مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 09/05/2008

واقع المسلمين اليوم

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


المسلمون اليوم يزيدون على ثلث العالم المعمور في بلاد الله الواسعة، وشعاع الحضارة الإسلامية يسري إلى عمق بلاد الغرب بشطريها الأمريكي والأوروبي، والمسلمون جعلهم الله عز وجل أغنى الناس بما أكرمهم في أوطانهم من كنوز المدخرات والأموال الظاهرة والباطنة ومع ذلك فإن كثيراً من قادة المسلمين اليوم يركنون إلى الفرقة والتدابر.


وإذا ذُكِّرُوا بأمر الله سبحانه وتعالى القائل: )وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا[ [آل عمران: 103] اعتذروا بأن التحديات التي تواجههم لا يستطيعون صموداً أمامها، وأكثر قادة المسلمين اليوم يركنون إلى دعم أعدائهم الذين يمعنون في اغتصاب الحقوق واستلاب الأوطان وقتل البرآء ومحاصرتهم في أوطانهم.


فإذا ذُكِّرُوا بقول الله عز وجل: )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ[ [الحجرات: 10]، وإذا ذُكِّرُوا بقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: )المسلمون في توادهم وتحاببهم كمثل الجسد الواحد إن اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى[  اعتذروا بأن التحديات التي تأتيهم من وراء البحار أقوى منهم وأنهم لا يستطيعون صموداً أمامها، أكثر قادة المسلمين اليوم يرون أعداءهم وهم يمعنون في وضع أيديهم على ممتلكاتهم ومدخراتهم، يمعنون في تجريدهم عن كل ما يملكون، يمعنون في رسم الخطط المتلاحقة للقضاء على قيمهم ومبادئهم ومع ذلك فهم عاكفون على دعم هذا العدوان والخضوع لمؤامراته.


فإذا ذُكِّرُوا بقول الله عز وجل: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ[  [الممتحنة: 1] عادوا يعتذرون بأن التحديات التي تحيط بهم أقوى من صمودهم ومن ثم فإنهم لا يستطيعون إلا استسلاماً لذلك كله.


تعالوا يا عباد الله وهذه هي حال المسلمين اليوم نقارن بين المسلمين والإسلام في الأمس الدابر وبين حال الإسلام والمسلمين اليوم، تعالوا نقارن بين ذلك الفجر البعيد البعيد يوم أطل الإسلام خيطاً دقيقاً من النور في الجزيرة العربية وسط بحر من الظلام الدامس، يوم كانوا المسلمون قلة ضعيفة فقيرة لا يؤبه بها محصورين داخل جزيرتهم العربية وبين الإسلام الذي يتلألأ نوره فوق كل صعيد والتي تسري أشعته الحضارية كما قلت لكم إلى عمق بلاد الغرب بشطريها الأمريكي والأوروبي، تعالوا نقارن بين ذلك الأمس الدابر يوم أطل الفجر الإسلامي مع بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم والدنيا كلها قيودٌ من عداوة تتربص بهذا الإسلام ذي النور البسيط وذي الأعداد البسيطة من المسلمين، مسلمون والعداوة مستشرية داخل جزيرتهم العربية، مسلمون والحضارات الإنسانية كلها تعلن العداوة والبغضاء لهم، مسلمون والحضارات قيد تحيط بهم من الشمال والجنوب والشرق والغرب، واليوم الإسلام كما قلت لكم قويٌ في ربوعه وخارج ربوعه، ما من أسبوع يمر إلا وثلةٌ من التائهين الجانحين يدخلون في دين الله عز وجل وتشهد ديار الغرب على ذلك في كل أسبوع.


تعالوا نقارن بين قوة الإسلام اليوم وبين ضعفه بالأمس عندما انبزغ فجره نوراً من الخيط بسيطاً كما قلت لكم، هل شكا أولئك المسلمون من هذا الذي يسمونه اليوم بالتحديات، هل قال المسلمون القلة وهم ينقذفون إلى شرق العالم وغربه يحملون رسالة الله عز وجل إلى العالم ويقتحمون أسوار الدنيا، هل شكوا التحديات التي يتدلل بها اليوم كثيرٌ من قادة المسلمين على الله، لم تكن هذه الكلمة معروفة في قاموسهم، التحديات، ولم يشعروا بها قط في يوم من الأيام أبداً، رسالة حُمِّلُوهَا، كان ذلك الشرف يمثل النشوة التي طافت برؤوسهم، أنستهم الضعف، أنستهم القلة، أنستهم العجز، أنستهم كل شيء إلا شرف النهوض بهذه الرسالة التي حملهم الله عز وجل إياها، جاءتهم التهديدات.


نعم ولكن هذه التهديدات ذابت واضمحلت وسقطت في ضرام قول الله سبحانه وتعالى: )وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ [آل عمران: 139]، جاءتهم التهديدات من الحضارة الساسانية والحضارة الرومانية واليونانية، جاءتهم التهديدات تترى ولكن هذه التهديدات كلها سقطت في ضمار قول الله سبحانه وتعالى: )وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[ [الحج: 40].


قارنوا يا عباد الله بين الاستخذاء الذي نراه أو نسمعه اليوم في عهدٍ الإسلام فيه يتلألأ على كل صعيد وحضارة الإسلام تعلن عن نفسها في كل رَبْعٍ من ربوع العالم ومع ذلك فالكثرة الكاثرة من قادة المسلمين تفيض قلوبهم هلعاً مما يسمونه التحديات التي تواجههم ومن ثَمَّ فهم مستسلمون لعدو الله وعدوهم محجوبون عن قوله الله عز وجل: )لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ[ [الممتحنة: 1]، ومع ذلك فإنهم يقدمون قواهم وممتلكاتهم عربوناً لأعدائهم كي يزيدوا إمعاناً في ظلم البرآء وكي يزيدوا إمعاناً في قتل البرآء رجالاً ونساءً وأطفالاً وليزيدوا إمعاناً في محاصرة الناس داخل أوطانهم، لماذا؟ لأن هنالك تحديات لا يستطيعون اقتحامها، هذا هو واقع الإسلام اليوم وهذا ويا للأسف واقع كثيرٍ، لا أقول كل، كثيرٍ من القيادات الإسلامية في العالم، تحديات! كلمة لا يعرف قاموس التاريخ الإسلامي ترديداً لها أبداً، كلمة لم يدنس لسان الإسلام ولا ألسنة المسلمين أنفسهم بها في يوم من الأيام في عهودنا الغابرة قط، لكنها اليوم ولأول مرة تطرق أسماعنا مظهراً من مظاهر الدلال على الله، مظهراً من دلال الكسل عن النهوض بالرسالة التي شرفنا الله سبحانه وتعالى بها، تحديات تأتينا من وراء البحار!.


لا يا عباد الله، ليست تحديات تأتينا من شرق ولا غرب وإنما هي تكمن في نفوسنا نحن، إن هذه التحديات تنبعث من نفوس مَنْ يتحدثون عنه ومن يرددونها، ما ينبغي أن نظلم الحقائق، عندما يهون الإنسان على نفسه يهون على أعدائه، عندما يذل المرء في حق نفسه فإنه يبعث رسائل الذل في حق نفسه لأعدائه، هذا هو الواقع يا عباد الله والمرء كما يقول المثل العربي حيث يضع نفسه، فإن وضع الإنسان نفسه في موضع الكرامة والسمو وضعه الله عز وجل في هذا الموضع الذي اختاره لنفسه، وإن أبى الإنسان إلا أن يسقط نفسه ويجعلها تتربع في أودية الذل والمهانة فلا شك أنها رسالة إلى الآخرين، إلى أعدائه، أن يعاملوه بمثل ما يعامل به نفسه، ربنا سبحانه وتعالى كرمنا وأعلن عن هذا التكريم في محكم تبيانه: )وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً[ [الاسراء: 70].


ربنا سبحانه وتعالى بعد أن كرم هذه الخليقة بمجملها شرفنا نحن بحمل هذه الرسالة إلى العالم كله، رسالة السمو إلى الألق الحضاري الإنساني الصافي عن الشوائب، رسالة الأخوة الإنسانية التي تمد آصرة الود ووشيجة القربى داخل الأسرة الإنسانية جمعاء، شرفنا الله بهذا كله وأكرمنا بكنوز من المال لم يكرم بها غيرنا ومتعنا بقوةٍ معنوية ومادية لم يكرم بها أحداً سوانا، ورثنا ذلك كله، ورثنا الكنوز التي نتربع عليها، ورثنا العزة التي كم وكم انتشت رؤوسنا بها ومع ذلك فإن نظرة واحدة إلى العدو المتربص بالقيم وبالإنسانية وبالحقوق جعلت إخوةً لنا تهلع قلوبهم وترتعد فرائصهم من هذا الذي يعادينا ويبعث تهديداته إلينا وهو ذلك الذي لا يملك أمام أمر الله وأمام تشريف الله لنا مثقال نقير إطلاقاً، فاضت قلوبنا رعباً من هذا العدو الذي هو عبد ذليل من عباد الله ولم تفض قلوبنا ثقة الله عز وجل القائل: )وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ[ [الحج: 40]، لم تفض قلوبنا ثقة بوعد الله سبحانه وتعالى القائل: )وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ [آل عمران: 139]، لم نقف وقفة اعتبار أو دراسة أما قول الله عز وجل: )هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ[ [آل عمران: 119-120] ذلك هو المرض العضال الذي نعاني منه، العدو الذي يرسم الخطط ويبعثها إلينا من وراء البحار متحالفاً مع الصهيونية العالمية أقل وأقل من أن تكون خططه ذات فاعلية مهما كانت قليلة ولكن المصيبة تكمن في نفوس أولئك الذين أصابوا أنفسهم بميسم الذل وأحضعوا رؤوسهم لهذا الذل وحكموا على أنفسهم بذلك فكان لابد أن يحكم العالم عليهم بمثل ما حكموا على أنفسهم به، هذه خلاصة الأمراض التي نعاني منها وهذا هو الدواء الماثل أمامنا يا عباد الله.


والإسلام قبل هذا الداء وبعده عزيز لا يذل، قوي لا يضعف، متسامٍ لا يُهْزَم بشكل من الأشكال والدليل على هذا يا عباد الله أن حرب أعداء الإسلام للإسلام إنما يندفعوا إليها بسائق خوف منه لا بسائق حقد عليه ومن ثم فهو يتحرك في عدواته للإسلام والمسلمين بالأساليب التي تعرفونها حركة مذبوح وحركة المذبوح لا يمكن أن تنجح ولكن بشرط أن يعي المسلمون مكانتهم وأن يرتفعوا إلى الشأو الذي أعزهم الله عز وجل به وأن يصحوَ قادةُ المسلمين من حولنا إلى الحق الذي حملهم الله عز وجل إياه.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي