مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 15/06/2007

السبيل لثبات في المكائد والمحن

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:


إن الأحداث التي تتوالى في عصرنا اليوم وإن المكائد التي تُحاك لهذه الأمة، لاسيما لهذه البلدة، صباح مساء والتي تأتينا مِنْ حَدَبٍ وصوب تضعنا أمام مصداق كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ﴿ستداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها﴾، هذه الصورة الدقيقة نراها اليوم ماثلة أمامنا، فالخطط المتسلسلة الكثيرة التي تُحاك ضد وجودنا والمكائد والأكاذيب التي تُخْتَلق ونُتَّهَمُ بها كل ذلك يتوالى دون انقطاع ونحن، كالأمم الإسلامية السابقة، لا نملك عَدَدَاً كالأعداد المتوفرة لدى أعداء الله سبحانه وتعالى، ولا نملك عُدَّة كالعُدَد التي يملكها أعداء الله عز وجل، هو وضع لم يختلف منذ بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، كان عدد أعداء الله عز وجل، ولا يزالون، أكثر بكثير مِنْ أعداد المسلمين، وكانت عدتهم وما تزال أقوى وأخطر شراسة كما نراها اليوم، فبماذا انتصر المسلمون ضد المكائد الكثيرة التي لم تنقطع عنهم في العصور السالفة؟ وكيف حماهم الله سبحانه وتعالى مِنَ العُدَدِ الخطيرة الكثيرة والأعداد الوفيرة؟ إن الذي وقاهم شر تلك المكائد انقيادهم بالاستجابة لأمر الله سبحانه وتعالى القائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾. انقاد المسلمون في العصور السالفة لهذه الوصايا الغالية التي أوصاهم الله سبحانه وتعالى بها فانتصروا وهم قلة على الأعداد الكثيرة المضاعفة. وانتصروا، وهم الضعاف، على العُدَدِ الخطيرة الشرسة.


وهذا هو الواقع ذاته الذي تعاني منه أمتنا الإسلامية اليوم، فهل يعود المسلمون إلى العلاج الذي وصفه الله عز وجل لهم كما عاد إليه أسلافهم؟ الخطط الكثيرة التي تُحاك ضدنا ليست بدعاً مِنَ التاريخ وليست أمراً جديداً، والمكائد التي تُرسَم والأكاذيب التي نُتَّهَمُ بها ليس أمراً مبتدعاً في هذا العصر، تلك سُنَّةُ أعداء الله وأعداء دين الله سبحانه وتعالى في غابر العصور إلى يومنا هذا، هذه السُّنَّة لم تختلف لكن الذي اختلف واقعنا نحن، الذي اختلف هو السُّنَّة التي كان سلفنا الصالح متلزماً بها أما نحن اليوم فقد أعرضنا عنها، لم ينتصر المسلمون مرةً مِنَ المرات بتغلب أعدادهم كمَّاً على أعداد الآخرين، ولم ينتصر المسلمون في فترة مِنَ الفترات ولا في مرحلة مِنَ المراحل لأن عدتهم كانت أقوى وأمضى مِنْ عُدَدِ أعداء الله عز وجل، في كل مرحلة كان المسلمون هم الأقل وكانت عدتهم هي الأضعف ولكن العلاج الذي وصفه الله لهم طبقوه فانتصرت القلة على الكثرة وتبددت العدة الشرسة الكثيرة أمام العدة المتوجة بالتمسك بأوامر الله والإكثار مِنْ ذكر الله والثبات على صراط الله سبحانه وتعالى.


ألا تذكرون الوصية التي أوصى بها أميرُ المؤمنين عمر بن الخطاب سعدَ بن أبي وقاص عندما ودعه متجهاً إلى القادسية؟ قال له: احذروا معاصيكم أكثر مِنْ خوفكم عدوكم على أنفسكم، احذروا على أنفسكم من معاصيكم أكثر مِنْ خوفكم مِنْ عدوكم على أنفسكم، فإن عدونا أكثر عدداً وأقوى عدة وإنما ننتصر عليهم بإيماننا وثباتنا على أمر الله عز وجل، فإن تساوينا معهم في المعصية وفي الشرود عن أوامر الله عز وجل فلن يكون لنا فضل عليهم وستكون الغلبة لهم، ولقد انتصر المسلمون في القادسية بسبب انقياد المسلمين لهذه الوصايا التي ذكَّرَ عمرُ بن الخطاب إخوانَه بها، وإنما هي وصايا الله سبحانه وتعالى كما ذكرت لكم في محكم تبيانه.


وجاءت سلسلةُ الاعتداءات على المسلمين التي لا داعي إلى فتح ملف الحديث عنها تفصيلاً، وفي كل مرة كان أعداد أعداء دين الله عز وجل أكثر بكثير وكانت عدتهم أقوى بكثير وإنما انتصر المسلمون في تلك الساحات كلها بسبب هذا الذي أقوله لكم، انقادوا لأمر الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ واليوم هذا القانون مستمر، أعداء الله سبحانه وتعالى أكثر بكثير مِنَ الكم العددي للمسلمين وعدتهم أقوى بكثير مِنَ العُدَدِ التي يملكها المسلمون ولكن هل يلتجئ المسلمون اليوم إلى العلاج الذي كان يلتجئ إليه أسلافهم بالأمس؟ لا. هذا ما افتقدناه، هذا ما تحول عنه المسلمون اليوم.


ولذلك ننظر فنجد أن الخطط المتسلسلة الرامية إلى خنق إسلام المسلمين والقضاء على وجودهم واغتصاب حقوقهم، ننظر فنجد أن هذه الأهداف تتحقق شيئاً فشيئاً، وننظر إلى المسلمين فنجد أنهم لا يملكون إلا الكلام الأجوف ولا يملكون إلا الشعارات البراقة التي لا يوجد تحتها معنى. المكائد التي تُحاك ضد هذه البلدة كثيرةٌ ومتجددة كما تعلمون، والأكاذيب التي تُكال دون حساب وتُلْصَقُ بنا كثيرة جداً والطوق يَضِيْقُ على الخناق شيئاً فشيئاً. كل ذلك نراه لكن أين هو العلاج؟ أين هو الانقياد لقول الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾. هذه الوصايا التي يخاطبنا الله عز وجل بها طويناها، بل طويناها وألقيناها وراءنا ظهرياً. وإذا كان الأمر هكذا، وإذا استمر الأمر على هذا المنوال فأنا لا أتصور إلا أن سنة الله سبحانه وتعالى ستكون ماضية ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾. ونصر الله لا يأتي إلا بالانقياد لوصايا الله وأمره. فإذا لم نتجه إلى تنفيذ هذه الوصايا والأوامر فإن عاقبة أمرنا الخذلان ﴿وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ﴾.


لماذا لا نعتبر بأسلافنا مِنْ قبل؟ لماذا لا نتبين السبب الذي به طَرَد المسلمون فلولَ عزاة الصليبيين الذين جاؤوا إلى هذه البلاد؟ كيف طهر الله هذه الأرض مِنْ أولئك الغزاة؟ المؤمن والملحد يعلم الجواب، كيف نصر الله سبحانه وتعالى المسلمين في هذه الفتوحات ولقد كانت قوى الرومان في الشام وفي مصر وغيرها مضرب المثل آنذاك وكانت مِنْ حيث النسبة إلى ضعف المسلمين في جزيرتهم العربية كقوة الغربيين اليوم بالنسبة لواقع المسلمين؟ لماذا لا نعتبر؟


نحن نرى التهديدات تلوح أمامنا وحولنا مِنْ قريب ومِنْ بعيد ونرى الأكاذيب تُلْصَقُ بنا ونرى التهديدات تأتينا مِنْ وراء تلك الأكاذيب، نرى ذلك كله، ما العاصم الذي اتخذناه؟ ما هو العاصم؟ هل العاصم الذي وَقَرَ في نفوسنا واقتنعت به عقولنا أن ننفض كياننا مِنْ بقايا هذا الدين الذي نَصَرَنَا بالأمس؟ هذا هو العلاج؟! هل العلاج الذي به نحمي أنفسنا مِنْ كيد الكائدين وخطط أعدائنا وأعداء ديننا، هل العلاج أن نتجه إلى نبذ هذا الدين وأن نلقي به بكل مبادئه الاعتقادية والفكرية والسلوكية وراءنا ظهرياً؟ هل العلاج أن نرفع شعار العلمانية في مجتمعاتنا، كما يحلم بذلك البعض، وليس الكل، بعض مَنْ يتبؤون مراكز المسؤولية في بلادنا؟ لو أن العلمانية هي التي نصرت المسلمين في تاريخهم ربما كان هذا موضع جدال وربما جاء مَنْ يقول إذاً فلنستعن بذلك العلاج ذاته.


لكن كل يعلم، المؤمن والملحد والقاصي والداني الغربيون يعلمون أن سر انتصار المسلمين، وقد كانوا قلة ولا يزالون، على أعدائهم إنما يتمثل في انقيادهم لهذه الوصايا التي ذكرتها لكم. فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا ننقاد لهذه الوصايا؟ لماذا لا نجدد بيعتنا مع الله سبحانه وتعالى؟ لماذا لا نثبت على أوامره؟ لماذا لا نكثر مِنْ ذكر الله عز وجل لا سيما في الثغور، لاسيما في المعسكرات، لاسيما حيث نحرس بلادنا مِنْ كيد الكائدين لماذا؟ ونحن نرى بأم أعيننا أن هذا هو السبب الأوحد لنصر الله عز وجل لهذه الأمة؟ لماذا لا نجدد البيعة مع الله ورسوله فنطيع الله ورسوله فيما أمر؟ نطيع الباري عز وجل ورسوله فيما نهانا كتاب الله وما نهتنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه؟ لماذا نؤثر على الاتفاق على السير على صراط الله التنازع؟ لماذا؟


أحد أمرين اثنين. إما أن ننقاد لهذا الذي يوصينا به مولانا وخالقنا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ إما أن نطيع الله في هذه الوصايا، أنا الضامن والكفيل بناءً على ضمانة الله عز وجل أن الله سينصرنا. سينصر هذه البلدة وسينصر هذه الأمة وستتمزق خطط الكائدين شر ممزق. وإما أن نسير على النحو الذي نسير فيه الآن، نلقي تعاليم هذا الدين وراءنا ظهرياً، نلقي وصايا الله سبحانه وتعالى في مثل هذه الساعات الخطيرة وراءنا ظهرياً ونعلن تبرمنا بهذا الدين ونستجيب أو نصفق للقلة التي تحلم بأن يرتفع شعار العلمانية يوماً ما في هذه البلدة، ولن يرتفع، إذا كان هؤلاء هم الذين سيخططون وإذا كانت القيادة ستؤول إليهم فاعلموا أن قوتنا إلى اندثار وأن حقوقنا إلى زوال وأن وجودنا الحضاري إلى اختناق وأن هذه الأمة ستغدو أثراً بعد عين أقول قولي هذا وأستغفر الله.


 

تحميل



تشغيل

صوتي