
العلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي


الحب أرقى شعور إنساني فلا تمسخوه على الطريقة الغربية
الحب أرقى شعور إنساني فلا تمسخوه على الطريقة الغربية
خطبة الإمام الشهيد البوطي
تاريخ الخطبة: 10/02/2006
الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
أمّا بعدُ فيا عباد الله ..
عندما أعلن أناسٌ في الغرب عن عداوتهم لدين الله سبحانه وتعالى، وأصروا على أن يُنفسوا عن أحقادهم السوداء في حق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، واستعلنوا ذلك في صحف ووسائل إعلام. كان أهل هذه البلدة في مقدمة من جدد انتماؤه لهذا الدين واصطلاحه مع رب العالمين سبحانه وتعالى. كان أهل هذه البلدة في مقدمة من أعلنوا عن تمسكهم بدين الله واعتزازهم بشرعه وتمسكهم بهدي نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، أسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصوات قلوبهم وأعلنوا أنهم مستعدون أن يقدموا أرواحهم قرباناً في سبيل الدفاع عن دين الله وفي سبيل الذود عن شرعة الله سبحانه وتعالى.
أعلنتم ذلك واعتززتم بانتسابكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشَرَفِ أنكم من أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأحسب أن ملائكة الله شهدت لكم بصدقكم فيما قلتم وأحسب أن السماوات العلى والأرض التي تسيرون عليها ستشهد لكم بذلك، وأحسب أن الله عز وجل قد قبل منكم مشاعركم وهي أصوات انبثقت من قلوبكم قبل أن تنبثق من حناجركم.
فأرجوا يا عباد الله وقد قدمتم بين يدي مولاكم وخالقكم هذه الصفحة البيضاء، وأعلنتم عن قلوبكم النابضة بحب الله وبحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرجو وآمل أن لا تلطخوها بعد اليوم بشيء من السواد، آمل من أهل هذه البلدة المباركة أن لا ينسوا الأصوات التي اتجهت إلى سماوات الله عز وجل تعلن عن صدق انتسابهم إلى دين الله وتعلن عن بيعتهم الجديدة لله ورسوله.
إن السحب الداكنة التي تفد من الغرب من أجل أن تنسيكم هذا العهد كثيرة، وإن بين يدي الساعات الآتية سحاباً قذراً يفد إليكم من الغرب إياكم أن تتلطخ الصفحة البيضاء التي صعدت إلى سماوات الله تعالى بسواد هذه السحابة القذرة، عيد الحب عيد لا نعرفه ولا تعرفونه وهو شيء استولد واخترع منذ سنوات قليلة، وإنما أخترعه من اخترعه كوسيلة من الوسائل الكثيرة، لنسف ما تبقى من الخلق ولنسف ما تبقى من رسوم الأسرة وأطلالها، لنسفها في الغرب ولإرسالها لهذا الشرق الإسلامي الذي لايزال معتزاً بإسلامه ومعتزاً بقيمه.
المراد من هذا المخترع الحديث أن يفد إلينا وأن يفعل فعله في نسف بقايا الأخلاق ونسف الأسرة التي ما زلنا نعتز بها وما زالت دعامة وجودنا الحضاري والإنساني، يُغطى ذلك كله باسم أرقى معنى من معاني الإنسانية ألا وهو الحب، الحب هو فعلاً أرقى شعورٍ إنساني متع الله سبحانه وتعالى به الأسرة الإنسانية ولكنكم جميعاً ينبغي أن تعلموا أن المطلوب مسخ هذا الشعور الإنساني العالي وإنزاله إلى الحضيض.
المطلوب هو إيقاد مشاعر الحب وإيجاد العلاقات الإثنية بين الرجل والمرأة بل كما نشهد اليوم بالغرب بين الشاب والشاب بعيداً عن ميزان الخلق، بعيداً عن الضوابط الإنسانية المتعالية السامية، بعيداً عن شرعة الزواج، هذا هو المراد وهذا هو المطلوب يا عباد الله.
بالأمس أسمعتم نبيكم محمداً صلى الله عليه وسلم أصوات قلوبكم وأعلنتم عن ولائكم مجدداً لمولاكم وخالقكم بل أعلنتم أنكم مستعدون أن تقدموا أرواحكم فداءً لدين الله، فداءً لأحكامه وقيمه ومبادئه ورموزه، واليوم يحاول الغرب كما حاول بالأمس وقبل الأمس أن يلطخ صفحة عهدكم الجديد مع الله سبحانه وتعالى فكونوا يا عباد الله حراساً على هذه الصفحة الناصعة التي أحسب أن الله قبلها منكم.
ولقد أرسل لكم رسالة القبول في هذه الأيام ولسوف تفد إليكم وسائل أخرى تُنبئوكم عن قبول الله عز وجل لإيمانكم ولحبكم لرسولكم، ولكن المطلوب أن لا تلطخوا هذه الصفحة، كونوا حرساً على صفحة أفئدتكم البيضاء أن لا يلطخها هذا العهر الوافد إليكم بشيء من السواد. ما السبيل إلى ذلك؟ هل نكفر بالحب؟ من قال هذا؟
الحب معنى من أجل معاني الإنسانية ولولا الحب لما كانت وحدة الأمة، لولا الحب لما تنامى شعور الإخاء بالأسرة الإنسانية، إذاً ما السبيل إلى أن نبعد الآثار السوداء لهذا العهر المخترع الذي يرسل إلينا وإلى مجتمعاتنا في هذه الأيام في كل عام؟ السبيل إلى ذلك ما قلته بالأمس وأقوله اليوم، اجعلوا هذا العيد عيداً تعلنون فيه عن حبكم لمن؟ لمن هو أولى الكائنات بالحب، أعلنوا أنه عيد حباً لله، أعلنوا كما أعلنتم بالأمس أن قلوبكم لن تكون أوعية إلا لحب واحد، حب الله سبحانه وتعالى اجعلوه عيداً تجددون فيه حبكم لمن خلقكم، لمن سواكم، لمن أكرمكم، لمن غمركم بمظاهر لا تحصى من الإحسان والملل والمنح.
يا عباد الله عندما نوفق أن نجعل قلوبنا أوعية لحب الله، لحب واحد فإن هذا الحب ستتفجر من جذعه أغصان كثيرة من الحب، ستتفجر من جذع محبة الله، حب الزوج للزوجة، حب الزوجة للزوج، حب الآباء للأبناء، حب الأبناء للآباء، حب الإخوة للإخوة، حب الإنسان لأخيه الإنسان، أجل حب العبد لله سبحانه وتعالى جذع إذا تنامى وتحقق تفجرت منه هذه الأغصان كلها، بحبي لله عز وجل أحب عباده، بحبي لله سبحانه وتعالى تشتد صلة القربى بيني وبين إخواني وأقاربي وأرحامي وجيراني كما تعرفون أيها الإخوة، ولكن إذا جعلت قلبي وعاءً لحب شخص، لحب إنسان، لحب إنسانة، لحب مال، فإن هذا الحب يحجبني عن الله، ينسيني محبة الله.
فانظروا كم من الفرق بين أن تغرس حب الواحد الأحد الديان في قلبك وبين أن تغرس حب فلان أو فلانة أو كذا أو كذا من المخلوقات في قلبك. حبك لله يقربك إلى عباد الله، يزيدك حباً لهم، يربطك بصلة القربى والأخوة بهم، بينما حبك للآخرين يحجبك عن الله.
أيها الإخوة إياكم أن تجعلوا من هذا العهر الذي تجري سحبه متجهة إليكم وبعد ساعات ستصل، إياكم أن تدعوها تتجه بكم إلى الحضيض، إياكم أن تلطخ صفحتكم البيضاء التي تعالت إلى السماء بالأمس، إياكم، وجهوها لا أقول تناسوها أو تجاهلوها وجهوها إلى ما يرضي الله، عيد الحب أجل نحتفي به لكن من هو هذا الذي ينبغي أن نوجه أفئدتنا إليه بالحب؟ هو الله عوامل الحب كم قلت وأقول ثلاثة جمال يأسر القلب، إحسان يهيمن على مجامع النفس، عظمة تبهر البصائر. من هو أي جميل في الكون؟ إنه خالق الجمال. من هو المحسن المتفضل؟ هو الله عز وجل. من هو العظيم الذي تبهر عظمته البصائر والأبصار؟ هو الله إذاً لا يستهل أحد أن يهيمن حبه على قلوبنا إلا الله ولكن بحبنا لله نحب عباده، بحبنا لله عز وجل تمتد صلة القربى.
الوسيلة الكبرى التي ينبغي أن لا ننساها والتي يؤكد بيان الله عز وجل على أسماعنا ضرورة التنبه إليها، أن يكون ولاؤنا لله، أن لا يكون لنا ولي في هذا الكون إلا الله، فلا نوالي إلا الله ورسوله ثم المؤمنين على أساس الحب والود كما قد قلت لكم.
انظروا إلى كتاب الله كم يضعنا أمام ميزان عدلٍ في هذا الصدق، أما صلة الند للند فشيء أذن الله عز وجل به بل دعانا إليه، عامل الأسرة الإنسانية كلها بما فيها من مؤمنين وفاسقين وكفرة وأصحاب أديان مختلفة على أساس صلة الند للند، على مستوى واحد، انظروا إلى قوله ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾. ولكنه في الوقت الذي أمرنا بالقسط أي العدل العلاقة ندية في الوقت ذاته حذر وكرر حذر وكرر من أن نتخذ من غير الله ورسوله والمؤمنين أولياء.
وما معنى الولاية؟ الولاية أن نتبع الكفرة الجاحدين، نتبع من حذرنا الله عز وجل من موالاتهم، أن نقلدهم، أن نخضع لأحكامهم إن بشكل مباشر أو غير مباشر، أن نسير وراء منهجهم، وراء تياراتهم الأخلاقية المختلفة المتنوعة، تلك هي الموالاة نهيب من الله عز وجل أن لا نهبط إلى هذا الحضيض، نحن أعزة ما ينبغي أن نتخذ من غير الله ولياً، انظروا إلى قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ إلى أن يقول: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ﴾ أي بموالاة غير الله ورسوله ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ عاد فقال ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ تأملوا وتدبروا هذا الكلام أيها الإخوة، عاد فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
تمسكوا بهذا المبدأ القسط والمر ننهض به ونمد بجسور الصلة بيننا وبين الآخرين على أساس هذه الندية التي بصرنا بها ربنا عز وجل نعم ولا حرج. أما الموالاة فما هي؟ التبعية أي الخضوع، لا ينبغي أن تكون هذه الموالاة إلا لمن خلقنا، إلا لمن بيده حياتنا ومماتنا، إلا لمن إليه قدرنا وانظروا آيات طويلة كلها تدور على التحذير من موالاة غير الله ورسوله. هذه هي الضمانة إذا حققنا هذا الذي يأمرنا به الله عز وجل فلم تفد إلينا من رياح الغرب أي شرارة، أي أذية تُسيء إلينا وبوسعنا أن نحصن أنفسنا من المكائد كلها، ضد الأخطار كلها لكن ينبغي أن أذكر نفسي وأذكركم وأذكر قادة المسلمين لا سيما في بلادنا أن لا نوالي إلا مولانا وخالقنا وانظروا كيف يقول ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يبعد عن أمتنا كل الأخطار التي تهدد ديننا وأسأل الله عز وجل أن يجعل من إيماننا به وحبنا لله ولرسوله حصناً يقينا مكائد الكائدين وعدوان المعتدين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم فاستغفروه يغفر لكم.