مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 16/12/2005

لكل محنة وبلاء سبب

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله  ..


ثبت في الصحيح أنه لما نزل قول الله سبحانه وتعالى: "لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا". هُرع كثير من الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم سيدنا أبو بكر الصديق، قالوا للمصطفى صلى الله عليه وسلم: ما الخلاص بعد اليوم يا رسول الله؟ أي من منا إلا قد ارتكب وزراً؟ من منا إلا وقع في خطيئة؟ فإن لم يكن هنالك عفوٌ ولا مغفرة فكيف يكون الخلاص إذاً؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "يغفر الله لك يا أبا بكر، ألست تجزع؟ ألست تحزن؟ ألست تمرض؟ ألست تصيبك اللأواء؟ فذلك ما تجزون به".


"لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ". ليس حتماً أن يكون الجزاء يوم القيامة، بل إذا أراد الله بالعبد خيراً عجل له جزاءه ولكن لابد من جزاء، جعل جزاءه على المعصية التي ارتكبها في دار الدنيا متمثلة في جزع، في حزن، في مرض، في لأواء كما قال المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والأخطاء أو المعاصي التي يتورط فيها الأفراد يعاقبهم الله سبحانه وتعالى بجزاءٍ ينال الأفراد، كالأمثلة التي ذكرها المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أما المعاصي التي يتورط فيها المجتمع فإن المصائب تنال المجتمع ذاته، نظراً إلى أن هذه المعاصي وقعت فيه ولم تجد منكراً ولم تجد مذكراً بضرورة الإقلاع عن هذا المنكر، ومن ثم فإن الجزاء الذي يعجله الله سبحانه وتعالى على هذه المعصية إنما تنال المجتمع ذاته، معصية الأفراد جزاؤها ينال الأفراد أما معاصي المجتمع فإن جزاءها ينال المجتمع كله.


وانظروا إلى قول الله سبحانه وتعالى إذ يقول: "أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ". وانظروا إلى قوله عز وجل: "ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" والخطاب هنا صالحٌ للأفراد وصالحٌ للمجتمع.


يا عباد الله نحن مدعوون دائماً إلى أن نلتجئ إلى الله بالدعاء وبالتضرع كلما أصابتنا شدة وكلما مرت بنا محنة، أياً كان نوعها ولكن فلنعلم ونحن نبتهل إلى الله عز وجل بالدعاء أن هذه الشدة ما جاءت إلا لسبب، وأن هذه المحنة ما حلت بنا إلا لمعصية ارتكبناها، إلا لانحراف وقعنا فيه، إلا لمنكرٍ ارتكبناه ولم نجد من ينكره. ينبغي قبل أن ندعوا إلى الله أن يغيثنا أو أن يرفع البأساء عنا، ينبغي أن نتذكر سبب هذه الشدة التي انتابتنا، وإذا لم نعلم السبب فلنرجع إلى بيان الله: "وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير" وربما عفا الله عز وجل عن كثير، الأمر في ذلك عائدٌ إليه.


نحن التجأنا إلى الله عز وجل صبيحة هذا اليوم وتضرعنا على بابه ودعونا، ولكن هل دعاءنا هذا يستوجب الإجابة نظراً إلى أنا قد بذلنا الثمن ونظراً إلى أن قد أدينا الضريبة؟ لا أيها الإخوة، نحن عبرنا بدعائنا عن عبوديتنا لله عز وجل، وعبرنا بدعائنا عن تقصيرنا وعما اجترحناه في حق مولانا وخالقنا جل جلاله، والمأمول من فضل الله عز وجل وكرمه أن يكرمنا بالاستجابة وأن يتجاوز عن أخطائنا وأن يتجاوز عن انحرافاتنا، هذا هو المأمول من رحمة الله ونحن نقف عند قوله عز وجل: "وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ"، ولكن أما ينبغي أن نشم رائحة أكفنا؟ أما ينبغي ونحن ندعو الله عز وجل أن ننظف كياناتنا من المعاصي التي ارتكبناها، إن كانت المعاصي تتعلق بأفراد؟ أو أما ينبغي أن نعود إلى مجتمعنا والهيئة التركيبية فيه فننظر إلى المعاصي الخطيرة المتوضعة فيه فنعمل جاهدين على إزالتها، وأقل ما ينبغي أن ننكره وأن نعلن أنه منكر لا نرضى عنه لأن الله عز وجل لا يرضى عنه؟ عندما نلحق بالدعاء هذا الموقف الذي يطلبه الله عز وجل منا فالاستجابة ستكون سريعة والاستجابة ستكون أكثر مما نرجو ونتوقع.


معاصينا كثيرة أيها الإخوة، أما بالنسبة للأفراد فكل امرئ ولي نفسه يستطيع أن يعود فينظر إلى المعاصي التي ارتكبها مابين لحظة وأخرى إلى الله عز وجل، ويعود إلى أسرته فينظر إلى المعاصي التي قد توضعت في داره فيتوب ويلزم أهله بالتوبة النصوح إلى الله عز وجل، ولكن ماذا عن المعاصي المنتشرة في المجتمع؟ نحن لا نملك اجتثاثها ولم يخولنا الله عز وجل أن ننهض نحن بأيدينا إلى اجتثاثها، ولكن الواجب الذي ينبغي أن لا نقصر فيه أن نعرض عن المنكر الذي توضع فيما بيننا، وأن نعلن أننا غير راضين عن هذا المنكر، وأن نذكر المسؤولين بكل رفق أن ينتبهوا هذا المنكر وأن يقتلعوه من مجتمعاتنا.


المنكرات كثيرة، ولكني في هذا الموقف أذكر بواحد لعله من أخطرها وما عرفته وتبينته إلا من قريب، وأنا لابد أن أعلن الإنكار وأعلن عن عدم رضانا عن هذا المنكر الشنيع ولا بد أن نهيب بقادتنا وأُلي الأمر فينا أن يزيلوا المنكر بأقرب وقت. كان النظام بل القانون الساري يقتضي إذا دخل رجلٌ وامرأةٌ إلى فندق ليستأجر غرفة واحدة كان لابد للرجل أن يظهر الوثيقة التي تكشف أن هذه المرأة زوجته أو أخته مثلاً، وكان هذا القانون سارياً إلى ما قبل عدة أشهر، نُفاجئ اليوم بقرارٍ من الوزير الذي رحل إلى الله بعاقبة لا ندري حقيقتها، نسخ ذلك القرار وأحل في مكانه قرار آخر يقول: لا يحق لموظف الفندق أن يسأل الرجل إذا كانت معه امرأة لا يحق له أن يسأله عن أي وثيقة تكشف علاقة هذه المرأة به تحت طائلة العقوبة إن هو فعل ذلك. معنى هذا أننا فتحنا من الفنادق مواخير، ومعنى ذلك أننا يسرنا العهر وأسبابه ورجاله ونساءه ورحبنا بهم وأي ترحيب.


فرقٌ كبير أيها الإخوة بين معصية وقعت سراً بعيد عن أنظار الناس وأنظار المسؤولين، هذا أمرٌ عائدٌ إلى الله عز وجل ولعل الله عز وجل لا يأخذ المجتمع بمثل هذه المعاصي. أما هذا الذي لم تصدقه عيناي عندما قرأته بالأمس أن نطالب موظفي الفنادق بأن يوفروا للرجال الذين يصطحبون نساءً لاندري علاقتهن بهم أما أن نطالب موظفي الفنادق بأن يغضوا الطرف ويسيروا لهم ما جاؤوا من أجله ويفتحوا أنهار وأبواب غرف الفنادق لكي ينهض العهر فيها على قدم وساق فهذا شيء عجيب وغريب، ترى ما المصلحة التي اقتضت ذلك؟ أي عدوٍ من أعداء الإسلام كلفنا بذلك، هددنا إن لم نتخذ هذا القرار بأي بلاء وبأي عدوان إطلاقاً؟ أمريكا لم تلزمنا بهذا، إسرائيل لم تلزمنا بهذا بشكل من الأشكال، هذا منكر خطير أيها الإخوة وهذا العمل يعني بطريقة صامتة وكم تكون الأيام الخطيرة صامتة يعني دعوة كل من يريد أن يمارس العهر ولا يجد مكاناً لممارسته أن تعالوا فكل الفنادق لكم، كلها مفتوحة لعهركم.


من ذا الذي كان يتوقع أن توجد في دمشق، في هذه البلدة هذه الظاهرة بل أن يوجد فيها هذا القانون؟ كنا نتوقع أن يرحل هذا القرار مع الموقع عليه، كنا نتوقع أن يمزق هذا القرار مع التمزيق الذي قضى الله عز وجل به على ذاك الذي وقع عليه. لكن يبدو أنه لا يزال جاري المفعول.


أنا أيها الإخوة غيرة على هذا الصباح والاستغاثات التي تعالت إلى أجواء الفضاء بل إلى سماء الله العالية من أجل أن يمطرنا ومن أجل أن يرفع عنا البأساء ومن أجل يبعد عنا الشدة، من أجل أن يبدل شدتنا رخاءً غيرةً على ما جرى في هذا الصباح لا بد أن أقول هذا الكلام، ولابد أن أبينه ولابد أن أهيب بالمسؤولين في بلادنا أيدهم الله سبحانه وتعالى بتأييد من عنده وأخذ بنواصيهم إلى ما يرضيه وصرفهم عن ما لا يرضيه، لابد أن يُلغى هذا القرار ولابد أن نجد الغيرة على ما عرفت به هذه البلدة من الشرف، من النخوة، من الالتزام بأمر الله عز وجل.


أنا لا أدعو إلى أن تكون مجتمعاتنا نقيةً عن الشوائب، نقية عن المعاصي هذا لا يتأتى نعم، والله عز وجل ستير يحب الستر، ولكنني أحذر من نجلجل بالمعاصي، نحذر من أن نتخذ قرارات تفتح الأبواب على مصاريعها لهؤلاء الذين يريدون أن يستنزلوا غضب الله علينا مجاناً، نعم، هذا ما ينبغي أن نعرفه.


والإرهاب الذي تقعد الدنيا وتقوم بالحديث عنه، من الذي يصنعه؟ مثل هذا يصنع الإرهاب عندما يجد الإنسان وهو ملتزمٌ بأمر مولاه وخالقه، عندما يجد الإنسان وقد ربي على الشرف الذي نسجه ديننا والذي جعله دماء تسري في عروقنا، عندما نجد أن الفنادق قد آل أمرها إلى هذا الذي ذكرته لكم، ينبغي أن نتوقع أن تفور فائرة هؤلاء الناس وأن تتحول دماؤه في عروقه إلى نيران وأن يتصرفوا تصرفات تقفز فوق قرارات العقول، إن شئنا أن نقضي على الإرهاب فلنقض على التطرف، فلنقضي على الانحراف، فلنقضي على المعاصي ثم نترك المجتمع بعد ذلك لستر الله سبحانه وتعالى. أعود فأذكركم بقوله تعالى " َمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ". الشدة التي تطوف بنا من الخارج بما كسبت أيدينا، الأمطار التي حبست عنا، بما كسبت أيدينا، ألا إن الفرج قريب على أننا نتشبث بقول الله عز وجل "وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ". اللهم اعفو عن كثير الذي ارتكبناه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي