مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 12/02/2010

آداب النصيحة

‏الجمعة‏، 28‏ صفر‏، 1431 الموافق ‏12‏/02‏/2010


الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


لقد أمر الله سبحانه وتعالى كما تعلمون أن يكون في المسلمين في كل عصر، في كل زمان ومكان من يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقومون بواجب النصح للأمة وصدق الله سبحانه وتعالى القائل:     )وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال لله ولكتابه ولرسوله لأئمة المسلمين وعامتهم، ولكن فلنعلم يا عباد الله أن لواجب النصيحة التي ينبغي أن يقوم بها الناصحون والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر آداباً ينبغي أن يتحلَّوا بها، وأنا أوجز لكم ولنفسي بيان هذه الآداب.


أولاً ينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر مهما كانت معارفه دقيقة ومعلوماته بدين الله واسعة ومهما كان مستقيماً على صراط الله عز وجل ألا تكون نصيحته من مستوى التعالي على المنصوح وألا يوجه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر للناس وهو يتصور أنه يتعالى فوقهم ويتسامى عنهم في برجٍ عاجيٍّ هم كلهم دونه في ذلك.


ينبغي أن يعلم أنه ربما كان في هؤلاء العاصين الذين يذكرهم بالله والذين يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر من هم خيرٌ منه ولو كان في المآل والنتيجة ومن ثم فينبغي إن هو نصح وإن هو أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ألا يُكَفِّرَ وألا يُفَسِّقَ وألا ينسبَ هذا الذي ينهاه عن المنكر إلى كفرٍ أو تبديعٍ أو فسقٍ أو زندقةٍ أو نحو ذلك بل ينبغي أن يعلم أنها وظيفة أقامه الله عز وجل عليها وربما آل الأمر إلى أن يكون هذا العاصي غداً خيراً منه وربما آل الأمر إلى أن يكون هذا الناصح قد وقع في غضب الله عز وجل وسخطه.


ما ينبغي أن ينظر الناصح إلى الأمة نظر المتشائم، نظر من يتصور أن الأمة لم يعد فيها خير وأنهم جميعاً فسقة، هذه نظرة شيطانية يوسوس بها الشيطان الناصحين أو الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، يقول الله سبحانه وتعالى: )نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[،) قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[، ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما اتفق عليه الشيخان: )من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة[، ويقول: )من قال هلك الناس فهو أهلكهم[ وفي رواية )فهو أولهم هلاكاً[.


نعم. ينبغي للناصح ألا يجعل من نصيحته سَكَرَاً يطوف برأسه، ينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ألا يتصور أنها مكانةٌ باسقة بَوَّأَه الله إياها بل ينبغي أن يتصور أن هذا العاصي ربما كان في المآل خيراً منه، ربما لقي الله وهو واحدٌ من أولياء الله عز وجل، ذلك هو الأدب الذي ينبغي أن يتحلى به الناصحون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.


فماذا عن الذين يتلقون النصيحة؟ هؤلاء أيضاً يخاطبهم الله عز وجل ويذكرهم بأدبٍ من أهم الآداب التي ينبغي أن يتحلوا بها.


إذا تلقيتُ النصيحة من ناصحٍ ينبغي أن أتطامن لها وينبغي أن أتذكر أنني بشرٌ يجوز عليه الخطأ والنسيان ولست ملكاً من الملائكة فما أسرع أن أخطئ وما أسرع أن أتنكب عن الصواب ومن ثم ينبغي أن أصيغ السمع إلى هذا الذي ينصحني فأستقبل نصيحته بالامتنان وأتوجه إلى الله بالاستغفار، أستغفره من الذنب الذي أعلم ومن الذنب الذي لا أعلم، فإن قال قائل ولكني نظرت إلى نفسي ولم أجد أني ارتكبت إثماً أو أني تورطت في معصية ففيم أستغفر؟ ذكرته بقول الله عز وجل: )وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[، خطاب عام شمل حتى الأنبياء والرسل )وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ[، أذكره بقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: )إنه ليغان على صدري فأستغفر الله في اليوم مئة مرة[، أذكره بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يجد غضاضة في أن يعلن لتلك المرأة التي جاءت تقول إن زوجي ظاهرني منه فما العمل؟ قال لها: )ما أراك إلا قد حَرُمْتِ عليه[ ثم تبين له أنها لم تحرم عليه وأن ذلك ليس طلاقاً وإنما هو ظهار وللظهار شأن وحكم آخر، لم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم غضاضة في أن يستقدمها وأن يبَيِّنَ لها أن جوابه لها لم يكن هو الحق وأنبأها بما أنزله الله عز وجل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم متعالٍ عن الانحراف والولوغ في الخطأ لكنه تعليم منه صلى الله عليه وسلم لنا، بيان منه عليه الصلاة والسلام لأمثالنا بل لمثلي إذا تورطتُ في مثل هذا الموقف في خطأ وجاءني طفلٌ فذكرني بأني قد أخطأت ينبغي أن أقف هذا الموقف ذاته فيما بعد وأعلن عن خطأي وأعلن أن طفلاً قد أصاب وأرسله الله إلي لكي يوقظني من خطأي ولعل ذلك دليل محبة الله عز وجل لي.


إن قال قائل لقد ذُكِّرْت ونُصِحْت ولكنني لم أتورط في خطأ أذكِّرُه بالخلفاء الراشدين، أذكِّرُه بعمر بن الخطاب أمير المؤمنين كيف كان يتلقى نصح الناصحين، ينغض الرأس لذلك، كيف استقبل تخطئة امرأة خطَّأته فأغضى الطرف والرأس لها وأذعن لأنها هي التي أصابت وأنه هو الذي أخطأ، هذا هو الأدب الذي ينبغي أن يتحلى به الناصح إذا نصح وهذا هو الأدب الذي ينبغي أن يتحلى به الإنسان المنصوح إذا تلقى النصيحة، إذا تلقى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.


عباد الله نحن جميعاً عبادٌ اصطبغت كياناتنا بذل العبودية لله ومن أبرز مظاهر هذه العبودية أننا خطاؤون كما قال رسول الله وأننا لسنا معصومين فإذا رأيت، أنا أقولها عن نفسي، إذا رأيت من وقف في طريقي ناصحاً، مذكراً، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ونظرت فوجدت ميزان الشرع يؤيده ينبغي أن أُقَبِّلَ يده وينبغي أن أعلن أنني قد أخطأت وأرسل الله لي تفضلاً منه وإحساناً من ينصحني، ولكن في الناس يا عباد الله من تحكم عليهم العصبيات وتسيرهم الأهواء والشهوات، في الناس اليوم من إذا سمعوا نقد العلماء والدعاة متوجهاً إلى رجال الحكم وقادة الأمة طربوا لذلك وربما صفقوا لذلك وأُعْجِبُوا بذلك أيَّمَا إعجاب فإذا حوَّل هذا الإنسان نقده إليهم وتوجه بالنصح إليهم وذكرهم بأخطاءٍ يرتكبونها وبمعاصٍ يوغلون فيها ضاقوا بذلك ذرعاً وتألموا لهذا وذاك ما السبب يا عباد الله؟


السبب غياب نعمة الإخلاص لله سبحانه وتعالى، إن لم نجد في الناصحين من يتحلون بالأدب الذي ذكرته لكم فَمَرَدُّ ذلك إلى أن هؤلاء الناصحين لا يخلصون في عملهم لله سبحانه وتعالى وربما كانت لهم دوافع نفسية متنوعة مختلفة، وإن رأينا في الناس الذين يتلقون النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من يتبرمون ويضيقون ذرعاً بذلك فإنما مَرَدُّ ذلك أيضاً إلى غياب الإخلاص لوجه الله عز وجل، فيا رب أنَّى لنا أن نتلقى منك نعمة الإخلاص، كيف السبيل إلى تغرس في قلوبنا وبين جوانحنا نعمة الإخلاص لوجهك حتى لا نرى في الكون سواك وحتى لا نقيم وزناً لأنفسنا ولا لشيءٍ سواك؟ يأتي الجواب فيقول: الإخلاص سرٌّ من أسرار الله  يودعه الله في قلوب من أحب من عباده، فيا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام نسألك اللهم أن ترزقنا حبك حتى تكرمنا بنعمة الإخلاص لوجهك تغرسها بين جوانحنا كي نلقاك وهو رأس مالنا إذا أُبنا إليك يوم يقوم الناس لرب العالمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله. 

تحميل



تشغيل

صوتي