مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 09/01/2009

دور المؤسسات الدينية تجاه غزة

الجمعة‏، 12‏ محرم‏، 1430 المواف ‏09‏/01‏/2009


الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


حقيقة لابد من بيانها وكشف الغطاء عنها حتى نتبينها وتتحمل هذه الأمة الإسلامية مسؤوليتها من وراء ذلك. إن المأساة الكبرى لا تتمثل في هذا الحصار الذي تطاول أمده على أهل غزة ولا في القتل الذي استحر ولا يزال بشيوخها أطفالها ونسائها البرآء وإنما تتمثل المأساة الكبرى في شيء آخر، تتمثل المأساة الكبرى في السبب الذي أودى إلى هذا المصير.


إن المأساة الكبرى تتمثل في أناس يزعمون أنهم لا يزالون مسلمين يمدون جسور الود والتواصل والقربى إلى أعداء الله عز وجل وأعدائهم وأعداء الإنسانية، هؤلاء الذين أصموا آذانهم عن أصوات الاستغاثة التي تتجه إليهم من إخوانهم في الإنسانية وفي الإسلام، يعرضون عن مد يد العون إليهم، يعرضون عن مد الاستنصار استجابة لرغائبهم مخالفين في ذلك، بل مخاصمين، حكمَ الله سبحانه وتعالى القائل: )لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ[ [الممتحنة: 1]، مخالفين بل مخاصمين في ذلك قول الله سبحانه وتعالى: )مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118]، مخالفين بل مخاصمين في ذلك قول الله سبحانه وتعالى: )وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْر} [لأنفال: 7]، مخالفين بل مخاصمين في ذلك قول الله عز وجل: )وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} [النساء: 75].


هؤلاء الذين يقفون من أوامر الله عز وجل وأحكامه الصريحة القاطعة موقف المخالف بل المخاصم كما ذكرت هو السبب في هذه المأساة ومن ثم فهي المأساة الكبرى. رأى العدو الأرعن أنه يقف بقدميه على أرض راسخة من رؤوس هؤلاء الذين يتظاهرون بالإسلام، رأى العدو الأرعن أنه يقف على أرض ثابتة مستقرة من رؤوس هؤلاء المسلمين الذين يدعمون ويؤيدون ويواصلون في الوقت الذي يعرضون فيه عن إخوانهم في الله عز وجل ويمزقون باستهانة بالغة أمر الله القائل: )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ[ [الحجرات: 10]، ينبغي أن نعلم أيها الإخوة أن المأساة الكبرى تتمثل في الينبوع والأصل ولا تتمثل في النتائج والفروع. فما المنجاة من هذه المصيبة، ما السبيل للتحرر من سبب هذه المأساة الكبرى؟ سبيل ذلك يا عباد الله، وها أنا أضع النقاط على الحروف، أن تتحرك هذه الأمة على محورين اثنين، أولهما المحور السياسي، ثانيهما المحور الديني.


أما المحور السياسي فهنالك بقايا من القيادات الراشدة تحركت ولا تزال للنهوض بهذا الواجب ابتغاء الترفع على هذه المأساة الكبرى، ولعلكم تعلمون أن سورية في مقدمة البلاد التي تحركت على كل الأصعدة وفي كل الاتجاهات في النطاق السياسي من أجل التخلص من هذه المأساة الكبرى التي سببت النتائج الكثيرة المؤلمة. أما التحرك على صعيد المحور الديني فلا يزال أمنية في النفس ولا يزال فكرة تراود الأذهان على الرغم من الضرورة القصوى التي تدعو إلى ذلك.


وأنا أيها الإخوة لا أعني بالتحرك على المستوى الديني الأنشطة التي يقوم بها الأفراد من أمثالي، لا أعني خطباً تُلْقَى ولا مواعظ تُسمَع ولا بيانات فردية تُكتَب فإن ذلك كله في الغالب يذهب أدراج الرياح، إنما أعني بالمحور الديني تلك المؤسسات الإسلامية التي يُفترض أنها تهيمن على قناعة الأمة وتستوثق من الثقة التامة بها، هذه المؤسسات هي التي ينبغي أن يتمثل فيها المحور الديني المتحرك، إنها لا تزال جاثمة ساكنة هادئة هدأة الموت.


المجمع الفقهي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي أين هو صوته؟ الجامع الأزهر الذي كان، وإنها لذكرى نرجوا ألا تكون قد طويت وذابت وذهبت مع الريح، الجامع الأزهر الذي كان صوتُه صوتَ الإسلامي المدوي على كل الأصعدة أين هو صوته، لا أعني الأفراد المتناثرين فيه، وإنما أعني صوت هذه المؤسسة، الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو اسم لعلكم سمعتم به منذ أيام وأنا أيضاً سمعت به منذ أيام وإنه لاسم كبير كبير ولا أدري أين يكمن مسماه، أين هو التحرك من هذه المؤسسات على الصعيد الديني الذي يوازي خط التحرك السياسي.


وعندما أقول التحرك الديني لا أعني بذلك البيانات التي يمتزج فيها الأسلوب السياسي بالأسلوب الديني، لا أعني الزفرات الاصطناعية أو الحقيقية التي يطلقها بعض هذه المؤسسات هنا وهناك وإنما أعني أن تجتمع هذه المؤسسات كلها على إصدار فتوى تعلن من خلالها حكم الله سبحانه وتعالى، تعلن من خلالها قرار الشريعة الإسلامية في حق من يمدون يد التواصل والود والقربى إلى أعداء الله وأعداء الإنسانية وأعداء إخوانهم في الدين، أعني بتحرك هذه المؤسسات فتوى ينبغي أن تصدر واحدة متفقة باسم هذه المؤسسات تنطق بحكم الشريعة الإسلامية في حق هؤلاء الإخوة لنا في الإنسانية وفي الدين يذبحون بدون جريرة، تدور رحى القتل عليهم رجالاً شيوخاً نساءً أطفالاً دون حساب مخالفين، بل كما قلت لكم مخاصمين قرار الله عز وجل ومخاصمين وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: )المؤمنون في توادهم وتحابهم كمثل الجسد الواحد إن اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى[. والقائل: )المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه[. المجمع الفقهي، ما هي مهمته؟ كانت مهمته ولا تزال إصدار الفتاوى وإنه إلى اليوم ماضٍ في إصدار الفتاوى في القضايا المنثورة الجزئية في الشريعة الإسلامية والتي أشهد أنها لم تقدم الأمة إلى الأمام قُدُمَاً ولم تُقَوِّم لها اعوجاجاً. أما هذا الأمر المصيري، أما هذا التحرك الذي كلف الله سبحانه وتعالى به هذه المؤسسات باسم الأمة الإسلامية جمعاء فإن المجمع الفقهي عن هذا الواجب غافل بل إنه لراقد بل إنه ربما قد حُكِمَ عليه بالرقود، المجمع الفقهي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي.


تعالوا نتساءل يا عباد الله، ما وظيفة منظمة المؤتمر الإسلامي بعد أن يرقد رقدة الموت عن النطق بكلمة في مجال الفتوى أما هذه المأساة المدمرة؟ ما وظيفتها؟ لا وظيفة لها ولا معنى لوجودها قط. الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، هذا الاسم ينسجم انسجاماً تاماً مع فتوى ينبغي أن تصدر من هذا الاتحاد ولكنه لا ينسجم أبداً مع تحرك أعضاء هذا الاتحاد يميناً وشمالاً حركات سياسية تنافس أو تسابق أو تزاحم الناس المختصين بالسياسة والذين يتحركون بطبيعة الحال في هذا الصدد وعلى هذا المستوى. مؤسسة الأزهر، فيم هذا الصمت القاتل، ومرة أخرى أقول لكم لا أعني بالأزهر نثار الأشخاص الذين يتكلمون واحد من هنا وواحد من هنا وهناك وإنما أعني المؤسسة متمثلة في شيخها، متمثلة في إدارتها.


الأمة الإسلامية تنتظر من ينطق باسمها عن حكم الله سبحانه وتعالى في هذا الأمر المصيري. ولربما تتساءلون فلو فرضنا أن هذه المؤسسات قامت بواجبها وأصدرت مجتمعة الفتوى المعروفة التي لا يمكن أن يختلف فيها اثنان لأن كتاب الله عز وجل صريح في بيان هذا الحكم ولأن كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم صريح في ذلك كله، لعلكم تتساءلون فماذا عسى أن تفيد هذه الفتوى؟ نعم ستفيد.


فرق كبير بين أفراد يتكلمون من هنا وهنا وهناك على منبر مثل هذا المنبر وبين مؤسسات تعبر عن مشاعر الأمة الإسلامية، تعبر عن عقيدة الأمة الإسلامية، تعبر عن التزامات الأمة الإسلامية، عندما تستعلن هذه المؤسسات بهذه الفتوى وتعلن حكم الشريعة الإسلامية باسم الأمة الإسلامية فإن هؤلاء الذين كانوا ولا يزالون يتجاهلون حكم الله وهم يتظاهرون بالإسلام والذين كانوا ولا يزالون يمدون أيدي الود والتناصر والمحبة إلى أعداء الله وأعدائهم والذين يعرضون عن صيحات إخوانهم المستغيثة بهم لابد أن يرعووا، لابد أن يتضاءلوا ولابد أن يتحركوا وعندئذٍ إما أن يكرمهم الله بالهداية، وهذا ما ننتظره وندعوا به، وإما أن يرحلوا بقرار من أمة الإسلام، فإما الهداية، وهذا ما نأمله، وإما الرحيل وهذا ما لا يمكن أن نشك فيه بعد أن تقوم هذه المؤسسات بواجباتها. مرة أخرى أقول لكم أيها الإخوة المجمع الفقهي الذي أصدر الكثير والكثير من الفتاوى التي لم تحرك ساكناً ولم تقوم اعوجاجاً أين هو صوته المدوي اليوم؟ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ما ينبغي أن يغطي نفسه بحركات من بلد إلى بلد وإنما ينبغي أن يصدر الفتوى التي تنبئ عن حكم الشريعة الإسلامية في هذا الأمر.   


أما بعد يا عباد الله، إن عزَّ العثور على السبيل الذي ينهي هذه المأساة فالسبيل الأكبر والأعظم كان ولا يزال مفتوحاً أمامنا ولا جدوى من اختراق أو السير في السبل كلها إن لم نسلك هذا السبيل الكبير؛ سبيل الرجوع إلى الله، سبيل التوبة النصوح على أعتاب الله ثم التضرع والالتجاء الدائم إلى الله عز وجل لاسيما في الأوقات الخاصة كأوقات السحر.


أوصي نفسي وأوصي كلاً منكم بالتوبة والإنابة إلى الله عز وجل ثم إني أوصي نفسي وأوصي كلاً منكم بالوقوف موقف الذل والانكسار على أعتاب الله، على باب الكرم الإلهي، ندعوه ونستغيث برحمته وجوده دون توقف، نجعل من ذلك ورداً دائماً ولسوف تجدون الاستجابة، إن لم نحن أهلاً لذلك ففينا من هؤلاء الذين وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم رُبَّ أشعث أغبر مدفوعاً في الأبواب ذي طمرين باليين لو أقسم على الله لأبر قسمه، فينا أيها الإخوة من هذا القبيل كثير، لئن لم يستجب الله دعاءنا لأننا أهل للاستجابة فلسوف يستجيب دعاءنا بحرمة هؤلاء الذين تحدث عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. أين أنتم من قول الله عز وجل: )إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ[ [لأنفال: 9]، أين أنتم أيها الإخوة من قول الله عز وجل: )وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ، فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 42-43].


أنا أدعو نفسي في هذا المكان وأدعوكم وأدعو القادة وأدعو كل من يسمع كلامي إلى التوبة النصوح بين يدي الله ثم إلى التضاؤل على أعتاب الله والانكسار والذل أمام باب الكرم الإلهي.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم فاستغفروه يغفر لكم.

تحميل



تشغيل

صوتي