مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 07/07/2006

موقف العرب تجاه محن إخوانهم

موقف العرب تجاه محن إخوانهم


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 07/07/2006


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أما بعد‏ فيا عباد الله‏


إنه سؤالٌ يتجه إلى فكري في هذه الأيام بل السنوات العصيبة لا أستطيع إعراضاً عن الإجابة عنه. سؤالٌ يلح عليَّ قائلاً: أحقاً هذه الأمة التي يفيض بها عالمنا اليوم أمةٌ مسلمة ٌ كما تزعم وتدعي؟ دعك من الشعارات المرفوعة والمآذن المضيئة والأصوات الجميلة التي تردد آيات كتاب الله عز وجل وتتناقلها أصداء الآذان، دعك من هذا كله، هل يستبين معنى الإسلام في حياة من يسمون أنفسهم المسلمين اليوم، وهم يزيدون عن المليار كما تعلمون؟


رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الصحيح: ﴿المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله ولا يظلمه ولا يكذبه﴾. ومن يزعمون اليوم أنهم مسلمون يرون في إخوانهم البلاء الماحق والظلم الذي يجتث شأفتهم، والقتل الذي يستحر بكبيرهم وصغيرهم، ذكرهم وأنثاهم والمسلمون لا يعطونهم من أنفسهم إلا الخذلان ولا يعطونهم من أنفسهم إلا الإعراض. أفهم مسلمون؟


ويقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ﴿المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا﴾ وأنظر إلى المجتمعات التي تزعم أنها مجتمعات مؤمنة مسلمة وإذا هي كالبنيان المتفسخ الفاسد يتهاوى بعضه على بعض. أفهم مسلمون!؟


ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ﴿المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى﴾، والمسلمون اليوم كما تعلمون تحولوا إلى أشلاء، تحولت الأعضاء المتجمعة في كيان شخص واحد حسب ما يقوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، تحولت هذه الأعضاء إلى أشلاء مبعثرة متناكرة متعارضة متخاذلة.


ها هو ذا عضو من أعضاء هذه الأمة يلقى الظلم الذي لم نسمع بمثله، يلقى الهلاك المستمر الذي لا نهاية له، يستحر به القتل، تسيل الدماء الزكية، وإخوانهم المسلمون الذين شبههم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعضو الواحد إذا اشتكى من هذا الجسد عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، هذا الجسد الواحد تحول كما قلت لكم إلى أشلاء متناكرة متخاذلة متجاهلة، القتل يستحر، والظلم ينزل بدون حساب، والبلاء الماحق يهوي ليل نهار على إخوان لنا مسلمين مؤمنين، وننظر إلى بقية المسلمين، ننظر إلى المليار والربع وإذا بهم تائهون، معرضون، كلٌ عاكف على شأنه ولهوه، كلٌ عاكفٌ على مصالحه الذاتية له، كلٌ يعبد نزواته ورعوناته.


أليس من الحق أن نتساءل بعد هذا أهذه الأمة حقاً أمة مسلمة؟ بعد هذا النقيض الذي يتراءى بيناً عما يقوله المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم من صفات المسلمين؟!


أتأمل في هذا البلاء الذي بدأ ولما يقف، في هذا الظلم الذي استشرى كالنار الملتهبة وكلما امتد الزمن ازداد أوارى، أتأمل وأنظر لأجد أن المدينة الآن توشك أن تصبح أثراً بعد عين، وقادة المسلمين في لهوٍ لاهٍ وفي إعراضٍ غريب وعجيب، دعك من الإسلام، الإنسانية تشمئز من هذا الإعراض القذر. الشهامة لو كانت هنالك شهامة، تشمئز من هذا التخاذل المنحط. كيف يمكن للعاقل أن يتصور هذا المآل الذي آل إليه من يسمون أنفسهم مسلمين وغداً إذا قامت محكمة الديان سيتبين إن كانوا مسلمين أم ليسوا بمسلمين.


ترى هل هو العجز؟ أهو العجز حاق بنا فمنعنا عن أن نقوم بنصرة إخواننا الذين يذبحون ويقتلون وتسفك دماؤهم ليل نهار؟ من قال إنه العجز؟ ليس هنالك عجزٌ قط.


هذه الدول التي أقامت علاقات، يسمونها دبلوماسية مع هذا العدو الأرعن، مع هذا العدو المجرم الذي يضرب في العالم المثل الأحط والأحط في الهمجية، هؤلاء الذين أقاموا بينهم وبين هذا العدو هذه العلاقات أليس بوسعهم أن يبتروها؟ بلى. من الذي يمنع هؤلاء الذين جعلوا من أنفسهم خدماً لهذا العدو الهمجي الأرعن، أجل جعلوا من أنفسهم خدماً له، ما الذي يمنعهم من أن يعودوا إلى صحوهم بعد السكر، ومن أن يستقيموا بعد اعوجاج، فيقطعوا هذه الصلة بينهم وبين هذا العدو، ويعلنوا انضمامهم لا الكلامي الكاذب، بل العملي الصادق إلى إخوانهم الذين يُذبحون من دون موجب، ويُقتلون بدون محكمة؟ أليسوا قادرين على هذا؟ بلى.


أنظر يميناً وشمالاً وإذا بمعظم الذين يسبحون بحمد الله زوراً وبهتاناً والذين يغطون أنفسهم بتراتيل من كلام الله عز وجل بين حين وآخر، ويرفعون شعارات كاذبة عن الإسلام، يغطون أنفسهم بهذا كله .. أنظر وإذا بهم المثل الأحط للتخاذل، ورسول الله يقول: ﴿المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله﴾.


هذا الواقع أيها الإخوة يجعل كل مسلم يتساءل، أهؤلاء مسلمون حقاً؟ أنا لست ممن يُكفّر وقد عُرفت بأنني محطاط بهذا كل الحيطة، ولكن في الوقت ذاته لابد أن يحملني عقلي على التساؤل، التساؤل الذي لا أملك جواباً عنه، محكمة الديان غداً هي التي تبرم الحكم وهي التي تظهر الحقائق. ما الذي يعجزنا؟


كثيرون هم الذين يعتذرون بأنه عدوان أمريكي مداهم لا قبل لنا به، كثيرون هم الذين قالوا هذا الكلام ممن مدوا أيدي الخيانة والذل إلى هذا العدو. فما الجواب؟ الجواب أن هذا المنطق لمن حُجب عن الله وأنكر حاكمية الله، وأنكر أن القوة كلها إنما هي بيد الله سبحانه وتعالى. ومن ثم أنكر كلام الله القائل: ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.


هذا منطق من - لا أقول أعرض بل - استهان ثم جحد بقول الله سبحانه وتعالى وهو يعلمنا نخاطب ربنا: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ﴾ أجل إن وليي الله لا ولاية لأحد في الكون علي إلا الواحد الأحد ألا وهو الله سبحانه وتعالى. هذا الذي يقف هذا الموقف ينكر كلام الله سبحانه وتعالى.


ربنا سبحانه وتعالى أعلن عن نفسه أنه يتولى الصالحين، يتولاهم أي ينصرهم، يكلؤهم، يحصنهم، كن مستقيماً على أوامر الله سبحانه وتعالى أجل.


ربنا سبحانه وتعالى ألزم ذاته العلية بأن ينصر عباده المؤمنين، ألزم ذاته العدية أن يرد خائنة العدوان على المؤمنين، أي المؤمنين؟ الصادقين المؤمنين الذين أتبعوا القول بالعمل، المؤمنين الذين لم تكذب ألسنتهم قلوبهم، كن من هؤلاء المؤمنين وانظر كيف يتضاءل عدوك ثم يتضاءل إلى أن يصبح كالحشرة التافهة، لكن من الذي حول هذه الحشرة إلى عدو خطير، إلى وحش كاسر؟ الذي حوله من الصغر إلى هذا الكبر نحن، نحن، تخاذلنا، إعراضنا عن ربنا سبحانه وتعالى، إعراضنا عن كلام الله سبحانه وتعالى والالتزام الذي ألزم به ذاته العلية، أجل ﴿هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ * وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.


أروني قادة الأمة الإسلامية اليوم، هل تتراءى في سلوكهم، دعك من كلماتهم، هل تتراءى في مواقفهم، هل تتراءى في شهامتهم، هل تتراءى في إنسانيتهم ما يثبت أنهم مسلمون؟ كلكم يعلم الجواب على هذا.


﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ كلامٌ رباني منزلٌ على عباد الله سبحانه وتعالى يتضمن قانوناً يسري إلى قيام الساعة، والتاريخ يضعنا أمام واقع الطرد والعكس لهذا القانون، كلما كانت هذه الأمة صادقة مع الله سبحانه وتعالى كلما كانت هذه الأمة تجعل لسانها مصداق قلبها، حقق الله سبحانه وتعالى ما ألزم به ذاته العلية. وكلما تخاذلت هذه الأمة وكلما نكست على عقبها - وفي التاريخ جيوبٌ من هذا القبيل - كلما تخلى الله سبحانه وتعالى عنها.


تريدون النصر؟ باب النصر مفتوح يكذب من يقول نحن نريد النصر،


الإنسان تجري في عروقه دماء الشهامة هذا هو المفروض أياً كان، الإنسان تتنامى بين جوانحه مشاعر الإنسانية أياً كان، الإنسان مفطورٌ على التعالي على إباء الضيم أياً كان. أين هؤلاء الذين تنبض عروقهم بدماء الشهامة؟ ينتفضون لإخوانهم الذين يذبحون ويقتلون وهم برءاء صباح مساء. أين هي مشاعر الإنسانية تقذف بهم إلى العلو بدل من أن تنحط بهم إلى أرض المهانة والذل.


يقول ربنا: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾. المؤمنون إخوة لا تحجزهم وهم وحدة آراء متنوعة لا تحجبهم أوطان سياسية متنوعة، لا تحجزهم ألوان متنوعة، هذا هو ديننا. المؤمنون إخوة يأتي الأمر الإلهي الناصح أصلحوا بين أخويكم، لا تتخاذلوا تناصروا، قفوا تحت مظلة العبودية لله والتجؤوا إلى الله سبحانه وتعالى أنصركم، أبعد عنكم أذى الأعداء جميعاً، هكذا يقول الله عز وجل. أين هم الذين يتفاعلون مع هذا الكلام الرباني؟ ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾.


كيف يتصور عقل العاقل أن يكون إخوانكم في غزة وفلسطين يقتلون ويذبحون وتسفك دماؤهم وتنهار بيوتهم فوق رؤوسهم صباح مساء، ثم تسمع أن فلاناً من القادة المسلمين يجلس مع رئيس هؤلاء الأعداء، جلسة تشاور، جلسة مذاكرة. أيدخل عقلكم هذا الكلام أيها الإخوة؟! حسناً قبلنا الضيم، هبطنا هبطنا، وصلنا إلى واد من المهانة والذل .. وبعد ذلك ما هو الخط الأحمر الذي إذا وصلنا إليه استيقظنا متى؟ متى؟


أإذا عدنا كالحشرات ذلاً ومهانةً، تصوروا هذا الذي يقع آلاف الأسرى ذكوراً، إناثاً، صغاراً، كباراً، بدون مبررٍ قانوني يؤسرون وتغلق عليهم النوافذ تحت سلطان هذا العدو الأرعن وفي سبيل أسير واحد جندي مبررات أسره موجودة، في سبيل هذا الجندي تهدد بلد بكاملها بالمحاق، تهدد بلدة كاملها بالدمار وأصوات المسلمين أين هي؟ أصوات قادة المسلمين أين هي؟ ذل، خور، ضعف، مهانة كل ذلك ركب المسلمين.


الحكمة واضحة هذه أمة لم تعلو إلى سدة العز بعرق جبين لها أبداً وإنما اعتلت سدة العز بالإسلام، ما كانت وفية بهذا الإسلام وما كانت صادقة مع الله به لا يمكن أن تنزل عن عرش هذا العز أبداً ولكن عندما تعرض عن أمر الله، عندما تعرض عن بيان الله، عندما تتصف بنقيض ما وصف الله ورسوله به المؤمنين فلا بد أن تتهاوى، لابد أن يأمرها الله عز وجل بأن تنزل عن هذا العرش، وكأن الله يقول لها أيتها الفئات التي تجمعت بالمسار لن يعلوا أحدٌ منكم إلى هذا العرش بعرق جبينه ولا بقوة من لدنه ولكن بهذا الدين. أما وقد أعرضتم عن هذا الدين، أما وقد تمرنتم به، أما قد أعرضتم عن وصايا ربكم إذاً فاهبطوا إلى الدرك الأسفل الذي كنتم فيه.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.   


 

تحميل



تشغيل

صوتي