مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 13/08/2010

مكيدة المسلسلات التي تتربص بشهر رمضان

‏‏‏‏الجمعة‏، 03‏ رمضان‏، 1431الموافق ‏13‏/08‏/2010


الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


أرأيتم كيف أقبل هذا الشهر المبارك، شهر الرحمة الإلهية - شهر النفحات القدسية - كيف أقبل إلى عباد الله عز وجل مصحوباً بألطافه العظيمة، أرأيتم كيف اختفى الحرور اللاهب وظهرت في مكان ذلك النسمات المنعشة في ليلٍ ونهار. ذلك هو نموذج لرحمة الله عز وجل ولطفه.


لقد توقع المتوقعون وخاف كثير من الناس من أن تُقْبِلَ واجبات هذا الشهر إلى عباد الله ممزوجة بشدة هذا الجو اللاهب ولكنهم أخطأوا إذ لم يعلموا سنن رب العالمين عز وجل. لقد تغلبت الألطاف الإلهية على التوقعات الجوية وعلى أرصادها.


فتعالوا – يا عباد الله – نشكر هذا الإله الخالق اللطيف العليم الشكر اللائق بذل عبوديتنا له، الشكر اللائق برحمته الغامرة وبلطفه الذي لا حدَّ له.


عباد الله إنكم: سمعتم الكثير الكثير عن الأجر العظيم الذي يناله المقبلون إلى الله عز وجل في هذا الشهر، يؤدون واجباته ويتحلون بآدابه، ولا أريد أن أعيد هذا الذي عرفتموه وسمعتموه مراراً وتكراراً، لكنني أريد أن الفت أنظاركم إلى حقيقة هي من الأهمية بمكان،  إنه بمقدار ما يعظم أجر المقبلين على الله في هذا الشهر والذاكرين له والمصطبغين بآدابه فإن التائهين عن هذا الشهر والمعرضين عن واجباته وآدابه يتعرضون لسخط كبير قد لا يتوقعه أحدٌ من الناس.


وهكذا فإن معالم الرحمة الإلهية التي تمر بنا خلال هذا العام لها وجهان اثنان: وجه من الأجر العظيم يناله المقبلون إلى الله في هذه المعالم، ووجه آخر من السخط الإلهي القاتم يتعرض له المستخِفُّون بهذه المعالم والتائهون عنها، ألا فلتعلموا هذه الحقيقة يا عباد الله.


إذا علمتم ذلك فلتعلموا أن هنالك مكيدة تحاك لهذه الأمة ولعباد الله الصالحين خلال أحد عشر شهراً من العام، يعكف أصحاب هذه المكيدة من شياطين الإنس والجن على تحضيرها وحبكها من أجل أن تُصَبَّ هذه المكيدة في هذا الشهر، في شهر رمضان المبارك. ألا فاحذروا على أنفسكم من هذه المكيدة الرعناء التي يعكف على تحضيرها – كما قلت لكم – أحد عشر شهراً من العام لتُصَبَّ هذه المكيدة في هذا الشهر فيتقطع عباد الله عز وجل منه ويُغَيَّبُوا من شهر رمضان وواجباته وآدابه ومن ثم ليتعرضوا للسخط الذي حدثتكم عنه.


إنها مكيدة المسلسلات التي تُصَاغُ – كما قلت لكم – خلال العام من أجل صبها في هذا الشهر، من أجل جعلها حجاباً يحجب العبد المسلم في هذا الشهر عن الله عز وجل، ينشغل بها ويعرض بها عن الله سبحانه وتعالى وهكذا يبوء بسخطٍ كبير من الله بدلاً من أن ينال الأجر العظيم بسبب ذكره لله وإقباله على الله عز وجل.


عباد الله: إن الإنسان لا ينأى عن الله عز وجل ولا يُحْرَمُ من رحماته بسبب المعاصي وإنما يُحْرَمُ من ألطاف الله عز وجل ويتعرض لسخط الله عندما يغيب عن ذكر الله عز وجل وعندما تلهيه مشاغل الدنيا وأهواؤها عن ذكره لله عز وجل، وتلك هي المكيدة التي أحدثكم عنها، ألا فاسمعوا ما يقوله الله عز وجل: )وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى[ [طه: 124] )وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي[. لم يقل من تورط في المعاصي، كل بني آدم خطاء والله يتوب على من تاب ولكن المعرض عن ذكر الله عز وجل بعيد عن رحمة الله، محكوم عليه بالاحتجاب عن ألطاف الله. )وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى،  قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً،  قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى[  [طه: 124-126].


لا تُنْسِيَنَّكُم المسلسلات – وأقولها بصراحة - لا تُنْسِيَنَّكُم ذكرَ الله عز وجل، لا تُنْسِيَنَّكُم الإقبالَ على رحمات الله عز وجل التي تلاحقكم في هذا الشهر فتتحول رحماته في حقكم إلى سخط، أقولها وأنا أعلم ما أقول لكم يا عباد الله.


قاطعوا في هذا الشهر المبارك هذه الملهيات كلها وأنتم بذلك تحكمون بفشلها.


ما الذي يجعل هذه المسلسلات تنجح كما يقولون؟ إقبالكم هو سر نجاحها يا عباد الله.


ألا – وإني أخبركم – بأن في هذه المسلسلات ما توضعت فها أوبئة وأمراض خبيثة ستسري عما قريب إلى جسوم أصحاب هذه المسلسلات، منتجيها، مخرجيها، ممثليها، فإياكم وإياها. ابتعدوا عنها لا تصيبنكم عدواها يا عباد الله، وأنا أقول وأعلم ما أقول.


لقد علمت أن في هذه المسلسلات ما يستنزل غضب الله وسخطه بل مقته وعذابه، ولقد علمت أن هذه المسلسلات قد توضعت فيها جراثيم أوبئة وأمراض خبيثة ستسري عما قريب إلى جسوم أصحابها. ابتعدوا عنها، أنا ناصح، ابتعدوا عنها لا تصيبنكم عدواها يا عباد الله.


عباد الله: نحن خطاؤون وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنا – ولله الحمد – لسنا ممن يعرضون عن التوبة، قد نكون خطائين ولكنا في الوقت نفسه توابون بحمد الله.


فإذا كان الضعف قد حملنا على أن تزل بنا القدم بين الحين والآخر فلنداو هذه الحالة التي هي نتيجة ضعف وصفه الله عز وجل بنا فلنداو ذلك بالتوبة، فلنداو ذلك بالخضوع والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى. الله عز جل يغفر الذنوب، ومن ذا الذي يغفر الذنوب إلا الله سبحانه وتعالى: )قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[ [الزمر: 53].


ولكن يغفر الذنوب جميعاً لمن أقبل إلى الله، لمن التفت إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا الشهر مثابة التفاتة إلى الله، هذا الشهر دعوة من الله للعصاة والمارقين والمرتكبين للكبائر المختلفة يقول لهم الله: ألا أقبلوا إلي أصفح عنكم، ألا أقبلوا إلي أغفر لكم ذنوبكم، ألا أقبلوا إلي أُبَيِّض الصحائف السود من أعمالكم.


فما المطلوب منا؟ المطلوب منا ألا نغفل عن ذكر الله سبحانه وتعالى، ومعنى عدم غفلتنا عن ذكر الله أن يقودنا ذكره إلى التوبة أو أن يقودنا ذكره إلى الالتجاء إلى الله والتضرع على أعتاب الله.


سألني شاب منذ حين قال لي: أنا لا أحب أن أعصي الله لكنني ضعيف وشهواتي عارمة تتغلب عليَّ، أتوب إلى الله ثم إنني أعود إلى المعصية، ماذا أصنع؟ وأخذ يتضرع ويتوسل، قلت له: أرأيت إلى هذا الموقف الذي تقفه، قف هذا الموقف ذاته لكن لا أمامي ولا أمام عبدٍ مثلي ولكن أمام ربك، مولاك وخالقك، هذه الشكوى تقدم بها إلى من فطرك، إلى من ابتلاك بهذه الشهوات والأهواء، قل له: مولاي لا أحب أن أعصيك ولكنني مندفع بالشهوات التي ابتليتني بها فيا رب لا حول لي ولا قوة إلا بعونك، حررني يا ربي من هذه الشهوات والأهواء.


التجَأَ إلى الله وهو عاصٍ وهو مسرف على نفسه، أي ذكر الله سبحانه وتعالى والتجأ وثابر على ذلك، أجابه الله لبيك، انتشله من أهوائه، انتشله من شهواته، انتشله من سوء حاله وأصبح الإنسان الذي يتلألأ قلبه طافحاً بتجليات الرحمات الإلهية،  كلنا ذاك الرجل يا عباد الله.


شهر رمضان هو الفرصة التي يفتح الله عز وجل فيها الأبواب للعصاة، للمارقين، لمرتكبي الكبائر لكن لا للمستكبرين، لا للمعاندين، لا للذين يعكفون طوال العام على الكيد لدين الله، على الاستهزاء بكتاب الله، لا. هؤلاء أعلن البيان الإلهي في قرآنه أنهم مطرودون من رحمة الله سبحانه وتعالى: )إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ[  [الأعراف: 40] وأنا يكون ذلك.


هذه نصيحة أزجيها أولاً لنفسي ثم إنني أقدمها تقديم المحب لإخواني: قاطعوا ما يشغلكم عن الله في هذا الشهر، قاطعوا المسلسلات التي تُصاغ خلال العام لكي تبعد المسلمين في هذا الشهر عن الله سبحانه وتعالى.


وأنا أقول: إن هؤلاء الذين يوغلون في هذه الأعمال التي يحاربون بها الله قبل أن يحاربوا بها دين الله عز وجل، إنها نذيرٌ لعقاب شديد، إنها نذير لسخطٍ رباني أسأل الله أن يبعده عن هذه البلدة المباركة، نعم هي بلدة مباركة، ومعنى أنها بلدة مباركة أن الله أقام فيها من يكونون حراساً لدين الله، من يكونون حراساً لشريعة الله عز وجل.


بلدتنا لن تقبل مسلسلات تحارب دين الله وأنا أعلم ذلك يا عباد الله ولكن الفضائيات الكثيرة من حولكم ترسل ما تزال سمومها فكيف السبيل؟ السبيل أن تحصنوا أنفسكم.


هنالك مسلسلات توضعت فيها – وأنا أعني ما أقول – جراثيم لأمراض وأوبئة خبيثة ستسري عما قريب إلى جسوم أصحابها فإياكم وإياها، لا تعرضوا أنفسكم لعدواها.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي