الذي يحتسيه سيموت ولكني ما رأيت فيما يقرره العلم بين هذا وذاك إلا الاقتران فقط، أما ضرورة العلاقة بين هذا وذاك فلم أضع يدي عليها ولم أتبين ما يدله العلم على ذلك منه إنما هو الاقتران فقط، من الذي ربط هذا بذاك؟ الله مسبب الأسباب القائل: )وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً[ [الكهف: 84].


لست أنا الذي أقول هذا من منطلق ديني بل أقوله من منطلق العلم الذي يسجد للدين، ولا حرج في أن أنقل لكم كلام عالم من العلماء الذين يعتز بهم الغرب، إنه هُيوم، يقول: لو وجدت أن الهشيم احترق في النار مليون مرة لكي أجزم جزماً علمياً بأنه سيحترق للمرة الجديدة في المستقبل لابد أن أُجَرِّبَ لأنني لم أضع يدي على علاقة ما بين الأسباب والمسببات إلا على الاقتران أما ضرورة ما بينهما فلم ألمسه ولم أجده، من الذي يكتشف العلاقة ما بينهما؟ الذين آمنوا بالله، الذين عرفوا أنفسهم ومن ثم عرفوا الله سبحانه وتعالى قبل فوات الأوان.


عباد الله: رسالة وفدت إلينا من عند الله كما قلت لكم بالأمس – وأنا مكلف أن أقول لكم هذا – هذه الرسالة تقول: إن لهذا الجفاف سبباً أو أسباباً فأزيلوا هذه الأسباب مما بينكم وبين الله تعود الأرض ممرعة، تعود السماء ممطرة ولسوف يكون هذا، أما إن بقيت الأسباب فاعلموا أن المصيبة في طريقها إلى الاستفحال.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.



تشغيل

صوتي