مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 09/07/2010

بلغوا عني ولو آية فرُبَّ مُبَلَّغٍ له أوعى من سامع

‏‏‏‏الجمعة‏، 28‏ رجب‏، 1431 الموافق ‏09‏/07‏/2010


الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال خطاباً لأمته جمعاء: )بلغوا عني ولو آية فَرُبَّ مُبَلَّغٍ له أوعى ممن سمع[


 عباد الله: لقد وعى السلف الصالح من أصحاب رسول الله وأتباعهم والتابعين من بعدهم هذا الأمر الذي وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وإلينا. سمعوه فوعوه فنفذوه على خير وجه. انطلقوا إلى مشارق الأرض ومغاربها، انطلقوا إلى فجاج هذه المعمورة كلها يبلغون عن الله وعن رسول الله، يبلغون رسالات الله سبحانه وتعالى، ولعلكم تعلمون أنه ما من بقعة من بقاع الأرض المعمورة اليوم إلا وتحتضن قبراً لصحابي أو تابعي أو تابع تابعي.


 وهكذا نفذوا ما خاطبهم به رسول وما خاطبنا نحن أيضاً به )بلغوا عني ولو آية[ وإننا لننظر فنجد صلة وثقى بين هذا الذي أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلف أربعة عشر قرناً وبين قوله صلى الله عليه وسلم: )سيبلغ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار[ حقاً لقد بلغ هذا الأمر – بلغ الإسلام – ما بلغه الليل والنهار، فما من عالَمٍ من العالم المعمور اليوم إلا وقد بلغه الإسلام، إلا وهو يتعرف على الأذان يطرق آذانهم كل يوم وليلة خمس مرات.


 وينبغي أن نعلم أن هذا الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: )سيلغ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار[ ينبغي أن نعلم أنه إخبارٌ وأمرٌ في وقت واحد. إنه إخبارٌ يتضمن هذه البشرى، ولكن كيف السبيل إلى أن يبلغ هذا الأمر الدنيا كلها التي عبَّرَ عنها رسول الله بما بلغه الليل والنهار، سبيل ذلك أن يجند الله عز وجل عباداً من عباده يبلغون رسالات الله سبحانه وتعالى، يبلغون كلمة الإسلام، يبلغون الحق الذي بُعِثَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم


 والآن تعالوا فانظروا يا عباد الله إلى ما فعله ذلك الرعيل الأول، ذلك السلف الصالح أصحاب رسول الله وأتباعه وأتباع أتباعه، استجابوا لأمر رسول الله، بَلَّغُوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قلت لكم، انقذفوا إلى بقاع الأرض كلها المعمورة آنذاك وطَهَّروا الأرض المستعمرة من المستعمرين وأعادوها إلى أربابها.


 طهروا بلاد مصر والشام من الاستعمار الروماني وأعادوهما إلى حظيرة أرباب هاتين الدولتين بل البقعتين في العالم، طهروا كثيراً من بقاع إفريقية من الاستعمار الروماني وغيره وعادوا بعد أن أعادوا هذه البقاع إلى أصحابها آمنةً مطمئنة، إذاً نفذوا أمر الله عز وجل وأمر رسوله، حملوا رسالة الله إلى العالم كله، أبلَغوهم عقائد الإسلام، أبلغوهم شرائع الله سبحانه وتعالى، حملوا إلى العالم كله هدايةَ الإسلام حقاً ونوراً، نفَّذوا هذا الذي أمرهم به رسول الله )بلغوا عني ولو آية[ وإن بقاع الأرض التي تحتضن قبور ذلك الرعيل الأول لخير شاهد على هذا الذي نقول.


 هذا ما فعله ذلك السلف فماذا فعل المسلمون اليوم، أقول باختصار ما قاله الله عز وجل: )فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً[ [مريم: 59]. بدلاً من أن يواصلوا ما فعله أسلافهم فيكونوا أعيناً رقباء على الحق يطردون البغي وأسبابه والطغيان وأسبابه لا أقول من حظيرة الإسلام بل من حظيرة الإنسانية بدلاً من ذلك طووا شعار الجهاد في سبيل الله لأن هذه الكلمة لا ترضي أعداء الله عز وجل وأعداء الإنسانية، طووها عن الذاكرة إلا من رحم ربك، أجل. ومكَّنوا للاستعمار الأمريكي أقداماً راسخة في بلاد المسلمين، مكنوهم من استلاب حقوقهم، من استلاب كنوزهم التي تستبطنها الأرض، مكَّنوا البغي الإسرائيلي من أن يزداد بغياً، من أن يزداد عتوَّاً، حالف من حالف هذا البغي الإسرائيلي ليزداد استلاباً لحقوق المضطهدين أصحاب الأرض، أصحاب الممتلكات.


 وهكذا نظرنا فوجدنا أن خلف ذلك السلف ساروا على النقيض مما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهم (بلغوا عني) أي الرسالة التي شرَّفْتُكُمْ بها بل شرَّفكم الله عز وجل بها. وبدلاً من أن ينهض هذا الخلَفُ بما قد نهض به ذلك السلف ننظر فنجد هؤلاء المسلمين – وأقول مرةً أخرى إلا من رحم ربك – يرفعون فوق رؤوسهم شعار الحداثة أو شعار العلمنة والعلمانية، وليت أن المراد بالعلمنة معناها اللغوي المعروف وهو إتباع العلم والابتعاد عما لا يتفق مع العلم إذاً لوجد أرباب العلمنة أنفسهم خاضعين للإسلام الذي خضع له العلم في عقائده وشرائعه ومبادئه وقيمه ولكن المعنى الذي يتمسكون به لهذه الكلمة هو المعنى الذي آل إليه في المجتمعات الغربية: إبعاد سلطان الدين عن الحكم والإدارة، إبعاد سلطان الدين عن المجتمع الإسلامي متمثلاً في الحكم والإدارة.


 ننظر ونقارن بين ذلك السلف وما فعلوه استجابة لقول رسول الله (بلغوا عني) وبين ما فعله الخلف ويفعله اليوم إلا من رحم ربك إعراضاً عن هذا الذي أوصى به رسول الله، والعجيب أنهم مع ذلك يشدون أنفسهم بانتماء شكلي إلى الإسلام ويشدون أنفسهم بانتماء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.


 عباد الله: إن الشيء الذي يدمي القلب، إن الشيء الذي يدخل الأسى والحياء الممض المذيب في طوايا النفس أنك تنظر فتجد كل يوم الآلاف المؤلفة يقفون أمام مثوى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل واحدٍ منهم يقول: أشهد يا رسول الله أنك قد بلغت الأمانة ونصحت الأمة وتركت أمتك على بيضاء ناصعة ظاهرها كباطنها.


 ليس مكان الشاهد هذا وإنما مكان الشاهد المؤلم المخجل الذي يذيب حياءً من رسول الله، الجواب الذي ينبغي أن تعلموه جميعاً صاعداً من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذه الآلاف المؤلفة، ورسول الله ماثل فينا  )وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ[ [الحجرات: 7] هكذا يقول الله سبحانه وتعالى. إنه يجيبهم جواباً يضرب على أغوار النفوس وإن لم تبلغه الآذان، إنه يقول لهم: حقاً لقد بلَّغْتُ الرسالة وها أنتم تعترفون بذلك فلماذا ضيعتموها وكان أسلافكم أمناء عليها.


 حقاً لقد نصحت لكم وها أنتم تعترفون بذلك فلماذا ضيعتم النصح الذي نقلته إليكم نصيحة من الله عز وجل في حين أن أسلافكم حفظوه ونشروه ونثروه في سمع العالم كله، صحيح أني تركتكم على بيضاء نقية ظاهرها كباطنها ولكن ما لكم ضيعتم هذه الشرعة البيضاء النقية، ما لكم ترفعون بدلاً عن ذلك شعار الحداثة، ما لكم تبرمتم بل تتبرمون من هذه الشرعة البيضاء التي استأمنتكم عليها تتبرمون منها وتستخفون بها وتستبدلون بها ما تسمونه آناً الحداثة وأناً العلمانية أو العلمنة لماذا؟ هذا هو الشيء المؤلم يا عباد الله.


 أصدقكم القول: كم أتيح لي السبيل إلى أن أذهب إلى مثوى رسول الله فأسلم عليه ولكن الذي يصدُّني عن الوقوف والمثول بين يديه هذا الجواب الذي قد لا تسمعه أذني ولكنه سيضرب في أغوار نفسي، ولكنه سيمتزج في دقات قلبي، لسوف يذيبني هذا الذي يقوله لي رسول الله حياءً وخجلاً، ولسوف يؤلمني أشد الألم ما قد يَذَكِّرُني به رسول الله صلى الله عليه وسلم من التهديد الذي وجهَّه رسول الله إلى المضيِّعين يوم قال في حديث طويل قبيل وفاته: )ألا ليذادن رجال عن حوضي – أي ليطردن رجال عن حوضي – كما يذاد البعير الضال فأقول ألا هلم ألا هلم فيقال: إنك لا تدري كم بدلوا من بعدك فأقول: فسحقاً فسحقاً فسحقاً[. اللهم لا تجعلنا يا رب من هؤلاء الذي يُطْرَدون عن حوض رسول الله يوم القيامة.


 لا تجعلنا من هؤلاء الذين يقول رسول الله فسحقاً فسحقاً، يحرمون من شفاعته، يحرمون من المغفرة التي يكرمهم الله بها إرضاءً لرسوله، وبعد فلعل فيكم من يقول هلا حدثتنا عن الإسراء والمعراج والوقت وقته.


 والجواب باختصار: ماذا عسى أن أقول في هذه المناسبة، وهل أملك إلا كلاماً مكروراً وشيئاً مُعاداً أذَكِّرُ أسماعكم به، ماذا عسى يفيدنا أن نتسلى بالكلام وها هي ذي فلسطين تُبَضَّع، وها هم أولئك أصحاب الأرض والحقوق والبناء والدور بين مُيَتَّمٍ ومُذَبَّحٍ وشارد والمسلمون من حول هذا التيه عاكفون على أهوائهم إلا من رحم ربك، عاكفون على حظوظهم، متعلقون بكراسيهم؟ ماذا عسى أن أقول كلاماً تجدون فيه مفتاحاً لحل مشكلة. لا أملك إلا الكلام المكرر المردود ولكني أملك ما هو خيرٌ منه؛ الالتجاء بالدعاء إلى الله. أقول قولي هذا واستغفر الله. 



تشغيل

صوتي
مشاهدة