مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 11/06/2010

إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم

‏‏‏‏الجمعة‏، 29‏ جمادى الثانية‏، 1431 الموافق ‏11‏/06‏/2010


الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


روى الديلمي في مسند الفردوس من حديث علي وأنس بن مالك رضي الله عنهما مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: )إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم حتى إذا نَفَذَ قضاؤه وقدره ومضى أمره أعاد إلى ذوي العقول عقولَهم ووقعت الندامة[.


وأقول: هذا ينطبق على من كان يتمتع بعقل ودرايةٍ قبل ذلك. أما الطغاة الذي أسكرهم الطغيان وسلب عقولهم فغدوا يتصرفون بدون عقل ولا دراية فله بالنسبة إليهم أهون من ذلك، ذلك هو شأن الطغمة الطاغية الجاثمة فوق أرضنا العربية الإسلامية في فلسطين. حدا بها الطغيان إلى أن تسكر فتفقدَ عقلَها لينفذ فيها قضاء الله سبحانه وتعالى.


لم تعد تحارب من يقف في وجهها مدافعاً عن حقه ومدافعاً عن أرضه بل أخذت تحارب الإنسانية في صميم ذاتها، تحارب الإنسانية أينما وُجِدَتْ لأنها تعلم أن الإنسانية لا تُقِرُّ طغيانها، تعلم أن الإنسانية أينما وجدت لا تقر صلفها ولا تقر استكبارها وعتوها ومن ثم فإنها اليوم تعادي الإنسانية في صميم ذاتها – كما أقول لكم – ولا تعادي فقط الذين يدافعون عن أنفسهم أو يدافعون عن حقوقهم، ومن ثم فإن هذه الطغمة تنظر إلى الغذاء الذي قد يأخذ طريقه إلى الإنسان القابع في سربه الآمن في وَكْرِه كما لو  كان سلاحاً يتم إرساله إليه ومن ثم فإنها تقر ضرورة ضرب الحصار على هؤلاء المساكين القابعين في أسرابهم الذين لا ينتظرون إلا لقمة طعامهم أو جرعة شرابهم، تضرب عليهم الحصار وتنظر إلى الأقوات التي قد تأخذ طريقها إليهم كما تنظر إلى سلاح مدمر يوضع بين أيديهم.


وإذا رقَّت الإنسانية في العالم فتوجهت إلى هؤلاء المحاصرين ضد أقواتهم وضد أرزاقهم وضد مقومات عيشهم وبقائهم، إذا رقَّت الإنسانية لهؤلاء فحاولت أن تمد جسراً من المعونة الإنسانية لا غير إلى هؤلاء فقد حَقَّ لهذه الطغمة الباغية باسم مسيحها الدجال الذي تنتظر ظهوره كل يوم، حَقَّ لها أن تعلن الحرب على هذه الإنسانية، حَقَّ لها أن تعلن الحرب عليها وإن كانت لا تحمل إلا نبضات الحب والشفقة وحَقَّ لها أن تدمر قافلتها الإنسانية التي لا تحمل لها إلا نبضات الشفقة والحب متمثلة في أغذية تؤكل وأردية تلبس وأدوية تسعف.


نعم، هذا ما يشاهده العالم اليوم. وأعود إلى الحديث الذي افتتحت به خطابي هذا إليكم يا عباد الله: )إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم[ لقد سُلِبَ هؤلاء الناس عقولهم، سُلِبَتْ عقولهم منهم إن كانت لهم عقول ولا أظن أن عقلاً يتعايش مع الطغيان أبداً، ولقد كان شأنهم ولا يزال هو الطغيان، الطغيان يسكر أكثر وأشد مما تسكر الخمرة، وها هو ذا قرار رب العالمين بل حكمة رب العالمين أفقدت هذه الطغمة البقية الباقية من عقلها لكي تتخبط ولكي تزداد في التخبط ولكي يعلن العالم الغربي عن كراهته التي كانت ولا تزال خفية تزداد وراء الصدور ولكي يعلن الغرب عن غضبه الذي كان ولا يزال مستشرياً هائجاً وراء القلوب ولكن الرجل الغربي لم يكن يستطيع أن يستعلن ذلك بسبب غطاء السياسة التي تهيمن عليه وتفقده حرية النطق بما يريد وتفقد حرية استعلان زفراته الكامنة وراء صدره.


ولكن هذا الذي أعلنته الطغمة الباغية على أرضنا الإسلامية العربية من محاربتها للإنسانية أينما وجدت جعلت مشاعر الإنسان الغربي الخفية تتغلب على حجاب السياسة، تتغلب على غطاء السياسة. لقد كان بالأمس حجاباً غليظاً يصعب على الرجل الغربي اختراقه لكن اليوم أصبح حجاباً رقيقاً ما أسهل أن يُخْتَرَق. نعم، لقد سلب الله عز وجل عن هذه الطغمة البقية الباقية مما كان لديها من عقل وتدبير لينفذ فيها قضاء الله سبحانه وتعالى.


ولقد رأيت بالأمس جزءاً من غضبة الإنسان الغربي في بلاد الغرب وسمعت بالأجزاء الكثيرة من ذلك، ورأيت كيف يستعلن المسؤولون عن غضبهم واستنكارهم لهذه الحرب المعلنة ضد الإنسانية في أصفى معانيها وفي أصفى حقائقها وهوياتها. رأيت ذلك، ورأيت من خلال ذلك سنة رب العالمين التي أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: )إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولَها[.


 


إنهم يتخبطون اليوم وإننا لنعلم – وإن لم نتلق أخبار ما نعلم – أنهم متطوحون في ندامة لا فائدة منها كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم في آخر هذا الحديث: )ووقعت الندامة[ )أعاد الله إليهم عقولهم ووقعت الندامة[.


عباد الله: ستجدون أن مشاعر الشارع الغربي – ولا أقول السياسة الغربية – ستجدون أن مشاعر الشارع الغربي بشطريه الأوروبي والأمريكي يستعلن شيئاً فشيئاً غضبته العارمة ضد هذه الطغمة التي تعلن كيدها وحربها للإنسانية، إنها لا تحارب فئة من الناس حوصروا في غزة أو غيرها إنما تحارب الإنسانية في ذاتها أينما وجدت، إن هذه الغضبة العارمة هناك تزداد اتساعاً يوماً بعد يوم، وإني لأعلم أن مشاعر الكراهية هائجة وراء الصدور هناك ولكنها كانت خفية كالبركان الذي كان يستخفي بما في داخله ولكن لابد أن يأتي يوم يتفجر فيه البركان بكل ما فيه، وها هو اليوم بدأ بالانفجار.


هذه حقيقة ينبغي أن نتذكرها وأن نربطها بهذه السنة الربانية التي أعلن عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الشيء المؤسف المؤلم الذي ينبغي ألا نتيه عنه أيضاً أن ثمة فئة من أبناء جلدتنا وأبناء عمومتنا لا يزال يطيب لهم أن يتقلبوا في حمأة المهانة والذل وأن يستسلموا بكل شراشرهم لهذا الذي يعلن الحرب على الإنسانية أينما وجدت، لهذا الذي يجعل من الغذاء والقوت والدواء أمراً خطيراً كما لو كان سلاحاً من أسلحة الدمار، لا تزال فئة – قَلَّتْ أو كَثُرَتْ – من أبناء جلدتنا يطيب لهم أن يتقلبوا في حمأة هذا الذل وأن ينقادوا لإشارات هذا الذي أعلن الحرب على الإنسانية أينما وجدت ضد سائر الشرائع السماوية وضد سائر القوانين الدولية وضد سائر الأنظمة الإنسانية.


وإني لأقول: ربما كان لهم عذر أو أعذار، والغائب ربما كان له عذر ومن الخير أن نتصور أن له عذراً يُلجئه إلى هذا، ولكن ما هي المعذرة التي تجعل أبناء عمومتنا هؤلاء يضيقون ذرعاً بمن يعلنون عن دفاعهم عن الإنسانية، ما هو الموجب لأن يشمئزوا من أولئك الذين تهتاج بين جوانحهم مشاعر الشفقة على الإنسانية فيعلنون دفاعهم عنها أينما وجدوا؟ لماذا يضيقون ذرعاً بهم؟ لعل لهم عذراً يمنعهم أن يسيروا في ركابهم ولكن ما العذر الذي يجعلهم يتهجمون عليهم ويتهمونهم ويريدون منهم أن ينقادوا إليهم وأن يقفوا مع صفهم وفي الخندق التبعي الذين يقفون فيه.


تركيا ليست إلا واحدة من الدول أو من الجماعات التي تهتاج بين جوانحها مشاعر الإنسانية ومن ثم فهي تريد أن تدافع عن الإنسانية التي تعيش في ذاتها، تعيش ضمن كيانها، ما الموجب لأن تتهم تركيا – أو غير تركيا – بأنها تبحث من خلال هذا الأمر عن تاجها الذي افتقدته، عن عزتها التي ضيعتها عندما ضاعت الخلافة؟ ما الموجب لأن تتهم تركيا – أو غير تركيا – بأنها إنما تفعل ذلك من أجل أن تبسط لنفسها عرشاً أو سلطاناً فوق بلادنا العربية والإسلامية هنا أو هناك؟ ما الموجب لهذا كله؟


أليس هنالك ما يدفع الإنسان مخلصاً بدافعٍ صافٍ عن الشوائب إلى الدفاع عن الإنسانية الذليلة المهينة؟!


أليست إنسانية الإنسان ما تزال موجودة نابضة؟!أليست شفقة الإنسان على الإنسان ما تزال حية نابضة؟!


أليس في هذا الدافع ما يكفي لأن تنهض تركيا وغير تركيا ولأن ننهض نحن وإخوان لنا هنا وهناك في الدفاع عن الإنسانية التي أَمَرَ الله سبحانه وتعالى الإنسانَ أن يقف إلى جانبها في الشدة وفي الرخاء؟!


هذا هو الأمر العَجَب، بعضٌ من أبناء جلدتنا يستنطقون إعلامهم المُسَخَّر المسموع أو المرئي أو المقروء لبث هذا التصور الذي لا يمكن أن يقبله أحد.


إما أن أقف موقف الذل والمهانة والاستسلام للعدو الذي لم يعد يحارب من يدافع عن أرضه فقط بل أصبح يحارب حتى الإنسانية في أصفى مظاهرها. إما أن أقف إلى جانب هذه الطغمة التي تحارب الإنسانية فلا عتب ولا انتقاد وإما أن أرفع فوق رأسي شعار إنسانيتي وأدافع عن الإنسانية في كياني وفي كيان إخواني في الإنسانية إذن أنا أبحث عن عرشٍ افتقدته، إذن أنا أريد أن أبسط سلطاناً على أناس! ما هذا الكلام، ما هذا الهراء العجيب يا عباد الله.


أعود فأقول لكم إنها سُنَّة من سنن رب العالمين أنبأنا بها رسول الله: )إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم[ لماذا؟ ليحيق في أولئك قرار الله القائل: )وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ[ [الأعراف: 167].


أجل، ستجدون يا عباد الله – وهذا ليس تنبؤاً ولا تخبطاً في الحديث وإنما هو قرار أعلم وقوعه – ستزداد مشاعر الإنسان الغربي غضباً ولسوف يستعلن الإنسان الغربي منذ اليوم بمشاعره الكامنة تجاه هذا الذي يحارِب الإنسانية في أصفى حقائقها ومبادئها، لسوف تجدون الغضبة الإنسانية المقدسة تستعلن بها شوارع الغرب بشطريه الأمريكي والأوروبي ضد هذه الطغمة وعندئذٍ ستجدون قرار الله الماثل أمام أبصاركم )وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ[.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم. 

تحميل



تشغيل

صوتي