مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 04/09/2009

علامات التوجه إلى الله سبحانه وتعالى والإقبال إليه

‏الجمعة‏، 14‏ رمضان‏، 1430 الموافق ‏04‏/09‏/2009


الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


دأب الناس على أن يتبينوا مدى توجه الناس إلى الله سبحانه وتعالى وإقبالهم إليه من خلال ازدحام المساجد بالمصلين وإقبالهم إليها في أمسيات هذا الشهر المبارك ومع فجر كل يوم منه فإن وجدوا هذه الظاهرة وإن وجدوا المساجد مزدحمة بالمصلين الراكعين الساجدين فهموا من ذلك أن الناس مقبلون إلى الله مستقيمون على صراط الله عز وجل بعيدون عن مطارح التيه والضلال والغفلات، ولا شك أن العبادات إذ يُقْبِلُ إليها الإنسان مظهر من مظاهر القرب من الله سبحانه وتعالى ولكن العبادات لا تقرب الإنسان إلى الله عز وجل إلا إذا تحققت نتائجها وظهرت ثمراتها وآثارها، ونتائج العبادات على اختلافها أياً كانت إنما هي ظهور الصلاح في المجتمع وغياب الفساد وأسبابه منه فإذا وُجِدَتْ مظاهر العبادات وفاضت المساجد بالمصلين، بالراكعين الساجدين القائمين ولكن بقي الفساد مستشرياً وبقيت مظاهر الصلاح غائبة فإن هذه العبادات لا تقرب أصحابها إلى الله شروى نقير.


ألم تقرؤوا قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ [البقرة: 204]، يعجبك قوله ويشهد الله عن طريق عباداته، عن طريق مظاهر إقباله إلى الله ولكن الله عز وجل يقول بعد ذلك: ﴿وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ [البقرة: 204]، لماذا! جاء التعليل بعد ذلك ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: 205]. ألم تسمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول فيما رواه الطبراني من حديث عبد الله بن عباس: ﴿من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا﴾.


عباد الله لئن كان في الناس من يجعل من امتلاء المساجد في هذا الشهر بالمصلين، بالراكعين الساجدين مقياساً على صلاح المجتمع وقرب الناس إلى الله عز وجل فإنني أعتقد أن المقياس غير ذلك، المقياس هو أن ننظر فنجد أن التوجه إلى الصلاح يزداد مع الزمن والأيام وأن مظاهر الفساد بأشكاله وأنواعه المختلفة تضمر ولا تزال تضمر، هذا هو الدليل على تقرب عباد الله عز وجل إن في هذا الشهر أو في غيره إلى الله سبحانه وتعالى، عندما أنظر فأجد أن الرشوة قد اختفت بكل أنواعها ما بين الراشي والمرتشي، هذا البلاء الذي شَلَّ فاعليات القانون وشَلَّ فاعليات الشرائع عندما أجد أن هذه الرشوة قد اختفت من تعامل الناس بعضهم مع بعض أستطيع أن أدرك أن هؤلاء الناس يتقربون إلى الله زلفى وأن الله سبحانه وتعالى يقبل منهم طاعاتهم وعباداتهم، عندما أنظر فأجد أن الغش قد غاب وأن التجار قد أقلعوا عن عمليات الغش وما أكثرها مع المستهلكين وأن الغش قد غاب مما بين المشترين والبائعين عندئذٍ أستطيع أن أدرك أن هؤلاء الناس يتقربون إلى الله عز وجل بقربات مقبولة وأن صلواتهم مقبولة وأنهم عندما يُهْرَعون إلى المساجد تُسَجَّلُ أعمالهم بالقبول غداً عند الله سبحانه وتعالى.


عندما أنظر إلى المشافي العامة فأجد أن الأطباء المناوبين يعكفون على خدمة المرضى وقد أقلعوا عن حظوظهم وما أكثر الحظوظ في مثل تلك الحالات وعندما أنظر إلى الممرضين ذكوراً وإناثاً فأجدهم قد وقفوا ساعات عملهم على خدمات المرضى بإخلاص وبصدق يقفون جهودهم ساعاتهم في تلك الليالي على خدمة المرضى وقد أقلعوا عن حظوظ أنفسهم وأقلعوا عن التلاقي الخفي الذي قد يكونوا فيما بينهم أستطيع أن أدرك أن هؤلاء الناس يتقربون إلى الله بقربات مقبولة وأن صلواتهم مقبولة عند الله سبحانه وتعالى.


عندما أنظر إلى المزارعين وإلى الذين يستنبتون المزروعات أتأمل فيهم فأجدهم قد أقلعوا عن تغذية نباتاتهم التي يستنبتونها بالمسموم التي تجعل هذه المزروعات جميلة تتألق في أعين الناظرين ولكنها تسري بالسموم المهلكة إلى بطون الآكلين، عندما أجد أن هؤلاء المزارعين والمستنبتين للمزروعات قد أقلعوا عن هذا العمل الذي يغضب الله سبحانه وتعالى أستطيع أن أدرك أن صلواتهم مقبولة وأن قرباتهم مقبولة وأنها محفوظة لهم يوم يقوم الناس لرب العالمين.


عندما أنظر إلى أصحاب المداجن فأجد أنهم قد أقلعوا عن نفخ الفراريج بالأغذية الهرمونية كما تعلمون، هذه الأغذية المهلكة التي تنشر السموم وما أكثرها وما أخطرها في بطون الآكلين، عندما أجد أن الخوف من الله عز وجل جعلهم يقلعون عن هذا الأمر أستطيع أن أدرك أن قرباتهم مقبولة وأن قيامهم في هذا الشهر المبارك مقبول ومأجور وأن الله سبحانه وتعالى لن يضيع لهم عملاً.


عندما أنظر إلى أصحاب المال الوفير، إلى أصحاب الغنى الواسع الواسع وأتأمل في حالهم وإذا بهم يعكفون على تَبَيُّنِ حقوق الله سبحانه وتعالى في هذه الأموال، سرعان ما يتبينونها ويحسبونها ثم يقبلون بها إلى أصحابها الفقراء المعوزين الذين جعلهم الله عز وجل وكلاء عنه في قبض هذه القربات وفي استلام هذه الحقوق، هو حق الله سبحانه وتعالى ولكن الله عز وجل جعل الوكالة في ذلك لعباده الفقراء المعوزين.


 عندما أنظر فأجد أن هؤلاء الأغنياء الذين فاض لديهم المال حتى لكاد العد لا يستطيع العد أن يحصيه عندما أنظر فأجد أنهم يلتفتون إلى حق الله في هذه الأموال، عندما أنظر فأجد أنهم يُقَدِّمُون هذا الحق بالغاً ما بلغ إلى أصحابه أستطيع أن أستبشر وأقول إن المجتمع بقضه وقضيضه يتجه إلى مرضات الله سبحانه وتعالى وإن صلواتهم لمقبولة وإن ركوعهم وسجودهم كل ذلك مأجور ومقبول عند الله سبحانه وتعالى.


حق الله في الأموال أيها الإخوة حق خطير خطير، عندما لا يخرجه صاحبه من ماله ويعطيه لمن وكلهم الله عز وجل بقبضه عنه فإن الله عز وجل يجعل من هذا الحق سماً ناقعاً لمن يعكف على استلام هذا الحق واغتصابه من أصحابه وعدم الرجوع به إلى من أمر الله سبحانه وتعالى أن يعاد إليهم هذا المال، ألم تسمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿إن الله جعل في أموال الأغنياء بالقدر الذي يسع فقراءهم وإن الفقراء إذا جُهِدُوا فجاعوا أو عروا إنما يكون ذلك بما يفعله أغنياؤهم وإن الله محاسبهم على ذلك حساباً شديداً﴾. أرأيتم إلى هذا الكلام الدقيق يا عباد الله: إن الله جعل في أموال الأغنياء بالقدر الذي يسع فقراءهم، أي لئن نظرت فوجدت أن الفقر يزداد فاعلم أن أموال الفقراء لم تتلف، لا تزال موجودة ولكنها موجودة في أيدي أناس آخرين أموال الفقراء موجودة في أيدي الأغنياء وإن لله حكمة وأيَّ حكمة في ذلك، جعل أموال الفقراء في جيب الأغنياء لكي يكون الفقراء فتنة وابتلاء للأغنياء ولكي يكون الأغنياء فتنة وابتلاء للفقراء.


عندما أنظر فأجد أن هذه المقاييس التي حدثتكم عنها تنبؤ أن الفئات المختلفة في مجتمعاتنا تتجه في أنشطتها إلى الأعمال الصالحة إلى خدمات المجتمع المختلفة، تتجه إلى تنفيذ ما أمر الله عز وجل به الرسل عندما قال: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً﴾ [المؤمنون: 51]، هذا هو العمل الصالح، العمل الصالح أن تخدم المجتمع، أن تخدم أمتك فلا تكون سبباً لبلاء يسري إليها، لا تكون أنشطتك التجارية والاجتماعية المختلفة سبباً لبلاء تنشره وتنثره في صفوف عباد الله سبحانه وتعالى، عندما أنظر فأجد أن فئات المجتمع قد اتجهوا إلى هذا الذي ذكرته لكم، متجهين إلى الصلاح الذي أمر الله عز وجل به مبتعدين عن أولئك الذي أخرجهم الله عز وجل من دائرة الرضا عنهم عندما قال عنهم: ﴿وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ [البقرة: 204] لماذا؟ قال: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: 205].


توجه في حياتك إلى الإصلاح والصلاح وابتعد عن الفساد والإفساد قليل من العبادات يكفيك، أما إذا أوغلت في الفساد والإفساد في سبيل حظوظ نفسك فإنك لو ملأت طباق الأرض عبادات لا يقبلها الله منك غداً.


أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم فاستغفروه يغفر لكم.

تحميل



تشغيل

صوتي