مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 29/01/2010

طاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم

‏الجمعة‏، 14‏ صفر‏، 1431 الموافق ‏29‏/01‏/2010


الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


من الحقائق البدهية التي لا تغيب عن فكر أي إنسان مسلم أن مبنى الإسلام وأساسَهُ إنما هو على طاعة الله وطاعة رسوله، ومن الأمور البدهية التي ينبغي ألا تغيب عن بال أي مسلم أن بين طاعة الله وطاعة رسوله تلازماً دائماً، فلا تنفصل طاعة الله عن طاعة رسوله، ولا تنفصل طاعة رسول الله عن طاعة الله سبحانه وتعالى، وصدق الله القائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾   وصدق ربنا القائل: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ وصدق الله القائل: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾.


 ولكن فلنتساءل: ما المراد بطاعة الله ورسوله؟ ليس المراد بطاعة الله ورسوله كما قد يتصور البعض أداء عبادات مألوفة معروفة ومحدودة كالصلاة والصيام والحج ونحو ذلك، وإنما تتمثل طاعة الله وطاعة رسوله بالعمل الصالح الذي يكرر بيان الله عز وجل الأمر به، والانتهاء عن الفساد والإفساد الذي كم وكم يحذر الله سبحانه وتعالى منه، فطاعة الله عز وجل تتمثل في كل عمل يصلح الأمة الإنسانية، والابتعاد عن الفساد والإفساد، بعد أن أقامنا الله عز وجل على الصلاح في كل ما يتعلق بحياتنا ومعيشتنا ﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا﴾


 طاعة الله عز وجل تتمثل إذاً في كل ما يصلح الإنسانية جمعاء


 طاعة الله عز وجل تتمثل في ألا يجعل التاجر من خداع الناس ومن غشهم في المعاملة وفي السلعة التي يتاجر بها أساساً ومورداً لرزقه


 طاعة الله سبحانه وتعالى تتمثل في أن يكون الطبيب أميناً على أرواح الناس، فلا يتاجر بأجسادهم، ولا يتاجر بأرواحهم في سبيل جمع المزيد من المال


 طاعة الله سبحانه وتعالى تتمثل في أن يكون المزارع أميناً على أقوات الناس، فلا يُجَمِّل مزروعاته وأغذيته التي يقدمها للناس، لا يُجَمِّلُها في أعينهم بالسموم والمبيدات المهلكة، ليجعل من طعمها سبباً لموتهم وأمراضهم وهلاكهم


 طاعة الله سبحانه وتعالى تتمثل في أن يكون أصحاب المطاعم أمناء على حياة الناس وعلى صحة كل واحدٍ منهم، فلا يقدموا للآكلين عندهم الأطعمة التي يترفعون هم عن أكلها، لا يقدموا للآكلين في مطاعمهم اللحوم الفاسدة، الأغذية المحرمة


 طاعة الله سبحانه وتعالى تتمثل في أن يكون أصحاب المواشي في البادية أمناء على أول قوت يُقَدَّمُ للناس ألا وهو السمن، لا يستقدموا أكياس الشحوم الحيوانية بعد قليل عندما يأتي موسم الربيع ليمزوجها بأغذية الناس، ثم يقدموها لهم سبباً للأمراض والهلاك من أجل أن يملؤوا جيوبهم بمزيد من المال.


 أأزيدكم أمثلة يا عباد الله! كلكم يعلم معنى قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، تلك هي الصالحات، وكلكم يعلم معنى قول الله عز وجل: ﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا﴾، كلكم يعلم ذلك، ولكن ترى لماذا لا يستجيب هؤلاء الناس وهم مسلمون وفيهم الكثير ممن يَغْشَون المساجد، ويصلون ويؤدون الصلوات في أوقاتها، ويذهبون حجاجاً إلى بيت الله الحرام، ولكنهم لا ينقادون لهذا الذي نقول، لا يصغون السمع إلى الابتعاد عن الفساد والإفساد، لا يصغون السمع إلى هذا العمل الصالح الذي أمر الله عز وجل به؟


 لو نظرنا إلى المجتمع وإلى القائمين بشؤونه من تجار وأطباء ومزارعين وأصحاب المواشي وغيرهم لوجدنا أن الجميع إلا من رحم ربك عاكفين على الإفساد، عاكفين على تقديم أسباب الفساد والهلاك والأمراض الوبيلة لإخوانهم في الإنسانية وفي الله سبحانه وتعالى، لماذا لا يصغون السمع؟ الجواب أيها الإخوة ما قد قلته لكم بالأمس، ولا بد أن أعود فأكرره اليوم، هؤلاء الناس اعتمدوا على شطرٍ واحدٍ من الإيمان، ألا وهو ذلك الذي يستقر يقيناً في العقل، وافتقدوا الشطر الثاني ألا وهو العاطفة التي ينبغي أن تهيمن على القلب، المتمثلة في حُبّ الله وحُبّ رسوله، المتمثلة في تعظيم الله وتعظيم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، هؤلاء مؤمنون بعقولهم، لكن قلوبهم فارغة عن محبة الله عز وجل، والقلب مرآة -أيها الإخوة- لا يمكن أن يفرغ من انعكاس شيءٍ ما إليه بالحب والتعظيم، فإن فرغ القلب عن محبة الله لا بد أن تستبق إليه محبة الشهوات، محبة الأهواء، محبة المال، محبة المناصب، لا بد أن تحتل القلب محبةُ هذه الأشياء، ومن ثم تكون قيادة الإنسان بيد هذه الشهوات والأهواء، ولا يستطيع الإيمان العقلي الأعزل أن يقودهم على ما يرضي الله سبحانه وتعالى


 هذا هو الداء يا عباد الله، وقد حدثتكم بالأمس عن الوسيلة التي ينبغي أن نتبعها لنحقق محبة الله ومحبة رسوله بين جوانحنا من أجل أن تطرد محبةُ الله محبةَ الأغيار، وأنا اليوم أؤكد لكم هذا المعنى، وأضيف إليه شيئاً لم أقله بالأمس، ألا وهو محبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، من أحب الله لا بد أن يحب رسوله، بينهما تلازم لا ينفكّ، ونحن إنما نتبع أوامر الله عن طريق الإصغاء إلى رسوله، أوامر الله جاءتنا عن طريق واحد، ومن خلال نافذةٍ لا ثاني لها، ألا وهي رسول الله صلى الله عليه وسلم، متمثلاً في أقواله، متمثلاً في أفعاله، متمثلاً في أخلاقه، ولذلك أمرنا بيان الله عز وجل بتعظيم رسوله، أمرنا ربنا سبحانه وتعالى بالأدب مع مصطفاه وحبيبه، وصدق الله القائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ما معنى ﴿لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾   أي لا تسرعوا بالحكم في الأمر قبل أن يحكم به رسول الله، لا تسرعوا بالحديث عن أي شيءٍ ما قبل أن تصغوا إلى ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ﴾ هكذا يأمرنا ربنا سبحانه وتعالى بأن نذهب في احترام حبيبه وتوقيره وتعظيمه ومحبته إلى درجة ألا نجهر بأصواتنا فوق صوته، لا بل ينبغي أن نخفض أصواتنا عن صوت المصطفى صلى الله عليه وسلم، الحديث موجه لأصحابه الذين كانوا يعايشونه ويجالسونه، لكنه أمر لنا أيضاً بتوقير المصطفى وبمحبته وتعظيمه والأدب معه، وحسبكم أن ربنا عز وجل يأمرنا بالصلاة عليه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾


 إذا هيمنت محبة الله عز وجل على القلب وهيمنت محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفؤاد عن طريق دراسة سيرته والوقوف على معالم حياته طردت محبةُ الله ومحبةُ رسوله محبةَ الشهوات والأغيار من القلب، وهيمنت عندئذٍ هذه المحبة الربانية التي تتمثل في فرعين: محبة الله ورسوله، هيمنت على القلب، ومن ثم لا يمكن للإنسان أن ينقاد لشهواته التي تغلب حب الله عليها، لا يمكن أن ينقاد لأهوائه، المال يضعه تحت قدميه في سبيل طاعة الله وطاعة رسوله، التجارة يجعلها خاضعة في سبيل الله، الطبيب يجعل طبه عبادة يتقرب بها إلى الله، أصحاب الأغذية والمطاعم يجعلون من أعمالهم هذه قربى يتقربون بها إلى الله، لا بدافع الإيمان العقلي الأعزل، وإنما بدافع الحب لله ورسوله


 يا عباد الله انظروا إلى سيرة المصطفى تجدون أن الله عز وجل جهزه بصفات وأخلاق تجعل الإنسان السوي في طبعه يعشقه، أجل، لماذا؟ من أجل أن ييسر ربنا سبيل محبته صلى الله عليه وسلم، ومن ثم ييسر سبيل اتباعه، ييسر سبيل الانقياد لأوامره وصدق الله القائل: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ صفة صاغ رب العالمين نبيه المحبوب عليها من أجل ماذا؟ من أجل أن ييسر لنا أصحابَ القلوب الإنسانية الطبيعية سبيلَ التعلق برسول الله، سبيل محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم يتيسر لنا سبيل الانقياد لأمره وإتباع وصاياه التي أوصانا بها


 ترى هل سنتّجه بقلوبنا إلى محبة الله ورسوله؟ ترى هل نأمل من إخواننا في الإنسانية الذين يتاجرون على حساب الإفساد في المجتمع، على حساب أرواح الناس، على حساب مصالح الناس، من أجل أن يملؤوا صناديقهم المالية بالأموال المكدسة وغداً سيودعونها إلى غير لقاء، ترى هل سيعالجون أمراضهم هذه؟ هل سيطهرون قلوبهم من حب الشهوات والأهواء، ويغالبون بها محبة الله عز وجل ورسوله؟ إذن سيصلح المجتمع، إذن ستختفي مظاهر الفساد والإفساد، وإذن لن نسمع الأحداث التي تقشعر لها الأبدان من ألوان من الغش وألوان من الخداع وأنواع من الإساءة لمصالح الناس، لأرواح الناس


 أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل قلوبنا وقلوب إخواننا مليئة بحب الله ورسوله، وأسأله عز وجل أن ييسر لنا جميعاً سبل ذلك.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي