مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 31/10/2008

مزايا الشام وأهلها

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


دعوني أفتتح حديثي إليكم اليوم بطائفة من الأحاديث النبوية الصحيحة التي يحدثنا فيها رسول الله عن المزايا التي اختص الله بها الشام، )يروي العرباض بن سارية أن رجلاً سأل رسول الله فقال يا رسول الله اختر لي بلداً من بعدك فإني لو علمت أنك تبقى لن أختار عن قربك بديلاً فقال له عليه الصلاة والسلام: عليك بالشام فإن الله سبحانه وتعالى جعلها خيرة أرضه يجتبي إليها خيرة عباده وإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله[.


)ويروي عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال: بينا أنا نائم إذ رأيت كأن عمود الكتاب استُلِبَ من تحت وسادتي فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع عُهِدَ به إلى الشام ألا إن الأمن والأمان عندما تكون الفتن في الشام[.


)ويروي أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى على أرض يُقَال لها الغوطة إلى جانبها مدينة يقال لها دمشق هي خير منازل المسلمين يومئذ[.


يا عباد الله هذه من أصح الأحاديث التي رُوِيَتْ عن رسول الله في بيان المزايا التي اختص الله عز وجل بها الشام ولقد تبين لنا أن دمشق هي قلب الشام. ويشاء الله عز وجل أن يرينا مصداق كلام رسوله في كل عصر، وها نحن نرى تجسيد ما قاله رسول الله: )ألا إن الأمن والأمان عندما تكون الفتن في الشام[ في هذه الأسابيع القريبة التي مرت، سلسلة متوالية من المحاولات التي استهدفت أمن هذه البلدة واستهدفت إقرار هذه البلدة عن طريق العمل على بث القتل والرعب فيما بين بيوتاتها البريئة الآمنة، أما جنود هذه السلسلة من المحاولات فمخالب من مخالب الوحشية الأمريكية، وأما الهدف من وراء هذه السلسلة التي تمت فهو ما قد قلت لكم تحويل أمن هذه البلدة إلى فوضى واضطراب وتمزيق استقرارها وتحويل هذا الاستقرار إلى بؤرة يشيع فيها التطرف والإرهاب ولكن مصداق كلام رسول الله تجسد، باء أبطال، بل جنود، هذه السلسلة بالخزي والخيبة وارتد الكيد إلى نحورهم وأحيط بهم وأصبحوا في قبضة العدل والقصاص، فهذا يا عباد الله مظهر من مظاهر نبوة المصطفى وهو تصديق لما قاله، والتاريخ كله من قبل وإلى هذا اليوم يصدق المصطفى بل يسجل على سمع الدهر كله صدق هذه المزية التي أنبأنا بها رسول الله.


ولكن الذي فوجئ به الناس بعد ذلك أن مراوح أمريكية اتجهت إلى هذه البلدة فأمطرت وابلاً من أسباب دمارها بين البيوتات الآمنة المطمئنة البريئة وذهب الناس في تفسير هذا الذي فوجِئْنَا به يميناً وشمالاً ولكن التفسير واضح يا عباد الله، إن الطغيان الأمريكي عندما راقب ونظر فوجد أن جنوده قد باؤوا بالخيبة والخزي وأنهم قد أُحيطَ بهم وأن الكيد عاد فاستقر في نحورهم قام الغيظ ولم يقعد بين جوانح الطغيان الأمريكي والتهب الحقد في نفس هذا الطغيان فكان أن جعل من عمله الإجرامي هذا رسالة تعزية أرسلها إلى جنوده لعلها تُبْرِدُ لظى الألم الذي انتابهم ولعلها تنسيهم الخزي الذي وقعوا فيه، إنها رسالة تعزية يا عباد الله وإنها وسيلة لإشفاء الغليل، أجل هذا هو التفسير الذي لا تفسير من دونه. عندما اغتاظ الطغيان الأمريكي من أن جنودهم باؤوا بهذا الخزي المرةَ تِلْوَ المرةِ تِلْوَ المرة كان لابد أن تهتاج لظى الحقد والضغينة على الإنسانية، على الأمن والطمأنينة، على الاستقرار ومن ثم كان لابد أن يتم إشفاء هذا الغليل عن طريق هذه الجريمة التي كانت ضحاياها بيوتاً برآء آمنين. هذه الحقيقة ينبغي أن نعلمها يا عباد الله.


وإني لأقول بعد ذلك من على هذا المنبر في هذا المسجد الذي سجل منذ أقدم العصور إلى يومنا هذا مظاهر النصر الرباني الذي أكرم الله به أمتنا هذه، أقول إن أمتنا في شامنا هذه كانت ولا تزال تعكف على نسج بُرْدٍ من الحب والود والتآلف والبر تكسو به أمتنا في شامنا هذه وتصدره رسالة لا أقول إلى العالم الإسلامي فقط بل إلى العالم كله. أما سَدَى هذا النسيج فهو صدق العبودية لله، هو إخلاص هذه الأمة في محبة الله عز وجل وتعظيمه والالتزام ما استطاعت بأمره، وأما لُحْمَةُ هذا النسيج فهو ما يتفرع عن ذلك من الحب الذي ينبغي أن تنشره هذه الأمة فيما بينها وأن تصدره لجيرانها بل للعالم كله شرقيه وغربيه، شعاره ودافعه في ذلك قول المصطفى صلى الله وسلم عليه فيما قد صح عنه: )الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله[.


شعارنا الثاني الذي نرفعه فوق رؤوسنا قادة وأمة هو قول المصطفى فيما رواه مسلم في صحيحه وغيره: )من خرج من أمتي على أمتي لا يفرق بين برها وفاجرها ولا يفي بذي عهدها فليس مني[. هذه هي رسالتنا، وإذا تبين لنا ذلك فإني أقول، ولست أنا الذي أقول، بل إن أمتنا هذه كلها تقول إن بلسان الحال أو بلسان المقال: إنها لن تتردد في بتر أي يدٍ تمتد لتعبث بهذا النسيج الذي هو رسالتنا، لتعبث بنسيج الود والتآلف والحب الذي يمتد منه لباس وارف لشامنا هذه والذي نجعل منه رسالتنا نصدرها إلى العالم كله.      إن الذين يحاولون أن يعبثوا بنسيجنا هذا وأن يُحَوِّلُوا ما نتمتع به من الأمن ورسالة الحب والود والوئام إلى تطرف وإرهاب تُفَجَّرُ به أرضنا هذه فإن هذه الأمة لن تتردد في بتر هذه اليد التي تسعى إلى ذلك. هذه الرسالة كانت ولا تزال أيها الإخوة أنشودة أمتنا هذه، وكيف تنساها وعلى أساسه أقام الله عز وجل وجودنا الحضاري، على أساسه أقام الله سبحانه وتعالى كينونتنا فيما يتعلق بهويتنا التي نعتز بها، كيف يمكن أن نتخلى عن رسالتنا هذه أو أن ننساها أو أن نوليها ظهورنا ونحن نتلو كتاب الله سبحانه وتعالى ونردد قوله: )اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَالنُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ[، وَلِيُّنَا الله ولن يكون لنا وليٌّ غيره لا من قبل ولا من بعد إطلاقاً.


والكلمة الأخرى التي ينبغي أن أقولها هي أن أذَكِّر نفسي وأذَكِّر أمتي وأذَكِّر قادتنا بألا نبتغي النصر إلا من معين واحد، ألا وهو معين الانضباط والارتباط والتشرف بذل العبودية لله سبحانه وتعالى، أوصي نفسي وأوصي أمتنا وقادتنا بأن نقف دائماً أمام محراب العبودية متمثلين قول الله عز جل: )إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[، نعم نحن مقصرون في جنب الله ومن ذا الذي يستطيع أن يؤدي حقوق الربوبية كاملة لله ولكنا نمد جسوراً بيننا وبين مولانا عز وجل، جسوراً من ذل العبودية له، جسوراً من الإيمان به، جسوراً من البيعة له نجددها في كل مناسبة أننا على العهد، لن ننحرف عن هذا العهد يمنة ولا يسرة ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً ونردد بعد ذلك قوله: )ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين[،


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم. 

تحميل



تشغيل

صوتي