مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 03/02/2006

عاقبوا أصحاب الحرية الزائغة

عاقبوا أصحاب الحرية الزائغة


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 03/02/2006


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏


أما بعد فيا عباد الله‏


إن الله سبحانه وتعالى أعلن على مسامع هذه الخليقة، الإنسان أعلن عن عبوديته التامة لله سبحانه وتعالى، ولكنه في الوقت ذاته أعلن عن أن الله عز وجل قد متَّع هذا الإنسان بحرية النظر وحرية الفكر وحرية السلوك، فقال بصدد الإعلان الأول: ﴿يا أَيُّها النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 21]، وقال بصدد الإعلان الثاني: ﴿وَنَفْسٍ وَما سَوّاها، فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها﴾ [الشمس: 7-8]، وقال: ﴿إِنّا خَلَقْنا الإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً﴾ [الإنسان: 2].


فلماذا؟ لماذا أعلن البيان الإلهي عن عبودية الإنسان لله سبحانه، ثم إنه أعلن عن أنه فتح أمامه السبيل واسعاً ليتفكر كما يشاء وليختار السبيل الذي يريد أن يسلكه حرّاً كما يريد، لماذا؟


الجواب يا عباد الله:


أن مولانا عز وجل أراد أن يتبين الإنسانُ هُويته عبداً لله عز وجل من خلال فكره، من خلال تأمله، من خلال ذاته عاقلاً ناظراً مجرباً؛ لكي يصل من وراء ذلك إلى معرفة الحقيقة. وعنصر التعاون الإنساني في هذا هو ساس فعال. فالحرية التي أنعم الله بها على الإنسان ليست حرية فرد معين ولا فئة خاصة ولا محكمة أو قادة ممتازين عن شعوبهم، وإنما هي هبة وهبها الله عز وجل لعباده جميعاً كي يتخذوا منها سبيل حوار، سبيل نقاش، سبيل تداول، سبيل تجربة. ومن ثم يصل الجميع إلى معرفة الحق الذي أعلن عنه بيان الله سبحانه وتعالى. تلك هي الحرية التي نسجت للمجتمع الإنساني لَبوس الحضارة. تلك هي الحرية التي تكون منها بساط واسع عريض؛ تعاونت فيه فئات الناس جميعاً لكي يصلوا إلى مِرقاة الحق، ولكي يصلوا إلى سُدة السعادة. تلك هي الحرية التي أعلن عنها عمر بن الخطاب يوم قال: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أماتهم أمراراً". هذه هي الحرية التي أرساها دين الله عز وجل وهي - كما قلت لكم - نعمة وارفة لعباد الله جميعاً على السواء، ليست خاصة بفئة دون أخرى، وهي الحرية التي أثمرت في تاريخنا الأبلج الأغر الحضارة الإنسانية التي لم تُخلق حضارة على وجه البسيطة مثلها.


فتعالوا فانظروا إلى الإنسانية كيف تُمسخ اليوم باسم الحرية. تعالوا فانظروا إلى الحرية كيف تُستعمل سلاحاً لذبح الحرية. تعالوا فانظروا اليوم إلى الحرية التي تتحول إلى قنابل موقوتة تُزرع هنا وهناك لتدمير العالم كله.


ماذا نشهد اليوم أيها الإخوة من شعارات الحرية التي ترفعها طائفة من المُسْخ في مجتمعاتنا الإنسانية؟


الحرية هناك: هي الرعونة التي تستبد بزيد من الناس فتدفعه إلى أن يقتلع داراً قد ضَيَّقت الطريق في سبيله إلى ما يريد، هو حُرٌّ: فلينسف الدار.


الحرية التي تجعله يشعر بالغيظ من أمة تعيش كما يعيش، يدفعه هذا الغيظ إلى أن يمارس حريته في القضاء عليها إن استطاع ما بين عشية وضحاها.


الحرية التي غدت سلاحاً للحقد للضغينة العمياء، هذه الحرية هي التي مسخت الإنسانية في كثير من ربوع الغرب اليوم.


نحن أيها الإخوة ينبغي ألا ننسى أن الدين.- والدينُ عند الله الإسلام منذ أن خلق الله آدم إلى أن تقوم الساعة - هو هذا الدين الإسلام، سُداه ولُحمته حرية النظر، حرية الفكر. سُداه ولُحمته بساط واسع عريض من الحرية لكن تتحرك عليه الأسرة الإنسانية جمعاء، تتحرك عليه فئات الناس جميعاً على اختلاف مراتبهم وفئاتهم.


ولكن هذا البساط يُراد له أن يُطوى اليوم؛ لتتحول الحرية إلى عرش واحد يتبوؤه القوي فقط، وإن كان هذا القوي ثلةً يسيرة من البشر، وإن كان هذا الذي سيتربع على هذا العرش واحداً. ينبغي أن يمارس حريته في القضاء على الآخرين، ينبغي أن يمارس حريته في تجريد سائر الناس من حقوقهم، من ممتلكاتهم، من قيمهم، من مبادئهم، من حرياتهم باسم الحرية.


هذا ما تسمعونه يا عباد الله - وربما ترونه أيضاً - مظهرٌ واضحٌ جداً لمسخ الإنسانية، ومظهرٌ واضحٌ جداً لتحول المجتمع الإنساني باسم الحرية الكاذبة إلى همج من الخلائق يتحركون بأرواح عجيبة، إلى وحوش ضارية تتهارج وتتقاتل ليأكل القوي منها الضعيف. هذا الذي وقع بالأمس. لا. قبل أشهر. في تلك البقعة من عالمنا الإنساني الواسع الأرجاء تم فعلاً تحت اسم الحرية. ولكن أي حرية؟ حرية الحاقد على المجتمع الإنساني الذي يضيق ذرعاً بالبساط الذي بسطه الرحمن لعباده جميعاً أن يتحركوا فوقه ويمارسوا حرياتهم على السواء. يحقدون على هذا البساط من الحرية، ويحقدون بعبارة أوضح وأجلى على القيم الإنسانية المثلى. والقيمُ الإنسانية المثلى ما تجلّت خلال تاريخ الأسرة الإنسانية كما تجلت في دين الله الذي شرف الله عز وجل به عباده. حقدٌ دفين يغلي كالمرجل بين جوانح أناس أقزام هناك. غيظ يكاد يفجر المرارة في نفوس أناس أقزام أقذار هناك.


غيظ على ماذا؟ حقد على ماذا؟ على هذا الإسلام. ولماذا؟ لماذا لم يتجل هذا الحقد - وقد كان موجوداً ولكنه دفين - لماذا لم يظهر إلى اليوم؟


بكلمة مختصرة واضحة السبب في ذلك هذا الإقبال المتزايد إلى دين الله عز وجل في ربوع الغرب؛ هذا الدخول العارم في دين الله عز وجل إنْ مع التكتم وهو العدد الأوفر والأعظم، وإن مع الاستعلان بذلك وهو العدد الأقل. هذه الظاهرة نراها نحن على البُعد، ولكنّ أولئك الأقزام يرونها من قريب. في ألفين وخمسة لم يقل عدد الذين دخلوا في الإسلام جهراً في ألمانية عن ألف شخص، لم يقلّ عددهم عن ذلك. أما الذين دخلوا متكتمين فلا يستطيع أحد أن يعرف اليوم إحصاءهم. أما الذين دخلوا في العام الغابر في الإسلام وهم آلاف متكتمين في إيطالية فإن أحداً لا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى.


هذا هو سبب الغيظ. غيظ يكاد يُقَطِّع المرارة، حقدٌ دفين يُسْكِر، ويذهب بالعقل. هذا الحقد الدفين كيف يمكن أن يعبِّر عن ذاته؟ كيف يمكن أن يُطلِق زفراته؟ وبأي سلاح؟ سلاح ما يسمى بالحرية. ومن هنا استعمل أولئك الأقذار الأقزام هذا الذي سموه الحرية للإساءة إلى نبي الإسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم.


وليست الحقيقة الدافعة إلى ذلك متمثلة في أي حرية أبداً، إنها متمثلة في الحاجة إلى التنفيس عن الغيظ، متمثلة في الحاجة إلى التنفيس عن الحقد، عن الضغينة، وإلا لتفجرت المرارة، وإلا لأصيب هؤلاء بتشنج ربما يُفْقِدهم الحياة - والغيظ يفعل أكثر من ذلك أيها الإخوة - هذا هو الذي دفعهم إلى هذا الأمر.


ما هي الحُجة التي تذرّع بها أولئك الذين أطلقوا زفراتهم الحاقدة؛ وتخلصوا بذلك عن تفجير المرارة التي تُنْذِرهم بالهلاك؟ كان عذرهم أنهم يمارسون الحرية، وأنهم في الغرب يتحركون في ساحة واسعة لا حدود لها من الحرية.


هل هذا الكلام كلام صحيح يعبِّر عمّا استقر في عقولهم؟ لا أيها الإخوة. ألسنتهم تكذّب عقولهم، ألسنتهم تكذّب ما في أنفسهم. ما من عاقل إلا وهو يعلم أن الحرية الحضارية بساط نُشِر للإنسانية جمعاء، وليس مِلكاً لعرش من العروش. ليس مِلكاً لدين من الأديان. ليس مِلكاً لفئة من الفئات. ما من عاقل إلا وهو يعلم ذلك. ولكنِ الغيظ يفعل ما لا يتصوره العقل. الغيظ يمسخ الإنسانية، الغيظ يمسخ الإنسان إلى وحشٍ ضارٍ، يمسخ المجتمع الإنساني إلى مجتمع من الوحشية والتهارج والهمجية القذرة. ولذلك فإن الغيظ ينبغي أن يُعْذَر. نحن لا نُعْذر الحرية ولكننا نُشفق على أصحاب الغيظ، نُشفق على من تتميز أفئدتهم وتكاد مرارتهم أن تتفجر كما قلت لكم.


الحرية. ماذا لو أن دعاة هذه الحرية تحدثوا بكلمة سوء عن السامية اليوم، هل يجرؤون على هذا؟


إنهم أحطّ وأحطّ من أن يجرؤوا على ذلك. ماذا لو أن صحيفة من صُحفهم تحدثت مشكِّكة فيما يسمونه (المحرقة) التي تجلجل الصهيونية بها وتقتات عليها إلى يوم القيامة من هنا وهنا وهناك؟ ماذا لو أرادوا أن يعبروا عن مشاعرهم ويمارسوا حريتهم في ذلك؟ هل يجرؤون؟


وأنا أعلم أيها الإخوة - وقد ترددت على أوربة كثيراً - أعلم أن فيهم من يحقدون على الصهيونية إلى هنا، وأعلم أن مشاعرهم تتميز غيظاً، لا أقول من الصهيونية وإسرائيل، بل من اليهود كدين أيضاً. أعلم هذا، ولكنهم أجبن من أن يعبِّروا عن مشاعرهم هذه. هذه هي الحقيقة التي نُخْرِس ونُسْكِت بها ألسنة هؤلاء المتقولين. لماذا لا تحركون أقلامكم الحرة في الحديث عن ظلم وظلمات إسرائيل؟ لماذا لا تحركون أقلامكم عن أنواع أسلحة الدمار التي غدت إسرائيل مخزناً لها؟ لماذا؟ كلكم يعلم، ولكنه الجُبْن، ولكنه الخذلان؟


ثُم ليس هنالك حقد دفين على الصهيونية وعلى إسرائيل كالحقد الدفين على دين الله الإسلام، ليس هنالك غيظ يهتاج بين جوانحهم من جراء انتشار الإسلام سراً وجهراً في ربوع الغرب، ليس هنالك ما يبعثهم على شيء من هذا. نعم يا عباد الله.


شيء آخر: يقول قائلهم من أصحاب السلطة هناك: إن العرب يخيل إليهم أن صحيفة ما إذا تحدثت بنوع من هذا الهراء، أو فعلت فعلاً شنيعاً من هذا القبيل فإنما هو لسان هذا المجتمع كله بقضّه وقضيضه، وهذا خطأ يقع فيه العرب والمسلمون. صحيفة مارست حريتها وأساءت إلى نبي من الأنبياء، أو أساءت إلى الإسلام، مسؤولية هذا العمل على صاحبه، هذا لا يعبِّر عن أن السلطة تعبِّر عن مثل ما عبّرت به هذه الصحيفة.


هكذا يقولون. ما الجواب؟


كلكم ينبغي أن يعلم الجواب. ما موقفكم من هذه الإساءة الصادرة عن الغيظ المتحكم في حق الإسلام، ما موقفكم؟ إما أنه الاستسلام والموافقة. وإما أنه عدم الموافقة على ذلك. فسكوتكم وقد مرَّ على الأمر أشهر على هذا العمل الإجرامي المنحط الذي يعبّر كما قلت لكم عن الغيظ العجيب الدفين، سكوتكم إنما هو تعبير بليغ عن تصفيقكم لهذا الهُراء. تعبير بليغ عن موافقتكم لهذا الهراء.


تُرى وأعود فأقول: لو أن هذه الصحيفة أساءت إلى السامية، أساءت إلى خرافة المحرقة، أساءت إلى رمز من رموز إسرائيل، أفكنتم يا رجال السلطة تسكتون وتقولون إن عودة هذا الكلام على قائله، أم إنكم تغلقون الصحيفة وتحيلون المتكلم أو الراسم إلى المحاكمة؟


ما من طفل إلا ويعلم الجواب. هذه هي الحقيقة التي ينبغي ألا يتيه عنها أحد أيها الإخوة.


إذن السر الذي يحرك، والباعث الذي يختفي وراء الأَكَمة غيظ عجيب ودفين ولا، ولا النار الملتهبة في الأعماق على شيء لم يكونوا يتوقعونه؛ هذا الانتشار المذهل العجيب لدين الله سبحانه وتعالى في الغرب. حرية! سمعتم الجواب عنها. ما دُنِّست الحرية في تاريخها إلى اليوم بدنس أشدَّ رجساً من دنس هذا السلوك الذي مارسه أولئك الناس باسم الحرية، وما حُوكمت الحرية وحُكِمَ عليها بالذبح في محكمة مثل هذه المحكمة التي سمعتم أنباءها في تلك الأرض، في ذلك المجتمع المنحط.


والآن ما العلاج الذي ينبغي أن يستيقظ له المسلمون أجمعون، والذي ينبغي أن تجتمع عليه قادة المسلمين أجمع؟ ما هو العلاج؟


العلاج أولاً: المقاطعة السياسية والمقاطعة الاقتصادية، وهذا أقل أقل ما يجب على كل شريف، كل ذي نخوة من العرب والمسلمين أن يفعلوه؛ مسلمين وغير مسلمين. الذي أُسِيء إليه فيما جرى: الحضارة الإسلامية، ودعائمها كثيرة: العقيدة، التعليمات، الأخلاق، الإنسانية، القيم، هذا النسيج الحضاري. أقل ما يجب على قادة المسلمين في عالمهم الواسع المعمور المقاطعة السياسية، ولا أريد أن أفصِّل معنى المقاطعة السياسية، كلكم يعلمها. ثم المقاطعة الاقتصادية. المقاطعة الاقتصادية، ماذا عساها أن تفعل؟ إنكم لتعلمون أن أولئك الناس إنما يعيشون من أجل لقمة طعام، إنما يعيشون من أجل عيش يضمن لهم سهراتهم، ويضمن لهم شِبعهم، ويضمن لهم أمعاءهم ومعدتهم الممتلئة. يَصْدُق عليهم قول الشاعر:


دعِ المكارم لا ترحل لِبُغْيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي


إذا وجد أولئك الناس الذين يلهثون وراء لقمة الطعام، إذا وجدوا أن صلة ما بينهم وبين الطعام أصبحت مُهددة، وأن صلة ما بينهم وبين عيشهم انتابها الزلزال؛ والله لتجِدنَّهم يلعقون الأقدام ويلعقون النعال ويعتذرون في سبيل أن تبقى لقمة عيشهم موفورة.


هذه حقيقة ينبغي أن نعلمها. نحن نعيش للقيم، نعيش للكرامة، نعيش للعقيدة، نضحّي بلقمة عيشنا، نضحّي بطعامنا، نضحّي بشرابنا، هكذا علَّمتنا الهجرة. نضحّي بذلك كله في سبيل القيم، في سبيل أن يرضى الله عنا، في سبيل أن نسلك سبيلاً وراء محمد صلى الله عليه وسلم فيما سلك. أما أولئك فهم أقل شأناً من ذلك كله.


قاطعوا بضائعهم وأعلنوا ذلك على الملأ. استخدموا هذه الوسائل الحديثة الإعلامية أيها الإخوة لتتصلوا بالأسرة الإنسانية، الجمعاء التي تُقدّر القيم أيّاً كانت، اتصلوا بها على كل المستويات وبكل السبل في سبيل أن نقطع صلة ما بيننا وبين أولئك الجِرذان اقتصادياً وسياسياً.


قالوا: إنهم اعتذروا، وإن المسؤولين اعتذروا بالأمس، ولربما يكررون اعتذارهم اليوم.


والجواب: فيم تلبَّث الاعتذار كل هذه المدة؟ متى وقعت الجريمة؟ منذ أشهر. لماذا صمتوا؟ بل لماذا برَّروا؟ لماذا أعرضوا عن الاحتجاجات التي لم تكن قد وصلت إلى تهديدهم باللقمة؟ لماذا؟ لأنهم ظنوا أن الأمة الإسلامية قد أدركها الرقاد فالموت، ظنوا أن المسلمين لم يعودوا مكان خوف. ولكنْ فيما بعد فوجئوا أن الأمر ليس كذلك. لا. إن هنالك بقية من جذوة إيمان تغلي بين جوانح المسلمين قادة وشعوباً.


لا. إن هنالك يقظة ولربما تتكامل عما قريب. والمصائب لها فائدة كبرى أيها الإخوة إلى جانب أضرارها الواضحة. من فوائدها أنها تجمع من شتات، أنها توقظ النائم، وتنبّه الغافل. لعل هذا يوقظ هذه الأمة قادة وشعوباً. وإذا استيقظت هذه الأمة إلى مبادئها وقيمها واستعانت ببارئها وخالقها عز وجل، واجتمع شمل قادتها على هذا الأساس، فإن الحضارة الزائفة ستنطوي، وإن حضارة الإسلام ستنتشر، وإن الله عز وجل سيبعث هذه الأمة بعثاً جديداً.


أيها الإخوة! هذه هي الحقيقة التي ينبغي أن نعلمها. ذكرتُ لكم السبب الخفي، وأوضحت لكم حقيقة الحرية التي يقدّسها دين الله عز وجل والحرية التي تُستعمل في القضاء على الحرية وفي ذبح الحرية، وأوضحت لكم..


من تحدثه نفسه بأن يسلك غداً هذا المسلك ذاته. وهنالك من ينظر ويحاول ويعجن العيدان تُرى ماذا سيكون موقف المسلمين؟ فإن وجدوا تخاذلاً، وإن وجدوا أن الرقاد لا يزال مهيمناً مستحكماً على هذه الأمة؛ فلسوف تجدون أن عدوى هذه الجريمة ستنتشر ذات اليمين وذات الشمال. فاجعلوا من معاقبة هؤلاء المجرمين، اجعلوا من معاقبتكم لهم وتجريمكم إياهم درساً للذين يحدِّثهم نفوسهم أن يفعلوا مثل ذلك. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي