مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 13/04/2007

جرائم الشرف


جرائم الشرف


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 13/04/2007


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آل محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:


حذر الله سبحانه وتعالى في محكم تبيانه من قتل النفس بغير الحق وبيَّن هذا في نصوص قاطعة واضحة وحذر وردع فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾، وقال: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ﴾. ثم إنه أمر وليَّ المقتول أن يطمئن بالاً وأن يريح نفسه لأن وليَّ الأمر مكلفٌ بالانتصار له، ملكفٌ بملاحقة الجاني والاقتصاص منه، ونهى الله سبحانه وتعالى عن الفواحش، عن الزنا، وأمر بإغلاق السبل الموصلة إليه وشرع الروادع الكثيرة ضد مَنْ يرتكب هذه الفاحشة، ثم إنه نظر إلى أقارب مَنْ يمكن أن يرتكبوا هذه الفواحش مِنْ رجال ونساء فحذرهم من الثأر، حذرهم مِنْ أن تلتهب بين جوانحهم نيران الغِيْرَة فيثيروا فتنةً هوجاء، حذرهم من ذلك لأن الله عَهِدَ إلى وليَّ الأمر بأن يغلق الأبواب الموصلة إلى الفاحشة، وعَهِدَ إلى وليَّ الأمر بأن يرسم الروادع الحدية والتعزيرية ضد كل مَنْ يرتكب الفاحشة، الزنا.


تأملوا يا عباد الله حكمة رب العالمين. لو أن الله سبحانه وتعالى لم يشرع الروادع الشديدة التي تقف دون ارتكاب الجريمة المتمثلة في قتل نفس بغير حق، ولو لم يشرع القصاص، ولو لم يشرع ما يتبع ذلك من الروادع الكثيرة لما أفاد تحذير الله سبحانه وتعالى أولياء المقتول بأن يستريحوا بالاً وبأن يطمئنوا نفساً، ولما أفادهم قوله عز وجل: ﴿ ومَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا فَلا يُسْرِفْ في القَتْلِ إنَّهُ كانَ مَنصُورًا﴾ أي لا يباشر بالثأر لأن هنالك مَنْ سيثأر عنه، لأن هنالك مَنْ سيعاقب الجانيَ أشدَّ عقاب، اطمَئِنَّ بالاً. لكن تصوروا لو أن الشارع لم يحمل وليَّ أمر المسلمين مسؤولية معاقبة الجاني وملاحقته وإنزال العقاب الشديد به أفكان هذا التحذير لِوَلِيِّ المقتول مفيداً؟ لن يفيد. كذلكم الأمر بالنسبة للفاحشة، أرأيتم لو أن الله عز وجل لم يضع ولم يرسم الروادع القاسية، نعم القاسية، ضد ارتكاب الفاحشة ولو لم يغلق النوافذ التي توصل إليها وتغري بها أفكان يفيد أن يحذر الشارع، أجل الشارع، أقارب الفتاة التي ارتكبت الفاحشة أو الشاب الذي ارتكب الفاحشة، أفكان يفيدهم التحذير تلو التحذير تلو التحذير؟ لا. لابد أن تهتاج النخوة بين جوانح الأقارب ولابد أن يفقد هؤلاء الأقارب راعيهم ولابد أن يفقدوا ضوابط وكوابح الفكر في أنفسهم ويثأروا، إن كان الثأر ضد قتل أو كان الثأر ضد فاحشة ارتكبت.


ولكن الشارع الحكيم، من أجل أن يأخذ زمام المبادرة من الأفراد ويمنعهم من الدخول إلى باب يوصلهم إلى فتنة دهماء يجعل الناس يهتاج بعضهم ضد بعض بالثأر لأمور انطلقت مِنْ غيرةٍ على الشرف أو على حماية روح إنسان انطلقت من ذلك إلى فتنةٍ هوجاء، لو أن الشارع لم يُحَمِّلْ وليَّ أمر المسلمين النهوض بهذا الواجب، السهر على رعاية الحقوق، على رعاية حقوق الأنفس وحقوق الحياة، ولو لم يكلف الشارع وليَّ أمر المسلمين بالسهر على ضوابط الأخلاق وإيجاد الروادع الكثيرة والكفيلة بابتعاد الناس عن ارتكاب الفاحشة ولو لم يُغْلِقْ السبل المغرية بها والموصلة إليها لما أفادت التحذيرات القرآنية أو النبوية الموجهة إلى الأقارب بأن يكفوا أيديهم عن الثأر، بأن يكفوا أيديهم عن أمور لا ينبغي أن يدخلوا فيها لأنها تثير فتنة أبداً. لما استجاب الأفراد لأن هنالك حوافز فطرية في كيان الإنسان. إذا وجدت مَنْ يمد يدَ الإجرام إلى قريب لي بالقتل أو الإساءة ونظرت يميناً وشمالاً فلم أجد مَنْ يردع هذا القاتل لابد أن أقوم أنا بردعه. وإذا نظرت فوجدت من يعتدي على عرضي، ممثلاً في ابنة أو زوجة أو أخت، ونظرت يميناً وشمالاً فلم أجد مَنْ يردع هذا الجاني وتأملت في القانون فلم أجد نصاً يحذر مِنْ هذه الفاحشة لأنها فاحشة ويهدد مرتكبيها بالعقاب الصارم لابد أن أتولى أنا عندئذٍ الثأر لنفسي ولابد أن تهتاج مشاعر الغَيْرَة والنخوة والشرف بين جوانحي ذلك لأن المسألة غدت منوطةً بي ولأن المسؤولين قد ألقَوا هذا الأمرَ ورائهم ظهرياً ومِنْ ثَمَّ فمهما كانت التحذيرات الموجهة إليَّ قاسية وشديد ونافذة لابد أن تتغلب مشاعر النخوة ولابد أن أرتكب الجريمة ولعلي أرتكبها وأسُلِّمُ نفسي إلى القضاء أيضاً.


ولكن انظروا إلى حكمة رب العالمين لكي لا يحصل هذا الأمر، ولكي يبقى الأفراد في نجوى مِنْ هذه المغامرة شرع الله سبحانه وتعالى الروادع وأمر وليَّ أمر المسلمين أن ينهض بها بالنيابة عن الأفراد وكأن الله يقول للأفراد لقد أرحتكم فاطمئنوا بالاً ولينم كل واحدٍ منكم قرير العين، هنالك مَنْ يحرس الحقوق وهنالك مَنْ يحرس الحياة البريئة ضد مَنْ يريد بها سوءاً وهنالك مَنْ يحرس الشرف وهنالك مَنْ يرسم الروادع ضد مَنْ يقتحمون شرف الأمة ويستهينون بأعراضها.


قرر الله عز وجل هذا ومِنْ ثَمَّ فنحن ننظر إلى تاريخ الإسلام، عندما كانت الشريعة الإسلامية مطبقة، لم نجد إنساناً اعتدى على حياة زوجة أو ابنة أو أخت وارتكب الجريمة بقتلها ثُمَّ سَلَّمَ نفسه للقضاء. لماذا؟ لأنه يعلم أن هنالك مَنْ ينوب عنه. لأنه يعلم أن هنالك مَنْ يتولى عنه حمايةَ الشرف. واليوم لماذا تكثر الجنايات فعلاً والجرائم فعلاً لاسيما تلك التي تتمثل في الثأر من أجل شرف من أجل عرض من أجل نخوة؟ لاشك أنها جرائم. الشريعة الإسلامية تصفها بأنها جرائم. نعم. لكن لماذا كثرت؟ لماذا كثرت على الرغم من أن في هؤلاء الذين يرتكبون هذه الجرائم متدينون ملتزمون؟ لأنهم وجدوا أن المجتمع لا يتحمل عنهم هذه المسؤولية ولأنهم وجدوا أن أحكام الشريعة الإسلامية معظمها طويت عن التطبيق، الروادع التي تلاحق مرتكبي الفاحشة مطوية، الأبواب التي توصل إلى الفاحشة، عن طريق المغريات عن طريق الاختلاطات التي تتجاوز الطور، الحد الذي أباحه الله سبحانه وتعالى مفتحة، كل السبل التي تغري بارتكاب الفاحشة ميسرة، ينظر فيجد هذه الظاهرة ومِنْ ثَمَّ فإن في الشباب مَنْ يغامر ولا يبالي لأنه يعلم أن القانون في نجوة عنه ومِنْ ثَمَّ فإن في الفتيات من تزل بها القدم لأسباب كثيرة لأن السبل إلى ذلك مفتحة.


القانون! القانون ينص فقط على معاقبة مَنْ يغتصب. ينص فقط على معاقبة مَنْ يغري طفلاً أو فتاةً صغيرةً لم تبلغ سن الرشد. أما الفاحشة التي يتم ارتكابها بالاتفاق ومِنْ خلال شخصين بلغ كل منهما سن الرشد فالنظرة إلى ذلك هي نفس النظرة الفرنسية في القانون الفرنسي. في حين أن الإنسان، لا أقول المسلم، الإنسان الفطري نخوته موجودة. الروادع التي تردع مَنْ يسيء إلى عرضه، إلى شرفه موجودة. النار التي تلتهب في كيان الإنسان الذي يجد أن هنالك ارتكب جريمة في حق أخته في حق ابنته أو زوجته موجودة هذه النيران لا سبيل إلى إطفائها وإنما سبيل الإطفاء ذاك الذي شرعه الله عز وجل.


ينظر فيتأكد ويجزم بأنه هو المسؤول إذاً عن حماية شرفه، هو المسؤول عن النهوض للثأر ضد مَنْ يريد أن يسيء إلى عرضه وسمعته، أجاز القانون ذلك أو لم يُجِزْ، أجازت الشريعةُ ذلك أو لم تُجِزْ. والشريعة لا تجيز كما قلت لكم، الشريعة لا تجيز للفرد وقد سمع أن ابنته قد ارتكبت فاحشة أن يذهب فيقتلها. نعم في حالة واحدة إذا وجد الجريمة تُرْتَكَبْ في هذه الحالة إذا قَتَل فإن المقتول دمه هَدَر وهو لا يتحمل أي مسؤولية، هذا يُسَمَّى صيالاً. أما هذا الذي يسمى اليوم بجرائم الشرف فالشريعة لا تقبل إطلاقاً مبرراً لارتكاب هذه الجريمة لكن عندما تكون الأبواب الخلفية مفتحةً إلى ارتكابها والمسؤولون لا ينيبون أنفسهم عن هؤلاء الأفراد في تحمل هذه المسؤولية، الروادع غائبة والأبواب إلى المغريات الكثيرة، السبل إلى ارتكاب الفاحشة مفتحة، ما الذي يحصل في هذه الحالة؟ الذي يحصل أن الغلبة إنما ستكون للفطرة، للغيرة، إنما تكون في هذه الحالة لنار الشرف التي تلتهب بين الجوانح. كل الناس يعرفون هذه الحقيقة. في الغرب الجرائم التي من هذا القبيل تقوم على قدم وساق لأن الفطرة الإنسانية لم تُمْسَخْ بعد بشكل من الأشكال.


وأعود إلى كتاب الله لنتبين الحكمة الربانية قبل أن يحذر الأفراد من الثأر إن مقابل تفويت حياة أو مقابل ارتكاب فاحشة قبل أن يحذر الإفراد يحمل وليَّ أمر المسلمين السهر على الحقوق، السهر على الحياة الآمنة البريئة، السهر على العرض، السهر على حماية الأمة من الفواحش، وما الفرق بين جريمة ارتكبت وتمثلت في إزهاق حياة وجريمة ارتكبت وتمثلت في ارتكاب فاحشة؟ ما الفرق؟ كلا الجريمتين تثتثيران نيران الثأر ولابد من إغلاق الباب الذي تندلق منه عوامل الثأر المختلفة. لابد. وهذا ما شرعه الله عز وجل ﴿فَلا يُسْرِفْ في القَتْلِ إنَّهُ كانَ مَنصُورًا﴾. لولا كلمة ﴿إنَّهُ كانَ مَنصُورًا﴾ لأسرف في القتل. لكن انظروا كلام الله عز وجل: يا هذا إنك منصور، تريد أن تثأر للشرف الذي أسيء إليك من خلاله؟ أنت منصور وانظر كيف ستقوم الدولة بالثأر لك فاطمئن بالاً. أتريد أن تثأر من هذا الذي اعتدى على قريبٍ لك فقتله؟ اطمئن بالاً، أرح نفسك، نم قرير العين إنك منصور. ﴿فَلا يُسْرِفْ في القَتْلِ إنَّهُ كانَ مَنصُورًا﴾.


أنا أقول هذا الكلام وأهيب بأمتنا أن يعودوا إلى كلام الله عز وجل ولا يجعلوا موقفهم منه التغني به فقط، لا يجعلوا موقفهم منهم التفنن في طباعاته وما يتعلق بذلك مما تعرفون. عودوا إلى كتاب الله نفذوه، طبقوه. أين هو هذا المعنى الذي ينبض به بيان الله ﴿إنَّهُ كانَ مَنصُورًا﴾؟ أين هذا الذي يريد أن يثأر لشرفه أين هو مِنْ قول الله تعالى ﴿إنَّهُ كانَ مَنصُورًا﴾ في هذا العصر؟ قانون الجنايات بمقدار ما يتحدث مطولاً عن الاغتصاب الذي يهدف إلى ارتكاب فاحشة أو إغواء فتاة صغيرة توجهاً منه إلى ارتكاب فاحشة، بمقدار في يبين هذا ويتحدث عن العقاب، لا العقاب المتوجه إلى الفاحشة وإنما العقاب المتوجه إلى الوسيلة ألا وهي الاغتصاب، بمقدار ذلك يغض الطرف عن الفاحشة ذاتها ويغض الطرف عن النار التي ستلتهب بين جوانح القريب، الزوج، الأب، الأخ. ولاشك أنه عندما يقدم على الجريمة قد خالف الشرع كما خالف القانون. لكن الله عز وجل عَلِمَ هذا فطمأنه وقال له: الدولة الإسلامية ستنوب عنك في هذا، ستكون منتصراً وانظر كيف سأنصرك وكيف سأثأر لك عنك ولسوف أكون في موقع الحراسة لفطرتك الإيمانية والإسلامية.


الناس يتحدثون اليوم عن جرائم الشرف والناس في هذا بين مقر لقانون التخفيف وبين مستنكر لقانون التخفيف لكنني لم أجد مَنْ قال: إذا أردتم أن تنجح الأمة في طي ما يسمى جرائم الشرف فلتتحمل الأمة، من خلال الدولة الإسلامية، فلتتحمل الأمة مسؤولية الأفراد. عندما تكون الدولةُ ساهرةً على الحياة البريئة وعندما تكون ساهرة على العرض والشرف ضد الفاحشة عندئذٍ ستطوى جرائم الشرف.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي