مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 06/11/2009

شروط صحة الحج ووجوبه

‏الجمعة‏، 19‏ ذو القعدة‏، 1430 الموافق ‏06‏/11‏/2009


الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


دأب كثير من الخطباء والوعاظ والمرشدين في مثل هذه الأيام من كل عام على تشجيع الناس إلى التوجه إلى بيت الله الحرام لأداء نسك الحج، وإلى إيقاظ مشاعر الشوق والتوق إلى بيت الله الحرام، وإلى مثوى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والحقيقة أن الناس أو أكثرهم لم يعودوا اليوم بحاجة إلى من يشجعهم إلى أداء هذا النسك، ولم يعودوا بحاجة إلى من يوقظ في قلوبهم أو بين جوانحهم مشاعر الشوق إلى بيت الله الحرام، فلقد سَهُلَتْ أسباب القيام بهذا النسك، وتكاثرت المصالح المختلفة التي تقتضيهم التوجه متسابقين بل متزاحمين إلى أداء هذا النسك، كثيرون منهم قد أدَّوا فريضة الحج مثنى وثلاث ورباع، والكثير ممن لم يؤدِّ بعدُ فريضة هذا الحج لم يكلفهم الله سبحانه وتعالى بها، ولم تتحقق فيهم شرائط وجوبها، ولذلك فإن الأحرى بأمثالنا من الخطباء والموجهين والوعاظ أو يوجِّهوا الناس إلى الشرائط التي لا بد من توفرها لصحة الحج، أحرى بنا أن نوجّه الناس إلى الشرائط التي لا بد من توفرها لكي يصبح الحج إلى بيت الله بالنسبة لهم مباحاً غير محرم، هذا ما ينبغي أن يدأب عليه المرشدون والخطباء والوعاظ في هذا العصر، وصدق رسول الله القائل فيما رواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: )يأتي على الناس زمان يحج فيه الأغنياء للنـزهة والمتوسطون للتجارة والقرُّاء للرياء والفقراء للمسألة[.


وها نحن نرى مصداق ما قاله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأبي هو وأمي    أحرى بنا أن نوجّه الناس إلى ضرورة الالتزام بسلم الأولويات، عندما يجد أحدنا المصالح الدينية وقد تزاحمت وتعارضت ما السبيل في هذه الحالة؟ هنالك قانون شرعي يُلَخَّصُ بهذا الشعار: ضرورة اتباع سلم الأولويات في المصالح.   


إننا في موسم الحج نطوف بالمساجد أو بأكثرها فنجد أن كثيراً منها قد خلت من خطبائها، وخلت من أئمتها، وننظر أو نبحث عن البديل فلا نجد بديلاً يحل شرعاً محل ذلك الذي غاب عن وظيفته متجهاً إلى بيت الله الحرام، نتفقد الوظائف والقائمين عليها في الدوائر، فنجد أن كثيراً منهم قد غاب عن أداء وظيفته، وتعطلت من جراء ذلك مصالح الناس، أخذ كل واحد منهم إجازة ليريح نفسه بها تحت غطاء الحج إلى بيت الله الحرام، ولعله حجَّ مرة وأخرى وثالثة، ننظر فنجد أن كثيرين ممن يتجهون متسابقين إلى بيت الله الحرام يغطون أنفسهم لتبرير حجهم بِحِرَفٍ ليسوا منها في شيء، ولا يتأتى منهم القيام بأي شيء منها، في سبيل أن يجدوا مبرراً للذهاب حجاجاً إلى بيت الله الحرام، ونحن نعلم، وينبغي أن يعلم كل مسلم أن هذا تزييف محرم، وأنه يُحَمِّلُ صاحبه عقوبة ووزراً بدلاً من أن يُحَمِّلَ صاحبه مثوبة وأجراً.   


نعم يا عباد الله، ننظر فنجد أناساً يبتاعون تأشيرة الدخول بسوق السوداء، يبتاعون تأشيرات الدخول بأضعاف ما كلَّفَتْ, ولقد ذكر الفقهاء في باب الحج عن تعداد شروط، لا أقول: وجوب الحج، بل صحة الحج، يشترط ألا يتسبب عن حجه دفع الرشاوي.   


هذا ما ينبغي أن ننبه إليه الناس يا عباد الله، كثيرون هم الذين يتجهون في مثل هذه الأيام حجاجاً إلى بيت الله الحرام، وقد تحمّلت ذممهم ديوناً مالية لأناس، هل استأذنوا الدائنين في أن يسافروا متجهين إلى حج بيت الله الحرام وهم مدينون لهم؟ أجمع الفقهاء على أنه لا يجوز للمدين أن يسافر من بلده إلا بإذن الدائن، فإن أذن له سافر أياً كان سفره لدنياً أو لدين، وإن لم يأذن له لا يجوز له أن يسافر حتى ولو لم يكن قد حج إلى بيت الله الحرام بعد.   


عباد الله أصل كل عبادة وأساس كل قربة الإخلاص لله عز وجل وصدق الله القائل: )وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ[ [البينة: 5]، صدق الله القائل: )قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدا[ [الكهف: 110]. أي لا يمزج توجهه إلى العبادة برغبة دنيوية، لا يمزج حجه إلى بيت الله الحرام بمصلحة دنيوية كتلك المصالح التي عددها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرق بها أسوار الزمن معبراً عن واقعنا في هذا العصر    أجل عباد الله إذا رحلنا إلى الله عز وجل، ووقفنا بين يديه غداً، واطلع على قلوبنا، فوجد فيها نبضات الإخلاص، وحرقة التوجه إلى الله، فقد غفر الذنوب كلها، ولكن إن رأى الله عز وجل في فؤاد العبد أمانِيَ وأغراضاً ومصالحَ وأهدافاً دنيوية أخرى مزجها بالطاعات التي أمره الله عز وجل بها، فإن الله أغنى الشريكين عن هذه العبادة التي يؤديها هذا الإنسان. هذا ما ينبغي أن نلفت أنظار الذين يتسابقون في هذا العصر حجاجاً إلى بيت الله الحرام.   


شيءٌ آخر ينبغي أن أقوله لنفسي وأقوله لكل منكم، كثيرون هم الذين يتقلّبون خلال العام بكثير من المعاصي المحرمة، غِشٌّ في المعاملة، أغذية فاسدة يقدمونها إلى الفقراء والمحتاجين مما يسبب الأمراض المختلفة التي تعرفون، حقوق يأكلونها لأصحابها في سبيل جمع مزيد من المال، وفي سبيل تحقيق مزيد من الرعونات والشهوات، فإذا جاء موسم الحج إلى بيت الله الحرام، شدَّ الرحال إلى هناك، موقناً أنه سيلقي بذنوبه هناك ويعود طاهراً مطهراً منها، لأنه سمع أن الحج المبرور يغفر الذنوب كلها، نعم الحج المبرور يغفر الذنوب كلها، أو يغفر الله عز وجل لصاحبه الذنوب كلها، لكن أي ذنوب، الذنوب التي تكون بين العبد وربه، الذنوب التي يكون الإنسان قد أهدر من خلالها حقوق الله، أما حقوق العباد - وما أكثر الحقوق التي يهدرها اليوم مسلمون لإخوانهم ولا أريد أن أعدد، كلكم يعلمها - فهذه لا الحج يزيلها ولا أي قربة من القرب التي يتقرب بها الإنسان إلى الله يزيلها، لا بد من وقفة بين يدي الله عز وجل، ولا بد أن يأخذه الله عز وجل بجريرة هذه الحقوق التي أكلها للناس، لا بد أن يأخذه بجريرة الظلم الذي توغل فيه لإخوانه، ومن أشنع أنواع الظلم الأغذية الفاسدة، وما أكثر أسباب فسادها التي يغمض أناس أعينهم عن الجريرة العظمى التي يتحملونها أمام الله في سبيل أن تمتلئ جيوبهم.


هل أعدد هذه الأعمال أيها الإخوة؟ لستم بحاجة إليها، تهريب السلع عندما تكون سبباً لغلاء قيمتها جريمة وأي جريمة، نحن ندعو الأمة إلى أن تتراحم، ندعو الأمة إلى أن يرحم فئاتُها فئاتِها الأخرى، هذا معنى التراحم، يرحم القادة رعاياهم، يرحم الناس بعضهم بعضاً، ولكن عندما يسيل لعاب زيد من الناس على مزيد من المال يجمعه في صندوقه أو جيبه، ويجد أن سلعة من السلع ثمنها غالٍ ومرتفع في البلاد التي حولنا وهي هنا رخيصة يمعن في تهريبها من النوافذ المختلفة هنا وهناك، وإذا بهذه السلعة بشكل آنيٍّ قد ارتفعت قيمتها، من المسؤول عن ذلك؟ أنت يا أيها المهرب، حجك إلى بيت الله الحرام ولو ذهبت حاجاً إليه في كل عام لا يمكن أن يخفف عنك شروى نقير من هذا الوزر الذي تحملته مهما تقربت إلى الله عز وجل، حقوق العباد مبنية على المشاحة، لن يسامحك الله فيها قط.   


هذه الكلمات ينبغي أن نذكِّرَ بها أنفسنا وإخواننا في هذا الموسم، وليت إخواننا الدعاة إلى الله، الخطباء والواعظين، ذكّروا إخوانهم بهذه الأمور الهامة الخطيرة في حياتنا، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

تحميل



تشغيل

صوتي