مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 25/12/2009

الوازع الديني

‏الجمعة‏، 09‏ محرم‏، 1431 الموافق ‏25‏/12‏/2009


الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


إن ازدهار التضامن والتعاون بكل أشكاله في المجتمعات العربية والإسلامية رهن بشيء واحدٍ لابد منه ألا وهو وجود الوازع الديني، فإذا وُجِدَ الوازع الديني مهيمناً على قلوب أفراد المجتمع خضعوا لقرار الله القائل في محكم تبيانه: (إنما المؤمنون إخوة) وإذا خضعوا لهذا القرار الرباني فلابد أن يخضعوا بعد ذلك وينقادوا لأمر الله القائل بعد ذلك مباشرة: (فأصلحوا بين أخويكم) والإصلاح كلمة تشمل كل معاني التعاون وتشمل كل مظاهر الود والتآلف وتشمل كل مظاهر تبادل المنافع، (فأصلحوا بين أخويكم) هذه الكلمة تشمل كل هذه المعاني الإنسانية الإيجابية، فالوازع الديني يُخْضِعْ لقرار الله القائل: (إنما المؤمنون إخوة) والوازع الديني من ثَمَّ يخضعهم لأمر الله عز وجل القائل: (فأصلحوا بين أخويكم) ، ولكن إذا غاب الوازع الديني لابد أن تغيب الأخوة الإسلامية بل الإنسانية أيضاً من وراء ذلك ولابد أن تحل محل الأخوة عندئذٍ الأنانية والفردية وعندئذٍ يغيب الإيثار وتحل الأثرة في مكان ذلك، ويغيب التعاون والتآلف وتتجلى في مكان ذلك الأنانية والاستكبار، تغيب مشاعر الشفقة، مشاعر الحب والرحمة وتحل محل ذلك مشاعر الشماتة، هذه حقيقة ينبغي أن نعلمها وألا نرتاب فيها قط. لعلكم تسألون عن الدليل، ونحن إنما نتحدث عمن أعلن أنه مؤمن بالله عز وجل ولو أنه كان يقول ذلك بلسانه، الدليل على هذا يا عباد الله أن المصطفى r قَرَنَ تعاون المسلمين وتآلفهم وتسابقهم إلى التعاون، قرن ذلك بالتقوى، قال ذلك من خلال أسلوب يلفت النظر قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، ويشير إلى صدره، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله، ألا ترون إلى قوله عليه الصلاة والسلام: التقوى هاهنا يكررها ثلاث مرات وكأنها جملة اعتراضية في موضوعٍ، بحسب الظاهر، لا علاقة له بالتقوى، المسلم أخو المسلم لا يظلمه لا يخذله لا يحقره، ما المناسبة التي دعته r ليقفز إلى شيء آخر فيقول: التقوى هاهنا يكررها ثلاثاً ويشير إلى صدره لنعلم أن هذه الوصية النبوية الغالية التي يوجهها إلينا لن تتحقق إلا بالوازع الديني يهيمن على القلب، وهل التقوى إذ تهيمن على القلب إلا ترجمة دقيقة للوازع الديني يا عباد الله. الدليل على ذلك أيضاً قول المصطفى r: الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله، هذه الكلمة: أحبهم إلى الله تدغدغ قلب من؟، قلب من فاض قلبه حباً لله، تدغدغ قلب من هيمنت مشاعر التقوى عليه، تدغدغ قلب من هيمن الوازع الديني عليه ومن ثم فهو يسعى جاهداً ليتقرب إلى الله بمزيد من الحب يناله من الله ومن ثم بمزيد من الحب يكرمه به الله سبحانه وتعالى، الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله. لعل فينا من يقول وإنا لنحمد الله عز وجل أننا نتمتع بالوازع الديني، لعل هذا الذي يقول هذا الكلام يتصور أن الوازع الديني يتلألأ من خلال شعارات ترتفع، لعل هذا الذي يقول هذا الكلام يخيل إليه أن الوازع الديني ينبثق من أصوات مفخمة تتلوا كتاب الله عز وجل في الرائي أو الإذاعات أو الحفلات، لا يا عباد الله، الوازع الديني ينبثق من الداخل ولا يأتي إلى الإنسان ولا يتسرب إليه من الخارج، الوازع الديني شعور مهيمن ينبثق من داخل القلب ثم إنه يتجلى على ظاهر الإنسان سلوكاً والتزاماً، هذا هو الوازع الديني، ثم إن لهذا الوازع الديني آثاراً ونتائج ذكرها المصطفى r عندما قرن هذه الآثار والنتائج بتقوى الله عز وجل: المسلم أخو المسلم لا يظلمه، لا يخذله، لا يحقره، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله، أين هم المسلمون الذين ينتصرون لإخوانهم وها هم أولاء يَسْتَحِرُّ بهم القتل صباح مساء؟ أين هم المسلمون ينتصرون لإخوانهم ويدافعون عنهم وها هي ذي بيوتهم تُسْتَلَب وتُهَدَّمُ على رؤوسهم وتتحول ما بين عشية وأخرى إلى قبور؟ أين هو الانتصار للأخوة الإسلامية بل الإنسانية وها نحن نرى في مواسم الفرحة، ننظر فنجد أولئك الناس يجترون الآلام الممضة، يجترون الشقاء الذي يجعلهم بين ماضِغَيّ الموت والحياة، الوازع الديني! ليس هنالك وازع ديني تتمتع به مجتمعاتنا العربية والإسلامية كما قد يخيل إلينا أن نتصور ولكن تعالوا يا عباد الله لكي نزداد يقيناً بهذا الذي أقوله لكم نقلاً عن كتاب الله عز وجل، تعالوا نضع صورة الإيجاب أمام السلب ونضع الطرد أمام العكس ونضع الداء أمام الدواء لكي نقارن ولكي يتبين لنا مزيدٌ من البرهان عن طريق الضد، وبضدها تتميز الأشياء كما قالوا. إن الناس الذين يمسكون اليوم بزمام الحكم في تركيا هم من الذين يتمتعون بالوازع الديني، يتمتعون به تربيةً إيمانية منذ نعومة أظفارهم، وقد شاء الله عز وجل أن أكون واحداً ممن يعلم هذه الحقيقة لا اليوم بل قبل اليوم أيضاً، ورحم الله ذلك المرشد الرباني الذي أنبتهم هذا النبات الحسن والذي بث بين جوانحهم الوازع الديني الذي نتحدث عنه، إن هذا الوازع الديني يجعلهم ينظرون إلى شامنا هذه على أنها أرضٌ مقدسة كما قال المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يقفون من هذه الأرض وقفة تبرك، وقفة تقديس، أجل، ما الذي يجعلهم ينظرون إلى شامنا هذه هذه النظرة؟ الوازع الديني ومن ثم فإن الوازع الديني هو الذي يجعلهم يمدون يد الود والتآلف إلى شامنا وأهله والقائمين بشؤونه، هذا الوازع الدين هو الذي يجعلهم يمدون جسور التعاون بكل معنى الكلمة، يمدون جسور تبادل المنافع، إن الدافع إلى ذلك يا عباد الله استراتيجية إيمانية ثابتة مستقرة وليس تكتيكاً سياسياً مرحلياً يمر، عَلِمَ ذلك من عَلِم وجهله من جهل، نعم إن ألسنتهم قد لا تتقن النطق بلغة القرآن ولكن فلنعلم أن سلطان القرآن ولغته يهيمن على مجامع نفوسهم، يهيمن على قلوبهم، وإنك لتنظر إلى أحدهم وهو يتلو القرآن أو يصغي إليه وإذا بدموع عينيه تترجم معاني ما يسمع أو يقرأ، أجل. عباد الله ما ضرَّتْ عجمة اللسان إذا كانت عروبة القلب يترجمها سلطان القرآن المهيمن على النفوس، وماذا تفيد عروبة اللسان إذا كان القلب يعاني من عجمة الفهم والخضوع لكتاب الله وسلطانه! هذه الحقيقة تضعنا أمام برهان آخر على هذا الذي أقوله لكم، دليلان أحدهما سلبي نعاني منه في مجتمعاتنا والآخر إيجابي رأيتموه بالأمس ولسوف ترون مزيداً من دلائله قريباً، فهل لنا يا عباد الله أن نقطف ثمرة هذه الحقيقة، هل لنا أن نوقظ إخواننا في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وفي مقدمتهم قادة هذه الأمة أن يعودوا فيتحسسوا مكان الوازع الديني بين جوانحهم! يا أيها الناس إن سلطان الإسلام لا يمكن أن يتمثل إلا بشيء واحد لا ثاني له هو هذا الوازع الديني الذي يهيمن على القلب فإن لم يوجد هذا الوازع الديني فالألسنة التي تنطق بالفلسفات المختلفة لا قيمة لها والشعارات التي ترتفع وتتلألأ ذات اليمين وذات الشمال لا معنى لها. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يكرمنا بالاعتزاز بهذا الدين الذي شرَّفَنَا الله عز وجل به وأسأله سبحانه أن يغرس بين جوانح أفراد هذه الأمة الوازع الديني حتى يتآلف أفرادها وحتى يعطف الناس بعضهم على بعض، حتى يعطف الذين يتفيؤون ظلال الرخاء والأمن والطمأنينة على إخوانهم الذين يُقَتَّلُون وتُسْفَكُ دماؤهم وتدور رحى الموت عليهم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم فاستغفروه يغفر لكم.


 

تحميل



تشغيل

صوتي