العلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي
خطبة عيد الفطر - المبعدون عن رحمة الله عز وجل
خطبة عيد الفطر السعيد 01 شوال، 1431 الموافق 10/09/2010
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر من كيد الكائدين، الله أكبر من مكر الماكرين، الله أكبر من زيغ الزائغين، الله أكبر من سخرية الساخرين، الله أبكر، ربنا القائل: )يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ[ [الصف: 8].
سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب، سبحان ربي المُسَبَّح بكل لسان، سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
يشعر كل مؤمن أدى شيئاً من حقوق هذا الشهر أو كل حقوقه، يشعر بتجليات الله سبحانه وتعالى الرحمانية على عباده، يشعر بتجليات الله سبحانه وتعالى بالمغفرة الواسعة على عباده في هذا الشهر، وكيف لا يقبل إليهم بالرحمة الغامرة وبالمغفرة الواسعة جزاءً وفاقاً على صبرهم على الصيام ومواظبتهم على القيام ودعائهم في الأسحار وفي أخص الأوقات. كيف لا يكرمهم الله سبحانه وتعالى في أعقاب هذا الشهر المبارك وقد طرقوا بابه، ومتى كان بابه يُغْلَق دون أحدٍ من الناس، كيف لا يغفر لهم سيئاتهم كلها عظمت أو صغرت وقد التصقوا بأعتاب كرمه وجوده. هذا ما قد وعد الله سبحانه وتعالى به عباده الطائعين الذين استقبلوا هذا الشهر وقاموا بحقه – لا أقول حق القيام – بل أقول قاموا بحقه جهد الاستطاعة. هذا عن المؤمنين الذين وفَّقهم الله سبحانه وتعالى ليؤدوا حقوق هذا الشهر كاملة أو منقوصة.
ولكن ماذا عن أولئك الذين أدركهم هذا الشهر المبارك وهم معرضون عنه، أدركهم هذا الشهر المبارك وهم مستخفون به، أجل مستخفون به، أدركهم شهر القرآن الذي تنزل في هذا الشهر المبارك على السماء الدنيا، أدركهم هذا الشهر شهر القرآن وهم يسخرون بالقرآن ويستخفون بآياته، ماذا عن أولئك.
الجواب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل فيما صح عنه: )من أدركه رمضان ولم يُغْفَرْ له فأبعده الله أبعده الله[.
من أدركه رمضان ولم يُغْفَر له، ترى من هو هذا الذي يدركه رمضان ولا يغفر له، أهو المقصر؟ لا يا عباد الله، إن رحمة الله عز وجل تلحق بالمقصرين قبل أن تلحق غيرهم، وإذا لم يغفر الله للمقصرين فلمن يغفر. هل الذين لم يغفر الله لهم خلال هذا الشهر أولئك الذين لم يُتِحْ لهم أن يقوموا الليل؟ لا. إن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، إذاً من هم الذين أدركهم شهر رمضان ولم يُغْفَر لهم.
كما قلت لكم هم المستخفون بهذا الشهر، هم المستهزئون بشعائره، بل هم الساخرون بقرآنه، بالقرآن الذي نزل في هذا الشهر المبارك، هم أولئك الذين يخططون طوال العام لحجب إخوانهم المسلمين عن حقوق هذا الشهر، لحجب إخوانهم عن الوقوف بين يدي الله، لحجب إخوانهم عن الإصغاء إلى كلام الله سبحانه وتعالى، هم أولئك الذين إذا ذُكِّرُوا بالصيام أعرضوا عن المُذَكِّرِ وتباهوا واستكبروا على المشرع، هم أولئك الذين يخططون – وما أطول ما يخططون وما أكثر ما يعكفون على خططهم – لحجب هذه الأمة المسلمة لاسيما في هذه البلدة المباركة عن دين الله سبحانه وتعالى، هم الذين لم يغفر الله لهم في هذا الشهر ومن ثم يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه بالطرد من رحمته أي باللعن، من أدركه قال ولم يغفر له فأبعده الله، أبعده الله عن ماذا؟ عن رحمته، وما أعلم أن رسول الله دعا على أحد قط من العصاة، ما أعلم أن رسول الله دعا على أحد من المقصرين، الآثمين، يدعو لهم ويشفق عليهم ويفيض قلبهم رحمة بهم، أما هؤلاء الذين يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم بالطرد فهم المستكبرون، هم الذين يعلمون ولكنهم يخلطون على الحق، يعلمون أن كتاب الله حق ولكنهم يكيدون في الوقت ذاته لكتاب الله سبحانه وتعالى، هؤلاء هم الذين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حتى الآثمون الذين كان كفرهم عن جهلٍ وعن سوء إدراك لم يكن من دأب رسول الله أن يدعو عليهم وإنما كان يدعو لهم، ولما سأله أحد أصحابه أن يدعو على أهل الطائف – ولم يكونوا قد أسلموا بعد – رفع يده وقال: اللهم اهد ثقيفاً وات بهم مؤمنين. ولكن المشكلة – يا عباد الله – أن هؤلاء المستخفين بدين الله والمستهزئين بشرائعه وشعائره والساخرين من قرآنه يتجهوا وشأنهم ولم يُضْرَب على أيديهم ولم يقف في وجههم من ينكر فيوشك أن يعود غضب الله عز وجل وأن يعم المستخفين المستكبرين وأن ينتشر غضبه إلى من حولهم من الذين يرون وهم ساكتين، من الذين لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، وصدق الله القائل: )وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ[ [الأعراف: 96]
)فَأَخَذْنَاهُم[ قال المفسرون أي أخذ الله هؤلاء وكلّ من كان معهم وإن لم يكونوا على شاكلتهم لكنّهم كانوا ساكتين، لم يكونوا يَصدعون بالحقّ ولم يكونوا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، وصدق الله القائل: )وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً[ [الأنفال: 25].
إنني في هذا الموقف، في هذا الصباح المبارك من هذا اليوم الأغرّ، لا أملك إلا أن أتوجّه إلى الله سبحانه وتعالى وهو الذي يهدي التائهين وهو الذي يضع الهداية في قلوب المارقين لا يسعني إلا أن أتوجّه إلى الله قائلاً: اللهم اهدهم فيمن هديت، اللهم لا تهلكنا بجريرة غيرنا يا رب العالمين، اللهم لا تهلكنا بجريرة من يتّخذون من كتاب الله عز وجل شعارات للسخرية، اللهم لا تهلكنا بجريرة من يتخذون من كلمات الله سبحانه وتعالى جُملاً لاستثارة فتنة، لاستثارة رِيب وشكوك.
شيء آخر أقوله: شامنا هذه والله الذي لا إله له مهما حيكت لها أنواع المكر، مهما حيكت لها الخطط الرامية إلى إبعاد أهلها عما تعتزّ به من الالتزام بكتاب ربها وسنّة نبيها، فإن هذه الخطط لن تبوء إلا بالخزي والوبال، شامنا أليست هي التي تحدّث عنها رسول الله، أليست هي التي قال الله عنها في محكم كتابه عن سيّدنا ابراهيم: )وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ[ [الأنبياء: 71]
نعم هي الشام، أنجى الله سبحانه وتعالى ابراهيم من كيد نمرود إلى أحضان الشام، جعل مستقره في الشام، جعل حصنه الذي أبعده عن كيد نمرود وغيره، هذه الشام، إذا كان الله سبحانه وتعالى أعاد كيد نمرود إلى صدره ونحره أفيستطيع أحفاد نمرود وتلامذته اليوم أن يكيدوا للشام، أن يكيدوا للشام وأهله، الشام التي تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحاديث كثيرة، وقلب الشام إنما هو هذا المكان الذي شرّفكم الله عز وجل به إنه دمشق، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: )فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى على أرض يقال لها الغوطة إلى جانبها مدينة اسمها دمشق هي خير منازل المسلمين يومئذ[، فليعكف.
الكائدون ما شاؤوا على كيدهم، وليتفننوا في كيدهم كما يشاؤوا وليصبوا كيدهم في أفانين مما تعرفون وما لا تعرفون، فلا والله لن يعود هذا الجذر إلا سهاماً إلى نحورهم، أما شمس الإسلام فلسوف تظل ساطعة وسوف تظل تتلألأ، أقول قولي هذا وأحمد الله على أن أقامنا من عالمنا في هذه الأرض فوق هذه الأرض المباركة، وأسأله أن يجعلنا أعين حارسة لبركة هذه الأرض، أقول قولي هذه وأستغفر الله العظيم.