مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 28/03/2008

رسالتنا وواجبنا وشعارنا

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


ليس في الرسل والأنبياء والمقربين من عباد الله جميعاً مَنْ نَوَّهَ كتاب الله سبحانه وتعالى بمكانته وتبجيل الله له ومحبته له والالتزام بحمايته من كل سوء كمحمد بن عبد الله خاتم الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليه وعلى أصحابه، فربنا هو القائل: )وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا[ [الطور: 48] أي فإنك مكلوء بحمايتنا ورعايتنا، وربنا عز وجل هو القائل عنه: )فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ[ [الحجر: 94] )إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ[ [الحجر: 95] لن ينالوا منك منالاً قط، وهو القائل له: )وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ[ [المائدة: 67]، السؤال الذي يقفز إلى ذهن كلٍّ منا يا عباد الله هو: إذاً فلماذا أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناولته الألسن بالسخرية ونال منه من أراد أن ينال من أعدائه المشركين وغيرهم؟ أفكان كثيراً أن يكرمه الله عز وجل وهو القائل له: )فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا[ [الطور: 48] بالحماية من هؤلاء الذين آذوه؟ أفكان كثيراً أن يحميه الله سبحانه وتعالى من ألسن المستهزئين والساخرين وهو القائل له: )إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ[ [الحجر: 95]؟ فما الجواب عن هذا يا عباد الله؟


تعالوا نتأمل في حكمتين اثنتين تكمنان وراء هذا السؤال الذي يقفز إلى ذهن كل واحد منا، أما الحكمة الأولى فهي أن رسول صلى الله عليه وسلم علم أنه فاتحة الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى في رحاب العالم كله وأن سلسلة الدعوة إلى الله عز وجل ستستمر من بعده إلى قيام الساعة فهو فجر الدعوة الإسلامية بعد غيبوبة زمن ابتعد فيه الرسل وتلبثوا عن الناس، علم الله سبحانه وتعالى أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو إمام الدعاة إلى الله عز وجل وأن سلسلة الدعاة والمبلغين عن الله عز وجل ما ينبغي أن تنقطع ولن تنقطع من بعده، ورسول الله هو القائل: )بلغوا عني ولو آية[، وعلم المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه إن كان مكلوءاً بعناية الله بحكم استثنائي وأنه إن كان محصناً ضد لَغْوِ اللاغين وضد سخرية الساخرين وضد الأذى الذي قد ينتابه من هنا وهناك فإن هذه المزية الاستثنائية لن ينالها الدعاة والمبلغون عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده، الاستثناء إنما يكون لرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال له الله عز وجل: )فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا[ [الطور: 48] وقال له: )إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ[ [الحجر: 95]


أما الناس الذين سيتبوءون وظيفة الدعوة إلى الله وإبلاغ رسالة الله من بعده فلا بد أن يخضعوا لسنة الله، لابد أن يخضعوا لأنواع الأذية، لابد أن يخضعوا لأنواع السخرية، وتأمل حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم المحب لأمته الرؤوف بها تأمل أن هؤلاء الذين سيأتون من بعده إن تجرعوا غصص الآلام في سبيل الدعوة إلى الله ونظروا إلى حياة رسول الله فوجدوا أنه كان بعيداً عن كل ذلك الأذى وتأملوا في سيرته فوجدوا أن أحداً من الناس لم يكن يستطيع أن ينال منه منالاً وأن يسخر منه بكلمة أو أن يتقدم إليه بأي أذية فلسوف يوسوس الشيطان إلى هؤلاء الدعاة من بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم ولربما خطر ببال أحدهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم سار في طريق الدعوة إلى الله على أرضٍ مفروشة بالرياحين وأنه لم يذق شيئاً من آلام ما قد ذاقه الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى من بعده، هم الذين تجرعوا الغصص في سبيل إبلاغ رسالة الله جل جلاله، أما محمد صلى الله عليه وسلم فهو الوحيد الذي كُفِيَ هذا الذي يتجرعه اليوم الدعاة إلى الله من بعده، تأمَّلَ المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك فأبى وأبت عليه محبته لأمته وأبى عليه تحنانه للدعاة الذين سيأتون من بعده إلا أن يكون في مقدمة من يتجرعون غصص الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، لئن كان الدعاة إلى الله من بعده سيتعرضون للأذية سخرية بالألسن فليكن هو أول من يتعرض لذلك، ولئن كان في الدعاة من بعده من ستضطرهم الدعوة إلى الهجرة عن الأوطان والبلاد فليكن محمد صلى الله عليه وسلم أول هؤلاء الناس تجرعاً لذلك، ولئن كانت الدعوة إلى الله عز وجل تضطر الدعاة من بعده أن يصبروا على شظف العيش فليكن محمد صلى الله عليه وسلم أول من يتحمل ذلك،


عباد الله لو أن محمدا صلى الله عليه وسلم فضَّل أن يأوي إلى ركن ركين من الحماية والدَّعةِ والبعد عن الأذية لاستجاب الله عز وجل طلبه، لكنه التحنان، لكنها الرحمة منه للدعاة إلى الله سبحانه وتعالى من بعده، وهكذا فإن الذين يشرفون بنشر رسالة الله اليوم في الآفاق إذا أصابهم رشاش مما قد أصاب المصطفى صلى الله عليه وسلم ينتشون فرحاً بأنهم قد ضربوا بسهم مما قد نال المصطفى صلى الله عليه وسلم وبأنهم قد تجرعوا شيئاً من الأذية التي تجرعها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، تلك هي الحكمة الأولى.


 أما الحكمة الثانية فإنه تعليم من المصطفى صلى الله عليه وسلم لنا عن طريق وسيلة إيضاحية تتمثل في شخصه وبواسطة تعليم ميداني يتمثل في سلوكه، تُرى عندما يواجَهُ المسلمون، لاسيما الدعاة إلى الله عز وجل، من بعده بأنواع السخرية، بأنواع الأذى يتجه ذلك كله إنْ إلى الإسلام وجوهره أو إلى محمد صلى الله عليه وسلم وسيرته أو إلى الدعاة الذين تشرفوا بأن يتبوءوا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة كيف ينبغي أن يواجه المسلمون سخرية الساخرين، أذية الذين يتقدمون إلى الإسلام بهذه الأنواع من الأذى؟ أرانا رسول الله الجواب عن هذا السؤال لا بكلام نظري بل بسلوكه العملي، أوذي كما تعلمون ولم يكن إيذاء أهل الطائف له الصورة الأشرس والأسوأ من أنواع الأذية بل أوذي شراً من ذلك الأذى، ألقيت كما تعلمون الأقذار على رأسه وهو ساجد أمام كعبة الله المشرفة، وقد وصلت إلى أذنيه أنواع من الأذية والتهديدات والوعيد من أباطرة الرومان ومن غيرهم فماذا كان موقف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ لم تشغله الأذية ولم تشغله أنواع السخرية التي كان تطوف به وتأتيه من بعيد أو قريب، لم يشغله شيء من ذلك عن السير في الطريق الذي أمره الله أن يسير فيه لم يشغله شيء عن ذلك، عن نشر رسالة الله سبحانه وتعالى في الأرض إطلاقاً، لم يتحول لا إلى اليمين ولا إلى الشمال، لم ينشغل بهؤلاء الذين تعرضوا له بالسخرية أو الأذى أنواعاً وأشكالاً إطلاقاً، لم يشر ولم ينوه ولم يأمر الناس أن يخرجوا في مسيرات يملؤون بها الشوارع بشكل من الأشكال، لا، الوقت أضيق من ذلك وعمر الزمن قصير ورسالة الله سبحانه وتعالى حُمِّلَهَا ولابد أن يؤديها، وما شأن هؤلاء الساخرين وما موقفك منهم؟ الموقف الذي اتخذه منهم وعَلَّمَنَا أن نتخذ الموقف ذاته أن ندعو الله لهم بالهداية، أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الطائف كما تعلمون وطردوه شر طردة، ثم أوذي بعد ذلك عندما حاصر الطائف وتمطرت سهام المشركين من حصون الطائف على المسلمين وقُتِلَ من قُتِل، وفي صباح اليوم الثاني بعد حصار دام قرابة عشرين يوماً أمر رسول الله أصحابه بالرحيل، قال قائل منهم له يا رسول الله ادع الله على ثقيف فرفع يديه وقال: اللهم اهد ثقيفاً وات بهم مؤمنين.


عباد الله هذه الحكمة الثانية درس بلَّغَنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء القرون وكم نحن بحاجة إلى أن نتلقى هذا الدرس المقدس اليوم، وكم نحن بحاجة إلى أن نتدبره ونتأمله ونصطبغ به ونحن الذين نشرف بأن بوأنا الله سبحانه وتعالى المكانة التي سما رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها نبياً بل خاتماً للرسل والأنبياء، ما أشبه الليلة بالبارحة الأذى لا يمكن أن يتوقف، والصراع بين الحق والباطل سنة قضى بها الله سبحانه وتعالى ولعلي ذكرت لكم هذه السنة قبل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، لا يمكن أن تتوقف السنة الإلهية، السخرية تستمر، أنواع الأذى تستمر أيضاً فما الموقف الذي ينبغي أن نتخذه نحن؟ تعالوا نتأمل في الرسالة التي حمَّلَنَا الله إياها بعد رسول الله: )وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ[ [آل عمران: 104]، )وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[ [فصلت: 33].


هذه هي رسالتنا وهذا هو واجبنا، والمعنى الخطير الهام الذي تتضمنه هذه الرسالة والذي ينبغي أن نصطبغ به شعوراً ويقيناً هو أن نعلم أن علاقة ما بيننا، مبلِّغِين، وما بين الآخرين، سامعين ومبلَّغين، إنما هو الغيرة عليهم، إنما هو الشفقة عليهم، إنما هو الحب لهم، الدين النصيحة، ولا والله لا يمكن أن يكون الناصح عدواً مبغضاً، لا يمكن أن يكون الناصح إلا صاحباً ودوداً، من هذا المنطلق نبلغ رسالة الله، من هذا المنطلق نواجه الناس لا بالتهديد والدمار والانفجارات ولكننا نواجهم بالحوار كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولئن طرق أسماعكم قول قائلين بأن الإسلام إنما كان شدة تخترق إنسانية الإنسان وطغياناً يخترق رحمة الإنسانية التي ينبغي أن يصطبغ بها فلتجعلوا من واقع الحال رداً على هذا الكلام الأخرق نجعل من منهجنا الذي نأتسي ونقتدي به برسول الله صلى الله عليه وسلم رداً على هذا الكلام، أوذي المصطفى صلى الله عليه وسلم وكان الإرهاب وكانت الأذية وكان الطغيان في الجانب الآخر أما محمد صلى الله عليه وسلم فلم يُعْرَف في يوم من الأيام أنه ادخر في قلبه الشريف إلا الرحمة بأمته سواء كانت أمة استجابة، من أمثالنا نحن، أو أمة دعوة كهؤلاء الذين يملؤون رحاب الأرض في مشارق الأرض ومغاربها، عباد الله ربما تطرق أسماعكم أخبار مثيرة مؤلمة، ألا فلتعلموا أنها خطة مدبرة وأنها مكونة من مرحلتين المرحلة الأولى الاستثارة، الاستثارة النفسية ولا أقول الشعورية، المرحلة الثانية الاستجرار إلى الفتن، وقد أكرمنا الله عز وجل بإسلام غرس في أفئدتنا من الوعي ما يتسامى فوق هذه الخطط، لنقل بلسان الحال، وإن شئتم بلسان القول أيضاً: لن نشغل أنفسنا عن الرسالة التي حملنا الله إياها، رسالة الإسلام التي كلفنا الله عز وجل أن نبلغها مشارق الأرض ومغاربها بدافع واحد لا ثاني له إلا هو دافع حب الإنسانية، الغيرة على الإنسان، الغيرة على أخي ألا يكون حطباً غداً في نار جهنم، ألا يلومني غداً قائلاً لقد عرفت الحق فهلا ذكَّرْتَنِي به في الدنيا، هذه هي رسالتنا وهذا هو شعارنا فليعلم القاصي والداني أننا لن نستجر إلى خطط ولن نستجر إلى إثارة فتنة.


أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم.

تحميل



تشغيل

صوتي