مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 02/04/2010

استخدام المُسَخَّرَات ومنها الفضائيات لما شرع الله عز وجل

‏‏الجمعة‏، 18‏ ربيع الثاني‏، 1431 الموافق ‏02‏/04‏/2010


الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


إن كل ما خلقه الله سبحانه وتعالى في هذه الحياة الدنيا ووضعه بين يدي الإنسان إنما أوجده لخيره وأوجده لتحقيق سعادته ورغد عيشه ولكن بشرط أن يستعمل الإنسان هذا الذي أوجده الله عز وجل وسخره له وجعله خادماً بين يديه بشرط أن يستعمله على الوجه الذي أوصاه الله عز وجل به وبالطريقة التي أمره بها. ألا تذكرون قول الله عز وجل:


(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة : 29]


(خَلَقَ لَكُم) أي لسعادتكم، لخيركم، لتحقيق أسباب رغد عيشكم، واللام – كما يقول العلماء – للاختصاص ولا يكون الشيء مختصاً بهبةٍ من الله له إلا وهو خيرٌ له. والمفروض في الإنسان الذي عرَفَ الله وآمن به وأصغى إلى بيانه وتوصياته أن يُقْبِلَ إلى هذه المُسَخَّرَات التي أوجدها الله سبحانه وتعالى له طبق النهج الذي رسمه الله له وأن يستعمل ذلك كله طبق التوصيات التي أوصاه الله سبحانه وتعالى بها، وإذا هي جميعاً تكون سُلَّمَاً للرقي به إلى رغد الدنيا قبل رغد الآخرة، وإذا هي جميعاً تصبح سبباً لسعادته الدنيوية والأخروية.


ولكن في الناس – ولعلهم أكثرهم – من يستجيبون لرعونات نفوسهم ويستجيبون لأهوائهم في الإقبال على هذه المُسَخَّرَات التي أوجدها الله سبحانه وتعالى، وبدلاً من أن يكونوا آمرين لنفوسهم ورعوناتهم يدعون أنفسهم تكون هي الآمرة لهم وهي القائدة لهم ومن ثم فإن كثيراً من هذا الذي أوجده الله عز وجل في هذه الحياة الدنيا يتحول إلى سبب للشقاء وإنما خلقه الله عز وجل سبباً للسعادة والخير، وصدق المتنبيُّ إذ قال تعبيراً عن هذا المعنى:


كلما أنبتَ الزمانُ قناةً           ركَّبَ المرءُ في القناةِ سنانا


المطلوب من الإنسان الذي عرف ربه عندما يجد هذه المسخرات التي وضعها الله بين يديه مصداقاً لقوله:


(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة : 29]


أن يُسَخِّرَهَا على النحو الذي شرع الله، أن يستخدمها لما يرضي الله سبحانه وتعالى.


ولكننا ننظر فنجد أن في المسلمين كثيرين يستجيبون – كما قلت لكم– لرعوناتهم، لأهوائهم وشهواتهم في وضع النهج الذي ينبغي أن يستعملوا به هذه النعم التي أكرمهم الله عز وجل بها. وإذا بهذا السُّلَّمِ الذي نصَبَهُ الله سبباً لرقيهم إلى سعادة الدنيا والآخرة يصبح سبباً للهوي بهم إلى أودية الشقاء والهلاك.


وأنا إنما أريد أن أتحدث في موقفي هذا عن واحدٍ من المُسْتَحْدَثَات التي لم تكن موجودة في تصورنا في الأزمنة السابقة وإنما عرفها الإنسان اليوم ألا وهي هذه الأقنية الفضائية الكثيرة.


أريد أن أقول لكم أولاً يا عباد الله: إن العلم مهما تنوع ودقَّ لا يمكن أن يوجد شيئاً معدوماً في الكون وإنما وظيفته كانت ولا تزال أن يكتشف أموراً أوجدها الله سبحانه وتعالى ربما كانت مجهولة ووظيفة العلم أن يهدي أصحابه إلى اكتشافها وأن يهديهم إلى سبل الاستفادة منها.


هذه الأقنية الفضائية داخلة تحت عموم قول الله عز وجل:


(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة : 29]


ولكننا ننظر فنجد أن كثيراً من المسلمين يختلفون إلى المساجد، يحضرون الجماعات والجُمُعَات فإذا جاء المساء وعادوا إلى بيوتهم سامروا هذا الشيء المُسْتَحْدَث إلى ما بعد منتصف الليالي - ولربما إلى لمعة الفجر – وساهروه سهرة ينفقون فيها الوقت كله على شيء لم يأذن الله عز وجل أن تُسْتَخْدَمَ هذه النعمة من أجلها وفي سبيلها، فما المراد وما المطلوب من الإنسان المسلم يا عباد الله؟


المطلوب أولاً: أن يَعْيَ وصايا الله سبحانه وتعالى في محكم تبيانه وأن يعلم أن الله عز وجل عندما أمره بما أمره به إنما أراد من ذلك تحقيق سعادته وإنما نهاه عما نهاه عنه إبعاداً له عن مطارح الشقاء وأسباب الهلاك. ينبغي للمسلم أن يكون ذا ثقةٍ بالله عز وجل عالماً هذه الحقيقة هيمنت على نفسه ويقينه وعقله.


ثم إن على المسلم – وقد آمن بالله سبحانه وتعالى – أن يَعْيَ قول الله سبحانه وتعالى:


(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النحل : 97]


قَرَنَ البيان الإلهي الحياة الطيبة – وهي تجمع كل مقومات السعادة – قرنها بالإيمان والعمل الصالح، ومعنى ذلك أن الحياة الطيبة رهن بهذا النهج، رهن بهذا السلوك، فمن التزم نهج الباري سبحانه وتعالى وأوامره التي خاطبه الله عز وجل بها فلا ريب أنه سيحيى حياة طيبة في دنياه وفي آخرته. ولكن ما أكثر من يعرض عن هذا البيان الإلهي، لعله لا يثق بقرار الله عز وجل وحكمه أو لعل شهواتِهِ وأهواءَه هي التي تهيمن عليه. يُقْبِلُ في أمسيات الليالي إلى هذه النعمة – أقول إنها نعمة ولكنه يحوِّلها إلى نقمة – يُقْبِلُ إليها إقبال الظمآن إلى الماء الملح الأجاج كلما شرب منه كأساً أغرته بالكأس الثانية، ثم إن الثانية تغريه بالثالثة والرابعة إلى أن يتمزق منه الكبد وإلى أن يرمي نفسه في أحضان الشقاء والهلاك، أليس كذلك يا عباد الله.


كانت الأسرة متواصلةً متآلفةً يسري الود ما بين أفرادها ويسري الأنس ما بين الزوج والزوجة، الآباء يرعون أولادهم ويحرسونهم بالتواصي والنصائح فَتُقْبَلُ نصائحهم، والأولاد والأبناء يتوجهون إلى آبائهم بالبر والانقياد، والود يتألق في الدار. فلما تسرب هذا الشيطان إلى بيوتهم ما الذي حصل؟


لما تشَرَّبَ هذا الذي أسكتهم جميعاً ليتكلم هو، انقطعت صلة القربى مما بين أولئك الأفراد وانقطع حبل المؤانسة مما بين الزوج والزوجة، بردت العلاقة ثم تحول البرود إلى خصام فإلى شقاق، وأنا أصف لكم واقعاً كثيراً ما يقع، ولعلكم جميعاً يعلم هذه الحقيقة التي أبينها.


أين يقع الخطأ يا عباد الله؟


ما ينبغي أن نتصور أنَّ هذا الأمر المُسْتَحْدَث شرٌّ أرسله الله عز وجل إلينا لا.


كل ما أوجده الله عز وجل إنما هو في حقيقته نعمة ولكن الله عز وجل يأمرنا أن نستعمل هذه النعمة بالطريقة التي يُبَصِّرُنَا بها ويحذرنا من أن نستعملها بطريقة أخرى وإذا بالنعمة تتحول عندئذٍ إلى نقمة. هذه هي الحقيقة.


نافذة تسري إلى البيوت، بوسعك أن تكون القَيِّمَ عليها، بوسعك أن تستجيب لأمر الله عز وجل فيما خاطبك به، تنقِّي هذه النافذة من الشوائب، تختار منها ما يُصْلِحُ أمرك، تختار منها ما يدخل في اللَّهْوِ المباح الذي شرعه الله عز وجل، تختار منها ما يكون عوناً لتربيتك لأولادك، ما يكون عوناً لدفعك إلى مزيد من الانضباط بأوامر الله سبحانه وتعالى.


وسبيل ذلك أن تكون الحاكم على نفسك الأمَّارة وألا تدع نفسك الأمارة تكون حاكماً عليك.


هذه هي الحقيقة التي ينبغي أن نتبينها.


أين يكمن الخطأ يا عباد الله؟


لا يكمن الخطأ في أمورٍ كثيرةٍ لا تكاد تُحْصَى أوجدها الله عز وجل بيننا. كل ما أوجده الله نعمة في حقيقة الأمر، وصدق الله القائل:


(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة : 29]


لَكُم، أي لمصالحكم.


ولكن الخطأ يكمن في عدم الانقياد لأمر الله، في عدم الاستجابة لوصايا الله سبحانه وتعالى.


أنا لا أريد أن أتحدث عن النتائج الاجتماعية التي كانت نتيجة لإقبال الناس على هذا الأمر المُسْتَحْدَثِ بشكل كيفي لا بشكل انتقائي، لا أريد أن أتحدث عن أثر ذلك على المجتمع، على الدوائر والوظائف، على المهام التي أنيطت بأناس لم يعودوا يستطيعون أن يؤدوها حق أدائها، وإنما أريد أن أتحدث عن أثر ذلك على الأسرة.


كم من بيوتٍ دار فيها رحى الشقاء من وراء الخطأ في استعمال هذه النعمة.


كم من بيوتٍ كانت المودة ساريةً فيها بين الزوجين آل الأمر من بعد ذلك إلى فراق وطلاق.


كم من بيوتٍ شُغِلَ فيها الآباء عن رعاية الأبناء وأعرض الأبناء فيها عن الانقياد للآباء.


هذا المعنى ينبغي أن نعالجه يا عباد الله.


شيء آخر ألفت نظركم إليه ولكن الوقت يضيق عن معالجته.


أقنية فضائية تتكاثر لتدخل الريب في عقائد هذه الأمة، لتدخل الريب والشك في إيمان هذه الأمة بربها، بوحدانية ربها، بنبوة رسولها، بكتابها المنـزل.


وأنا ممن لا يرى بأساً في أن تكون هنالك أقنية تبشيرية، فلكلٍّ أن يعبر عن قناعاته ولكل أن يعبر عن رُآه الفكرية، وأنا مع المثل القائل: دع الزهرات كلها تتفتح. ولكنني أنكر أيما إنكار أن تُسَخَّرَ هذه الأقنية للهجوم على إيماننا، للهجوم على يقيننا بمولانا وخالقنا، للهجوم على نبوة نبينا محمدٍ r، للتشكيك بكتاب الله عز وجل المنـزل وحياً على رسوله خطاباً لنا.


لا، نحن لا نفعل ذلك، نحن المسلمين لا نؤيد هذا، لا نوجه ألسنتنا بشيء من الهجوم أو الإقذاع أو إدخال الريبة إلى أفئدة أناس آخرين طاب لهم أن يتبنوا معتقدات آخرى. نعم، هكذا ربانا إسلامنا، هكذا ربانا قرآننا، هكذا قال الله لرسوله أن يخاطب الآخرين قائلاً:


(وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) [سبأ : 24]


نعم. نحن ننأى عن هذا الأسلوب ونترفع فوق هذه الطريقة. ليس في أفئدتنا حقدٌ على من سلك مسلكاً آخر، على من اعتنق رؤىً أخرى في العقائد، أجل. نسأل الله لنا ولهم أن يجمعنا على الحق.


ولكن يا عجباً لأولئك الذين يخاطبون كَمِارتهم فلا يطيبون لهم أن يُعَرِّفُوا الناس على المعتقدات الدينية التي يتبنونها ويعتنقونها وإنما يطيب لهم الهجوم على قرآننا، يطيب لهم الهجوم نبينا محمد r.


لا أريد أن أعالج هذا الأمر بأكثر من هذه اللفتة ولكن ينبغي أن أعود فأقول يا عباد الله: كل ما أوجده الله عز وجل في هذا الكون نعمة فإياكم أن تقلبوه إلى نقمة. هذه الفضائيات تعاملوا معها على النحو الذي يرضي الله، تعاملوا معها على النحو الذي يزيدكم سعادة في الدنيا والآخرة، وإياكم أن تستجيبوا في تعاملكم معها لرعوناتكم، لشهواتكم وأهوائكم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم. 

تحميل



تشغيل

صوتي