مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 11/11/2005

الإرهاب صناعة بريطانية تظهر بصورة إسلامية

الإرهاب صناعة بريطانية تظهر بصورة إسلامية


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 11/11/2005


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏


أما بعد فيا عباد الله‏


إن من أبهر وأجل الدلائل القاطعة على نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم تلك الأحاديث التي تتضمن بياناً لحال أمة من بعده، والتي تتضمن بياناً جلياً للأحداث التي تتقلب أمته فيها، والتي تتضمن تحذيرات كثيرة لأمته من بعده، وإشارات وفيرة لما ينبغي أن تفعله، وللنهج الذي ينبغي أن تسلكه عند وقوع الملمات والفتن التي يصفها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ومَن استعرض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب الملاحم والفتن رأي من هذا الذي أقوله شيئاً عجيباً.


من أبرز هذه الأحاديث التي يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها الأجيال الآتية من أمته مرشداً ومحذراً ومنبهاً؛ قولُه صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه وغيره؛ أنه صلى الله عليه وسلم قال: ﴿من خرج من أمتي على أمتي، لا يفرق بين برها وفاجرها، ولا يتحاشا مؤمنها، ولا يفي بذي عهدها، فليس مني﴾


كلنا يعلم أن العصر الذي كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بريئاً من هذا الذي كان يحذر منه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والأجواء التي كان فيها أصحاب رسول الله رضوان الله عليهم لم تكن لها أية علاقة بهذا الذي يتصوره المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم يحذر أمته منه، ولكنه حدث أطلعه الله عز وجل عليه، سيقع من بعده، وفتنٌ كشف الله سبحانه وتعالى لرسوله عن الثقاب عنها، فأراه صلى الله عليه وسلم إياها، كشفتها الله عز وجل لرسوله، وأراها إياه كما ستقع، ومن ثمَّ وجه إرشاداته وتحذيراته إلى أمته عندما تقع هذه المصائب، وعندما تدلهم هذه الفتن: ﴿من خرج من أمتي على أمتي، لا يتحاشا مؤمنها﴾ لا يبالي بأن يوقع الأذى في المؤمنين من عباد الله عز وجل: ﴿ولا يفرق بين برّها وفاجرها، ولا يفي بذي عهدها﴾ ذو العهد الكافر أياً كان، الذي دخل بلاد الإسلام بموجب عهد وبطاقة، هذا هو الذي عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي العهد، فلا يفي بذي عهدها. هذا الإنسان ليس مني أنا بريء منه، أليس هذا الذي يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفاً دقيقاً لما يقع اليوم، ولما تسمعون به اليوم؟ أليس هذا الذي يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاباً لنا نحن المسلمين في هذا العصر، ولربما في عصور آتية أخرى أيضاً؟ مَنْ ذا الذي يجهل هذه الحقيقة؟ أليس هذا الذي يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ينطبق بدقة على هؤلاء الذين يزعمون أنهم يجاهدون، ويزعمون أنهم يزجون أنفسهم في طريق الاستشهاد، ثم إنهم يمارسون بدقة نقيض ما أمر به رسول الله؟ يسيرون بدقة في الطريق المناقض لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حذر المصطفى صلى الله عليه وسلم هؤلاء الناس من ألا يفرقوا أسماء أثناء أعمالهم التي يسمونها جهادية، حذرهم بألا يفرقوا بين برّ وفاجر، بل بروا بأن يكون براً، وإن لم يكن مسلماً. نعم: ﴿لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 60/8] فيصر على أن يفعل نقيض ما أمر به رسول الله، ويصر، على أن يقع فيما قد حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويحذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من عملية لا يتحاشا فيها صاحبها المؤمن من أن يمسه بأذى، ولكنك تنظر فتجد من يقول بلسان حاله: لا بل أنت يا محمد مخطأ، وها أنا سأفعل ما أفعله دون تفريق بين مؤمن وكافر.


ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم محذراً من أن يخون ذا العهد الذي أعطى عهداً من قبل الإسلام مجسداً في المسلمين، يحذر المصطفى صلى الله عليه وسلم المسلم أياً كان من أن يخون ذا العهد، ولا يفي بالعهد الذي بيده، ولكن ألسنة هؤلاء الناس - إن بالقول أو بالحال - تصرّ على أن رسول الله مخطأ، وأنهم هم المصيبون، ولا حرج في أن نمزق العهد الذي أعطي لهؤلاء المعاهدين. ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم - وهو يبالغ في التحذير، ويؤكد في هذا التحذير - قائلاً: فليس مني من فعل هذا، وأصر إصراره على مخالفتي، فليعلم أنه ليس مني. وأظن أن ألسنة حال هؤلاء الناس تقول: وليكن، وليكن أنت بريء منها، ونحن برآء منك.


أيها الإخوة! هل في هذا الذي أقوله مبالغة؟ أليس هذا الذي يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم من مشكاة النبوة دليلٌ على أن قد أطلعه على ما سيجري من بعده من أحداث وملاحم وفتن؟ ثم أليس هذا الذي يقوله المصطفى صلى الله عليه وسلم جزء من تبليغه عن الله؟ أي أليس هذا الذي يحذر منه المصطفى صلى الله عليه وسلم شرعةً أوحى الله عز وجل إليه بها؟ ومن ثم أليس مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفة صريحةً لأمر الله؟ أليس هذه المخالفة مخالفةً لشرع الله وحكمه؟ إذن أي علاقة بقيت لهؤلاء الذين يقومون بأعمالهم الإجرامية التي تتبرأ منها الإنسانية قبل الإسلام؟ أي علاقة بقيت بينهم وبين الله؟ أي علاقة بقيت بينهم وبين نسب موصول إلى رسول الله؟ بل أي علاقة بقيت بينهم وبين أمر الله ونهيه؟


أشهد - أيها الإخوة - إن هؤلاء الذي يلبسون أقنعة الإسلام على وجوههم، ثم يقتحمون هذه العمليات الإجرامية، وقد قنعوا وجوههم بقناع الإسلام، أشهد أن الإسلام بريء منهم، وأنا على يقين أنهم يعلمون ذلك.


ولكن السؤال الملح: كيف يعلمون هذا ثم يضحون بأرواحهم ويقدمون أنفسهم قرابين للشيطان؟ كيف ومتى كان الإنسان يضحي بحياته في سبيل الشيطان؟ أن يضحي بحياته في سبيل الله من أجل الحياة الخالدة هذا شيء معقول ومقبول، ولكن أن يضحي الإنسان بحياته من أجل رضا الشيطان، كيف يتم هذا؟


أقول لكم كيف يتم: هناك أيها الإخوة جمهرة من أعداء دين الله عز وجل منتشرون في بلاد الله الإسلامية، هؤلاء متخصصون نفسياً وفكرياً، ويملكون أدوات روحانيتها ، إلى جانب الأمور الكثيرة التي في حوزتهم، والتي أُعطوا الحق أن يوزعوها بكرم ما مثله كرم من أجل تحقيق خططهم الرامية إلى خنق الإسلام، إلى شنق الإسلام بحبل الإرهاب، حبل الإرهاب الذي يتهم الإسلام به، ثم يجرم به، هذه الرؤوس موجودة في بلادنا العربية والإسلامية، يصطفون من الشباب والناس الذين يرون أنهم فاشلون في حياتهم الدنيوية، يعانون من شقاء، يعانون من ضنك معيشي، يعانون من كآبة، يحتاجون إلى شيء من الرزق، ومستقدمون هؤلاء ويدخلونهم في دورات من غسيل الأدمغة، أجل هذه حقيقة، ثم إنهم بعد ذلك يزرعون في أدمغتهم وهم يظهرون أنفسهم حملة لواء الإسلام، يظهرون من أنفسهم قادة لإعادة حقيقة الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى على النهج الذي كان عليه سلف هذه الأمة، يغرسون في أدمغتهم بعد غسلها الأماني التي يشاؤون، ويصورون لهم أن الوسيلة الوحيدة لإعادة الإسلام إلى شأنه السابق، القضاء على الكفرة وعلى من لف لفهم، وعلى من بسط يده نحوهم، وعلى من تعايش معهم وأكل معهم على خوان واحد، وإذا رأوا أن الأمر يحتاج إلى سد الثغرات المعيشية قدموا لهم المال الوفير، وما أكثر من ضاق بحياته ذرعاً ويبحث عن وسيلة للتخلص من حياته، لكنه يريد أن يطمئن إلى الأسرة التي سيتركها من بعده، ويريد أن يطمئن إلى الزوجة والأولاد، يعمد هؤلاء الذين أحدثكم عنهم فيقدمون لهم الأموال الكافية، لا بل أكثر مما يطلبون، ثم إنهم يصورون لهؤلاء الناس أن هذا الطريق طريق فيه سعادة مزدوجة، وصول إلى الجنة، بعد أن غسلوا أدمغتهم وغرسوها بالباطل الذي غرسوها به، ثم إنهم مطمئنون أيضاً على أسرهم من بعدهم بأن في حوزتهم من المال ما لا تأكله النيران، وهكذا يتم هذا الأمر - أيها الإخوة - وأنا بهذا ضمين، وبهذا زعيم.


ترى، هل هنالك أمثلة تؤكد هذا الذي أؤكده لكم؟ لو كان الوقت متسعاً لذكرت لكم قصصاً تشيب الشباب، بريطانيا - أيها الإخوة - كم وكم جندت رجالاً دربتهم على النطق باللغة العربية نطقاً سليماً، كما أنطق به، دربتهم على صفة المشيخة، دربتهم على السير في خط التصوف، جعلوا من أنفسهم مرشدين، لبسوا العمائم وحملوا المسابح وأطالوا اللحى، والشخصية شخصية بريطانية، جمعوا التلامذة والمريدين من حولهم، ثم إنهم وجهوهم إلى الباطل الشفيع، ولا تزال نتائج وآثار أعمالهم منتشرة في أنحاء بلادنا العربية والإسلامية.


وهذا الذي أقوله لكم ليس قديم العهد، بل الشيوخ ربما يدركون ذلك العهد الذي يوجد فيه أمثال هؤلاء الناس، ولقد كانت بريطانية وما تزال هي الكائن المتخصص بهذا الذي أقوله لكم أيها الإخوة.


فيا أيها الإخوة! كونوا على يقين أن الإسلام اليوم يحاكم من قبل الضغمة الصهيونية ومن لف لفها، ومن سار وراء ركبها، تحاكم ليحكم عليها بالإعدام، والحبل الذي ستشنق فيه الحقيقة الإسلامية في زعمهم إنما هي جعل الإرهاب الذي يتهم به. كيف السبيل إلى ذلك؟ كيف السبيل إلى أن يلصق بالإسلام الإبرام الشنيع التي تتبرم منه الإنسانية؟ سبيل ذلك ما قد سمعتم، مما حصل بالأمس سبيل ذلك، هذا القتل الذي يدور رحاه على البرآء الآمنين باسم الجهاد في العراق وفي غير العراق، ربما هذا الذي أقوله لكم أيها الإخوة إنما هو تفصيل وشرح لكلام ذكره رسول الله، ذكرت لكم بعضاً منه ﴿من خرج من أمتي على أمتي، لا يتحاشا مؤمنها، ولا يفرق بين برها وفاجرها، ولا يفي بذي عهدها، فليس مني﴾


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وأسأل الله أن يوقظ أمتنا إلى الحق، وأن ينبهها إلى المكائد الخطيرة التي تطوف بها. فاستغفروه يغفر لكم.

تحميل



تشغيل

صوتي