مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 09/10/2009

الصلوات الخمس هي المغتسل من رجس الآثام والأوزار

‏الجمعة‏، 20‏ شوال‏، 1430 الموافق ‏09‏/10‏/2009


الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


إنكم لتعلمون أن كل واحد منا يتعرض في تقلباته المختلفة للأوساخ والأقذار المتنوعة، سواءٌ منها ما تحمله إليه الرياح من الغبار والأتربة، وسواءٌ منها ما كان مصدره الإنسانَ ذاته، فما المغتسل الذي ينبغي أن يُهْرَعَ إليه كلما وجد نفسه قد ابتلي بشيء من هذه الأوساخ؟ المغتسل الذي يُهْرَعُ إليه الإنسان كما تعلمون هو هذا الماء الطهور الذي ينجدنا الله عز وجل به وصدق الله القائل: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [لأنفال: 11]، وقد عَلِمَ الله عز وجل أن الإنسان يتعرض دائماً لهذه الأوساخ المختلفة، فجعل نعمة الماء وفيرة وكثيرة يراها الإنسان من حوله أنّى تقلَّبَ ونظر.


والإنسان أيضاً يا عباد الله عندما يخوض غمار هذه الحياة الدنيا بمختلف أعمالها وأنشطتها لا بد أن يصيبه رشاش كثير من المعاصي، لا بد أن يصيبه رشاش كثير من الأوزار، فما المغتسل الذي هيَّأه ربنا الرحمن الرحيم من أجل أن يتخلص الإنسان من رجس آثامه وأوزاره بعد أن أكرمنا بالماء الذي يتخلص به أحدنا من رجس الأتربة والغبار والأقذار المادية؟ إنه الصلوات الخمس المكتوبة، هذا هو المغتسل الذي ينجدنا الله سبحانه وتعالى به.


ولماذا كانت خمس صلوات في اليوم والليلة؟ ذلك لأن الإنسان دائماً كلما خاض غمار هذه الدنيا، ولا بد أن يخوض غمارها، سيجد أنه قد أصيب برشاش بعضٍ من الذنوب، ومن ثم فقد كانت رحمة الله عز وجل له بالمرصاد، يدخل وقت الصلاة فيُهْرَعُ إليها، ويقبل إلى الله عز وجل بأدائها على النحو الذي أمر، وإذا بصحيفته السوداء عادت بيضاء، وإذا بثقل الأوزار قد ذاب من كاهله، فإذا عاد إلى سوقه ومخاضته وأصابه رشاش من الأوزار ثانية عاد إلى الصلاة في الميقات الثاني، وإذا بهذه الصلاة هي الأخرى طهرته، وأعادت صحيفته الملوثة إلى البياض والطهر، هذا هو المغتسل الذي ينبئ عن مدى رحمة الله عز وجل بعباده، هيأه الله عز وجل لنا كي نمحوَ آثار رشاش المعاصي التي قد نتعرض لها، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  فيما رواه مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: ﴿أرأيتم لو أن نهراً غمراً بباب أحدكم يغتسل منه في اليوم خمس مرات أكان يبقى عليه درن؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فكذلكم الصلوات الخمس تمحو آثام العبد وأخطاءه﴾


بل إن الصلوات الخمس من شأنها أنها تمحو المعاصي التي تستوجب الحد ما لم تكن هذه المعاصي متعلقة بحقوق العباد، وقد صح فيما رواه الشيخان ﴿أن رجلاً دخل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد قبل الصلاة، فأسر إليه أنه قد ارتكب موجب حد، فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسكت عنه، ثم عاد ثانية يذكر له ذلك، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسكت عنه، ولما أقيمت الصلاة وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عاد الرجل يُذَكِّرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، فقال له صلى الله عليه وسلم: أرأيت أنك عندما خرجت من بيتك ألم تتوضأ فتحسن وضوءك؟ ألم تشهد معنا الصلاة؟ قال: بلى، قال: فقد غفر الله لك ذنبك﴾ هذا هو دور الصلاة في حياة الإنسان يا عباد الله،


بل أقول لكم شيئاً آخر: ما أكثر الذين ابتلوا في حياتهم بأمراضٍ شتى نفسية مختلفة، ما أكثر الذين ابتلوا بالكآبة فكان دواؤهم الذي انتشلهم من هذا المرض هو الإقبال إلى الصلاة، ما أكثر الذين تقلبوا في أمراضٍ نفسيةٍ مختلفة، ولكن صلتهم بالله جعلتهم يُهْرَعُون إلى الوقوف بين يدي الله عز وجل، فكانت صلاتهم خير دواء لأمراضهم المختلفة، وما أكثر المصائب التي طرقت أبواب كثيرٍ من المجتمعات، مصائب مختلفة، من ذلك القحط واحتباس الأمطار، كان الشيء الذي رفع هذا البلاء عنهم، وأعادهم إلى أمن الطمأنينة ورغد العيش هذه الصلوات الخمس.


ولماذا لا تكون الصلوات الخمس بهذه المثابة؟!  إنها -يا عباد الله - في الصورة والمظهر تكليف، ولكنها في الحقيقة استضافة وتشريف، فإذا استجبت لاستضافة الله سبحانه وتعالى، ووقفت بين يديه حامداً ثم مثنياً ثم مستعيناً ثم داعياً أن يهديك وأن يكلأك بعين عنايته أتتوقع ألا يقول الله لك: لبيك يا عبدي؟! أتتوقع أن يصرفك من ضيافته دون إكرام وهو ربٌ كريم؟! فيا عجباً -يا عباد الله - يا عجباً لجسومٍ لا تعرف لذة الصلاة والوقوف بين يدي الله! ويا عجباً لجباهٍ لم تذق لذة السجود لوجه الله سبحانه وتعالى.


لقد قلت لكم، وأؤكد: إن الصلاة في ظاهرها تكليف، ولكنها في الحقيقة استضافة من الله وتشريف، فلماذا نجد قِطَاعاً كثيرة من المسلمين قد قَطَعُوا أنفسهم عن استضافة الله عز وجل؟!  لماذا نجدهم قد أعرضوا عن نداء الله عز وجل يستضيفهم؟! أليس هذا أمراً عجيباً يا عباد الله؟.


مسلمون؟! ولو كانوا غير مسلمين لزال العجب، مسلمون يقرؤون كتاب الله عز وجل ويرددون قوله: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً﴾ [النساء: 103] ويسمعون أو يقرؤون قوله: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾ [طـه: 14]، ويقرؤون قوله: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طـه: 132]، ومع ذلك يستضيفني الله عز وجل للوقوف بين يديه، أُعرِض؟! أُعرِض عن استضافته لي؟! شيءٌ لا يتصوره العقل قط.


ثم إن البيان الإلهي يضعنا أمام صور مرعبة ومخيفة لمصير الإنسان يوم القيامة، ذاك الذي كان في دنياه معرضاً عن هذه الصلاة، عن هذه الاستضافة، يقطع نفسه وربما يقطع الآخرين عنها، اسمعوا قول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ، خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ [القلم:42-43]، اسمعوا قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ، تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ، كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ، وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾  [القيامة :22-27]، أي إذا بلغت الروح التَّرْقُوَة، وقيل، أليس من راق؟ أليس من طبيب يعيد الروح إلى مكانها من الجسد؟ ﴿كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ، وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ، وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ، وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ، فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى، وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ [القيامة:26-32].


 لاحظوا -يا عباد الله- كيف قرن البيان الإلهي الكفر بترك الصلاة، ولم يتحدث عن عبادةٍ غيرها؛ لأن الإنسان إذا آب إلى ربه بصلاة تامة غفر الله له بقية ذنوبه، أما إذا آب إلى الله معرضاً عن الصلاة قد قطع نفسه عن استضافة الله عز وجل، فمآله هذا الذي يقوله الله عز وجل: ﴿فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى، وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ [القيامة:31-32].


يا عجباً للمسلم الذي يعلم أنه عما قريب بعد حين طال الحين أو قصر سيتمدد على فراش الموت، ولسوف يدخل عليه ملك الموت، ولسوف يراه بعينيه، ولسوف تنطوي قواه كلها لتؤول إلى لا شيء، ولسوف يجد نفسه كتلة من العبودية لله، ولكن فات الأوان، فاتت الفرصة، أنا أعلم أنني صائرٌ إلى هذا، لماذا لا أصطلح مع مولاي وربي؟! لماذا لا أستجيب لاستضافته؟! ولماذا لا أُيَسِّرُ السبيل للناس كي يستجيبوا لهذه الاستضافة التي يدعوهم الله عز وجل إليها؟! وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: ﴿أعطيت خمساً لم يعطهن أحدٌ من قبلي -ثانية منهن- وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة في مكان فليصلِّ﴾.


إن أدركتك الصلاة في السوق فلتصلِّ لأن الله يأمرنا أن نؤدي الصلوات في مواقيتها، إن أدركتك الصلاة في مقهىً فقم وصلِّ، إن أدركتك الصلاة في مطعم، إن أدركتك الصلاة في قارعة الطريق وسمعت المؤذن يقول: الله أكبر، قل بلسان حالك أو بلسان قولك: لبيك اللهم لبيك.


عباد الله، أنا مكلف بأن أخبركم عن نذير ينطوي في هذا الشتاء القادم، إن لم نصطلح مع مولانا وخالقنا فلسوف يكون شتاءً قاسياً، ولسوف نعاني من انقطاع المطر واحتباسها ما لم نشهده في سنوات خلت، أنا أقول هذا، والحب يوجب علي ذلك، الغيرة على أمتي وعلى بلدي توجب عليَّ ذلك، فلنصطلح مع الله قبل فوات الأوان.


أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي