مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 15/02/2008

رسالة الحب....ليوم الحب

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


في الناس من سهروا الليلة الماضية مع الحب، يحتفلون به، ويهتفون باسمه، ويتغنون بمشاعره، والحب حقيقة فَطَرَ الله سبحانه وتعالى الناس جميعاً عليها، بل إنه لحقيقة فطر الله سبحانه وتعالى الأحياء كلها على اختلاف أنواعها عليه، لولا الحب لتناثرت العلاقات الاجتماعية، ولولا الحب لما وجد في الكون تعاون ولا تلاقٍ على طريق، ولكن المهم بل الأهم البحث عن المحبوب، عندما يكون هنالك حب لا بد أن يوجد المحبوب، كما أنه عندما تكون هنالك الكراهية لا بد أن يكون هنالك مكروه، فمن المحبوب الذي فُطِرَ الإنسان على حبه؟


الجواب عن هذا السؤاليا عباد الله. إنه واحد من أمور ثلاثة لا رابع لها؛ إما أن يكون المحبوب جمالاً يستولي على الفؤاد، أو أن يكون إحساناً يأخذ بمجامع النفس، أو أن يكون عظمةً تبهر البصائر والأبصار، لا يمكن للحب أن يتجاوز هذه الأمور الثلاثة قط، فمن هو صاحب هذه الصفات أجمع؟ من هو الجميل الذي صدرت عنه لوحات الجمال أجمع؟ من هو المحسن الذي تفرعت عن إحسانه سبل الإحسان كلها؟ من هو العظيم الذي بهر بعظمته البصائر والأبصار؟ هل هنالك ريبة أو شك لدى من عرف الله سبحانه وتعالى أن الجميل الأوحد هو الله، وأن المحسن الأوحد في الكون هو الله، وأن العظيم الذي هيمنت عظمته على البصائر والأبصار هو الله سبحانه وتعالى؟


الجميل يا عباد الله هو ذاك الذي أبدع هذه اللوحات التي جعلها متعة للعين إذ ترى، وجعل منها متعة للآذان إذ تسمع، وجعل منها متعة للأنوف إذ تشم، وجعل منها متعة للأفواه إذ تتذوق، هذا هو الجميل الأوحد في الكون يا عباد الله، والمحسن واحد لا ثاني له يا عباد الله، ويخطئ ويضل من يتيه في عالم الأسباب فيقف عند الأسباب ويرى أنها هي معين الإحسان ومنبعه، العاقل الذي عرف الله عز وجل هو ذاك الذي يتجاوز الجداول والسواقي ليقف على المعين، المحسن الأوحد هو الله، من الذي ينيمك عندما تتمدد على سريرك ابتغاء الرقاد؟ من الذي يوقظك عندما تنتهي حاجتك إلى الرقاد؟ من الذي يطهرك من السموم المختلفة القاتلة إذ تدخل إلى حمامك ثم تخرج منه؟ من الذي أكرمك بالماء النمير تتطهر به وتتخلص به مما يجعلك تشمئز من نفسك؟ من الذي إذا جلست إلى مائدة الطعام رأيت ألواناً وأشكالاً من الأطعمة قد توفرت لديك؟ هل هي إلا ثمرة سماء أمطرت وأرضٍ أنبتت وأنعام سخرها لك ألباناً ولحوما؟ من العظيم الذي بهرت عظمته البصائر والأبصار؟ )وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ[ [الزمر: 67].


ذلكم هو الجميل، ذلكم هو المحسن الأوحد، ذلكم هو العظيم، إذاً من هو المحبوب الذي ينبغي أن نبحث عنه عندما نهتف بألفاظ الحب؟ من هو المحبوب الذي نلتفت يميناً وشمالاً بحثاً عنه عندما نحتفل بالحب أياً كانت المناسبة؟ إنه الله سبحانه وتعالى، ربما ضلَّ الإنسانُ وتاه وهو يبحث عن الجميل الذي ينبغي أن يقف عنده لِيَهَبَهُ حبه، ربما وقف، وهو يسير في رحلته بحثاً عن المحبوب، ربما وقف أمام صورٍ من الجمال تستثير الغرائز، تستثير الشهوات والأهواء، وربما وقف هذا الباحث ملياً عند هذه اللوحات يُخَيَّلُ إليه أنه قد وصل إلى مبتغاه، لكن الحقيقة تقول له سِر فإن مبتغاك أمامك، لا تقف عند هذه الاستراحات، ذاك الذي ينبض قلبك حباً له وبحثاً عنه، ذلك المجهول الذي تريد أن تصل إليه لتمنحه حبك إنه أمامك بعد، اخترق الصور، اخترق هذه الأشكال، لا تستجب لغرائزك، لا تستجب لأهوائك، على أن محبوبك الحقيقي لم يحرمك منها، لم يحرمك من غرائزك، لكنه أراد أن يجعل من رغائبك وشهواتك استراحات على الطريق الموصل إلى الله سبحانه وتعالى، من الذي يحب هذا الباحث عن الله عز وجل، ذاك الذي يقول: )وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً[ [الاسراء: 70]؟ هل تجدون ترجمة تنطق بحب الخالق لعبده أبلغ من هذه الترجمة.


يا عباد الله؟ )وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً[؟ هو ربك القائل: )فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ[ [الحجر: 29]، إذا سويت هذا المخلوق الذي يتمثل فيه هذا المجتمع الإنساني كله )فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ[  أي تكريم أجل من أن ينسب الله عز وجل روحنا التي تخفق بين جوانحنا إلى ذاته العلية؟ هل هنالك ما يترجم حب الله عز وجل لهذا المخلوق أبلغ من هذا الكلام وأبين؟ يا ابن آدم ألا تبادل خالقك حباً بحب؟ يحبك ألا تحبه؟ يكرمك ألا تدين بالولاء له؟ يعطيك، يرعاك، يربيك بتحنان وود ولا تحنان الأم لوليدها، ألا تبادل هذا الإله حباً بحب؟ تعرض عنه ثم تجعل من غرائزك بديلاً عن هذا الإله الذي أحبك؟ تعرض عنه ثم تجعل من ما قد حرمه الله عز وجل عليك، لأنه يشقيك ولا يسعدك، تجعل من ذلك بديلاً عن الاصطلاح مع مولاك وخالقك سبحانه وتعالى؟


يا عباد الله، بلغوا هؤلاء الإخوة الذين ساهروا الليل بالأمس مع الحب، يهتفون به ويحتفلون به ثم إنهم فَسَّرُوا محبوبهم بغير المحبوب الحقيقي، بلغوهم ألا يتيهوا في المنعرجات، حذروهم ألا يقفوا أمام اللوحات التي يرونها مشروعة أمامهم على يمين الطريق ويساره، بلغوهم أن يواصلوا السير ليصلوا إلى المحبوب الحقيقي الذي فُطِرَ الإنسان على حبه، قولوا لهم إن هذه الأشكال الجميلة التي تنجذب إليها قلوبهم إنما أضفى الجمال عليها خالق الجمال، ذاك الذي قال في محكم تبيانه: )وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي[ [طـه: 39]


المحبوب الذي تَجْمُلُ مرآه وصورته أمام الأبصار من الذي أضفى عليه هذه السمة؟ إنه أجمل جميل في الكون، إنه الله سبحانه وتعالى، قولوا لإخوانكم هؤلاء أن يصطلحوا مع الجميل الأوحد في الكون، أن يصطلحوا مع المحسن الأوحد في الكون، أن يصطلحوا مع العظيم الذي بهرت عظمته البصائر والأبصار، ليصطلحوا معه ولينتهوا عند محراب المحبة له عندئذٍ سيذوقون ألد طعم لمعنى الحب يمكن أن يشعر به إنسان في هذه الحياة، لئن طالت رحلة الإنسان في فجاج الصور والأشكال التي تجعلنا الغرائز نتخيل أنها كل شيء في الكون، مهما طالت هذه الرحلة فإن كل منا يوشك أن يصل إلى المحبوب الحقيقي، كل منا يوشك أن يصل إلى المراد ولكن المطلوب أن نصل قبل فوات الأوان، كم وكم رأيت.


يا عباد الله، أناساً أمضوا الشطر الأكبر من حياتهم في منعرجات هذه الدنيا تائهين ضالين، يقفون أمام الصور الزائفة للجمال مخدوعين ولكنهم ساروا وإذا بهم وقفوا أمام الينبوع الحقيقي، كم رأيت من أخذ يستغفر من أيامه السالفة ويبكي عمره الذي مضى ويتغنى بمحبوبه الذي عرفه بعد طول تيه وضلال، تعالوا نتعرف على محبوبنا هذا ونحن في أول الطريق، تعالوا نتعرف على مولانا الأجل قبل أن ينتهي العمر وتحين ساعة الارتحال من هذه الدنيا إلى تلك الحياة البرزخية التي تنتظرنا، إذا تعرفنا على مولانا وخالقنا الأجل فلا شك أننا سنصطلح معه، وإذا اصطلحنا معه التزمنا النهج الذي أمرنا به وابتعدنا عن المنعرجات التي حذرنا منها ووقفنا ملبين لقوله سبحانه: )وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[ [الأنعام: 153]، كلنا ندين للحب، ولولا الحب لما عرفنا مولانا وخالقنا، لكن الأهم أن نعرف من المحبوب وألا نتيه في المنعرجات، وألا نجعل من غرائزنا وأهوائنا ما يخدعنا ويضعنا أمام الزيف ويقصينا عن الحقائق، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم فاستغفروه يغفر لكم فيا فوز المستغفرين   


من الخطبة الثاني    عباد الله، قفوا معي أمام هذه الآية التي يتحبب الله عز وجل فيها إلى ثلة من عباده وابسطوا أكفكم ضارعين أن يجعلنا منهم، إذ يقول: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ[ [المائدة: 54]، لاحظوا هذا التحبب يا عباد الله كيف بدأ البيان الإلهي فوضع مرتبة حبه لهم قبل مرتبة حبهم له، ربنا سبحانه وتعالى هو السباق إلى عباده بالحب، أسألك اللهم أن تجعلنا من هؤلاء الذين أحببتهم فأحبوك، أسألك اللهم ألا تحبسنا في اللوحات الكونية التي ملأت بها رحاب كونك هذا وأسألك اللهم أن تعيننا على اختراق هذه اللوحات لنقف أمام مصورها، لنقف أمام مبدعها، لنقف أمام الجميل الأوحد تحت مظلة قولك: )فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ[ [المائدة: 54]، اجعلنا اللهم ممن أحببتهم فأحبوك.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم. 

تحميل



تشغيل

صوتي