مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 17/07/2009

في ذكرى الإسراء والمعراج

‏الجمعة‏، 25‏ رجب‏، 1430 الموافق ‏17‏/07‏/2009


الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


بعد يومين سيحتفل العالم العربي والإسلامي بذكرى الإسراء والمعراج على كلٍّ من المستويين الرسمي والشعبي ولابد أن نقول كلمة في هذه الساعة المباركة من هذا اليوم الأغر في هذا الشهر المبارك عن هذه المكرمة التي أكرم الله عز وجل بها رسوله محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولكنا لن نجنح إلى الحديث عن قصة هذه المكرمة كما يفعل البعض ولن نخوض في الحديث عن تاريخها والخلاف الذي وقع في ذلك ولن نتحدث عن الأدلة التي تقطع وتجزم بأنها كانت رحلة بكل من الجسد والروح من الأرض إلى الأرض ثم من الأرض إلى السموات العلا فلقد غدا هذا الكلام كلاماً تقليدياً مكروراً معاداً وبوسع كل من شاء أن يعود إلى هذه المعاني الآكاديمية العلمية في أي مرجع من المراجع وفي أي مصدر من مصادر السنة ولكن الذي ينبغي أن ألفت نظري وأنظاركم إليه في الحديث عن هذه المناسبة هو أن حديثنا عن هذه المكرمة التي أكرم الله عز وجل بها رسوله محمداً r ينبغي أن يتضمن شيئاً واحداً لا ثاني له إن كنا صادقين في الاحتفاء والاحتفال بهذه الذكرى المباركة، ينبغي أن يتضمن حديثنا بيعة جديدة لله عز وجل ومن ثم لرسوله المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أن ننفذ ما انطوت عليه هذه المكرمة التي أكرم الله بها رسوله محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم والتي شرَّفَ أمته بها في تلك الليلة ذاتها، هكذا ينبغي إن كنا صادقين أن نحتفل ونحتفي بذكرى هذه المكرمة العظمى.


ما هي المكرمة الثانية التي شرف الله عز وجل بها أمة محمد r في تلك الليلة، هذه المكرمة التي اتخذت شكل تكليف ولكنها في الحقيقة ليست إلا تشريفاً من أجل أنواع التشريف. عندما عُرِجَ برسول الله r إلى السموات العلا ووصل إلى ذلك المكان الأقدس التي تقاصرت عنه الملائكة وخاطبه رب العزة خطاباً مباشراً ماذا قال له وبماذا شرفه به ومن ثم شرَّفَ أمته؟ فرض عليه وعلى أمته خمس صلوات في اليوم والليلة وقال هي خمس في العمل والأداء وهي خمسون في المثوبة والأجر، تلك هي المكرمة الثانية التي ليست خاصة برسول الله بل هي عامة لرسول الله r ولأمته، إنها هذا التكليف الذي تبدى تكليفاً في الظاهر وهو ليس إلا تشريفاً من أجَلِّ ما شرَّفَ الله به أمةَ محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الباطن.


فإذا أردنا أن نحتفل بذكرى هذه المكرمة فلنعلم أن هذا الاحتفال لن يكون في حساب رسول الله ولا في ميزان القبول عند الله إلا معنى واحد هو أن نجدد البيعة لله ومن ثم لرسوله أن نكون على مستوى هذا الشرف الذي شرفنا الله عز وجل به وأن ننهض بهذه الاستضافة التي يكرم الله عز وجل بها أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في كل يوم وليلة خمس مرات، فإن نحن جددنا البيعة لله ولرسوله أن ننضبط وأن نعلى إلى مستوى هذا الشرف وأن لا نضيع هذا التكليف الذي شرفنا الله عز وجل به فإنه لاحتفال مقبول وإن لاحتفاء يرقى بنا إلى القبول عند الله وعند رسوله. أيها الإخوة الصلوات الخمس التي شرَّف الله عز وجل بها أمة محمد r ليلة عُرِجَ به إلى السموات العلا ما هي؟ إن هي إلا استضافة من الله عز وجل لك يا أيها الإنسان، استضافة، نعم، ليست استضافة من رئيس دولة، ليست استضافة من ملك من الملوك الذين يمشون على هذه الأرض وممن يرحلون عبيداً لله سبحانه وتعالى في عاقبة أمرهم وإنما هي استضافة لك من قيوم السموات والأرض، استضافة لك ممن خلقك فسواك، استضافة لك من ذلك الإله الذي أبدع مكوَّناته والذي كرَّمَكَ بما لم يكرِّم به أحداً من مخلوقاته، فمن ذا الذي يعرض عن هذه المكرمة يا عباد الله ممن آمن بالله وعرفه، من ذا الذي يستضيفه الله ليقف بين يديه يخاطبه يشكو إليه آلامه، يضع بين يديه شكوى جراحه، يسأله ما يريد وقد وعد أن يستجيب، من ذا الذي تأتيه دعوة الله مستضيفاً له إلى لقائه ثم يعرض عنه، لا يتصور عقلي هذا أبداً يا عباد الله، إنسان عرف الله وآمن به وذاق لذة انتمائه بالعبودية إلى الله وكان صادقاً في إسلامه والدينونة لله يعرض عن استضافة الله عز وجل له! وهل هنالك متعمة ألذ لك يا ابن آدم من الدقائق التي تقف فيها بين يدي الله وأنت تعلم أنه يراك، وأنت تعلم أنك تناجي من يسمعك ويراك ويرى دقائق مشاعرك! من هذا الذي يعرض عن استضافة الله سبحانه وتعالى له! من الذي لا يشعر منا بمثل ما كان يشعر به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ كان يقول: أرحنا بها يا بلال، أرحنا بالصلاة يا بلال، إذ كان يقول جُعِلَتْ قرة عيني في الصلاة. ماذا أقول يا عباد الله، الشعور الذي يغامر الإنسان الذي عرف الله أعلى شأواً وأوسع مدى من أن تستطيع اللغة التعبير عنه. أنا من أنا، يستضيفني الله لأقف بين يديه أخاطبه وأقول له: (إياك نعبد وإياك نستعين إهدنا الصراط المستقيم)، تلك هي المكرمة الثانية التي تحققت إلى جانب المكرمة الأولى ليلة أُسْرِيَ وعُرِجَ برسول الله r إلى السموات العلا.


أعطيات أكرم الله بها رسوله منها هذه الأعطية وانظروا إلى ما يقوله رسوله الله: أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء من قبلي، الأعطية الثانية جُعِلَ لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل أدركته الصلاة من أمتي في مكان فليصل، مزية أكرمك الله بها يا ابن آدم، جعل لك الأرض كلها يمينها وشمالها، شرقها وغربها مسجداً تحت قدميك، مسجداً يستقبل جبهتك الساجدة لله سبحانه وتعالى، نعم هذه هي المكرمة التي أريد أن ألفت نظري وأنظاركم إليها بمناسبة الاحتفاء والاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.


أيها الإخوة ونحن نريد أن نحتفل فعلاً بهذه المكرمة وذكراها اذكروا هذا العهد ولا تضعيوه، جددوا البيعة التي شرَّفَنَا الله عز وجل بها، بيعة هذه الاستضافة التي تتكرر في كل يوم وليلة خمس مرات، قولوا بقلوبكم قبل ألسنتكم لمولانا الواحد الأحد لن نضيع هذه المكرمة الثانية التي شرفتنا بها، لسوف نظل نركع ونسجد لوجهك أينما حللنا وأينما وجدنا وأينما لاحقتنا الدعوة إلى الوقوف بين يديك يا ذا الجلال والإكرام. ثم إنها في الحقيقة بيعة أخرى بل عهد آخر ينبغي أن نذكره بيننا وبين حبيبنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إنها وصية يا عباد الله لم تُخَط على ورق ولم ينطق بها لسان ولكن الذي عبَّرَ عن هذه الوصية بسمات رسول الله التي طفح بها وجهه صباح الاثنين، فجر الاثنين عندما بدأت آلام السكرات تتسرب إلى كيانه رفع الستر الذي بين بيته وبين المسجد وإذا بأصحابه كلهم صفوفاً يصلون الفجر خلف أبي بكر الصديق رضي الله عنه، هذه اللوحة التي رآها رسول الله والتي كانت آخر عهده بأمته هي التي جعلته يغالب آلام الموت، تغلبت هذه اللوحة على آلام الموت حتى غلبتها ففاضت الابتسامة الضاحكة على وجه رسول الله r حتى كاد أن يُفْتَتَنَ الناس عن الصلاة ظناً منهم بأن رسول الله قد أَبَلَّ من مرضه وأنه يريد أن يدخل فيصلي معهم ولكنه أشار إليهم أن أتموا صلاتكم وأرخى الستر. ارتحل رسول الله من دنيانا هذه إلى الله وهو يحمل هذه اللوحة الأخيرة يقول لربه: لقد تركتهم يا مولاي وقد أصبح كلهم لا يعبدون إلاك، لا يعبدون غيرك، تحولوا من عبادة الأصنام والأوثان، تركتهم ركعاً سجداً يتجهون إليك، لا يدعون إلاك، لا يتقربون بالعبودية إلا لك يا رب العالمين. هذا هو العهد الأخير الذي ارتحل به رسول الله r والابتسامة تغالب آلام السكرات، هو العهد الذي أنتم أبطاله، العهد الذي نُسِجَ في خيال رسول الله لصورة أمته وكان أصحابه نموذجاً عن هذه الأمة وهم واقفون ركعاً سجداً لله سبحانه وتعالى فيا أخي المسلم، يا أخي المسلم، يا أخي المسلم العهد العهد الذي فارقك عليه رسول الله r وهو راضٍ يتبسَّم، لا تضيعوا هذا العهد، إن كنتَ شارداً إلى الآن عن التوجه إلى قبلة الله، عن الاستجابة لدعوة الله لاستضافتك فتب منذ الآن، جدِّدْ بيعتك لله منذ الآن، اتجه إلى الله عز وجل وكن واحداً ممن اشتركوا في رسم البسمة الصادقة على وجه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ساعة ارتحاله عن هذه الحياة الدنيا.


أقول هذا لكل أخٍ في الإنسانية، في الإسلام يسمعني أينما كان، يا هذا أنت عبد لله، ضع عبوديتك لله على مستوى التطبيق من حياتك، إن كنت لست عبداً فلك الحق أن تتمرد على صفة العبودية التي تلاحقك وإن كنت تعلم أنك لن ترحل إلى الله إلا وأنت كتلة ضعف، كتلة لا شيء، لن ترحل إلى الله إلا وأنت عبدٌ شئت أم أبيت فضع عبوديتك لله موضع التنفيذ، اتجه إلى الله بالصلاة التي يستضيفك إليها واذكر ولا تنس قوله عز وجل )إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً(، اذكر ولا تنس قول الله سبحانه وتعالى: )وأقم الصلاة لذكري(، كم هو حلو هذا الكلام؛ أقم الصلاة لتذكرني، أقم الصلاة لأذكرك، أقم الصلاة لكي تتعانق ذكراك مع ذكراي لك (أقم الصلاة لذكري). عباد الله هذه الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، تنهى عن الفساد وكلنا ذاك الذي يفر من الفساد، كلنا نسعى سعينا لتطهير مجتمعاتنا من الفساد فهلا التفتم إلى الدواء الذي يصفه لنا ربنا عز وجل (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)،


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم فاستغفروه يغفر لكم. 

تحميل



تشغيل

صوتي