مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 24/10/2008

سكرة الموت تحيق بالنظام الرأسمالي

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


يقول لنا ربنا سبحانه وتعالى في محكم تبيانه: )سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ[ وها هي ذي الآيات الربانية التي أنبأ عنها ربنا سبحانه وتعالى تتوالى علينا ما بين الحين والآخر كي يستيقظ السادر وكي يتنبه الغافل ولمَّا. آخر هذه الآيات التي ينبئنا عنها كتاب الله سبحانه وتعالى هذه السكرة، سكرة الموت، التي حاقت بالنظام الرأسمالي الاقتصادي العليل. هي آخر آية من الآيات التي أنبأنا عنها بيان ربنا سبحانه وتعالى.


ولقد سمعتهم يسمونها أزمة، يسمون هذه السكرة التي حاقت بهذا النظام أزمة والأزمة يا عباد الله حالة تأتي وتمر، تأتي وتنقضي، أما هذه فهي سكرة الموت حاقت بهذا النظام العليل الذي كان يعاني من المرض المتوضع في كيانه وذاته واليوم يشهد العالم حالة النـزع الذي يعاني منها.


ولقد سمعت من يقول إنها أخطاء تسربت إلى هذا النظام والحل أو العلاج يكمن في انتشال هذه الأخطاء وإزاحتها والأمر ليس كذلك يا عباد الله، إن الخطأ يتمثل في النظام ذاته، فهذا النظام الرأسمالي ذاته هو الخطأ، والإنسان الذي مُنِيَ بداء ما ينبغي أن يبحث عن الأخطاء الكامنة في الداء إن الداء بحد ذاته هو البلاء، هذه الحقيقة إن لم يدركها أولئك الناس الذين يعيشون بعيدين عن معرفة الذات ينبغي أن لا تغيب عنا نحن الذين شرَّفَنَا الله سبحانه وتعالى بالإسلام.


ولقد قالوا إنهم هناك في الغرب ضخوا، ولا يزالون يضخون، مئات الملايين بل ربما آلاف الملايين من الدولارات من أجل التخلص من هذه الأزمة والتغلب عليها وهذه الظاهرة تضحك وتزج عالمنا هذا في مزيد من الأسى والألم بسبب سوء الفهم بعد سوء التعامل. هذا الذي يقولون أشبه ما يكون بذاك الذي تخرق ثوبه الذي يرتديه فعمد فاقتطع جوانب من ثوبه هذا ليستر به الخرق، ماذا عسى أن يصنع هذا العمل في كيان هذا الإنسان الأخرق، رجل أخرق يعاني من الخرق في ثوبه ولكي يسد هذا الخرق يقتطع من ثوبه ذاته ما يستر به خرقه. هذا تجسيد للمعالجة التي يعالج بها أولئك الناس الذين نسأل الله عز وجل لنا ولهم الهداية.


أيها الإخوة أين يكمن الخطأ الذاتي في هذا النظام الذي هو ذاته من أوله إلى آخره خطأ وبُنِيَ على خطأ؟ يكمن الخطأ في عبادة النقد، هذا الذي آل إليه أمر الغرب اليوم، أجل إنه عبادة النقد، هذه العبادة التي استجرت إلى المتاجرة بالنقد مفصولاً عن المنفعة التي ما خُلِقَ النقد إلا ضمانة لها، ما أوجد الله سبحانه وتعالى النقد إلا سبيلاً إلى المنفعة ولكن عُبَّادَ النقد راحوا يتاجرون بالنقد ذاته بعيداً عن المنفعة.


هذا الأمر استجر إلى شيء آخر، استجر إلى ما يسمونه هم هناك خداع النقد، الخداع الذي يتسابق عليه هؤلاء الذين يلهثون في أسواق الأوراق المالية، أجل خداع النقد، وما أدراك ما خداع النقد، لولا أن الموقف لا يتحمل التفصيل والتطويل لشرحت لكم هذا الخداع. خداع النقد هذا كان من نتائجه انتزاع الثقة بين من يتعاملون إن بالتجارة أو الصناعة أو الأوراق المالية أو الأسهم، سمها ما شئت. زالت الثقة يا عباد الله، ذلك أن رائحة الخداع أصبح يزكم أنوف الذين يتعاملون بالنقد وليس بالمنفعة في هذه الأسواق.


لما أصبح الحادي الذي يحدو رجال الأعمال ورجال الاقتصاد إلى المنافسة والتسابق متمثلاً في الجشع، متمثلاً في الطمع، كانت النتيجة التصادم وكان المخلص من التصادم الخداع، خداع النقد وكانت نتيجة خداع النقد أخيراً زوال الثقة، وزوال الثقة يعني انتهاء هذا النظام إلى ساعة النـزع، إلى حالة السكرات التي لابد أن تعقبها النهاية وأن يعقبها الموت.


وسمعت أصواتاً ترتفع على استحياء تدعو إلى التجربة الثالثة الباقية التي لا رابع لها، لقد تم تجربة الاشتراكية المتطرفة التي تعلمونها بالأمس، وتمت تجربة النظام الرأسمالي العليل الذي نرى نهايته اليوم فتعالوا نتجه إلى النظام الثالث الباقي فلنجربه هو الآخر، سمعتُ من يدعو إلى هذا، وإنما يقصدون بذلك النظام الإسلامي الاقتصادي.


وأنا أسأل يا عباد الله لأجيب ترى هل سيجد العالم الغربي في التجائه إلى النظام الإسلامي الاقتصادي منجاةً من هذا البلاء الطام، هل سيجد العالم الغربي في لجوئه إلى النظام الاقتصادي الإسلامي ما يجعلهم يتنفسون الصعداء وينتعشون ويرون البديل المسعد لهم؟ لا أيها الإخوة، لن يجدوا في هذا النظام ما يحلمون به قط، لماذا؟ لأن النظام الاقتصادي الإسلامي إنما يُسْتَنْبَت في تربة الأخلاق التي هي حزام الاقتصاد أياً كان مذهبه، والأخلاق إنما تُسْتَنْبَت في تربة العقيدة، في تربة الإيمان بالله عز وجل، في تربة معرفة الذات ومعرفة حقيقة المُكَوَّنَاتِ ومُكَوِّنِهَا ومعرفة قصة هذه الرحلة الإنسانية التي يقف الإنسان اليوم على رأسها ولا يستطيع أن يحيد عنها شاء أم أبى.


إذا لم يتمتع العالم الغربي أو الإنسان بهذه المعرفة، معرفة الذات، معرفة هذه المُكَوَّنَات ومعرفة مُكَوِّنِها ومعرفة منهاج هذه الرحلة التي نحن بصددها والتي لابد أن تكون نهايتها وقفةً بين يدي المُكَوِّنِ الأجلّ مولانا وخالقنا عز وجل، إذا لم يوجد هذا الاعتقاد فهيهات أن توجَدَ الأخلاق التي هي حزام النظم الاقتصادية أياً كانت.


يا عباد الله الأخلاق يمكن أن توجَد ويمكن أن يتعامل بها الناس بعضهم مع بعض عندما لا يكلفهم التعامل مع الأخلاق أي تضحية ولكن عند التعامل مع هذا الاقتصاد الغربي، النظام الرأسمالي، لا يمكن إلا أن تغيب الأخلاق طالما لم يوجد هذا الإيمان الذي يستجره ويوجده، ذلك لأن التعامل الاقتصادي في حياة من لم يعرفوا ربهم وخالقهم لابد أن يقوم على دعامة الجشع، لابد أن يقوم على دعامة الطمع. وعندما يكون الحادي في سوق الأموال إنما هو الجشع وهو الطمع فكيف تتصور أن يكون هنالك تعاون حقيقي تكلؤه الأخلاق الراشدة؟ لا يمكن. هذا يتناقض مناقضة حادة مع منطق الجشع، مع منطق الطمع.


هذه الأسواق المالية ليست قائمة على منهج يسعد الأمة أو العالم وإنما هي قائمة على الصراع العجيب الذي هو أخطر بكثير من صراع الحروب. ولقد دخلت مبنى البورصة في نيويورك ورأيت الوجوه الشاحبة ورأيت الأحداق الجاحظة التي تبسمرت وانحبست أمام الشاشات التي تتراقص فيها الأرقام صاعدة هابطة، وما ذُهِلْتُ لأمر كذهولي لهذا المنظر، ثم رأيت إلى جانب هذا المبنى مبنىً للإسعاف، ما حاجة الإسعاف؟ ذلك لأن في كل يوم لابد أن يُسْتَجَرَّ عددٌ من هؤلاء الناس في حالات بين الموت والحياة.


هذه صورة أيها الإخوة للنظام الاقتصادي الرائد إنما يحدوه الجشع، يحدوه الطمع، يحدوه تربص الناس بعضهم ببعض ومن ثم لابد أن يتحطم هذا النظام بين هؤلاء المتصارعين، وهذا ما نشهده اليوم وهذا تحليل علمي مختصر يا عباد الله لهذا الذي نراه، المهم أن علينا أن نأخذ العبرة.


نحن ولله الحمد لم تُقَطَّع السبل بعد بيننا وبين خالقنا عز وجل، نحن لا نزال نعلم هوياتنا عبيداً مملوكين لله، مازلنا نعلم حقيقة هذا الكون الذي أقامنا الله فيه، مازلنا نعلم وظائفنا التي أقامنا الله عز وجل فيها ومازلنا نعلم رقابة الله عز وجل لنا في السر والعلن، ومازلنا نعلم النهاية، الوقفة التي لابد منها بين يدي الله عز وجل. فهلا اقتطفنا من هذا البلاء الماحق الذي نراه في الغرب عبرة ودرساً لنا.


نظامنا الاقتصادي الإسلامي إن استُثْمِرَ هنا يُثْمِر، ذلك لأنه يُسْتَنْبَتُ في تربة الأخلاق وليس في تربة الجشع والطمع والصراع ومن ثم فإن تربة الأخلاق تُسْتَنْبَت في مجال العقيدة ونحن ولله الحمد مازلنا نتمتع بالعقيدة الإسلامية الراشدة. فيا قادة هذه الأمة استيقظوا من سباتكم، يا قادة هذه الأمة قفوا أما كلام الله عز وجل باعتبار واصطباغ بحقيقة هويتنا أمام الله ألا وهو قوله عز وجل: )سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ[ وقد تبين لنا أنه الحق )أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ[ بلى يا رب إنك على كل شيء شهيد وها نحن نتبع شهادتنا بشهادتك وها نحن نعلن عن عبوديتنا لك وأن لا نظام يُسْعِدُ هذه الأمة في دنياها وفي عقباها إلا نظام الالتزام بهديك.


أقول قولي هذا وأستغفر الله. 

تحميل



تشغيل

صوتي